لا تخاطر الحرب بين اسرائيل وحماس فقط باشتعال إقليمي، إنها تؤثر أيضاً على توازن القوى، وترهق المصادر الأمريكية والأوروبية، بينما تخفف الضغط عن روسيا وتوفر فرصاً جديدة للصين.  

وكتب ياروسلاف تروفيموف في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن "التأثيرات على الشرق الأوسط، من الصعب التنبؤ بها. وهي تعتمد أولاً عما إذا كانت اسرائيل ستنجح في حملتها للتخلص من حماس كقوة عسكرية وسياسية رئيسية.

وثمة مسألة أخرى حاسمة تكمن في ما إذا كانت العلاقات الديبلوماسية لإسرائيل في المنطقة والمكانة العالمية لمؤيديها الغربيين قادرة على الصمود في مواجهة الخسائر البشرية المتزايدة بين المدنيين في غزة، بينما تلوح في الأفق حرب مدن في القطاع المكتظ بالسكان".   

ولكن بالنسبة للوقت الحاضر، فإن الحرب التي شنتها حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يتبين أنها نعمة لخصوم أمريكا الجيوسياسيين الرئيسيين. ولطالما سعت الصين وروسيا وإيران إلى تقويض النظام الدولي المدعوم من الولايات المتحدة، وهم الآن يستفيدون من ميزة تشتيت الانتباه الأمريكي، بحسب الكاتب.

How the Israel-Hamas War Is Tilting the Global Power Balance in Favor of Russia, China https://t.co/0ut4tYRwmB

— NEWS MAKER (@NEWS_MAKER) October 17, 2023

وقال رئيس الوزراء الفنلندي السابق الكسندر ستوب :"ما نراه هو جزء من نقلة وتحول في النظام العالمي...وعندما تترك الولايات المتحدة فراغاً، فإن أحداً سيملأ هذا الفراغ".   

ومن أجل التأكد، فإن الولايات المتحدة عادت فعلاً إلى الشرق الأوسط، وتثبت نفسها شريكاً لا غنى عنه بالنسبة إلى اسرائيل ودول عربية، مع الديبلوماسية المكوكية والانتشار العسكري-وهو انخراط يحظى بدعم من الحزبين ويبدد بعض مشاعر العزلة، التي كانت قد حققت مكاسب في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فإن تركيز واشنطن على الشرق الأوسط، جعل روسيا المستفيد الأوضح على الأرجح من انتشار الاضطراب".

وأشارت الصحيفة إلى القتلى الفلسطينيين الذي وصل إلى نحو 2750 وفق آخر حصيلة،  مضيفةً أن "موسكو تحتفل بما تصفه بنفاق الحكومات الغربية، التي تندد مراراً وتكراراً بالمجازر الروسية بحق المدنيين في أوكرانيا، لكنها لا توجه إلا انتقاداً ملطفاً لإسرائيل، هذا إن فعلت".   

والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي وفق السلطات الأوكرانية، قتلت قواته عشرات الآلاف من المدنيين خلال حصار مدينة ماريوبول لأشهر، العام الماضي، يقارن الحصار الإسرائيلي لغزة بالحصار الذي تعرضت له مدينة بطرسبرغ، مسقط رأسه، التي كانت تدعى لينينغراد ابان الحرب العالمية الثانية. وهذا في الجوهر، يساوي بين الإسرائيليين والنازيين. وهذه لغة تنم عن تخلٍ صارخ من بوتين عن العلاقة الحميمة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، وهي جزء من الجهد الديبلوماسي الروسي لجعل موسكو قائدة الحركة العالمية ضد "الاستعمار الجديد" للغرب، حتى ولو كان يتبع حرباً توسعية بغزوه أوكرانيا.

#بوتين يحذر من تحول الصراع في #غزة إلى حرب إقليمية https://t.co/qc2WkUknID

— 24.ae (@20fourMedia) October 16, 2023

وقال وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبربرجيس، إن "أي نزاع يحول بعض الانتباه عن أوكرانيا يصب بلا شك في مصلحة روسيا...إن الروس ربما لم يبدأوا النزاع، لكن لديهم مصلحة في استمراره لأطول فترة ممكنة، مما يعزز سرديتهم عن العالم الغربي".     

مشروع قرار روسيا بمجلس الأمن حول غزة وإسرائيل يفشل في حصد الأصوات المطلوبة https://t.co/Yr9sAntvTY

— 24.ae (@20fourMedia) October 17, 2023

كما أن الصين تؤيد القضية الفلسطينية بطريقة لم تفعلها منذ عقود. وعلاقاتها الودية مع اسرائيل في حال يرثى لها. وعلى رغم تكرار بكين الحاجة إلى محاربة الإرهاب في الوقت الذي تقمع الإيغور في إقليم شينجيانغ، فإن الصين امتنعت من استخدام كلمة "الإرهاب" في وصفها لهجوم حماس، مما يثير رعب اسرائيل-على رغم وجود 4مواطنين صينيين من بين من قتلتهم حماس، بينما تم أخذ ثلاثة آخرين كرهائن، وفق ما تقول اسرائيل.      

