عربي21:
2025-01-03@10:05:01 GMT

إسرائيل.. تتأخّر لتعويض ما لا يمكن تعويضه!

تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT

بدأتُ بكتابة هذه المقالة في مطالع اليوم الحادي عشر لعملية "طوفان الأقصى". في العادة كان عدوان الاحتلال على غزّة ينقضي بعد عشرة أيام، أو تكون الخطوة التالية هي "وقف إطلاق النار"، لكن الحاصل هذه المرّة أنّ العدوان في بدايته، ليس فقط لأنّ الأيام العشرة الماضية لم تكن كافية ليقضي شهوة الانتقام، أو ليرمّم هيبة جيشه بإلقاء كلّ ما لديه من مقذوفات على المكان الأكثر اكتظاظا في العالم في المساحة الأصغر، كلّ ما لديه، لأنّ ما لديه نفد فزودته أمريكا بالمزيد، ليس لأجلّ ذلك فحسب هو يقف في البداية، ولكن لأنّه في وضع غير معتاد عليه، في وضع يُبشّر بقتال حقيقيّ، يتجنّبه منذ عدوانه في العام 2014، ويتنافر مع الوضع الذي تحوّل إليه، من الجيش الذي يُبادر إلى الزحف والقتال إلى الجيش المحتمي بالمجسّات والتكنولوجيا الفائقة!

أخطر ما في "إسرائيل" الآن جرحها.

. هذا الجرح المتسع على قدر الضربة التي تلقّتها فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هو الذي صعد بالقلق إلى ذروته من خطوتها التالية حين إدراكها لمعنى ما وقع عليها ذلك الفجر، لكنّها الآن، وهي تئنّ هيبتَها وصورتَها وتنزف صراخَ الفزع الوجودي، لم تنتقل بعد إلى الحرب البرّية في هياجها الانتقامي، الذي لا بدّ منه، لا بدّ منه مرّة أخرى، بسبب ما تلقّته ومعنى ما تلقّته، لا باندفاع من إرادة أصيلة لا تخشى القتال!

لا يكاد يملك الطرف الآخر إلا البنادق، وما سوى ذلك أسلحة من قذائف مضادة للدروع، وعبوات متفجّرة، يصنعها بنفسه في قلب الحصار المطبق، إذن ما هذه الحرب البرّية في هذه المساحة وبهذا الفارق غير القابل لقياس القوّة أصلا؟!
هذا الموقف الغريب من الهياج داخل الزاوية، زاوية الحسابات الدقيقة، والخيارات التي تتنازعها إرادة الانتقام والخشية من الانتقام نفسه، تتنازعها ضرورة الانتقام وضعف الإرادة السابقة على داعي الانتقام، هو غريب من جهة أخرى، وهي جهة الحرب البرّية نفسها على قطاع غزّة، وجهة أن تسمّي "إسرائيل" ما كانت تسمّيه "عملية" أو "حملة" حربا هذه المرّة؛ لأوّل مرّة منذ حرب تشرين/ أكتوبر 1973. فذلك العمق الجغرافي لـ"إسرائيل" كلّه والممتدّ على جبهتين في جنوبها وشمالها، بحيث تصير هي كلّها فيه، وسوريا ومصر، وبين جيوش دول، لا مثيل له الآن، فما ينبغي أن يكون جولة سهلة في هذه الـ365 كيلو مترا مربعا لهذه المساحة المسمّاة قطاع غزّة، يصير "حربا برّيّة"، حربا المدرّعاتُ فيها المستظلّة بالطائرات الخارقة لا يملكها إلا طرف واحد. لا يكاد يملك الطرف الآخر إلا البنادق، وما سوى ذلك أسلحة من قذائف مضادة للدروع، وعبوات متفجّرة، يصنعها بنفسه في قلب الحصار المطبق، إذن ما هذه الحرب البرّية في هذه المساحة وبهذا الفارق غير القابل لقياس القوّة أصلا؟!

تبدو القصّة غير قابلة للتصديق، لكنّها حقيقية بالفعل، لأنّ الإرادة هي التي صنعت الفارق وقلّصت المسافة، التي يُفترض أنّها غير قابلة بدورها للتقليص. والإرادة، والحالة هذه، لا تعود شعارا تحفيزيّا، ولكنّها واقع يحمل "إسرائيل" على تسمية ما كان يوما جولة ساعات على الأكثر، حربا، في تلك المساحة المستعصية على التحديد على الخريطة، وضدّ من لا يملك مسمارا في دبّابة، ليصير القتال بين الإرادة، الإرادة التي رسمت هذه الصورة الأسطورية الحقيقية جدّا، وبين كتلة القوّة المرتصّة من الطائرات والدبابات والصواريخ ومئات آلاف الجنود، ومن خلف ذلك العالم الغربي كلّه، الزاحف بالبوارج وحاملات الطائرات.

