سيمفونية التعليم في لبنان ... والعزوف عن الدراسة والتدريس
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
بدأ الموسم الدراسيّ في لبنان وكأنّه لم يبدأ، فلا يتغيّر شيء عند اللبنانيّ برجوع أبنائه وبناته إلى مدارسهم، فالطموح والأحلام والتخطيط تصطدم بجدار الواقع الّذي يزداد قساوةً مع اشتداد الأزمة الاقتصاديّة، وحقيقة ضيق الآفاق المستقبليّة لسوق العمل في لبنان، جعلت الدراسة أمرًا مفرّغًا من كثير من معانيه السامية، لدى التلميذ والكادر التعليميّ على حدٍّ سواء.
تخبّط القطاع التعليميّ في لبنان في السنين الأخيرة لأسباب عديدة، داخليّة وخارجيّة، مباشرة وغير مباشرة، ما شهِد على حركة تسرّب وانقطاع أو توقّف عن التدريس واسعة النطاق في البقاع اللبنانيّة شتّى. وهو أمرٌ مستغرب في بلدٍ نجد فيه الأمّيّة بمستويات متدنيّة، ونسبة الإنفاق على التعليم من الناتج المحلّيّ الإجماليّ مقبولة.
أدّت هذه الهزّات إلى بروز تحدّيات متنوّعة، أصبح فيها عمودَي الحركة التربويّة (الهيئة التعليميّة – التلاميذ والأهاليّ) قطبين في صراع تحتَدِم فيه الاتّهامات في بعض الأحيان نتيجة عدم رضى أيّ طرف كيفما تحسّنت الظروف. فالمدرِّسون يطالبون بالأجر الكريم، والأهالي يطالبون بالرأفة وبعدم الأقساط المرتفعة والمدولرة... لكن من يتحَمَّل وزِر هذه التغييرات.
في هذه المعمعة، لا تُغيِّر وزارة التربيّة الكثير من الأمور، فهي عاجزة عن تطبيق خطط ترضي الأطراف، وتضبط فوضى الأقساط. فهي تُطالب بسِلَفٍ مليونيّة، لكنّها تعرف مسبقًا أنّها تطلب المستحيل، فمهما كَبُرت الأرقام، تبقى قَزَمة أمام فداحة العجز الماليّ للقطاع التعليميّ، الذي لم يعتمد بتاتًا على مصادر مستدامة، بل تعايَش مع التيّار السائد "أصرُف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب".
كانت المساعدات الخارجيّة لا تُخيِّب من ينتظر "الغيب"، لكن "لا تسلَم الجرّة في كلّ مرّة"، فهي ستنكسر بمجرّد انسحاب الجهات المانحة أو عزوفها عن الدعم، في ظلّ شبهات تحوم حول كيفيّة صرف المساعدات، وشفافيّة التقارير، لا بل حقيقة الأرقام المرسلة.
ما يزيد معاناة قطاع التعليم في لبنان، وأسوةً بباقي القطاعات، وجود النازحين السوريّين وأزمة إدارة وجودهم في بلدٍ تضيق فيه المساحات والموارد والإمكانات. فأيّ بلدٍ يستقبل عدد تلاميذ مماثل لعدد أبنائه في المراحل الابتدائيّة؟ وأي مناهج تربويّة تستطيع أن تتأقلم مع اختلاف التدريس السابق، واللغة، والثقافة؟
بالطبع، ينجو القطاع الخاصّ من بعض المآزق الّتي يتعرّض لها القطاع العامّ، فنسبة غير اللبنانيّين أقلّ، وتصل إلى ١ إلى ١٠، ومسألة الأقساط المدولرة "مبلوعة" إلى حدٍّ ما. لكن المشكلة تكمن في حركة النزوح إلى المدارس الخاصّة، التي تضطر إلى تغيير معاييرها التربويّة، بما يخصّ العدد مثلًا، لاستيعاب المدّ الذي ولَّده إغلاق بعض المدارس الحكوميّة، أو الشعور بتدنّي مستوياتها التربويّة والتعليميّة لدى الأهل. ولا نعرف كيف تمّت دراسة دولار "الإنتاجيّة" للمعلّم في المدارس الرسميّة بواقع ٣٠٠ دولار أميركيّ للمعلّم، و٣٦٠ دولارا أميركيّا للمدير، وهل سيحفظ ماء وجه القطاع التربويّ؟ أم أنّه يبتغي بداية الموسم الدراسيّ في المدارس العامّ "بمن حضَر".