وقال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في أول تعليق علني له منذ هجوم حماس :"إن جوهر القضية هو أن العدالة لم تتحقق للشعب الفلسطيني".   

وفي وقت تستعد بكين لصدام محتمل مع الولايات المتحدة حول مستقبل تايوان، فإن الصين تستفيد من تحول انتباه واشنطن مجدداً بسبب الاضطراب في الشرق الأوسط، وفق ما يقول متابعون للشؤون الصينية.    

#الصين تحدد موقعها من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي https://t.co/LHjh52NMyV pic.twitter.com/XHm6P9lGVk

— 24.ae (@20fourMedia) October 16, 2023

وتوجه الحرب التي شنتها حماس ضربة للهند، المنافس الآسيوي الرئيسي للصين، بعدما كانت نيودلهي طورت علاقاتها أكثر مع اسرائيل في السنوات الأخيرة.     

وبحسب السفير الأمريكي السابق لدى حلف شمال الأطلسي إيفو دالدار، فإن الولايات المتحدة يجب أن تكون قادرة على دعم اسرائيل وأوكرانيا، بينما تؤكد على التزاماتها حيال تايوان.  

كما أن الأزمة هي تذكير بمدى أهمية أمريكا بالنسبة إلى المنطقة والعالم. وكانت الصين رحبت بدخولها إلى السياسة الإقليمية في مارس (آذار)، حيث توسطت في اتفاق في شأن استعادة العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وإيران. ولكن مع تزايد مخاطر نشوب حرب إقليمية فإن الصين تبتعد عن الأضواء.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل غزة روسيا الصين الولایات المتحدة الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

تقرير: على أوروبا صياغة دور جديد في الاقتصاد العالمي

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، تواجه أوروبا تحديات جديدة تتطلب إعادة صياغة دورها على الساحة الدولية. ومن خلال تعزيز تعاونها الاقتصادي، وتطوير سياساتها المالية والتجارية، تسعى القارة إلى ترسيخ مكانتها كفاعل رئيسي في النظام الاقتصادي العالمي.

وقال المحلل البريطاني كريون بتلر، مدير برنامج الاقتصاد والتمويل العالمي، في المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس)، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قام بإعادة تشكيل دور الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي بشكل جذري.

Only Europe can begin to fill the void left by the US’s withdrawal from its post-war global economic leadership role. The EU and UK should make this goal a shared priority. https://t.co/GWB6MQ1NgP

— Chatham House (@ChathamHouse) March 28, 2025

وأظهر استعداده لفرض رسوم جمركية كبيرة على معظم التجارة الأمريكية دون التقيد بأي قواعد دولية، وبالاعتماد على أسس قانونية محلية مشكوك فيها. كما وضع التحالفات الأمنية الأساسية للولايات المتحدة موضع شك، وهدد السلامة الإقليمية لحلفاء مقربين، بينما سحب الولايات المتحدة من الجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي والأمراض والفقر.

وأضاف بتلر أنه بدلاً من أن تكون الولايات المتحدة قوة لتحقيق الاستقرار الدولي وحل المشكلات، أصبحت الآن مصدراً رئيسياً لعدم اليقين الاقتصادي العالمي، إذ يبدو أن السياسة الأمريكية مدفوعة بمصالح وطنية ضيقة ونهج قائم على المعاملات، دون اعتبار للقيم والمبادئ والقواعد والتحالفات طويلة الأمد.

وحتى الآن، لا يبدو أن ترامب لتوقف عن نهجه في ظل التأثير السلبي لهذه السياسات على التوقعات الاقتصادية للولايات المتحدة، حيث قام مجلس الاحتياط الاتحادي الأمريكي بمراجعة توقعات النمو لعام 2025 وخفضها بمقدار 0.4 نقطة مئوية إلى 1.7%، في حين انخفض مؤشر "ستاندارد آند بورز 500" بنسبة 7% عن ذروته في فبراير (شباط) الماضي.

ويقول بتلر إن الولايات المتحدة قامت في بعض الأوقات، بتغيير القواعد الاقتصادية الدولية أو تجاهلها عندما كان ذلك ملائماً لها في فترات سابقة. لكن طبيعة ومدى التغيير الحالي يتجاوزان أي شيء شهدناه منذ إنشاء نظام بريتون وودز قبل 80 عاماً.

