جذور استراتيجية حركة حماس ومآلاتها
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
قال دانييل سوبلمان، زميل باحث في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية التابع لكلية هارفارد كينيدي، إن الحرب الحالية في قطاع غزة تشكّل تهديداً وجودياً واضحاً لحماس، وربما للقضية الفلسطينية برمتها.
إسرائيل ستنخرط في تصرفات وسلوكيات من المرجح أن تتصادم مع المصالح الحيوية لأعدائها
ورأى الكاتب في مقاله بموقع مجلة "ناشونال إنترست" أن الصراع الحالي، ونية إسرائيل المعلنة محو حماس من على وجه الأرض، حتى لو كان ذلك يعني خوض حرب تستمر لأشهر، ستكون لها آثار عميقة طويلة المدى على أي جهة فاعلة لها مصلحة في توازن القوى والنظام الإقليمي في الشرق الأوسط بعد أن تضع الحرب أوزارها.
Hamas' brutal attack was the result of a decades-long "axis of resistance" strategy, writes Daniel Sobelman. https://t.co/vAeYwQgVEl
— National Interest (@TheNatlInterest) October 16, 2023 محور المقاومةتقود إيران ما يُعرف بـ"محور المقاومة"، حيث تُعد المورد الرئيسي للمعدات العسكرية والمعرفة والتكنولوجيا، ويتكون هذا المحور في الأساس من حزب الله اللبناني، وقطاع غزة، وسوريا، والميليشيات الحوثية المتمردة في اليمن، والعديد من الجماعات الشيعية المدعومة من إيران.
يسعى "محور المقاومة" إلى هزيمة إسرائيل والقوى الغربية في الشرق الأوسط، وبالإضافة إلى ذلك يتقاسم أعضائه مفهوماً استراتيجياً مماثلاً. يتمثل جوهر هذا المفهوم الاستراتيجي في أن الجهات الفاعلة المعادية والمتفوقة مثل إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ستكون قادرة دائماً على إلحاق أضرار هائلة بمدنييها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الجهات الفاعلة تظهر ضعفاً شديداً من ناحية حماية المدنيين، إلا أنها تملك القدرة على حماية أجهزتها العسكرية وأنظمة القيادة والسيطرة وقدراتها التقليدية. وهذا هو على وجه التحديد المنطق الكامن وراء اعتماد "محور المقاومة" على مخزونات هائلة من الأسلحة مثل الصواريخ، والصواريخ الموجهة، والطائرات الهجومية المسيرة بعيدة المدى، وصواريخ أرض - بحر.
وفي العديد من المناسبات على مر السنين، أوضح الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي ظل لفترة طويلة جزءاً أساسياً لا يتجزأ من عملية صنع القرار الإيرانية، المنطق الاستراتيجي وراء تحركات "المقاومة".
ووفقاً لنصر الله، فإن الصواريخ والقذائف الصاروخية هي وسيلة "المقاومة" لتعويض التفوق الجوي للجانب المعادي الأقوى. وبالتالي، طالما استمر هجوم الطرف الأقوى، فإن وابل صواريخها سيظل عنصراً يؤثر على مناطق المدنية للأعداء.
وكما أوضح نصر الله، في نهاية المطاف، قد يضطر الجانب الأقوى إلى شن غزو بري، وهو أمر من المفترض أن يؤدي إلى تكافؤ الفرص. وبالتالي، يُنظر إلى الغزو العسكري على أنه نتيجة مرغوبة.
وبالنسبة للجهات الفاعلة في محور "المقاومة"، فإن هذه الاستراتيجية نفسها معرضة للخطر حالياً، والتي كان يُنظر إليها فيما مضى بأنها قادرة على الصمود أمام القوة العسكرية الإسرائيلية كما حدث في العديد من الصراعات في لبنان في التسعينات وحرب لبنان في عام 2006. فشلت إسرائيل في كل هذه الصراعات، في توجيه ضربة عسكرية حاسمة، وهو ما أدى بالتبعية إلى فشلها على الصعيد الدبلوماسي.
وصدّر حزب الله هذا النموذج إلى قطاع غزة، حيث استفادت حماس من تجاربها الماضية وصاغت نسختها الخاصة منه. وبالتالي فإن الظاهرة ذاتها تنطبق على الصراعات الإسرائيلية في قطاع غزة منذ سيطرة حماس على قطاع في غزة في يونيو (حزيران) 2007.
Tehran reveals underground missile base near Persian Gulf https://t.co/kNYMtsiV2w
— Al-Monitor (@AlMonitor) January 9, 2021 معادلات الردعوتحاول حماس الآن ردع إسرائيل وإخضاعها لـ"معادلات الردع"، حيث يتم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية التي تتجاوز عتبة معينة بإطلاق صواريخ كثيفة على العاصمة التجارية لإسرائيل، تل أبيب.
