الحوارية التي دارت بين صديق الزيلعي وأحمد عثمان أسترعت أنتباه الكثيرين من المنشغلين بالشأن العام تداولها بعض القراء في المنابر العامة ووسائل التواصل الأجتماعي . ساهمتُ فيها بمقال عنوانه (تعقيب علي ما ورد حول الأختلاف بين قوي التغيير الجذري وقحت) . الذي دفعني مُجدداً لمواصلة الحوار هو مقال الدكتور أحمد عثمان المعنون ب (المستقبل لا يمكن فصله ميكانيكياً عن الحاضر، وإيقاف الحرب يتم علي أساس خط وبرنامج سياسي) وفيه يجد القارئ ملخصاً لآراء كل منهما (الزيلعي وأحمد عثمان) مما يسهل مهمة التعقيب .

الملاحظة الأيجابية هو الطرح الموضوعي للصراع الفكري علي أروقة المنابر بدلاً من تداوله في المجالس الخاصة مما يحفظه كأرشيف للمستقبل ويشجع علي البحث فيما يُطرح من آراء ويثبت آداب إختلاف الرأي ويحفظ الود بين المشاركين . الملاحظة السالبة هو أن صحيفة (الميدان) المحترمة لم تلتزم بقواعد المهنية ولم تنشر الآراء التي تقف معارضةً (للتغيير الجذري) وإن أتت من شخصيات مشهود لها بالمواقف الوطنية الصلبة ناهيك أن بعض هذه الآراء أتت من عضوية حزبية ملتزمة . هذا مسلك يقف نقيض ما كان عليه الحال في نهاية الستينيات وتحديداً في 1969عندما كان الصراع الفكري يُطرح في صحيفتي أخبار الأسبوع والأيام والمجلة الداخلية (الشيوعي) . كانت تُنشر آراء كل من عمر مصطفي المكي وأحمد سليمان ومعاوية أبراهيم والتي كانت علي النقيض من رأي عبدالخالق . والي وقت قريب كانت مجلة (قضايا سودانية) تنشر رأي الشيوعيين ومن يخالفهم . كذلك كانت مجلة (الشيوعي) و (المنظم) الكراسة الداخلية لأعضاء الحزب تنشر معظم الآراء التي تناقش الصراع الفكري والمسائل النظرية . ليس هذا فحسب وأنما قرأت قبل فترة في نعي البروفسير أحمد عبدالمجيد أنه كان شيوعياً نشطاً في إدارة البحوث التي تتبع للحزب الشيوعي ، هذا يعني أن هنالك مجال لنشر الأبحاث والأوراق التي تعارض مفهوم التغيير الجذري ، الأ أن كل هذا لم يجد حظه من طرح الآراء التي أتت مخالفة لرأي بعض عضوية اللجنة المركزية.
في المقال المذكور أعلاه ، ذكر أحمد عثمان : (أن قوي التغيير الجذري ضد من ينادون بأن المهمة الآن تتوقف علي وقف الحرب فقط وتأجيل أي إختلافات لما بعد وقوفها، وهو موقف من يريد الخروج من الحرب بأي ثمن ويبحث عن أي مخلص، من مواقع الخضوع للأزمة لا مواقع الخروج الصحيح منها. وذلك لأن الخروج من الحرب سيتم حتماً وفقاً لخط سياسي وبرنامج سياسي، يجاوب على أسئلة لا تحتمل التأجيل) .
أجد نفسي في عدم إتفاق مع هذا الأستنتاج (الخروج من الحرب سيتم حتماً وفقاً لخط سياسي وبرنامج سياسي، يجاوب على أسئلة لا تحتمل التأجيل) . الخط السياسي لوقف الحرب هو أيقافها والأدوات السليمة لذلك هي النهوض والوحدة الجماهيرية التي تقف متحدة في وجه الأطروحات والأستنتاجات التي تسبق الواقع السياسي . وقف الحرب يعني أرجاع الجيش وأعادة تكوينه من دون أدلجة سياسية ومحاكمة من تسبب في هذه الحرب وبالمقابل حل ومحاسبة قادة الدعم السريع فيما أرتكبوه من جرائم . وهذا ضمنياً يعني أنهاء الأتفاق الأطاري الذي كانا الطرفان (الجيش والدعم السريع) يشكلان ضلعيه وعقبة كؤد في الوصول الي إتفاق يتم بموجبه تشكيل حكومة مدنية ديمقراطية مما يمهد لإستكمال ثورة ديسمبر. غياب قيادة الجيش السياسية ولجنته الأمنية والدعم السريع عن المشهد السياسي يعني ضمنياً ذوبان الأتفاق الأطاري والذي لا يعني بالضرورة قبول الجذري كبديل . شعار لا للحرب هو السلاح الوحيد في الوقت الحاضر الذي بأمكانه أقتلاع المؤسسة العسكرية الأسلامية التي ضمت فلول الأسلاميين والداعشين وكتائب ظلهم ومليشيات الجنجويد التي خرجت من رحمهم .
