عربي21:
2024-10-01@23:00:36 GMT

إسرائيل.. تتأخّر لتعويض ما لا يمكن تعويضه!

تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT

بدأتُ بكتابة هذه المقالة في مطالع اليوم الحادي عشر لعملية "طوفان الأقصى". في العادة كان عدوان الاحتلال على غزّة ينقضي بعد عشرة أيام، أو تكون الخطوة التالية هي "وقف إطلاق النار"، لكن الحاصل هذه المرّة أنّ العدوان في بدايته، ليس فقط لأنّ الأيام العشرة الماضية لم تكن كافية ليقضي شهوة الانتقام، أو ليرمّم هيبة جيشه بإلقاء كلّ ما لديه من مقذوفات على المكان الأكثر اكتظاظا في العالم في المساحة الأصغر، كلّ ما لديه، لأنّ ما لديه نفد فزودته أمريكا بالمزيد، ليس لأجلّ ذلك فحسب هو يقف في البداية، ولكن لأنّه في وضع غير معتاد عليه، في وضع يُبشّر بقتال حقيقيّ، يتجنّبه منذ عدوانه في العام 2014، ويتنافر مع الوضع الذي تحوّل إليه، من الجيش الذي يُبادر إلى الزحف والقتال إلى الجيش المحتمي بالمجسّات والتكنولوجيا الفائقة!

أخطر ما في "إسرائيل" الآن جرحها.

. هذا الجرح المتسع على قدر الضربة التي تلقّتها فجر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، هو الذي صعد بالقلق إلى ذروته من خطوتها التالية حين إدراكها لمعنى ما وقع عليها ذلك الفجر، لكنّها الآن، وهي تئنّ هيبتَها وصورتَها وتنزف صراخَ الفزع الوجودي، لم تنتقل بعد إلى الحرب البرّية في هياجها الانتقامي، الذي لا بدّ منه، لا بدّ منه مرّة أخرى، بسبب ما تلقّته ومعنى ما تلقّته، لا باندفاع من إرادة أصيلة لا تخشى القتال!

لا يكاد يملك الطرف الآخر إلا البنادق، وما سوى ذلك أسلحة من قذائف مضادة للدروع، وعبوات متفجّرة، يصنعها بنفسه في قلب الحصار المطبق، إذن ما هذه الحرب البرّية في هذه المساحة وبهذا الفارق غير القابل لقياس القوّة أصلا؟!
هذا الموقف الغريب من الهياج داخل الزاوية، زاوية الحسابات الدقيقة، والخيارات التي تتنازعها إرادة الانتقام والخشية من الانتقام نفسه، تتنازعها ضرورة الانتقام وضعف الإرادة السابقة على داعي الانتقام، هو غريب من جهة أخرى، وهي جهة الحرب البرّية نفسها على قطاع غزّة، وجهة أن تسمّي "إسرائيل" ما كانت تسمّيه "عملية" أو "حملة" حربا هذه المرّة؛ لأوّل مرّة منذ حرب تشرين/ أكتوبر 1973. فذلك العمق الجغرافي لـ"إسرائيل" كلّه والممتدّ على جبهتين في جنوبها وشمالها، بحيث تصير هي كلّها فيه، وسوريا ومصر، وبين جيوش دول، لا مثيل له الآن، فما ينبغي أن يكون جولة سهلة في هذه الـ365 كيلو مترا مربعا لهذه المساحة المسمّاة قطاع غزّة، يصير "حربا برّيّة"، حربا المدرّعاتُ فيها المستظلّة بالطائرات الخارقة لا يملكها إلا طرف واحد. لا يكاد يملك الطرف الآخر إلا البنادق، وما سوى ذلك أسلحة من قذائف مضادة للدروع، وعبوات متفجّرة، يصنعها بنفسه في قلب الحصار المطبق، إذن ما هذه الحرب البرّية في هذه المساحة وبهذا الفارق غير القابل لقياس القوّة أصلا؟!