ويرى بتلر أنه يجب على الدول الأخرى أن تخطط على أساس أن التحول في النهج الأمريكي سيكون دائماً، وألا تقتصر استراتيجياتها على إدارة علاقاتها الفردية مع إدارة ترامب في الوقت الحالي.

وأضاف بتلر أنه يمكن لهذه الدول ببساطة، قبول النموذج القائم على "المصلحة الوطنية الضيقة" الذي ينتهجه ترامب، وتقليد السلوك الأمريكي. أو يمكنها السعي للحفاظ على نظام قائم على القواعد، من خلال إيجاد حلول بديلة للتعامل مع تصرفات الولايات المتحدة، غير المترابطة أو المعرقلة بشكل علني.

ويرى بتلر أن انهيار هذا النظام الاقتصادي يشكل تهديداً وجودياً للاتحاد الأوروبي. ولهذا، فإن التكتل لديه مصلحة قوية في الرد على سياسات ترامب من خلال قيادة جهد عالمي للحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القيم والمبادئ والقواعد.

وعلاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي هو الوحيد الذي يتمتع بالحجم الاقتصادي (18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حيث القيمة السوقية مقابل 26% للولايات المتحدة)، والعملات القابلة للتحويل بالكامل والقدرات الاقتصادية والعلمية والكفاءة التنظيمية ونظام الحوكمة القائم على القانون، ومجموعة التحالفات الاقتصادية الدولية اللازمة للقيام بمثل هذا الدور.
ويقول بتلر إنه حتى الآن، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات حاسمة في ثلاثة مجالات. أولاً، أعلنت المفوضية الأوروبية عن رد انتقامي قوي ضد الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألومنيوم، مع الإبقاء على عرض التفاوض.

وثانياً، تحركت المفوضية بسرعة لطرح مقترحات للتمويل الجماعي للاتحاد الأوروبي اللازم لدعم نظام دفاع أوروبي مستقل عن الولايات المتحدة. وثالثاً، تقوم ألمانيا، صاحبة الاقتصاد الرائد في الاتحاد الأوروبي، برفع قيود الاقتراض الدستورية التي تسمح لها بتمويل 500 مليار يورو من الإنفاق المحلي على البنية التحتية وإنفاق إضافي غير محدد بعد، ولكنه كبير، على الدفاع.

وتشير بعض التوقعات إلى أن هذا قد يرفع معدلات النمو الألماني الضعيفة الحالية، بما يصل إلى 0.5 نقطة مئوية في عام 2026. وكل هذه الخطوات الثلاث تتسق مع مبادرة الحفاظ على النظام الاقتصادي الدولي. لكنها مجرد بداية.

ويرى بتلر أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي الآن اتخاذ خطوات أخرى. أولاً، يجب أن يبدأ في صياغة رؤية لما يجب أن يكون عليه النظام الاقتصادي الدولي الجديد، والدور الذي سيلعبه الاتحاد الأوروبي فيه.

وثانيا، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعطي الأولوية لتنفيذ التوصيات بشأن تعميق وتوسيع الأسواق المالية الأوروبية ومطابقة ذلك بتنشيط الجهود الرامية إلى تعزيز وضع عملة الاحتياطي العالمي لليورو. وثالثاً، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى بناء الثقة والتعاون مع الدول الأخرى لدعم نظام عالمي جديد.

ولكن الأهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو علاقته مع المملكة المتحدة، سواء على أسس اقتصادية أو لأن المملكة المتحدة تشترك، أكثر من أي اقتصاد رئيسي آخر، في نفس المصلحة الأساسية في الحفاظ على نظام اقتصادي دولي قائم على القواعد ودور قيادي معزز لأوروبا محددة على نطاق واسع داخله.

مقالات مشابهة

  • الصين تبدي استعدادها للتوسط في إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا
  • الولايات المتحدة: تشكيل حكومة سورية جديدة خطوة إيجابية لكن من المبكر تخفيف العقوبات
  • NYT: كيف عزّز ترامب انعدام الثقة ودفع حلفاء الولايات المتحدة بعيدا؟
  • “وول ستريت جورنال”: تكتيك إسرائيلي جديد ضد المقاومة في الضفة الغربية
  • وول ستريت جورنال: المشهد السياسي الفرنسي قد يشهد تحولا زلزاليا
  • وول ستريت جورنال: ما سر كراهية تيار ماغا لأوروبا؟
  • ترامب: الولايات المتحدة بحاجة إلى غرينلاند
  • تقرير: على أوروبا صياغة دور جديد في الاقتصاد العالمي
  • القوى التي حررت الخرطوم- داخل معادلة الهندسة السياسية أم خارج المشهد القادم؟
  • وول ستريت جورنال : مسودة اتفاق المعادن الجديد غير مألوفة وتشبه اتفاقية تجارية