بدأ الموسم الدراسيّ في لبنان وكأنّه لم يبدأ، فلا يتغيّر شيء عند اللبنانيّ برجوع أبنائه وبناته إلى مدارسهم، فالطموح والأحلام والتخطيط تصطدم بجدار الواقع الّذي يزداد قساوةً مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة، وحقيقة ضيق الآفاق المستقبليّة لسوق العمل في لبنان، جعلت الدراسة أمرًا مفرّغًا من كثير من معانيه السامية، لدى التلميذ والكادر التعليميّ على حدٍّ سواء.


تخبّط القطاع التعليميّ في لبنان في السنين الأخيرة لأسباب عديدة، داخليّة وخارجيّة، مباشرة وغير مباشرة، ما شهِد على حركة تسرّب وانقطاع أو توقّف عن التدريس واسعة النطاق في البقاع اللبنانيّة شتّى. وهو أمرٌ مستغرب في بلدٍ نجد فيه الأمّيّة بمستويات متدنيّة، ونسبة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلّيّ الإجماليّ مقبولة.
أدّت هذه الهزّات إلى بروز تحدّيات متنوّعة، أصبح فيها عمودَي الحركة التربويّة (الهيئة التعليميّة – التلاميذ والأهاليّ) قطبين في صراع تحتَدِم فيه الاتّهامات في بعض الأحيان نتيجة عدم رضى أيّ طرف كيفما تحسّنت الظروف. فالمدرِّسون يطالبون بالأجر الكريم، والأهالي يطالبون بالرأفة وبعدم الأقساط المرتفعة والمدولرة... لكن من يتحَمَّل وزِر هذه التغييرات.
في هذه المعمعة، لا تُغيِّر وزارة التربيّة الكثير من الأمور، فهي عاجزة عن تطبيق خطط ترضي الأطراف، وتضبط فوضى الأقساط. فهي تُطالب بسِلَفٍ مليونيّة، لكنّها تعرف مسبقًا أنّها تطلب المستحيل، فمهما كَبُرت الأرقام، تبقى قَزَمة أمام فداحة العجز الماليّ للقطاع التعليميّ، الذي لم يعتمد بتاتًا على مصادر مستدامة، بل تعايَش مع التيّار السائد "أصرُف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب".
كانت المساعدات الخارجيّة لا تُخيِّب من ينتظر "الغيب"، لكن "لا تسلَم الجرّة في كلّ مرّة"، فهي ستنكسر بمجرّد انسحاب الجهات المانحة أو عزوفها عن الدعم، في ظلّ شبهات تحوم حول كيفيّة صرف المساعدات، وشفافيّة التقارير، لا بل حقيقة الأرقام المرسلة.
ما يزيد معاناة قطاع التعليم في لبنان، وأسوةً بباقي القطاعات، وجود النازحين السوريّين وأزمة إدارة وجودهم في بلدٍ تضيق فيه المساحات والموارد والإمكانات. فأيّ بلدٍ يستقبل عدد تلاميذ مماثل لعدد أبنائه في المراحل الابتدائيّة؟ وأي مناهج تربويّة تستطيع أن تتأقلم مع اختلاف التدريس السابق، واللغة، والثقافة؟
بالطبع، ينجو القطاع الخاصّ من بعض المآزق الّتي يتعرّض لها القطاع العامّ، فنسبة غير اللبنانيّين أقلّ، وتصل إلى ١ إلى ١٠، ومسألة الأقساط المدولرة "مبلوعة" إلى حدٍّ ما. لكن المشكلة تكمن في حركة النزوح إلى المدارس الخاصّة، التي تضطر إلى تغيير معاييرها التربويّة، بما يخصّ العدد مثلًا، لاستيعاب المدّ الذي ولَّده إغلاق بعض المدارس الحكوميّة، أو الشعور بتدنّي مستوياتها التربويّة والتعليميّة لدى الأهل. ولا نعرف كيف تمّت دراسة دولار "الإنتاجيّة" للمعلّم في المدارس الرسميّة بواقع ٣٠٠ دولار أميركيّ للمعلّم، و٣٦٠ دولارا أميركيّا للمدير، وهل سيحفظ ماء وجه القطاع التربويّ؟ أم أنّه يبتغي بداية الموسم الدراسيّ في المدارس العامّ "بمن حضَر".
إنّ أكثر المتضرّرين كما وجدنا، هو القطاع التعليميّ في جناحهِ العامّ، وهو بأمسّ الحاجة إلى عمليّة انقاذيّة قبل أن يدخل مرحلة الموت السريريّ، فهو ليس بحاجة إلى دعم مادّيّ وحسب، بل تخطيط مستدام ينتشل هذه المؤسَّسة العريقة من حالة "الشحادة" لتكون منتجة أيضًا. قد تشهد هذه العمليّة بعض التنازلات والإجراءات الموجعة، كدمج المدارس، وإعادة هيكلة المصادر، وضبط الميزانيّات... بما يخفِّف الضغط على المدارس الخاصّة، وما يُعيد مكانة التعليم العامّ المرموقة في المجتمع.
إنّ مثل هذه التدابير الوقائيّة والعلاجيّة، ستعود على الأجيال الطالعة بالكثير، إذ ستمنحهم المهارات اللازمة لتحقيق النجاح الاقتصاديّ الذي بدوره سيؤدّي إلى شفاء البلد من مآزقه. فبدل من تشجيع التلاميذ بوجهٍ مباشر وغير مباشر على الهجرة، سنُعزِّز ثقافة الواجب عند المواطن، لأنّه حصل على حقوقه أوّلًا في تعليمٍ لائق. وسيُعزّز لديه الفضول وحبّ البحث، ممّا سيُعيد إلى لبنان مكانته البارزة في كثير من القطاعات إقليميًّا ودوليًّا. فمن شأن تحسين معايير التدريس، بما في ذلك التعليم الشامل، والتعلّم عن بعد.
يبقى السؤال: كيف؟ كيف لجهودنا أن تتضافر لدعم الجميع، الأستاذ والتلميذ، القطاع العامّ والخاصّ، كي يمثّلوا أوركسترا واحدة "تعزف" ملحمة تربويّة وطنيّة بدل أن تعزف عن التدريس والدراسة كما نرى في أيّامنا هذه.