لم يكن لهذا الموقف الغريب التشكّل، لولا إدراك المقاومة في غزّة لـ"إسرائيل" على ما باتت عليه، لكن ما باتت عليه "إسرائيل" ساهمت هذه المقاومة في صنعه، ومن ثمّ صار لا بدّ من الاستثمار فيه، في لحظة سُمّيت بالانسداد التاريخي، أي أن الاستحالة قد انغلقت على الممكنات النضالية للفلسطينيين، إلا أنّ ما كانت تراه كتائب القسام غير ذلك، بإدراكها ما باتت عليه "إسرائيل"، وهو ما احتاج عملية فائقة في شكلها ومعناها، لتحقيق الخلخلة اللازمة فيما يبدو انسدادا تاريخيّا
وينغي أن يكون حاضرا دائما أن ذلك كلّه يتأهّب لدخول غزّة، بمساحتها تلك التي لا تكاد تُذكر، وبالقوات تلك التي تتأهّب فيها بالإرادة فحسب، ليكون المعنى شديد الحدّة والكثافة، إذ هذا الموقف في وضع آخر أقرب إلى الكوميديا السوداء، أو العبثية الخالصة. في وضع آخر، لو تحصّل فيه موقف بهذا النحو، سيبدو العالم قد فقد عقله، ولكن العالم، وفيه "إسرائيل" وأمريكا وهذه الدول المرتجفة من إصبع التهديد الأمريكي، مفرطة في عقلانيتها، إلى درجة ارتسام هذا الموقف الغريب جدّا، والواقعي جدّا!

لم يكن لهذا الموقف الغريب التشكّل، لولا إدراك المقاومة في غزّة لـ"إسرائيل" على ما باتت عليه، لكن ما باتت عليه "إسرائيل" ساهمت هذه المقاومة في صنعه، ومن ثمّ صار لا بدّ من الاستثمار فيه، في لحظة سُمّيت بالانسداد التاريخي، أي أن الاستحالة قد انغلقت على الممكنات النضالية للفلسطينيين، إلا أنّ ما كانت تراه كتائب القسام غير ذلك، بإدراكها ما باتت عليه "إسرائيل"، وهو ما احتاج عملية فائقة في شكلها ومعناها، لتحقيق الخلخلة اللازمة فيما يبدو انسدادا تاريخيّا. وهذا النوع من التفكير يحتاج جرأة، لا تتوفّر إلا على قاعدة من الإيمان، الذي بدوره ارتفعت عليه الإرادة، هذه الإرادة الآن تحتاج "إسرائيل" تقليص الفجوة نحوها بفائض القوّة.

هذا التأخير الكبير الحاصل قبل الذهاب إلى "الحرب البرّية"، هو تعبير عن هذه المعضلة الإسرائيلية، معضلة أنّ المقاتل المحاصر في البيئة الضيقة المكشوفة بات قادرا على مفاجأة القوّة المدجّجة بالدبابة والطائرة والبارجة، وإيقاع الهزيمة المحقّقة بها، كما حصل فجر السابع من تشرين/ أكتوبر، ومن ثمّ تعلم دولة الميركافاه أنّ ما ينتظرها داخل غزّة أصعب، وهذه الدولة، بالرغم من غطرستها وكونها جيبا للإمبراطورية الأمريكية وبالرغم من دلالها على العالم، تعلم أنّ العالم يتغيّر ولن يسير بالضرورة على هوى دلالها، وأنّ هذا المقاتل المسلّح بالإرادة من أهمّ من يغيّر في هذا العالم، ولذلك فإنّها لم تتمكن من تحديد أهدافها وصياغة خطّتها المفصّلة للحرب البرّية، ولتبدو أهدافها أوّل الأمر ترهيبية مرتفعة جدّا، مؤسّسة على وجوب ترميم الصورة والإحساس بأن ما كانت تخشى من خسارته قد خسرته أصلا فجر السابع من تشرين/ أكتوبر، ثمّ لتؤول تالي الأمر إلى البحث في أهداف أكثر قابلية للتحقّق وبأقلّ قدر ممكن من الخسائر لتعود بصورة انتصار ما.