ورد في أطروحة الدكتور أحمد عثمان ما يلي :
(والحقيقة أنه مثلما أن الإنتقال برمته يحتاج للتوافق على برنامج حد أدنى يسمح بتحالف القوى المدنية الراغبة في دولة مدنية تؤسس لتحول ديمقراطي، إيقاف الحرب يحتاج لبرنامج حد أدنى يحدد كيفية وقف الحرب والتأسيس للإنتقال المدني، أي أن وقف حل إلى دولة السودانيين المدنية الإنتقالية، التي تؤسس للتحول الديمقراطي. والقول بغير ذلك يعني فصلاً متعسفاً بين التكتيكي "إيقاف الحرب" والإستراتيجي "الإنتقال" ، وتغليب الأول على الثاني، وهذه هي الإنتهازية السياسية في أبهى صورها، التي تقود حتماً إلى تقويض الإستراتيجي ومنع الإنتقال).
صحيح أن وقف الحرب هو عملية أستراتيجية يجب العمل علي تحقيقها وهي تشمل عدة محطات منها فتح ممرات آمنة ، السماح بوصول المساعدات الأنسانية للمتضررين ، إرغام الطرفين المتحاربين علي وقف أطلاق النار ، هدن مختلفة تتراوح فتراتها الزمنية ، الجلوس لطاولة مفاوضات ، ألاتفاق علي الوسطاء الخ . هذا هو التكتيك للوصول لاستراتيجية وقف الحرب . أما برنامج التحول المدني الديمقراطي تتم مناقشته في مرحلة لاحقة . لا يستقيم عقلاً مناقشة برنامج التحول المدني الديمقراطي الذي يتم في مناخ أقلها يجب أن تتوفر فيه الحريات الأساسية والسودانيون ما زالوا لم يدفنوا موتاهم بعد . وفي أحصائيات وردت في وسائل التواصل الأجتماعي لم أـتمكن من التدقيق من صحتها بعد حيث قُدر عدد الضحايا ب 50 الف قتيل وأكثر من 5 مليون سوداني فقدوا المأوي وأصبحوا بين نازحين ولاجئين أضافة الي 20 مليون آخرين مهددين بالجوع . سته أشهر دمرت فيها الحرب 80 بالمائة من البنية الصناعية بالبلاد . خسارة الأقتصاد السوداني تقدر بترليون دولار . ستة أشهر توقفت خلالها ما لايقل عن مائة مستشفى عن العمل ، ٧٠ منها تعرض للنهب والتدمير الكلي او الجزئي. ولا حديث عن التعليم الذي تعطلت الدراسة في 155 جامعة وكلية منها 39 جامعة حكومية، إضافة إلى 116 مؤسسة تعليم عالي خاصة، منها 17 جامعة و65 كلية خاصة بالخرطوم بين أهلية وأجنبية. في هذه الظروف التي تهدد وجود القطر يعتبر الدكتور أحمد عثمان أن مناقشة وقف الحرب أنتهازية سياسية في أبهي صورها . هذا أستنتاج غير واقعي وغير سليم ويدعو بصورة غير مباشرة الي الأستمرار في الحرب الي أن نتفق علي ما هو الأستراتيجي وما هو التكتيكي ؟ هل هذا ما يريده الدكتور أحمد عثمان؟
ذكر الدكتور أحمد عثمان " وحتى تعلن (قحت) بشكل مؤسسي وبوثيقة أو تصريح من الناطق الرسمي بأنها لن تعود للشراكة بأي صورة من الصور (قحت) ليس مطلوب منها نقد الشراكة، بل مغادرة الشراكة، وهو ما لم تفعله حتى الآن فهل المطلوب من الجذريين أن يغادروا هذه المحطة قبل تغادرها الجهة المعنية أم ماذا؟".
أما بخصوص قائمة هذه الطلبات التي تقدم بها الدكتور أحمد عثمان لقبول قحت كمكون في قوي التحالف العريض الذي يدعو لوقف الحرب ، صرح القيادي في حزب الأمة صديق الصادق للشرق الأوسط في 15 أكتوبر 2023 بأن لا شراكة مع العسكريين وأن العسكر لن يكونوا جزءاً من المشهدين السياسي والأقتصادي وقطع بأستحالة قيام شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة .
كما ذكرت سابقاً أن لا للحرب تعني نهاية الأطاري . هذا لا يعني أن الجذريين هم المرجعية ما زالت هنالك جهات وحركات مسلحة ترفع شعار التغيير عن طريق العمل المسلح (حركة عبدالواحد محمد نور وحركة عبدالعزيز الحلو) . الجلوس معهم وأقناعهم بضروة مساهمتهم وأشراكهم في جبهة لا للحرب يدعم ويحمي شعارات ثورة ديسمبر العسكر للثكنات والجنجويد ينحل ثم تأتي بعد ذلك مناقشة أطروحاتهم . لا للحرب تعني تشكيل جبهة جديدة تضم كل القوي السياسية مدنية وعسكرية ولجان مقاومة وحركات مسلحة بأستثناء فلول النظام البائد سواء كانت عسكرية أو مدنية ، بهذا وحده وببناء هذه الجبهة يمكن أن ننتصر في تحقيق شعارات وأستكمال ثورة ديسمبر .
ذكر الدكتور أحمد عثمان في معرض رده علي الدكتور صديق الزيلعي بخصوص الجبهة القاعدية التي تنادي بها قوي التغيير الجذري ما يلي :" كل من يقبل بهذا الحد الادنى من غير الاسلاميين و غيرهم ممن يدعمون طرفي الحرب، هو عضو في الجبهة القاعدية العريضة المطلوبة بكل تأكيد. ... وان تنفتح على المواطنين جميعاً بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية طالما انهم مؤمنين ببرنامج الحد الادنى المذكور أعلاه. يساند اللجان تجمع المهنيين غير المختطف، والنقابات المهنية في فرعياتها الاقليمية ، ومنظمات المجتمع المدني ، وتدعمها الاحزاب السياسية الوطنية .
أذا تغاضينا النظر عن الخطأ غير المقصود (غيرهم ممن يدعمون طرفي الحرب ) والمقصود بها (لا يدعمون) نجدها فقرة متماسكة تعبر عن الروح والمزاج العام المطلوب لتكوين الجبهة العريضة رغم التحفظ حول (تجمع المهنيين غير المختطف) . أما الفقرة التي تليها مباشرة تبدأ : (وخلاصة ما تقدم هي أن الخلاف بين قوى التغيير الجذري و (قحت) خلاف استراتيجي يمنع التحالف بينها، أساسه عدم الإتفاق على العدو، الذي يؤسس لقبول (قحت) شراكات الدم مع اللجنة الأمنية للإنقاذ، وهي غير راغبة في تجاوز ذلك ومستمرة في الدفاع عن الشراكة تحت مسمى العملية السياسية.
هذه الفقرة نسفت ما قبلها وأخرجت قوي الحرية والتغيير من الملة السياسية والأجتماعية ووضعتها في خانة أعداء للوطن علي الرغم من تصريحاتهم التي تؤكد عدم الشراكة بل جعلت من الجهة التي يمثلها الدكتور أحمد عثمان هي الجسم الوحيد المؤهل لأعطاء شهادة البراءة والغفران . لا أري أن هذا الطرح يمكن أن يخرج بالسودان الي بر الأمان .
صحيح أن المعطيات التي تمثلت في قيام ثورة ديسمبر المجيدة لم تكتمل بعد وذلك يرجع لطبيعة توازن القوي الذي كان حاضراً في الساحة السياسية . ليس هذا فحسب ، وأنما زاد الموقف تعقيداً دخول البلاد في حرب غير مسبوقة وخسائر جسيمة سبق أن أشرت اليها بالتفصيل في فقرة سابقة إضافة الي تدمير شامل للمؤسسة العسكرية والبنية التحتية . هذا الواقع السياسي الأجتماعي يتطلب تفكيراً جاداً خارج الصندوق وأولي أوليات هذا التفكير هو الوحدة الشاملة لوقف نزيف الحرب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقية حطام الوطن ولملمة أطرافه والشروع في النهضة لبنائه مع عدم الأغفال في محاسبة من تسبب في هذا الضياع والخراب .

