سودانايل:
2025-01-05@05:44:10 GMT

توحيد القوى السياسية لا المبادرات

تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT

الوضع السوداني المأزوم يستدعي توحيد القوى السياسية المساندة لمشروع الثورة والتغيير . هذا الواجب الوطني الملح يتطلب التلاقي على برنامج عمل ليس البحث في شأن توحيد مبادرات .رغم التقارب و التداخل بين مصطلحي المبادرة والبرنامج ، إلا أن خطا فاصلا فيما يرتبط بالإطار الزماني - على الأقل -دون الولوج في لجة فلسفية يعين على إزالة اللبس بين المصطلحين.

فمسار الخروج المطلوب من الوضع الكارثي يرسم قسمات برنامج العمل وبنوده.فكبح الإنهيار يتطلب إطفاء نار الحرب ،إعادة بناء الدولة وإعادة الإعمار .ما لقوى سياسية قدرة النقد في شأن هذه المهام إلا من منطلق نقض غزل الإجماع المطلوب باعتباره نداء الساعة الوطنية. ربما لا تكون تجربة بناء تجمع المعارضة إبان تسعينيات القرن الأخير جديرة بالمحاكاة لكنها قابلة للاستثمار بغية بناء هرم تنظيمي من أجل توحيد القوى السياسية لدى المنعطف السوداني الراهن.

*****
لذلك يصبح الرهان على نجاح لقاء أديس أبابا في الحادي والعشرين رهين بإنجاز توحيد القوى السياسية .فالتركيز على دمج وتوحيد المبادرات يغرق حتما اللقاء في جدل سياسي فلسفي محموم يبدد الوقت والجهد وربما يزيد في التشققات. فمن يتصفح المبادرات المطروحة يجد أدباً سياسيا متنوعا تستنزف بلورته في صيغة موحدة جدلا قد لا يشط المرء إذا رآه عقيما. في ظل كثافة الخراب على الأرض، اتساع مساحة المعاناة والإحباط داخل النفوس ،حجم الدمار على شبكات البنى التحتية، الإنهيار في ماكينة الانتاج الإقتصادي و ضمور إن لم نقل جمود دولاب العمل التجاري يصبح مثل هذا الجدل هدرا للوقت وزيادة في صب الزيت على الأزمة المستفحلة.ثم ماذا إذا انتهى المجتمعون إلى صيغة موحدة مستخلصة من المبادرات المطروحة!؟
*****

دون الخوض في نقاش متشعب ربما نتفق على تعريف عام لمصطلح المبادرة. أذ يمكن اختزاله في تحقيق سبق لجهة إنجاز أهداف محددة، استنهاض وتحفيز إرادات بغية علاج قضايا أو معضلات . لعل ترجمة هذا الكلام الجميل ينبجس في الإجابة على السؤال العضوي بآلية الاستنهاض و التحفيز قبل التنفيذ. أما البرنامج فهو صيغة ممرحلة لأهداف ،غايات داخل إطار زماني وربما مكاني أحيانا. تنفيذه هو الآخر يتطلب بالضرورة آلية للعمل. من هنا يصبح توحيد القوى السياسية نداء الأولوية الوطنية من أجل تنفيذ المبادرة أو البرنامج. وجود الجسم السياسي الموحد يُيسر المخاض العسير كما النهوض الشاق من تحت أنقاض الخراب. أي محاولة للقفز فوق هذه المهمة تصبح مغامرة غير محسوبة كوضع العربة أمام الحصان!
*****