تبحث "إسرائيل" ومعها أمريكا عن الشروط الممكنة لعملية برّية تحقّق صورة الانتصار بأقلّ كلفة ممكنة، وما هو واضح أنه دخول متدحرج يسعى (ويا للمفارقة) إلى تقليص الفجوة، الفجوة مع المقاتل الذي لا يكاد يملك شيئا، تقليص الفجوة بمضاعفة الاستناد للقوّة، قوّة رصّ الدبابات والجنود على الأرض المحروقة، لتقليص الفجوة مع إرادة المقاتل الفلسطيني!
هذا التردّد داخل الزاوية كاشف عن مفارقة أخرى، فالدافع للانتقام هو الكابح للانتقام، فـ"طوفان الأقصى" الذي فتق جرح الكبرياء الإسرائيلي بحيث لم يبق أمام الإسرائيلي مناص من "إعلان الحرب"، فرض عطلا عملياتيّا بتدمير فرقة غزّة في الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن العمليات الحربيّة ضدّ غزّة، وأنذر، لا بالصوت العالي ولكن بالفعل المحقّق، أن من تجرأ بضخّ الطوفان مستعد لما بعده، لكن يبقى الجرح مضطرا للدواء، الذي هو الانتقام وصورة النصر، فما العمل؟!

بالضرورة، تأخّرت "الحرب البرّيّة"، لذلك كلّه، ولأنّه صار لا بدّ من خطّة يطالب بها الأمريكي الذي لا بدّ وأنّه حريص أيضا على أن يمسح عار الهزيمة الإسرائيلي، ثمّ لأنّ التدافع في العالم لازم للوجود البشري بما لا يمكن للغطرسة الإسرائيلية نفيه، وبالإضافة إلى الأسباب السياسية والعملياتية، تبحث "إسرائيل" ومعها أمريكا عن الشروط الممكنة لعملية برّية تحقّق صورة الانتصار بأقلّ كلفة ممكنة، وما هو واضح أنه دخول متدحرج يسعى (ويا للمفارقة) إلى تقليص الفجوة، الفجوة مع المقاتل الذي لا يكاد يملك شيئا، تقليص الفجوة بمضاعفة الاستناد للقوّة، قوّة رصّ الدبابات والجنود على الأرض المحروقة، لتقليص الفجوة مع إرادة المقاتل الفلسطيني!

"إسرائيل" إذن تتأخر، لتعويض ما لا يمكن تعويضه، وهذا في حدّ ذاته يعني أنّها بوصفها قوّة لا تقهر قد انتهت.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل المقاومة إسرائيل غزة المقاومة طوفان الاقصي السيوف الحديدية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة فی ما کانت الذی لا فی وضع القو ة

إقرأ أيضاً:

أسير بولندي: كييف تجند المرتزقة الأجانب بشكل عشوائي لتعويض خسائرها

كشف مرتزق بولندي وقع في قبضة الجيش الروسي عن أن القوات الأوكرانية تقوم بتجنيد الأجانب في صفوفها بشكل عشوائي لتعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي تعرضت لها، وأوضح الأسير أن كييف أطلقت موقعًا إلكترونيًا خاصًا لتسهيل عملية التجنيد، حيث يمكن لأي شخص إرسال رسالة وانتظار الرد للانضمام. 

 

وقال المرتزق إن "أوكرانيا تعاني من نقص حاد في عدد جنودها، وصارت تجند الجميع بلا استثناء"، ما يشير إلى حجم الأزمة التي تواجهها القوات الأوكرانية في الحرب الدائرة مع روسيا. 

 

في السياق ذاته، أكدت وزارة الدفاع الروسية أن نظام كييف يستخدم المرتزقة الأجانب كـ"وقود للمدافع"، مشيرة إلى أن الجيش الروسي يواصل عمليات القضاء عليهم في مختلف أنحاء أوكرانيا، وحذرت الوزارة من الانضمام إلى صفوف القوات الأوكرانية، واصفة الوضع بأنه خطر للغاية. 

 

وأفادت اعترافات العديد من المرتزقة الأسرى بأن الجيش الأوكراني لا يوفر تنسيقًا كافيًا لأعمالهم في الميدان، ما يجعل فرص نجاتهم في المعارك شبه معدومة، وأضافوا أن هذه المواجهات تختلف جذريًا عن المعارك التي اعتادوا عليها في أفغانستان والشرق الأوسط، سواء من حيث التكتيكات أو خطورة الموقف. 

 

وتأتي هذه التقارير في وقت تشتد فيه المعارك في أوكرانيا، وسط تصعيد مستمر بين القوات الأوكرانية والروسية، ما يثير تساؤلات حول مصير الحرب ودور المرتزقة فيها.