تبدو القصّة غير قابلة للتصديق، لكنّها حقيقية بالفعل، لأنّ الإرادة هي التي صنعت الفارق وقلّصت المسافة، التي يُفترض أنّها غير قابلة بدورها للتقليص. والإرادة، والحالة هذه، لا تعود شعارا تحفيزيّا، ولكنّها واقع يحمل "إسرائيل" على تسمية ما كان يوما جولة ساعات على الأكثر، حربا، في تلك المساحة المستعصية على التحديد على الخريطة، وضدّ من لا يملك مسمارا في دبّابة، ليصير القتال بين الإرادة، الإرادة التي رسمت هذه الصورة الأسطورية الحقيقية جدّا، وبين كتلة القوّة المرتصّة من الطائرات والدبابات والصواريخ ومئات آلاف الجنود، ومن خلف ذلك العالم الغربي كلّه، الزاحف بالبوارج وحاملات الطائرات.

لم يكن لهذا الموقف الغريب التشكّل، لولا إدراك المقاومة في غزّة لـ"إسرائيل" على ما باتت عليه، لكن ما باتت عليه "إسرائيل" ساهمت هذه المقاومة في صنعه، ومن ثمّ صار لا بدّ من الاستثمار فيه، في لحظة سُمّيت بالانسداد التاريخي، أي أن الاستحالة قد انغلقت على الممكنات النضالية للفلسطينيين، إلا أنّ ما كانت تراه كتائب القسام غير ذلك، بإدراكها ما باتت عليه "إسرائيل"، وهو ما احتاج عملية فائقة في شكلها ومعناها، لتحقيق الخلخلة اللازمة فيما يبدو انسدادا تاريخيّا
وينغي أن يكون حاضرا دائما أن ذلك كلّه يتأهّب لدخول غزّة، بمساحتها تلك التي لا تكاد تُذكر، وبالقوات تلك التي تتأهّب فيها بالإرادة فحسب، ليكون المعنى شديد الحدّة والكثافة، إذ هذا الموقف في وضع آخر أقرب إلى الكوميديا السوداء، أو العبثية الخالصة. في وضع آخر، لو تحصّل فيه موقف بهذا النحو، سيبدو العالم قد فقد عقله، ولكن العالم، وفيه "إسرائيل" وأمريكا وهذه الدول المرتجفة من إصبع التهديد الأمريكي، مفرطة في عقلانيتها، إلى درجة ارتسام هذا الموقف الغريب جدّا، والواقعي جدّا!

لم يكن لهذا الموقف الغريب التشكّل، لولا إدراك المقاومة في غزّة لـ"إسرائيل" على ما باتت عليه، لكن ما باتت عليه "إسرائيل" ساهمت هذه المقاومة في صنعه، ومن ثمّ صار لا بدّ من الاستثمار فيه، في لحظة سُمّيت بالانسداد التاريخي، أي أن الاستحالة قد انغلقت على الممكنات النضالية للفلسطينيين، إلا أنّ ما كانت تراه كتائب القسام غير ذلك، بإدراكها ما باتت عليه "إسرائيل"، وهو ما احتاج عملية فائقة في شكلها ومعناها، لتحقيق الخلخلة اللازمة فيما يبدو انسدادا تاريخيّا. وهذا النوع من التفكير يحتاج جرأة، لا تتوفّر إلا على قاعدة من الإيمان، الذي بدوره ارتفعت عليه الإرادة، هذه الإرادة الآن تحتاج "إسرائيل" تقليص الفجوة نحوها بفائض القوّة.

هذا التأخير الكبير الحاصل قبل الذهاب إلى "الحرب البرّية"، هو تعبير عن هذه المعضلة الإسرائيلية، معضلة أنّ المقاتل المحاصر في البيئة الضيقة المكشوفة بات قادرا على مفاجأة القوّة المدجّجة بالدبابة والطائرة والبارجة، وإيقاع الهزيمة المحقّقة بها، كما حصل فجر السابع من تشرين/ أكتوبر، ومن ثمّ تعلم دولة الميركافاه أنّ ما ينتظرها داخل غزّة أصعب، وهذه الدولة، بالرغم من غطرستها وكونها جيبا للإمبراطورية الأمريكية وبالرغم من دلالها على العالم، تعلم أنّ العالم يتغيّر ولن يسير بالضرورة على هوى دلالها، وأنّ هذا المقاتل المسلّح بالإرادة من أهمّ من يغيّر في هذا العالم، ولذلك فإنّها لم تتمكن من تحديد أهدافها وصياغة خطّتها المفصّلة للحرب البرّية، ولتبدو أهدافها أوّل الأمر ترهيبية مرتفعة جدّا، مؤسّسة على وجوب ترميم الصورة والإحساس بأن ما كانت تخشى من خسارته قد خسرته أصلا فجر السابع من تشرين/ أكتوبر، ثمّ لتؤول تالي الأمر إلى البحث في أهداف أكثر قابلية للتحقّق وبأقلّ قدر ممكن من الخسائر لتعود بصورة انتصار ما.