ربما نتفق على عدم نجاح تجربة تجمع المعارضة طيب الذكر ، لكنه ترك رصيدا ولو زهيدا من النجاح يمكن البناء عليه.فقد جسد هيكلا عاما لهرم سياسي منتظم قاعدته في الشارع العام وذروته فيما سُمي وقتئذٍ هيئة القيادة.تلك الهيئة شكّلت مرجعية العمل السياسي لكل القوى الواقفة تحت مظلة التتظيم .دون الانخراط في جدل متشعب -هذا ليس أوانه أو مكانه -عن عثرات وانجازات التجمع يمكن الإتفاق على أن الخطايا لم تكن ناجمة عن علة في البناء بقدر ماهي نتائج الجنوح لممارسات خارج المظلة الجماعية. تلك الأخطاء يمكن أخذها في الحسبان عند بناء هرم العمل السياسي الماثل واجبا وطنيا حتميا.استذكار تجربة التجمع العتيقة والمرحلة الإنتقالية الطازجة تحرضان عل النأي بالتنظيم الجديد عن فيروس المحاصصة من أجل ولادته بمناعة ذاتية طبيعية . تخلي القوى السياسية عن عاهة المحاصصة يتأتى حينما تتجرد النُخب من النرجسية مقابل تعظيم نكران الذات وإيثار المصلحة العليا على الطموحات الذاتية وإن اكتست رداءاً حزبيا أحيانا وهي ليست مشروعة غالبا!
*****
بعد تخليق البناء السياسي الموحّد بمرجعية معترفٌ لها بالولاء يسهل كتابة أدب سياسي يسهل الاسترشاد به في مهام إعادة بناء الدولة و إعادة تعمير الوطن عقب إطفاء نار الحرب . وقتذاك يسهل إعادة الرؤى في كل الأدبيات المكتوبة إبان المرحلة الراهنة بما فيها المبادرات المحمولة إلى أديس أبابا بغية صياغة برامج عمل ومبادرات في مجالات العمل الوطني المتعددة عوضا عن حشر كل هذا الجهد في أنبوب ضيق من حيث السعة العملية والزمانية.من شأن القيادة العليا للهرم السياسي المستهدف رسم خارطة عمل كما تشكيل لجان اختصاصية بغية التصدي للمهام وتجاوز العقبات .هناك توجد مساحة تتيح مناقشة مبادرات محاورها وغاياتها الخلق والإبتكار .هذا هو جوهر المصطلح.
*****

التاريخ يحدثنا عن تجارب مشابهة أفلحت فيها شعوب في الخروج من تحت الأنقاض لتبني مجتمعا حداثيا واقتصادا ناهضا.فالعالم يذكر جيدا ما أسماه الخبراء (المعجزةاليابانية).ذلك توصيف لإنجاز اليابانيين في إعادة بناء الإقتصاد المنهار تحت الحرب العالمية الثانية.اليابان فعلت ذلك عبر برنامج تركز على إعادة توزيع الموارد ،توزيع رأس المال وتوزيع القوى المنتجة بالإضافة إلى ردم الهوة المعرفية مع الأنداد في الغرب.
*****

تلك أقصوصة نجاح تشابه (المعجزة الألمانية)حيث خرجت ألمانيا من إنهيار إقتصادي تعرضت إبانه لتدمير البنى التحتية وتوقف دولاب التجارة وتفشي الجوع. الخبراء يصفونها بأكبر عملية إفلاس عبر التاريخ. خلال نحو عقدين أصبحت ألمانيا واحدة من أغنى دول العالم. مرتكز ذلك الإنجاز الخرافي ما يعرفه المؤرخون ة مارشال وهو برنامج إنعاش محوره إسقاط الديون واستثمار القوى العاملة عالية الجودة لدى الشعب الألماني.ماكان للألمان مبادرات مكتوبة. لكنهم أثناء الإنخراط في مهام إعادة التعمير تفتّقت عبقرياتهم عن العديد من المبادرات. من تلك (نساء الأنقاض) إذ جرى استنفار وتحفيز النساء المتطوعات لإزالة الأنقاض.في العديد من المدن تم بناء نُصب تاريخية لأولئك النساء. السوفيات ابتكروا إبان الحرب (ساحرات الليل) حيث تم تدريب أربعمئة طالبة جامعية على قذف القنابل ليلًا.
*****

