خبيرة بالأمم المتحدة تحذر من تجنيد الأطفال في الحرب السودانية
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
أعربت خبيرة أممية، عن قلقها إزاء تزايد خطر تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل القوات المسلحة والجماعات المسلحة منذ اندلاع الصراع في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني.
الخرطوم _ التغيير
وأشارت سيوبان مولالي المقررة الخاصة المعنية بمسألة الاتجار بالأشخاص، لا سيما النساء والأطفال، إلى المزاعم بأن قوات الدعم السريع تستهدف الأطفال غير المصحوبين بذويهم والأطفال من الأسر الفقيرة في ضواحي الخرطوم، وكذلك في دارفور وغرب كردفان، لتجنيدهم في أدوار قتالية.
وسلطت الضوء على التقارير التي تفيد أيضا باختطاف فتيات من الخرطوم إلى دارفور لأغراض الاستغلال الجنسي، بما في ذلك الاستعباد الجنسي.
أهداف سهلة للتجنيدوقالت السيدة مولالي إن تدهور الوضع الإنساني وعدم إمكانية الحصول على الغذاء والخدمات الأساسية الأخرى يجعلان الأطفال- وخاصة غير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم في الشوارع- أهدافا سهلة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة، على حد تعبيرها.
وردا على الادعاءات التي تزعم بأن الأطفال قد ينضمون إلى الجماعات المسلحة كاستراتيجية للبقاء، قالت المقررة الخاصة إن موافقة الطفل- أي شخص يقل عمره عن 18 عاما- لا أهمية لها من الناحية القانونية، وإنه ليس من الضروري إثبات استخدام القوة.
وقالت إن تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة لأي شكل من أشكال الاستغلال – بما في ذلك في الأدوار القتالية – يعد انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وجريمة خطيرة، وانتهاكا للقانون الإنساني الدولي
وأعربت الخبيرة المستقلة عن قلقها إزاء المزاعم بالفشل في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال واحترام عمل جميع الوكالات الإنسانية وشركائها في المجال الإنساني.
تدابير فعالة لمنع الاتجار بالأطفال
أفاد تحديث صدر مؤخرا عن الوضع في السودان أصدرته مجموعة الحماية العالمية أن 72 مكتبا وأصلا إنسانيا قد تعرضت للهجوم أو النهب، كما قُتل 19 عاملا في المجال الإنساني منذ بدء الصراع وحتى الآن.
ودعت مولالي جميع أطراف النزاع إلى العودة إلى محادثات السلام والتوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار يسمح بالتوصيل الآمن للمساعدات الإنسانية ويضمن المساءلة عن الانتهاكات المزعومة.
وأكدت على الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذه المخاوف الملحة واتخاذ تدابير فعالة لمنع الاتجار بالأطفال وحماية الأطفال الضحايا والأطفال المعرضين للخطر، وخاصة النازحين وغير المصحوبين والمنفصلين عن ذويهم واللاجئين والأطفال ذوي الإعاقة”.
وذكرت الخبيرة أنها على اتصال بكل من قوات الدعم السريع والسلطات السودانية.
يشار إلى أن المقررين الخاصين والخبراء المستقلين، يعينون من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف وهي جهة حكومية دولية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان حول العالم. ويكلف المقررون والخبراء بدراسة أوضاع حقوق الإنسان وتقديم تقارير عنها إلى مجلس حقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنصب شرفي، فلا يعد أولئك الخبراء موظفين لدى الأمم المتحدة ولا يتقاضون أجرا عن عملهم.
