أواصل الحوار مع صديقي أحمد عثمان عمر. كانت نقطته الجوهرية، في كل مقالاته ،انهم (قوى التغيير الجذري) لن يتحالفوا مع قحت بسبب شراكتها مع العسكر، وبأنها، في رأيهم، تصر، حاليا ومستقبلا، على مواصلة هذه الشراكة المعيبة. أوضحت في مداخلاتي ان الجدل الماركسي يرتكز على الصيرورة المستمرة وعملية التغيير المتواصلة، التي لخصها أحد فلاسفة الحضارة اليونانية القديمة، بهذه الكلمات: " إنك لا تنزل للنهر مرتين".

انطلاقا من ذلك أقول ان الشراكة ليست امرا نهائيا، وان واقع التجربة الانتقالية ومرارات كارثة الحرب، وجرائم الطرفين المتحاربين، ستكون عوامل أساسية نحو افق سياسي وطني جديد. اليوم نتابع المناقشة في ظل المستجدات والمهددات التي افرزتها الحرب، وجعلت وحدة القوى المدنية واجبا مقدما، يعلو ولا يعلى عليه.
طرحت في كل مقالاتي ان معركتنا الأساسية هي من اجل الديمقراطية. وان التناقض الأساسي هو بين دعاة سيادة حكم القانون وفصل السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية عن بعضها البعض، وإتاحة الحقوق الأساسية والحريات العامة من جانب. من الجانب الآخر دعاة الدولة الشمولية والحزب الواحد وفرض رؤية واحدة أحادية. وصراعنا التاريخي ضد الدكتاتورية العسكرية أوالمدنية هو من اجل إقامة ديمقراطية راسخة في بلادنا. بهذا الوضوح افهم ان مواجهة التناقض الأساسي يستدعي تحالف كل القوى الداعية للديمقراطية، بمختلف مشاربها وافكارها ونوع برنامجها المستقبلي المستقل. يتم ذلك بإنشاء جبهة واسعة من القوى السياسية والحزبية ومنظمات المجتمع المدني بعد توافقها على برنامج الحد الأدنى. بعد انجاز الانتقال الديمقراطي وتثبيت دعائمه يحق لاي جهة ان تطرح ما تراه من رؤى وبرامج والاجتهاد لإقناع الجماهير بها وحشدها من اجل الفوز بالسلطة.
اشرت لمقتطفات من تصريحات ولقاءات قوى الحرية والتغيير حول موقفهم السياسي. أوضحت ما قاله ياسر عرمان ومحمد عبد الحكم والواثق البرير. اليوم اقتطف ما قاله صديق الصادق المهدي وهو قيادي بالحرية والتغيير وقيادي بأكبر مكونات قحت. جاء ذلك في تصريح لجريدة الشرق الأوسط، وأعادت نشره الراكوبة أمس. كان العنوان البارز هو " لا شراكة مع العسكر". ما يلي بعض أجزاء التصريح الهام والواضح:
" قطع المهدي بـ«استحالة قيام شراكة جديدة بين المدنيين والعسكريين في المرحلة المقبلة»، وقال: «هم أقروا بأنهم لن يكونوا جزءاً من المشهد السياسي، فإذا كانوا صادقين وجادين، فإن ممارساتهم، منذ نظام عمر البشير وأثناء الانتقال وصولاً إلى الحرب العبثية والكوارث التي ترتبت عليها، كفيلة بجعلنا نضغط ونتوافق على أن يلتزموا بما ألزموا أنفسهم به في الاتفاق الإطاري، بأن يبتعدوا عن ممارسة السياسة والاقتصاد والاستثمار.
قال عضو المجلس المركزي لتحالف «قوى إعلان الحرية والتغيير»، ومساعد رئيس «حزب الأمة» القومي، الصدّيق الصادق المهدي، إن منتقدي أنصار وقف الحرب في السودان يتمسكون باستمرارها «خشية تضرر مصالحهم»، ويتنصلون من مسؤوليتهم عن الحرب بتحميلها لـ«القوى المدنية التي تعمل على إصلاح مؤسَسي للدولة يقطع الطريق أمامهم.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، أوضح المهدي أن خلاف «أنصار نظام البشير البائد الرئيسي، ليس مع قوات {الدعم السريع} التي صنعوها ومكنوها، بل مع القوى المدنية التي تسعى لتحقيق إصلاح مؤسسي لمؤسسات الدولة، بما في ذلك القوات النظامية، بما هدد ويهدد تمكينهم واستثماراتهم ونهبهم موارد البلاد.
وكشف المهدي عن اقتراب القوى المدنية من «تشكيل جبهة مدنية عريضة، تعمل على إنهاء الحرب، مؤلفة من قوى مدنية وسياسية ولجان مقاومة ومهنيين وشخصيات مستقلة، وتم التوافق على لجنة اتصال للقيام بالاتصالات اللازمة لإعلان الجبهة وعقد مؤتمرها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وأوضح أن النظام البائد وأنصاره «أشعلوا الحرب ويعملون على استمرارها ويقفون ضد وقفها، ليعودوا إلى السلطة من بوابتها، وليفتحوا منافذ جديدة للفساد، لذلك صنعوا ودعموا انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ثم جاءوا بالطامة الكبرى، حرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، لقطع الطريق أمام أي تحول ديمقراطي مدني مضاد لمصالحهم.