حامد بشري
16 أكتوبر2023

hamedbushra6@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدکتور أحمد عثمان التغییر الجذری ثورة دیسمبر وقف الحرب لا للحرب

إقرأ أيضاً:

قراءة في قضايا العمل وقوانينه

تتشابك قضايا العمل في مجرياتها وتأثيراتها المجتمعية والاقتصادية؛ فتُحدث في داخلنا متاهات من التساؤلات تدفعنا إلى البحث عن الحلول لمشكلات أهمها أزمة الباحثين عن العمل، ومنظومة تقويم الأداء الوظيفي، وجدل التقاعد وقانونه الجديد. قبل الولوج إلى هذه القراءة وتشعباتها نحتاج إلى القول: إنه لا وجود لتقدم وتطور حضاري دون وجود تحديات مصاحبة؛ فنجد المشكلات مع كل تقدم وتنمية تواجه المجتمعات، منها مشكلات العمل التي لا ينحصر وجودها في دولة دون أخرى، إلا أن التفاوت في حجم هذه المشكلات هو ما يمكن أن يكون معيارا وقياسا لقدرة المجتمعات والحكومات على إيجاد الحلول المناسبة التي يمكن أن تخفف من وطأة الأزمات الناتجة.

تعتبر أزمة العمل وخصوصا أزمة الباحثين عن العمل أحد أكبر المعضلات التي تواجه دول العالم دون استثناء ومنها سلطنة عُمان التي تبذل الحكومة بمؤسساتها المعنيّة الجهود الممكنة للوصول إلى أقل معدلات للبطالة؛ فاستنادا إلى الواقع من زاويته المجتمعية بشموليّتها الاجتماعية والاقتصادية، وعبر ما نلتقطه من فئة الشباب الباحثين عن عمل يمكننا المحاولة في طرح قراءة لبعض مفاصل هذه المشكلة، وتحديد بعض مسبباتها مثل ضعف وجود الكوادر الوطنية في سوق العمل الذي يمكنه أن يشغلها بتعليمه الجامعي الذي تنفق الحكومة الأموال الطائلة عليه أو عبر إكسابه الخبرة المطلوبة بواسطة التدريب، وهنا الإشارة إلى سوق العمل في القطاع الخاص الذي يملك فرصا وافرة لكثير من المهن والتخصصات، وكذلك يرجع البعضُ تدني نسبة التعمين في القطاع الخاص لأسباب أهمها ضعف الحد الأدنى للرواتب وعدم توافقه مع غلاء المعيشة، والذي يمكن لبعض مؤسسات القطاع الخاص استغلاله بشكل قانوني يضمن تنفيذها لشرط نسبة التعمين، وفي المقابل تقليل التكلفة المالية الناتجة من التوظيف، وتحقيق مكاسب ربحية تضع الباحث عن العمل أمام خيارات صعبة منها عدم الاستمرارية في العمل نتيجة الإحساس بالضَّيْم وعدم المساواة، وهنا تتجلى الظاهرة النفسية التي نحتاج إلى الالتفات إليها المتولّدة عند الباحث عن العمل، أو الفاقد للحقوق المالية العادلة والمكافِئة للوظيفة ومهامها، أو عند الاضطرار لترك الوظيفة أوالفصل التعسفي، وهذه الظاهرة النفسية لها تأثيرها من جميع النواحي منها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي يمكن أن ترتبط بزيادة معدلات الجريمة والتفكك الأسري والاجتماعي، والأمراض النفسية التي تعوق مسيرة التنمية نظير تراجع معدلات الأداء والإبداع عند فئات الشباب الذي يعدّ عمادَ المجتمعات وأركانها.

لا يمكن أن نوجّه أصابع الاتهام إلى جهة معيّنة ونحمّلها المسؤولية بمجملها؛ إذ يتحتم أن ندرك أن مسؤولية أزمة الباحثين عن العمل يتشارك جميع عناصر المجتمع في مواجهتها وتقليل معدلاتها؛ فيأتي الوعي المجتمعي -المتعلق بفهم حركة العمل وأدواته وفلسفته- وتأسيسه على عاتق جميع عناصر المجتمع نفسه أفرادا ومؤسسات، ومن السهل أن نقرّب مغزى الوعي المجتمعي وأهميته في واقع حركة العمل الحر والمؤسسي التي يمكن لأيّ مجتمع أن يتبنى وجودها، ولنا في مدن وولايات عُمانية الأمثلة الناجحة على ذلك منها مدينة نزوى التي تعطي نموذجا واقعيا لوجود الوعي المجتمعي الخاص بفلسفة العمل الذي ليس بالضرورة أن يُحدَّ بأيّ ظرف خارجي يتعلق بتحديات القطاع الخاص أو القطاع العام؛ فانتهجت مدينة نزوى وغيرها من المدن والولايات العمانية توجها غيّر من قواعد العمل المألوفة؛ إذ نجد نشاطا في سوق العمل بمختلف مجالاته يدب في هذه الولايات ويتحرك بسواعد أبنائها الذين يقتنصون الفرص التي يمكن تسخيرها في تحقيق التنمية الاقتصادية واستدامتها؛ فنجد نموا صاعدا في قطاع السياحة الذي لم يعد حكرا على القوى العاملة الأجنبية بل نرى لهذا القطاع شركات أهلية تُعنى بجذب الشباب العُماني الباحث عن العمل؛ فتجعل منه شريكا يساهم بخبرته وعلمه ويستفيد من الناتج بشكل مجزٍ؛ فيعيد تشكيل خبراته التي يمكن أن تلهمه إلى توسيع دائرة العمل وتطويره، وكذلك يمكن لهذه الشركات الأهلية المساهمة في التنمية المجتمعية التي يمكنها أن تمنح الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للجميع.