ووصف المتحدث باسم كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس احتمال غزو الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة بأنه "مثير للضحك"، وذكر أن "أفراد جيش القسام" ينتظرون بفارغ الصبر مواجهة أي جيش غاز.
وأكد الكاتب أن حماس استمدت الشجاعة والإلهام من تعاونها مع إيران وحزب الله، الذي تزايد بشكل كبير منذ عام 2021، ومن شعورها بأن "محور المقاومة" برمته يحمي ظهرها.
وأكد المتحدث العسكري لحماس أن "مستوى التنسيق بين حماس والأشقاء في محور المقاومة أرتفع وتطور على صعيد حشد الجهود فيما يتعلق بمستقبل الصراع". ولم يكن هذا أكثر وضوحاً مما كان عليه في مقابلة أجراها مؤخرا صالح العاروري، الرجل الثاني في قيادة حماس، الذي صرح في أواخر أغسطس (آب) بأن الحرب الإقليمية "الحاسمة" متعددة الجبهات مع إسرائيل ليست مرغوبة فحسب، بل في الواقع، " ضرورية" وستحدث أيضاً في "المدى القريب".
بعد أسبوع واحد من تعامل حماس مع إسرائيل بما يسميه قادتها بأسوأ كارثة لحقت بالمدنيين اليهود في جميع حروبها مع العرب، فإن كلمات العاروري تبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى، بحسب ما ذكرت "ناشونال إنترست".
Learning to Deter: Deterrence Failure and Success in the Israel-Hezbollah Conflict, 2006–16. https://t.co/ez2qCvOvuo pic.twitter.com/odERaaBpDe
— International Security (@Journal_IS) February 22, 2017 توسع نطاق الحربولكن، ومن أجل دحض توقعاته وإثبات خطئها، سيتعين أن تنخرط إسرائيل في تصرفات وسلوكيات من المرجح أن تتصادم مع المصالح الحيوية لأعدائها، الأمر الذي يزيد بالتالي من احتمالات اتساع نطاق الحرب الحالية، ويضع الجميع في على أعتاب حرب إقليمية.
وأياً كانت الطريقة التي تتطور بها الأمور، يرى الكاتب أن التداعيات الإقليمية ستكون جذرية. ومن المتوقع أن يُغير هذا ليس فقط الشرق الأوسط، الذي نعرفه، وبحسب تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بل وسيُغير إسرائيل نفسها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل محور المقاومة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
كيف استطاعت المقاومة في غزة الصمود خلال 2024؟.. أسباب مهمة
تدخل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عاما جديدا في مقارعة قوات الاحتلال والتصدي لعدوانها المتواصل على الأحياء والمخيمات والمدن منذ ما يزيد عن 14 شهرا متواصلة.
ولا تُظهر المقاومة في قطاع غزة أي نوع من التراجع أو الانكسار أو الضعف، رغم التحديات والعقبات الجسيمة التي واجهتها بفعل اشتداد العدوان الوحشي، وتواصل الحصار، وانقطاع خطوط الإمداد الداخلية والخارجية.
وشهد العام الجاري الذي يوشك على الانتهاء، عمليات شبه يومية ضد مواقع قوات للاحتلال، خصوصا في مناطق التوغل في شمال وجنوب قطاع غزة، مثّل بعضها محطات فارقة في جهود المقاومة في مقارعة الاحتلال والتصدي لتوغلاته واجتياحاته المستمرة، بل واعتبر من قبل بعض المحللين صمودا أسطوريا لا مثيل له في العصر الحديث.
واستخدمت المقاومة الفلسطينية خلال معركتها المستمرة منذ عام تكتيكات عديدة في مواجهة جيش الاحتلال لمقاربة معادلة القوى التي لا تقارن بين الطرفين، ولعل ذلك يكشف سببا رئيسيا لفشل الاحتلال بتحقيق أهدافه في غزة طوال 14 شهرا.
ومنذ بداية العملية البرية، تواصل المقاومة تصديها لقوات الاحتلال، إذ لا يمر يوم إلا وهناك مقاطع مصورة وبيانات عن المعارك الدائرة في مختلف محاور التوغل.