ورأى المهدي أن استمرار الحرب «يهدد بانزلاق البلاد نحو مأساة الحرب الأهلية وتحول السودان لبؤرة ومصدر للكوارث في العالم والإقليم»، قاطعاً بأن «الطريق الأصوب لوقف الحرب تكون بإعلاء صوت مصالح السودان، ومحاصرة دعاوى من أشعلوا الحرب والمستفيدين من استمرارها». ويتمسك المهدي بأهمية توحيد الصف المدني من أجل مخاطبة العسكريين بضرورة «تجنيب البلاد حرباً أهلية تهدد بتقسيمها إذا أعلن كل طرف حكومة موالية له في مناطق سيطرته.

أخترت مقتطفات كاملة، قصدا، حتى يجيب احمد عثمان عمر ودعاة التغيير الجذري، الذين يتعذرون بقضية الشراكة لرفض التحالف، عن المانع الآن؟
لست من دعاة ان يأتي الجذريون ليبصموا على رؤية قحت السياسية. فهناك العديد من المبادرات والرؤى، آخرها ما أصدرته لجان المقاومة. ما أدعو اليه ان تجتمع كل تلك المكونات والقوى، حول مائدة مستديرة. وان تتحاور بعقلانية وشفافية حول ما يجمعها تجاه إيقاف الحرب وابعاد العسكر عن السياسية، والتمسك بحكم مدني كامل. وان تتحرك كل تلك القوى معا لفرض راي الشعب السوداني في طاولة مفاوضات جدة. لست حالما لأقول ان المسألة بتلك السهولة، ولكن انجاز اللقاء التداولي الأول يشكل إنجازا كبيرا، فمسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة.

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى المدنیة

إقرأ أيضاً:

قوات مجرمة من الأوباش والمرتزقة لا أحد يريد أن يرتبط بهم

من استخدموا الدعم السريع كمطرقة لتدمير الدولة وإخضاع الشعب السوداني سيلقون بها في أقرب مكب نفايات متى ما شعروا بأنها قد أدت غرضها المتمثل في تركيع الجيش ومن وراءه الشعب السوداني.

في الحقيقة الدعم السريع لم يعد موجودا كقوة عسكرية ولا دور سياسي له. توجد مليشيا يجرى استخدامها كأداة لتركيع الدولة السودانية.

القوى التي استخدمت الدعم السريع كأداة في مرحلة الحرب وبمجرد تحقيق الأهداف المرجوة ستلقي هذه الأداة التي لا مستقبل لها؛ قوات مجرمة من الأوباش والمرتزقة لا أحد يريد أن يرتبط بهم. الأداة الجديدة لمرحلة ما بعد إخضاع الجيش باستخدام المليشيات هي القوى السياسية السودانية عديمة الإرادة والوطنية. إن تم هذا المخطط، وهو ما لا ينبغي أن يحدث، برضوخ الجيش للتفاوض، سينتهي الدعم السريع وتبدأ مرحلة القوى السياسية ومؤتمر القاهرة هو البداية. هذه المرحلة هي مرحلة حصاد ثمار الحرب بالنسبة للقوى التي تقف وراء الحرب أساسا والقوى المتواطئة معها.

بلد مهزوم، جيش منكسر، شعب مشرد ضعيف فاقد للإرادة، قوى سياسية هشة مفككة بلا رؤية وبلا إرادة وجزء كبير منها عبارة عن خونة وعملاء؛ لا توجد وصفة أفضل من هذه لإخضاع السودان والتحكم به وإعادة تشكيله بواسطة القوى الخارجية التي ظلت تنتظر هذه الفرصة بل عملت لها طويلا.

التصدي لهذا المخطط وإفشاله يكمن في عدم الخضوع والاستمرار في الحرب حتى القضاء على المليشيا التي هي العصا الأساسية للأعداء وبكسرها وتحطيمها يفقدون كل كروتهم. بدون تفاوض المليشيا ضعيفة وحلفاءها في قحت ضعفاء وأسيادها وداعميها في الخارج لا يملكون أن يفعلوا أكثر مما فعلوه؛ من دعموا المليشيا ومن تآمروا على الشعب السوداني ومن تواطأوا ومن صمتوا، لا يوجد ما يفعلونه أكثر والنصر صبر ساعة.

بهزيمة المليشيا والقضاء عليها نتخلص إلى الأبد من الضغوط ومن الابتزاز ومن الوصاية؛ نستعيد سيادتنا وإرادتنا وقرارنا ونتحرر. إن ذهبنا للتفاوض نفقد كل ذلك. ولا يجب أن نعول إلا على الشعب السوداني وإرادة المقاومة وروح الكرامة فيه.
ولذلك، لابد تسليح الشعب.

حليم عباس

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تصاعد الهجمة المرتدة
  • اللواء إبراهيم عثمان: الحرب في لبنان قرار إيراني قد يورط بيروت
  • في بيان أصدرته: «تنسيقية تقدم» تعتذر عن تلبية دعوة الآلية الافريقية رفيعة المستوى لاجتماع أديس أبابا التشاوري
  • استئناف بورسعيد تؤيد حكم الإعدام علي قاتل شقيقته: قتلت أمك بقتل شقيقتك
  • قوات مجرمة من الأوباش والمرتزقة لا أحد يريد أن يرتبط بهم
  • عثمان الميرغني يشيد بمؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية في مصر
  • مؤتمر القاهرة: هل توقف الكلمات حرب السودان
  • البيان الختامي لاجتماع القوى السودانية بالقاهرة
  • جمال الكشكي: السودان محور استقرار كبير لمصر.. والقاهرة «مفتاح» حل الأزمات
  • الطريق إلى جدة!!