في جانب آخر فإن تعويلنا على دور الوعي المجتمعي لفلسفة العمل -الذي أمكن أن نرى نتائجه في بعض الولايات العمانية ومدنها- لا ينبغي أن نجعله بديلا يمنع حق مشاركة الكوادر العمانية في سوق العمل العام والخاص الذي سقنا بعض مسببات ركوده التي يمكن أن تعالج بقرارات تعيد النظر في قوانين العمل منها رفع الحد الأدنى للأجور، ورفع نسبة التعمين للوظائف بجميع مستوياتها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة -وفي هذا المفصل لا ننكر الحراك الذي تبذله الحكومة عبر تحديثها المستمر لنسب التعمين ورفعها وفقا للتخصصات التي يمكن للكوادر العمانية أن تتولى تنفيذها-، ورفع معدلات الأمان الوظيفي -الذي أيضا نرى تحسّنه وفقا لمستجدات قانون العمل والحماية الاجتماعية-، وينبغي أن يصاحب أيّ مستجدات في هذه القوانين متابعة حثيثة ودقيقة يمكن بواسطتها تحقيق أقصى تنفيذ ممكن لهذه القوانين.

من منظور آخر يخص حركة العمل واستدامته لابد أن نلتفت في قراءتنا الحالية إلى منظومة التقويم الوظيفي وأدواتها المستعملة التي تتفاوت في آليتها وقياساتها وأدواتها من قطاع إلى آخر، إلا أننا في هذا المقال المعني بقضايا العمل نركّز على المنظومة الحالية المعتمدة في القطاع العام المدني التي يراها كثيرٌ من العاملين في القطاع العام بأنها منظومة بحاجة إلى مراجعة شاملة تعيد آلية تقويم الأداء الوظيفي بشكل مرضٍ وعادل للجميع مما يقلل من ظاهرة الإحباط وعدم المبالاة وضعف الأداء، وفي هذا الشأن من الممكن أن ندخل الذكاء الاصطناعي ونماذجه للمساعدة سواء في تحليل كفاءة هذه المنظومة وتحديد نقاط ضعفها أو في إعادة بنائها وتشغيلها. كذلك قانون العمل الذي ارتبط به نظام التقاعد الجديد بحاجة إلى إعادة النظر في مفاصله الكثيرة التي تخص الحاضر والمستقبل وتخص الزوايا المتعلقة بالأداء الوظيفي والاجتماعي والأسري والنفسي؛ فهذه زوايا من السهل أن تجتمع في تشكيل مجتمع منهك لا يرى وضوحا لمستقبله الذي يستحق أن يكون في صورة أكثر مرونة من حيثُ الميولات الشخصيّة ورغباتها، وتمنح فرص استئناف الحياة بصور أخرى؛ فتسمح لكوادر وطنية أخرى أن تكمل مسيرة العمل دون تأخير يسرق سنوات العمر من الجيلين السابق والجديد.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

مقالات مشابهة

  • عبدالله حمدوك: يمكن الاستمرار في جهود وقف الحرب بالتوازي مع العملية السياسية
  • قراءة في قضايا العمل وقوانينه
  • مجلة أمريكية: القدرات اليمنية لا يمكن القضاء عليها بسهولة
  • «تحرير السودان – قيادة عبد الواحد» تؤكد مشاركتها في مؤتمر القوى السياسية والمدنية بالقاهرة
  • ناقد رياضي يكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة أحمد رفعت
  • السودان: رسائل إلى المجتمعين في القاهرة
  • كاتب بلا مقال
  • فنيش من شقراء: احتمالات الحرب الشاملة قد خفتت
  • هل يمكن أن تؤدي المواجهات بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب أهلية في لبنان؟.. تقرير يجيب
  • يعقوب التقى باسيل: الرهان على الحرب خاطئ