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
حبٌّ زمن الإنسانيَّة المتحوِّلة
يحين وقت عيد الحبّ من كلّ سنةٍ، فتهتزّ أرض العرب، وتكثر الورود والدباديب ويسود الاحمرارُ، وتعلو المحبَّة، وهو أمرٌ مُقَدَّرٌ مرغوبٌ، ولكن أيّ تقارب يسود هو تقاربٌ مشوبٌ مشبوه، لا صفْوَ فيه، ولا أحبُّ أن أدخل في تاريخيَّة عيد الحبّ، وفي سيرة القدِّيس فالنتاين، وفي تحوُّله إلى رمز للحبّ، ولكن أريد أن أنبِّه القارئ العربيَّ أنّ الحبَّ عند العرب مشدودٌ إلى فضاءٍ معجميٍّ وحقلٍ دلاليّ يغلب عليه العذاب والحرقة واللّظى والفراق والألم والمعاناة والمقاساة، ولذلك، نقول «نار الحب»، ولا نُجْري في استعمالنا «جنّة الحب»، ونقول «عذاب الحب»، ولا يكثر استعمالنا لـ«نعيم الحب»، وفي إطلالة بسيطة إلى تراثنا العربيّ الشعريّ والنثري، يُمكن أن نقدّم صورة عن وَقْع الحبّ.
يُعرّفُ ابن حزم الأندلسيّ الحبَّ بقوله: «الحبّ -أعزّك اللّه- أوَّله هزْل وآخره جدّ، دقّت معانيه لجلالتها عن أن تُوصَف، فلا تُدْرَك حقيقتها إلاَّ بالمعاناة، فيحدُّه بالمعاناة، ويعْرِضُ إلى آفات الحبّ، وهو مثْبِتٌ له، كأنّه لا يتحقَّق ولا يكون إلاّ بألم وعذاب وهجْرٍ وعلّةٍ صعبة المداواة، فـ«لا بدّ لكلّ محبّ صادق المودَّة ممنوع الوصْل، إمَّا ببيْن وإمَّا بهجْرٍ، وإمَّا بِكتمان واقعٍ لمعنى، من أن يؤول إلى حدِّ السقام والضَّنَى والنّحول، وربَّما أضْجعه ذلك، وهذا الأمر كثير جدًّا موجود أبدا، والأعراض الواقعة من المحبَّة غير العلل الواقعة من هجمات العلل»، فما هذا الحبُّ الذي نحتفي به ونحتفل وهو مورِّثٌ في خلايانا كلّ السّقام، ومُنْبِت الأمراض والعلل بما لا يقدر عليه طبيبٌ ولا دواء؟ وقِسْ على ذلك ما تراكَم من أشعار الغزِلِيين العرب، نارًا وفُرْقَةً وبيْنًا، ورغبةً في الموت، فحتَّى المحبوبة -أحيانًا- تتحوَّل إلى هامشٍ، تفقد جوْهرَها حضورًا جُثمانيًّا، ويعيش المُحبَّ هوس الحبِّ في ذاته ولذاته، ولذلك، رأيْنا المجنون يُعْرِضُ عن ليلى ويعيش حال الحبّ لذاته، ولا يهتمّ بها عندما انغمس في حال الوجد، ينصرف عنها حتّى في حال وجودها، ويطلب الحبّ، لا ليلى! كلّ شعر العشّاق الحقيقيين في تاريخ الأدب العربيّ، هو شعرٌ مليءٌ بالألم والهجْر والمعاناة والموت والجنون، لا أمل فيه، ولا زهور تغزوه، ولا حلوَ ولا حلويّات، وإنّما مرارة وعلقم، والدّاخل فيه مبتل، وصائرٌ إلى الفناء ضرورةً. ولذلك، فقد وجدنا المصنّفات النثريّة العارضة للعشق والعشَّاق تُبين الألم لا السعادة والرّاحة، وتبحث في الحيرة لا في الهدْأة والسّكون، الحبّ مصْرعٌ ومقتَلٌ، وقد صنّف ابن السرّاج كتابًا عنْونَه بـ«مصارع العشّاق» يستهلّه ببيان ماهيَّة العشق، دون أن يخرج عن حدِّ ابن حزم عمومًا، فأوَّله لعبٌ وآخره عَطبٌ، وهو مثير مصارع العاشقين، ونهايتهم بالموت، ذاكرًا في ذلك أخبارًا عديدة.