 

أردوغان يخطط لتعديلات وزارية مرتقبة في فبراير المقبل 

 

أفادت صحيفة "Türkiye" التركية، نقلًا عن مصادرها، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخطط لإجراء تعديلات وزارية في حكومته خلال شهر فبراير المقبل، ومن المتوقع أن تشمل التعديلات تغيير ما لا يقل عن 5 إلى 6 وزراء، مع الإبقاء على بعض المناصب الوزارية دون تغيير. 

 

وذكرت الصحيفة أن نائب الرئيس جودت يلماز، ووزير المالية والخزانة محمد شيمشك، ووزير الخارجية هاكان فيدان، ووزير البيئة مراد كوروم، ووزير الدفاع يشار غولر سيستمرون في مناصبهم. 

 

إلى جانب ذلك، أشارت الصحيفة إلى أنه من المتوقع أيضًا أن تطرأ تغييرات في هيكلية حزب العدالة والتنمية الحاكم، خاصة في المقر الرئيسي للحزب وإدارات الحكومة المحلية، مما يعكس تحركات أردوغان لإعادة هيكلة فريقه السياسي والإداري. 

 

كما تطرقت الصحيفة إلى الانتخابات المرتقبة لرئاسة الجمعية الوطنية الكبرى (البرلمان) في تركيا، والتي ستُعقد في شهر يونيو المقبل، وأوضحت أن هذه الانتخابات تُجرى مرتين خلال الفصل التشريعي الواحد، ما يجعلها خطوة مهمة في المشهد السياسي التركي. 

 

وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه تركيا تحولات سياسية واقتصادية، حيث يسعى أردوغان إلى تعزيز فريقه الوزاري لمواجهة التحديات المقبلة، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والضغوط الداخلية والخارجية.

 

تقارير بريطانية: محاولة اغتيال لبشار الأسد في روسيا باستخدام مادة سامة 

 

كشفت صحيفة "ذا صن" البريطانية عن تعرض الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد لمحاولة اغتيال أثناء وجوده في روسيا يوم الأحد الماضي، ووفقًا للتقرير، أظهرت التحاليل الطبية وجود مادة سامة في جسده، مما استدعى تدخلاً سريعًا لعلاجه داخل شقته. 

 

وأوضحت الصحيفة أن حالة الأسد الصحية استقرت بعد تلقي العلاج، دون تقديم مزيد من التفاصيل حول مصدر المادة السامة أو الجهة التي قد تكون وراء محاولة الاغتيال. 

 

ويُذكر أن بشار الأسد يُقيم في روسيا منذ فترة بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا وتزايد العزلة الدولية حول نظامه، وتأتي هذه الحادثة وسط حالة من التوترات السياسية الإقليمية والدولية التي تحيط بالملف السوري. 

 

حتى الآن، لم تصدر أي تأكيدات رسمية من الجانب السوري أو الروسي حول صحة هذه التقارير، ما يثير تساؤلات حول الملابسات الدقيقة للحادث، ويبقى هذا التطور محط أنظار المراقبين في ظل الغموض الذي يكتنف الوضع السياسي المتعلق بمستقبل الأسد. 

مقالات مشابهة

  • بطيء المشية.. أعجوبة الخلق الذي لا يمكن تدميره حتى بالإشعاع
  • هل تتعاون الصين سراً مع الحوثيين؟ وما المقابل الذي تحصل عليه؟ الإستخبارات الأمريكية تكشف معلومات خطيرة
  • إسرائيل ثالث أكبر سجن للصحافيين في العالم
  • أسير بولندي: كييف تجند المرتزقة الأجانب بشكل عشوائي لتعويض خسائرها
  • نجم ريال مدريد مطلوب لتعويض ساكا في آرسنال
  • المنجم الذي تنبأ بانفجار مرفأ بيروت يعود مجدداّ ليتوقع : حماس ستوفق برأس إسرائيل ” ضخم ” وهذا ماسيحدث لليمن ولكل الدول العربية
  • الكشف عن قيمة الدعم المالي الهائل الذي قدمته أمريكا لـ إسرائيل منذ 7 أكتوبر .. أرقام صادمة وشراكة في الإبادة
  • صحيفة بريطانية.. إسرائيل تستعد للدخول “بالكامل” في حرب ضد الحوثيين
  • إسرائيل تفرض ضرائب جديدة لتعويض نفقات الحرب
  • إسرائيل تسعى لتعويض نفقات الحرب بفرض ضرائب جديدة