تبحث "إسرائيل" ومعها أمريكا عن الشروط الممكنة لعملية برّية تحقّق صورة الانتصار بأقلّ كلفة ممكنة، وما هو واضح أنه دخول متدحرج يسعى (ويا للمفارقة) إلى تقليص الفجوة، الفجوة مع المقاتل الذي لا يكاد يملك شيئا، تقليص الفجوة بمضاعفة الاستناد للقوّة، قوّة رصّ الدبابات والجنود على الأرض المحروقة، لتقليص الفجوة مع إرادة المقاتل الفلسطيني!
هذا التردّد داخل الزاوية كاشف عن مفارقة أخرى، فالدافع للانتقام هو الكابح للانتقام، فـ"طوفان الأقصى" الذي فتق جرح الكبرياء الإسرائيلي بحيث لم يبق أمام الإسرائيلي مناص من "إعلان الحرب"، فرض عطلا عملياتيّا بتدمير فرقة غزّة في الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن العمليات الحربيّة ضدّ غزّة، وأنذر، لا بالصوت العالي ولكن بالفعل المحقّق، أن من تجرأ بضخّ الطوفان مستعد لما بعده، لكن يبقى الجرح مضطرا للدواء، الذي هو الانتقام وصورة النصر، فما العمل؟!

بالضرورة، تأخّرت "الحرب البرّيّة"، لذلك كلّه، ولأنّه صار لا بدّ من خطّة يطالب بها الأمريكي الذي لا بدّ وأنّه حريص أيضا على أن يمسح عار الهزيمة الإسرائيلي، ثمّ لأنّ التدافع في العالم لازم للوجود البشري بما لا يمكن للغطرسة الإسرائيلية نفيه، وبالإضافة إلى الأسباب السياسية والعملياتية، تبحث "إسرائيل" ومعها أمريكا عن الشروط الممكنة لعملية برّية تحقّق صورة الانتصار بأقلّ كلفة ممكنة، وما هو واضح أنه دخول متدحرج يسعى (ويا للمفارقة) إلى تقليص الفجوة، الفجوة مع المقاتل الذي لا يكاد يملك شيئا، تقليص الفجوة بمضاعفة الاستناد للقوّة، قوّة رصّ الدبابات والجنود على الأرض المحروقة، لتقليص الفجوة مع إرادة المقاتل الفلسطيني!

"إسرائيل" إذن تتأخر، لتعويض ما لا يمكن تعويضه، وهذا في حدّ ذاته يعني أنّها بوصفها قوّة لا تقهر قد انتهت.

twitter.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل المقاومة إسرائيل غزة المقاومة طوفان الاقصي السيوف الحديدية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة فی ما کانت الذی لا فی وضع القو ة

إقرأ أيضاً:

من يكون حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي اغتالته إسرائيل باستخدام 85 طنا من القنابل؟

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي رسميا، صباح السبت، تمكنه من “القضاء” على الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، في غارة جوية على العاصمة اللبنانية بيروت.

فمن هو نصر الله؟

حسن نصر الله، ولد في 31 غشت 1960 في بلدة البازورية بقضاء صور جنوب لبنان.

تزوج من فاطمة ياسين ولهما خمسة أبناء: هادي، زينب، محمد جواد، محمد مهدي، ومحمد علي.

ابنه الأكبر، هادي، قُتل في مواجهات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي جنوب لبنان عام 1997.

تلقى نصر الله تعليما دينيا في مراكز وحوزات شيعية في لبنان والعراق وإيران. انضم إلى “حركة أمل” خلال دراسته الثانوية، وتدرج بالمناصب حتى أصبح عضوا في المكتب السياسي للحركة عام 1979.