إنّ أكثر المتضرّرين كما وجدنا، هو القطاع التعليميّ في جناحهِ العامّ، وهو بأمسّ الحاجة إلى عمليّة انقاذيّة قبل أن يدخل مرحلة الموت السريريّ، فهو ليس بحاجة إلى دعم مادّيّ وحسب، بل تخطيط مستدام ينتشل هذه المؤسَّسة العريقة من حالة "الشحادة" لتكون منتجة أيضًا. قد تشهد هذه العمليّة بعض التنازلات والإجراءات الموجعة، كدمج المدارس، وإعادة هيكلة المصادر، وضبط الميزانيّات... بما يخفِّف الضغط على المدارس الخاصّة، وما يُعيد مكانة التعليم العامّ المرموقة في المجتمع.
إنّ مثل هذه التدابير الوقائيّة والعلاجيّة، ستعود على الأجيال الطالعة بالكثير، إذ ستمنحهم المهارات اللازمة لتحقيق النجاح الاقتصاديّ الذي بدوره سيؤدّي إلى شفاء البلد من مآزقه. فبدل من تشجيع التلاميذ بوجهٍ مباشر وغير مباشر على الهجرة، سنُعزِّز ثقافة الواجب عند المواطن، لأنّه حصل على حقوقه أوّلًا في تعليمٍ لائق. وسيُعزّز لديه الفضول وحبّ البحث، ممّا سيُعيد إلى لبنان مكانته البارزة في كثير من القطاعات إقليميًّا ودوليًّا. فمن شأن تحسين معايير التدريس، بما في ذلك التعليم الشامل، والتعلّم عن بعد.
يبقى السؤال: كيف؟ كيف لجهودنا أن تتضافر لدعم الجميع، الأستاذ والتلميذ، القطاع العامّ والخاصّ، كي يمثّلوا أوركسترا واحدة "تعزف" ملحمة تربويّة وطنيّة بدل أن تعزف عن التدريس والدراسة كما نرى في أيّامنا هذه.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: فی لبنان
إقرأ أيضاً:
التعليم تطبق إجراءات صارمة للحفاظ على أمن المدارس| فيديو
كشف محمد الشرقاوي، نائب رئيس تحرير روزاليوسف، عن أبرز قرارات وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بشأن المتابعة الميدانية للمدارس، وذلك لضمان تنفيذ القرارات الوزارية والكتب الدورية الصادرة عن وزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف.
وفي مداخلة هاتفية مع أحمد دياب ونهاد سمير، في برنامج "صباح البلد" على قناة صدى البلد، أشار محمد الشرقاوي إلى أن هناك مشكلة كبيرة تتمثل في أن بعض المدارس تعتبر بيئة غير آمنة للطلاب والمعلمين، كما أضاف أن هناك ثقافة سائدة في بعض الأسر تؤمن بشرعية الاعتداء على حرمة المدارس سواء كان بالاعتداء على الطلاب أو المعلمين أو الإداريين.
وأكد الشرقاوي أن من أبرز القرارات التي أصدرتها الوزارة هو التأكيد على قيمة المعلم كركيزة تربوية أساسية في المنظومة التعليمية، مشددًا على ضرورة أن يسود الاحترام المتبادل بين المعلم والإدارة، وكذلك بين المعلم والطلاب وأولياء الأمور.
وفيما يتعلق بتنظيم دخول وخروج الزوار، أوضح الشرقاوي أنه تم تحديد غلق باب المدرسة من بداية اليوم الدراسي وحتى انصراف الطلاب، على أن يُسمح بدخول أولياء الأمور فقط إذا كان لديهم موعد مسبق مع مدير المدرسة، يتم تحديده عبر دفتر زيارات أولياء الأمور الذي يديره مسئول الأمن.
وأضاف محمد الشرقاوي أنه من الضروري وجود مسئول أمن عند بوابة المدرسة، مع تسجيل كافة بيانات الزوار في دفتر خاص بالأمن، الذي يجب أن يكون موقعًا ومختومًا من قبل مدير المدرسة، كما شدد على أنه لا يُسمح بدخول أي ولي أمر إلى المدرسة إلا من خلال إدارة المدرسة.
وفي ختام حديثه، أشار الشرقاوي إلى أن القرار الوزاري شدد على ضرورة التأكد من سلامة سور المدرسة بالكامل من قبل مدير المدرسة، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينه ضد الطلاب. وفي حال وجود أي تلف أو شرخ في السور، يجب إبلاغ الإدارة فورًا واتباع القواعد المعتمدة لإصلاحه.