بعد مفاجأة رئيس كولومبيا.. هذا ما يقلق إسرائيل من أميركا اللاتينية!
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
في الوقتِ الذي تتوجَّه فيه أنظارُ العالمِ إلى الأوضاعِ في غزَّة ومتابعة جرائم الإبادة التي يقومُ بها الجانبُ الإسرائيليُّ، لا تغفُل عيونُ حكومة نتنياهو عن رصدِ ردودِ أفعالِ الحكومات والشّعوب إزاءَ ما يحدثُ، في كلِّ أصقاع الكوكب، لغرْبلة الحليفِ من العدوّ. وقد مثّلَ موقفُ رئيس كولومبيا غوستافو بيترو المندِّد بجرائمِ الجانب الإسرائيليّ الشبيه بـ “النازية"، حَسَب وصفه، صدمةً للحكومة الإسرائيليَّة، لم يخفّفْ من حدّتها سوى فوزِ حليفِها بانتخاباتِ رئاسة الجارة الإكوادور، وقطع الطّريق أمامَ عودة تيّار الرئيس الأسبقِ رافاييل كورّيا، رفيقِ بيترو وعدوِّ إسرائيلَ اللدود.
كانَ من المنتظر أن يكون موقفُ فنزويلا أو البرازيل أو الأرجنتين الأقوى والأقسى على إسرائيلَ، هذه الأيَّامَ، فيما يتعلّقُ بتصريحاتِ حكومات بلدان أميركا اللاتينيَّة ممّا يجري في غزّة، نظرًا لمعطياتٍ تاريخيّةٍ متعلّقةٍ بتوجّهات حكومات هذه البلدان، لكنْ في الحقيقة، مثّلَ موقفُ الرئيسِ الكولومبيّ مفاجأةً للجميع. فالرجلُ الذي امتنعَ منذ اليوم الأوَّل عن وصف حماس بـ "الإرهابية"، اعتبرَ أنَّ ما تقومُ به إسرائيلُ هو بَرنامج إبادة جماعيَّة مُمنهج لسكّان غزّة، على غرار ما قامَ به النَّازيون ضدَّ اليهود خلال الحرب العالميَّة الثانية. وتسبَّبت تصريحاتُه العديدةُ بشأن تطوُّرات الأحداث، في غضبِ الإدارة الأميركية والخارجيَّة الإسرائيليَّة، إلى حدِّ "توبيخ" السفيرة الكولومبيَّة في تلّ أبيب، وطلب الخارجيَّة الكولومبية، على إثر ذلك، من سفير إسرائيلَ الاعتذارَ ومغادرةَ البلاد، مع تنفيذِ إجراءات عقابيَّة حاسمة من الطرفَين، قد تؤدّي إلى قطع العَلاقات الدبلوماسيّة بينهما، قادمَ الأيام. ولم تأتِ المفاجأةُ من المواقف الأخيرة للرئيس بيترو، وإنّما من التوقيت الذي جاءت فيه هذه المواقفُ والظروف المحليّة التي تمرُّ بها بلادُه وهو اليساري الأوَّل الفائز بالرئاسة منذ أربعةَ عشَرَ شهرًا فقط، في بلدٍ حكمتْه أحزابُ اليمين لمدَّة مائتي سنة دون انقطاعٍ، وفي مجتمع يحتضنُ جاليةً يهوديةً مقتدِرةً ماليًا ومؤثرة إعلاميًا، وداعمةً للصهيونيةّ بلا هوادة.
اشتراكية القرن الجديدعلى صعيدٍ آخرَ، وفي غمرة تصاعد وتشدُّد الموقف الرسميّ الكولومبيّ، كانت الحكومة الإسرائيلية منزعجةً جدًا من احتمالات فوز ممثلة الرئيسِ الأسبق اليساري رافاييل كورّيا في الانتخابات الرئاسيّة المبكّرة في الإكوادور يوم الأحد 15 أكتوبر/ تشرين الأوَّل، على مرشّح اليمين، والحليف الاستراتيجيّ للحكومة الإسرائيليّة دانيال نوبوا، خشيةَ اتحاد الموقفَين: الكولومبي والإكوادوري، وفتح شهيّة باقي حلفاء تيّار "اشتراكية القرن الحادي والعشرين" في المِنطقة، لتكوين جبهةٍ قوية ضدّ البلطجة الإسرائيلية، واستعادة بطولات زعيمِهم الفنزويليّ هوغو تشافيز.