في عام 1982، انسحب من حركة أمل مع عدد من المسؤولين إثر خلافات حول كيفية مواجهة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وانضم لـ”حزب الله” الذي تأسس في العام نفسه، وتولى مسؤولية تعبئة المقاومين في منطقة البقاع (شرق).

في عام 1985، انتقل إلى بيروت حيث تولى منصب نائب مسؤول المنطقة، ثم أصبح المسؤول التنفيذي العام المكلف بتطبيق قرارات مجلس الشورى.

تولى نصر الله منصب الأمين العام لحزب الله في 16 فبراير/ شباط 1992، بعد اغتيال سلفه عباس الموسوي في هجوم إسرائيلي.

منذ توليه القيادة، قاد نصر الله الحزب في سلسلة من العمليات النوعية ضد إسرائيل، أبرزها أدى إلى انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلية من جنوب لبنان في عام 2000 بعد احتلال دام 22 عاما.

في عام 2004، لعب نصر الله دورا محوريا في أكبر صفقة تبادل أسرى بين حزب الله وإسرائيل، شملت إطلاق مئات الأسرى اللبنانيين والعرب.

نال نصر الله لقب “سيد المقاومة” محليا نظرا لدور الحزب في تحرير جنوب لبنان عام 2000، ومواجهته لإسرائيل في حرب “تموز” عام 2006.

خطبه الحماسية وتنفيذ وعوده بشن هجمات ضد إسرائيل ردا على اعتداءاتها المتكررة ضد الفلسطينيين ساعدا في تعزيز شعبيته، خاصة في العالمين العربي والإسلامي.

إلا أن تلك الشعبية شهدت تراجعا ملحوظا بعد انحياز حزب الله للنظام السوري ضد المعارضة خلال الثورة السورية في 2011.

عاد اسمه إلى واجهة الأحداث مع عملية “طوفان الأقصى” التي شنتها فصائل فلسطينية، بينها حماس والجهاد الإسلامي، على مستوطنات غلاف غزة في فجر السابع من أكتوبر 2023، والتي تلاها حرب إسرائيلية على قطاع غزة تقترب من دخول عامها الأول ما أسفر عن استشهاد وإصابة أكثر من 137 ألف فلسطيني.

فقد أعلن نصر الله عن فتح “جبهة في جنوب لبنان لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية”، وهي الجبهة التي قال في عدد من خطبه إنها لن تهدأ إلا بعد إنهاء الحرب على غزة.

ويأتي إعلان إسرائيل عن اغتياله السبت بينما تتصاعد جهود فرنسية وأمريكية للتواصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار مؤقت بين إسرائيل وحزب الله لمدة 21 يوما؛ بغرض إتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سلمي على جبهتي لبنان وغزة.

مقالات مشابهة

  • السفير حسام زكي: غزة واجهت كارثة ستظل وصمة عار على جبين العالم الذي وقف عاجزاً أمامها
  • أردوغان: لا يمكن استمرار الصمت الدولي إزاء عربدة إسرائيل
  • تايمز: ما الإجراء الذي قد تتخذه إيران ضد إسرائيل؟
  • رئيس برلمان لبنان: ملتزمون بما تم الاتفاق عليه مع الوسيط الأمريكي لوقف إطلاق النار مع إسرائيل
  • «بري»: ملتزمون بما تم الاتفاق عليه مع الوسيط الأمريكي لوقف إطلاق النار مع إسرائيل
  • الوزير صباغ: لا يمكن فصل جرائم سلطات الاحتلال الإسرائيلي وعدوانها المستمر على سورية عن الدور التخريبي الذي انتهجته بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث واصلت تلك الدول انتهاك سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها عبر استمرار وجود قوات
  • لتعويض الهزيمة.. موعد مباراة برشلونة ويونج بويز والقنوات الناقلة في دوري أبطال أوروبا
  • مدرب البرازيل: المنتخب المغربي من أقوى المنتخبات في العالم عذبنا ولم نفز عليه سوى بجزيئات بسيطة
  • من يكون حسن نصر الله زعيم حزب الله الذي اغتالته إسرائيل باستخدام 85 طنا من القنابل؟
  • استقرار أسعار الذهب في مصر وتراجع طفيف عالميًا: الفجوة بين السوقين تزداد