تلك أمثلة عملية مبسطة لمبادرات أثناء تتفيذ البرامج. لهذا بدلا عن الانكباب على أدب سياسي فضفاض يطرح عموميات متفق عليها مثل تعزيز التحول الديمقراطي وشعارات مستهلكة من طراز اعادة بناء جيش وطني الأكثر جدوى صوغ برنامج مرحلي رشيق .من ذلك كيفية دفع البذل السياسي عبر أقنية دبلوماسية بغية تعجيل اسكات الحرب. كما يصبح أكثر إلحاحا بناء شبكة إغاثة تؤمن وصول المواد من مصادرها إلى المشردين في المآلات الداخلية والتجمعات في الجوار.

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

إعادة بناء الجيش السوري.. مهمة معقدة في مرحلة ما بعد الأسد

تنتشر أكثر من 50 دبابة ومركبة عسكرية مهجورة في أنحاء منطقة العرض والتدريب بقاعدة للجيش السوري في شمال سوريا، والتي استولى عليها مقاتلو الفصائل المسلحة في هجومهم السريع الذي أسقط الرئيس بشار الأسد.

الجيش السوري المهزوم، كان سيئ التجهيز ومحبطاً

وكتبت كارلوتا غال في صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أن هذه القاعدة هي بمثابة مقياس للتحديات المقبلة، في الوقت الذي يتطلع فيه السوريين إلى إعادة بناء بلد دمرته حرب أهلية استمرت لأكثر من عقد وأدت إلى استنفاد الجيش.
وأعلنت القيادة الجديدة للبلاد مؤخراً، عن خطة لتوحيد الفصائل المسلحة المختلفة في كنف حكومة واحدة، وأن عناصر هذه الفصائل سيخدمون معاً في جيش واحد. 

Rebels easily toppled Syria’s army. Their challenge now: rebuilding. https://t.co/qoPwVZHCGA

— The Boston Globe (@BostonGlobe) January 1, 2025

وفي مقابلات مع عشرات المقاتلين، قال الكثيرون إنهم وافقوا فعلاً على إنشاء قيادة واحدة تحت قيادة أحمد الشرع المعروف باسم أبو محمد الجولاني وفصيله، هيئة تحرير الشام، وبإنهم استفادوا من توحيد قواتهم.
وقال أحد كبار قادة الفصائل المسلحة ويدعى نصر النهار (41 عاماً)، إن فصيله سوى خلافاته مع هيئة تحرير الشام، وأضاف: "المهم هو أن نكون معاً...نحن نقاتل معاً من أجل التحرير".
لكن من المرجح أن تستمر الانقسامات مع فصائل أخرى ليست في الحكم، بما في ذلك الميليشيات الكردية التي تسيطر على جزء كبير من شمال شرق سوريا، وتنظيم داعش الإرهابي، الذي ينشط في أجزاء من وسط سوريا، وبقايا قوات الأسد الأمنية التي أظهرت علامات المقاومة.
وفي الوقت الذي تتولى الفصائل المسلحة السيطرة على أمن البلاد وحدودها، فإنها ورثت بنية تحتية عسكرية مدمرة، سيكون من الصعب الاستفادة منها أو إعادة بنائها.
وأظهرت رحلة استغرقت 10 أيام على طول طريق تقدم الفصائل المسلحة، لمراسل ومصور من صحيفة النيويورك تايمز ومترجم سوري، أن الجيش السوري المهزوم، كان سيئ التجهيز ومحبطاً جداً لدرجة أن قواته كانت تعاني من ضعف في الروح المعنوية. وقد ألقى الجنود أسلحتهم أو فروا مذعورين. 

NEW | Syrian opposition forces toppled the Bashar al Assad regime after only 11 days of fighting. HTS under Julani is beginning to consolidate power in Damascus and across formerly regime-controlled territory. (1/5) pic.twitter.com/WtgbrOMHHx

— Critical Threats (@criticalthreats) December 9, 2024

واخترقت الفصائل المسلحة الدفاعات التي ظلت قوية لسنوات، وعمدت إلى تطويق الحاميات العسكرية والسيطرة عليها في كثير من الأحيان من دون قتال واسع.