السفيرُ الإسرائيليُّ في الإكوادور كان أوَّل المُهنّئين للرئيس المُنتخب دانيال نوبوا، وهو ما كان متوقعًا، فالرجلُ كان يشيد بعَلاقته العريقة والقويّة بالنظام الإسرائيلي، وكان طَوال حملته الانتخابية يؤكّد على أنَّ أهم حليفَين لحكومته القادمة هما إسرائيل والولايات المتحدة، وقد بادرَ بنشرِ تغريدة مواسية للحكومة والشَّعب الإسرائيليّ، مباشرة على إثر انطلاق "طوفان الأقصى"، يوم السبت قبل الماضي.
في الحقيقة، تبدو إسرائيلُ، وفي إطار سياسة استقطابها حكوماتِ وشعوبَ بلدان أميركا اللاتينية، أنَّها طوَت كابوس اليسار في الإكوادور، منذ انقلاب الرئيس السابق لينين مورينو في 2017، على الزّعيم اليساري كورّيا، الذي رشّحه بنفسِه للرئاسة بعد أن استوفَى فترتَين رئاسيتَين من 2007 إلى 2017، لكنَّ الرئيس السابق مورينو أظهر مخططًا مخالفًا تمامًا لبرنامجه الانتخابيّ، واقتصَّ من رجال حزبه الذي رشّحه، إمّا بالسجن أو بالإقصاء أو بالتصفية القضائية، كما هو حال صاحب الفضل عليه "كورّيا" الذي يقيمُ حاليًا كلاجئٍ في بلجيكا، بسببِ الأحكام القضائيّة الصّادرة ضده. وقد استمرّ الوضعُ على ما هو عليه، في الانتخابات الموالية، في 2021، حيث فازَ مرشّح الرئيس الأسبق كورّيا في الجولة الأولى فوزًا نوعيًّا، لكنَّه انهزمَ في الجولة الثانية أمام المصرفيّ غييرمو لاسو، الرئيس المنتهية صلاحيتُه، بفارق 5 نقاط. لكنَّ المشهد في البرلمان كان لصالح تيَّار الرئيس الأسبق كورّيا.
وبسبب هذا التباين والتصادم الدائم بين السلطة التشريعيّة والتنفيذية، قرَّر الرئيس المنتهية صلاحيتُه لاسو، في مايو/آذار الماضي، حلَّ البرلمان استباقًا لقرار البرلمان عزلَه، واضطرت البلاد لإجراء انتخابات تشريعيّة ورئاسية مؤقّتة، أدَّت نتيجتُها إلى نفس المشهد تقريبًا: برلمان بأكبر كتلة تابعة لتيّار الرئيس الأسبق كورّيا، وفوز مرشّح، دعمه الجميع لدحر ممثلةِ الخَصمِ المشترك، تيّار الرئيس الأسبق كورّيا. وكانت النتيجة كالتالي: 51.85% لصالح المرشّح اليميني دانيال نوبوا، و48.15% لفائدة المرشّحة اليسارية لويزا غونزاليس. وبالتّالي فإنّه من المرجّح أن يستمرَّ الانسدادُ السياسي في هذه الفترة المؤقّتة حتى حلول موعدِ الانتخابات القادمة في فبراير 2025. وسوف يُحدّد أداءُ الرئيس المنتخب نوبوا وحكومته، بشكلٍ كبير إمكانيةَ إعادة انتخابه في المرَّة القادمة، أو استعادة تيَّار الرئيس الأسبق كورّيا مقاليدَ الحكم، نظرًا لتأكُّد تزايد حجم خزّانه الانتخابيّ، الذي يمثل تقريبًا نصف المجتمع، وسط تواصل فشل حكومات خصومه.
تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ الرئيس الأسبق كورّيا عاشَ معاركَ كُبرى مع الإدارة الأميركية، أبرزها طرد القائمة بالأعمال في الإكوادور سنة 2009، وإغلاق القاعدة الأميركية الوحيدة، وقتذاك، إضافةً إلى إيواء جوليان أسانج في السفارة الإكوادوريّة في لندن عام 2012، ومنحه الجنسيةَ الإكوادورية، والتي ألغاها خلفُه الرئيسُ السابق مورينو عام 2019، مقابل صفقة مع الإدارة الأميركية أيامَ حكم الرئيس السابق ترمب. أمّا علاقته بإسرائيل، فقد اتّسمت بالتّشنج، نظرًا لدعمه المطلقِ الشعبَ الفلسطينيَّ، وتأسيسه حقبةً دبلوماسيةً بين البلدَين من خلال فتح سفارة إكوادوريَّة في رام الله، واحتضان نظيرتها في الإكوادور عام 2016، بالتوازي مع العَلاقات الدبلوماسيَّة بين الإكوادور وإسرائيل القائمة منذ 1950.
الكابوس الحقيقيلعلّه من المهمّ الإشارة إلى أنَّ إسرائيلَ تتعاملُ مع بلدان أميركا اللاتينيَّة على أساس الدعم غير القابلِ للزعزعة، وذلك منذ تصويت حكوماتِها سنة 1947، لصالح القرار رقْم 181 للجمعيّة العامة للأمم المتحدة، المعروف بخُطّة تقسيم فلسطين، والذي وافقت عليه 13 دولة لاتينية من إجمالي 33.