عبْء تاريخيٌّ مليء بالدّموع والألم والموت والنّار، فهل الواقعُ مختلفٌ؟ وهل الحبُّ اليوم سعادةٌ وورودٌ وحلو وحلويّات؟ لا أعرف الحقّ، ولكن ما أدركه جيِّدًا أنّ الحبّ وأنصاره في العالم العربيّ يعيش كما كان دومًا عوائق وإحنا ومحنا، فلا مؤسَّسة الزواج قائمة على سعادة وحبّ، وإنَّما الغالب الأعمّ نافرٌ منها، واقعٌ في مساوئها، باحثٌ عن تخطّي الروتينيّ اليوميّ، ولا مشاعر الحبِّ واجدة فضاءً للحياة والبقاء، وإنّما الكلّ دائرٌ في قوالب الشكليَّات والمظاهر، فما زال الحبّ ممنوعًا ومُدانًا، وما زال الزَّواج خاضعًا لمقاييس اجتماعيّة مثقلة أخلاقيًّا وماديًّا وأسريًّا، فهل فعلا نحن شعوبٌ تحتفل بالحبّ وتحترم مظاهره وتسعد به؟
في الوجه الثاني من الوجود البشريّ، هنالك مسألةٌ وجوديَّة عميقة الأثر، لا نثيرها نحن العرب بالعمق الذي تستحقُّه، وهي قضيَّة الإنسانيَّة العابرة أو ما بعد الإنسانية Transhumanism، وهي الموضوع الذي يُؤرِّق الفلاسفة الآن، وخاصَّة فلاسفة الأخلاق، وفلسفات العلوم، فكيف هي منزلة المشاعر الإنسانيَّة في عالم ينحو نحو التحوّل التقني، من خلال تطوير الإنسان، وإقامة بنية بشريَّة أفضل ممّا هي عليه الآن؟ بطبيعة الحال هذا التوجّه السّائد الآن، يدعو إلى تخلُّص الإنسان من كينونته التي طالما رافقته، ومن طبيعته، وتسمح للعلم بالتدخّل في جيناته، بعيدًا عن الأخلاق وعن الأديان وعن سلطة المجتمع، هي توجّه علميٌّ ثقافيٌّ، فلسفيٌّ، يشتغل عليه عدد مهمٌّ من العلماء والمُنظِّرين، وتُموِّله دُول كُبرى، يقول الفيلسوف لوك فيري هي فكرة الانتقال من الطبِّ العلاجي إلى طبّ تحسيني، الفكرة الأساس فيه جعل الإنسان أكثر قوّة وأقلَّ عطَبًا ومرَضًا وعطالةً، وأبْقَى عُمرًا، توجُّهٌ نحو صناعة بشريَّةٍ ثانيَّة تتمتّع بصحة وخالية من الأمراض بحثًا عن الخلود أو البقاء الأطول، وهذا التوجّه تمثِّله أيديولوجيا قويَّة جدًّا اليوم، مركزها وادي السيلكون بأمريكا، وهذه البشريَّة الثانيّة، أو الإنسانيّة المواليّة للبشر الطبيعيّ لا تحمل مشاعر الخوف أو الضعف أو الوهن، هي بشريَّة قويّة، لا يُضْعفُها حبٌّ ولا كره، عاملةٌ، عازمة، خاضعةٌ للتطوّر التقني والمعلوماتي، يُتدَخَل في جيناتها لتحويل طبيعتها وتغيير سمْتها وما عليه جُبِلت، هي بشريّة مصنوعة، والعهد بذلك قريب، بدأ هذا العصر بالتحقّق ووضع له العلماء وقتًا للسيادة والهيمنة، وهو أربعينيّات هذا القرن، تحقيقًا لحلم الإنسان الأبديّ بالقوّة والخلود، ولكنّه يتحوَّل إلى آلةٍ، فهل سيفقد الإنسان المتحوِّل يوم احتفائه بعيدٍ للحبّ، ويحتفل بعيد الإنشاء الجديد؟