وكانت قاعدة الدبابات، التي سقطت في اليوم الثاني من العملية في شمال سوريا، متداعية، ومبانيها الخالية من النوافذ محصنة بحماية مؤقتة من إطارات الجرارات وبراميل معدنية مملوءة بالتراب.

خط المواجهة 

وفي القواعد ونقاط التفتيش الأخرى قرب خط المواجهة السابق، من الواضح أن الجنود السوريين كانوا يفتقرون إلى الموارد، إذ حفروا مخبأً مؤقتاً داخل مبنى مزرعة، وكدسوا الأنقاض فوق صفائح من الحديد المموج لتوفير الحماية من القصف، وأصلحوا ثقوب أحدثتها القذائف في الجدران، بمزيج من الطين والقش.
وقال أحد مقاتلي هيئة تحرير الشام ويدعي أبو عائشة، بابتسامة عريضة: "بدأنا العملية معتقدين أننا سنسيطر على قرية واحدة فقط، واستولينا على سوريا بأكملها".
وكان الشاب البالغ من العمر 24 عاماً يتجول مع زميله المقاتل، أبو حمزة (25 عاماً)، في الحديقة المركزية بمدينة حماة، حيث كان يعير بندقيته الهجومية للشباب المحليين لالتقاط الصور معها. وقال كلا الرجلين إنهما كانا يتدربان ويقاتلان منذ أن كانا في الخامسة عشرة من العمر، وسينضمان إلى الجيش الوطني.
وأفاد مقاتلون في الفصائل المسلحة، إنهم واجهوا مقاومة أضعف مما كانت عليه في سنوات القتال السابقة. وقد تم خفض القوة الجوية الروسية والميليشيات المدعومة من إيران على الأرض في الأشهر الأخيرة.
وسقطت حلب في أيدي الفصائل المسلحة في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) بعد ثلاثة أيام فقط من القتال.
وقال ضابط في الشرطة السورية عرف عن نفسه فقط باسم عبد (39 عاماً) خوفاً من الانتقام: "كان الأمر خطيراً منذ لحظة سقوط حلب".
وبعد حلب، اندفعت الفصائل المسلحة جنوباً لمهاجمة مدينتي حماة ثم حمص، مع وضع العاصمة دمشق نصب أعينهم.
وعلى طول الطريق، تُركت الدبابات والعربات المدرعة مهجورة، أو تحطمت أو تعطلت. وظهرت على عدد قليل منها علامات القتال، كالاحتراق من جراء الانفجارات أو بقع دماء من الضحايا.
وبالنسبة للكثيرين، فإن الوعود التي تم تقديمها خلال حملة الفصائل المسلحة، توفر الأمل في شأن إمكانات المستقبل - حتى لو أنه لا يزال يتعين أن نرى ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستفي بها.

مقالات مشابهة

  • المشهداني:ضعف الحكومة = ضعف العملية السياسية
  • المشهداني يدعو قادة العراق إلى إعادة النظر بـورقة التسوية السياسية
  • عادل الباز: الحل السياسي أولاً!
  • هل سيضحون بالدعم السريع؟
  • الحكيم يدعو القوى السياسية إلى الاستعداد لـطارئ يمس أمن العراق ويحذر من مندسين
  • الدائرة الواحدة أم الدوائر المتعددة؟ صراع المصالح يشعل الساحة السياسية
  • «روان أبو العينين»: إعادة إعمار سوريا يحتاج نحو 400 مليار دولار
  • إسماعيل: المشهد السياسي الليبي يتجه نحو التوافق  
  • جرف الصخر.. اختبار جديد لميزان القوى السياسية في العراق
  • إعادة بناء الجيش السوري.. مهمة معقدة في مرحلة ما بعد الأسد