وبناءً على هذه النُّصرة التاريخية، عزَّزت إسرائيلُ مع الوقت استثماراتِها في هذه البلدان، وضاعفت برامجَ مساعداتها الاجتماعية، القائمة على تقديم المِنح الجامعية للمتفوُّقين والفقراء، والتبرُّع بإجراء العمليات الجراحية للمرضى، خاصةً في طبّ العيون، ودعم المشاريع الصُّغرى لدى الفئات الاجتماعيَّة المحدودة الدخل، وأصبح المنتفعون بهذا الدعمِ، لا يقبلون أيَّ رواية يمكن أن تخالفَ ما تقدّمه السفاراتُ الإسرائيلية، عن سُمعة بلدها. وبالتالي، فإنَّ الحديث عن أنَّ إسرائيل هي كِيانٌ استعماري مثلًا، لا يمكن أن يُسمع لدى أغلب هذا الرأي العام، سوى على أنّه ضربٌ من المغالطات التي تسعى لدحض حقِّ إسرائيل في الدفاع عن نفسِها من "العرب الهمج الإرهابيّين".
ولهذه الأسباب وغيرها، يمثّلُ صعود الحركات اليساريَّة في المِنطقة كابوسًا حقيقيًا، يهدِّد مصداقية الرواية التي حرصت إسرائيلُ على نشرِها عقودًا، لسكّان أميركا اللاتينيَّة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی الإکوادور ة الإسرائیلی
إقرأ أيضاً:
الكشف عن ملايين السجلات المتعلقة باغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع السرية عن ملفات اغتيالات عديدة ظلت طي الكتمان، أبرزها السجلات المتعلقة باغتيال الرئيس الأسبق جون كينيدي، والسيناتور روبرت فرانسيس كينيدي، والقس مارتن لوثر كينج، في خطوة أعلنها «ترامب»، أثناء ترشحه للانتخابات الأمريكية، حسبما ذكرت الجارديان البريطانية
وكشف البيت الأبيض، عن طبيعة قرار الرئيس الأمريكي، قائلا إن الأمر التنفيذي ينص على سياسة مفادها أنه بعد مرور أكثر من 50 عامًا على هذه الاغتيالات، فإن أسر الضحايا والشعب الأمريكي يستحقون معرفة الحقيقة.
ما هي خطة الكشف عن السجلات؟ووجه «ترامب» لمدير الاستخبارات الأمريكية وغيره من المسؤولين المعنيين إلى تقديم خطة خلال 15 يومًا للإفراج الكامل والشامل عن جميع سجلات اغتيال جون كينيدي؛ مراجعة السجلات المتعلقة باغتيال روبرت كينيدي ومارتن لوثر كينج على الفور وتقديم خطة للإفراج عنها بشكل كامل وشامل خلال 45 يومًا.
وكان الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن أرجأ الإفصاح عن السجلات السرية في الأعوام 2021 و2022 و2023، لكن دونالد ترامب يرى أن الاستمرار في حجب سجلات الرئيس كينيدي ليس في المصلحة العامة وكان يجب الكشف عنها منذ فترة طويلة.
لم يتم الكشف بعد عن السرية الكاملة إلا لقليل من السجلات الحكومية المتعلقة باغتيال جون كينيدي، ورغم أن العديد من المطلعين قالوا إن السجلات لم تكشف عن مفاجآت، إلا أن هناك اهتمامًا شديدًا بالتفاصيل المتعلقة بالاغتيال والأحداث المحيطة به.
اغتيال جون كينيديوقُتل «كينيدي» برصاصة في وسط مدينة دالاس في الثاني والعشرين من نوفمبر عام 1963 أثناء مرور موكبه أمام مبنى مستودع الكتب المدرسية في تكساس، حيث تمركز القاتل، واسمه لي هارفي أوزوالد، البالغ من العمر 24 عامًا في مكان مخصص للقناصين في الطابق السادس، وبعد يومين من مقتل كينيدي، أطلق مالك مقهى يدعى جاك روبي، النار على «أوزوالد» أثناء نقله إلى السجن.
وفي أوائل تسعينيات القرن العشرين، أصدرت الحكومة الفيدرالية قرارًا يقضي بحفظ جميع الوثائق المتعلقة بالاغتيالات في مجموعة واحدة داخل إدارة الأرشيف والسجلات الوطنية.
وكان من المقرر فتح المجموعة التي تضم أكثر من 5 ملايين سجل بحلول عام 2017، ما لم تكن هناك أي استثناءات يعينها الرئيس الأمريكي.