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: فی لبنان

إقرأ أيضاً:

استئناف الدراسة بمدارس الوادي الجديد بعد انتهاء إجازة عيد الفطر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

استأنف طلاب المدارس بجميع الصفوف الدراسية بمحافظة الوادي الجديد الدراسة اليوم الأحد، بعد انتهاء إجازة عيد الفطر المبارك وفق القرار الذي أصدره وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف.

وانتهت المدارس علي مستوي الجمهورية من استعداداتها لعودة الطلاب للانتظام مرة أخرى بالفصل الدراسي الثاني ، واستقبال الطلاب بها ، حيث تزينت جميع المدارس لاستقبال الطلاب ، ورفعت العلم المصري على مبانيها ، كما انتهت المدارس من أعمال نظافة الفصول ودورات المياه وساحات المدارس.

من جانبه شدد الدكتور سامي فضل دياب مدير التعليم بالوادي الجديد على أهمية تكثيف كافة الجهود لمواصلة الانضباط الكامل للعام الدراسي والالتزام بالمتابعة المستمرة لنسب حضور الطلاب في المدارس، مشددًا على أهمية تنفيذ البرامج العلاجية المخصصة لتحسين مستوى القراءة والكتابة خلال الإجازة الصيفية لتحسين مستوى الطلاب في هذه المهارات الأساسية، وكذلك أهمية التعامل بشفافية في نتائج التقييمات وأعمال السنة، لضمان تحقيق العدالة والمساواة بين الطلاب، وأخذ كل طالب نتيجته الحقيقية لمساعدته في تحقيق تحسين مستواه التعليمي.

وكان محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني قد أصدر قرارًا بمنح الطلاب في كافة المدارس على مستوى الجمهورية إجازة رسمية، بداية من يوم السبت الموافق ٢٩ مارس ٢٠٢٥ حتى يوم الجمعة الموافق ٤ أبريل ٢٠٢٥، وذلك بمناسبة عيد الفطر المبارك.

مقالات مشابهة

  • جولة مفاجئة لوزير التعليم لعدد من المدارس بمحافظة المنوفية
  • "تعليم القاهرة" توصي بتفعيل إستراتيجيات التدريس الحديثة في مادة الرياضيات
  • «التعليم»: انتظام الدراسة بجميع المدارس اليوم بعد انتهاء إجازة عيد الفطر
  • وزير التعليم يتابع انتظام الدراسة بمدارس مدينة كفر شكر بالقليوبية
  • وزير التعليم يتفقد عددا من المدارس بالقليوبية
  • جولة مفاجئة لوزير التعليم بعدد من مدارس محافظتي كفر الشيخ والدقهلية
  • استئناف الدراسة بمدارس الوادي الجديد بعد انتهاء إجازة عيد الفطر
  • رجعوا التلامذة | عودة الدراسة اليوم بعد إنتهاء إجازة عيد الفطر
  • 6 تنبيهات عاجلة لطلاب المدارس قبل ساعات من عودة الدراسة
  • الإجازة خلصت .. التعليم تعلن عودة الدراسة لطلاب المدارس غدا