"إرادة أبناء الأرض"
تبرز إرادة القتال والصمود لدى المقاومة الفلسطينية على أرضها، كأحد أهم عوامل الاستمرار في مقارعة الاحتلال، والنيل منه، رغم حجم هائل من الصعوبات والمعيقات التي تحول "افتراضيا" دون استمرار أعمال التصدي والمقاومة في قطاع غزة، إذ كيف لمقاومة محاصرة، لا عمق لها، ولا خطوط إمداد داخلية وخارجية تغذيها أن تستمر؟
يدرك المقاومون في غزة أن المعركة التي يخوضونها، معركة فاصلة ومهمة، إذ يراد لهم أن يسحقوا حتى آخر مقاوم، ليبدأ في غزة عهد جديد ببصمة إسرائيلية صرفة، وإزاء هذا الاعتقاد، وهذه القناعة تواصل المقاومة دورها بعزيمة من حديد، رغم الجراح الغائرة، وحالة الخذلان غير المسبوقة.
العقد والكمائن
عمدت المقاومة لاستخدام أسلوب حرب العصابات، الذي يستند إلى التجربة الفيتنامية في المعارك بعيدًا عن القتال الجبهوي.
ويقاتل أفراد المقاومة في عقد قتالية معدة مسبقة، يشتبكون خلالها مع الاحتلال في الزمان والمكان الذي يختارونه، لتحييد أكبر قدر ممكن من فارق القوى بينهم وبين جيش الاحتلال المجهز بأحدث الأسلحة وأكثرها تدميرا.
كذلك كانت الكمائن المركبة كابوسا للاحتلال، حيث كبدته خسائر فادحة بالأرواح والمعدات، فضلا عن الكمائن المنفردة وعمليات القنص وتفجير العبوات والأنفاق المعدة مسبقا لاستدراج جيش الاحتلال.
أساليب متطورة
طورت المقاومة الفلسطينية خلال الحرب من تكتيكاتها بشكل كبير، وبدا ذلك واضحا من خلال استمرارية العمليات وعجز الاحتلال عن السيطرة على منطقة واحدة في القطاع دون أن يتلقى الضربات.
يقول مصدر ميداني مطلع لـ "عربي21" في تصريح سابق، إن "المقاومة عملت في بعض الأماكن على تسيير الاحتلال كما تريد هي، وفقا لخطط معدة مسبقا، كما اختارت هي المكان والزمان للكثير من فصول المواجهة".
وأضاف أن المقاومة سحبت مجموعات وتشكيلات عسكرية من بعض الأماكن، ودفعت بها لأماكن أخرى، بعد دراسة معمقة لطبيعة الميدان في إطار خطة لإدارة والاستفادة القصوى من العناصر المقاتلة على الأرض".
تجنيد وإعادة تدوير
يقول المصدر الميداني، إن المقاومة كيفت نفسها مع حرب طويلة الأمد التي أعدت لها العدة منذ زمن، كما غيرت بعض التكتيكات تماهيا مع المواجهة الطويلة.
وتحدث المصدر عن إطلاق حملة تجنيد واسعة النطاق للشباب في إطار التجهيز لحرب استنزاف طويلة لقوات الاحتلال، مؤكدا أن الفصائل وخصوصاً القسام تمكنت من تجنيد الآلاف خلال الأشهر القليلة الماضية.
من جانب آخر، فقد أظهرت مقاطع مصورة للقسام تفجير عبوات ناسفة بآليات الاحتلال، من مواد أعيد تدويرها خلال الحرب.
وعن ذلك، يقول المصدر إن المقاومة أعادت تصنيع القنابل التي يطلقها الاحتلال صوب المنازل والأهداف ولا تنفجر، حيث تستخدم خصوصا في إطار عبوات ناسفة جديدة لاستهداف آلياته. إلى جانب استخدام المواد داخل هذه القنابل في الرؤوس المتفجرة والقذائف والصواريخ.
القتال تحت الأرض
في تشرين الأول/ أكتوبر، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تفاصيل جديدة حول تكتيكات حركة حماس في بناء الأنفاق، مبينة أن التفاصيل ظهرت ضمن دليل إرشادات للحركة، ويعود تاريخه لعام 2019، عثرت عليه القوات الإسرائيلية في أثناء حرب غزة الحالية.
وقالت الصحيفة، إن دليل القتال تحت الأرض يتضمن تعليمات بشأن كيفية إخفاء مداخل الأنفاق، وتحديد موقعها باستخدام البوصلات أو نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والدخول بسرعة والتحرك بكفاءة.
وجاء في وثيقة أنه في "أثناء التحرك في الظلام داخل النفق، يحتاج المقاتل إلى نظارات رؤية ليلية مزودة بالأشعة تحت الحمراء"، وتشير إلى أنه خلال التحرك في الممرات الضيقة في الظلام، يجب أن يضع المسلح يدا على الحائط والأخرى على المسلح أمامه.
وتلقى القادة الميدانيون أيضا تعليمات بتحديد الوقت الذي يستغرقه المسلحون تحت إمرتهم للتنقل بين نقاط مختلفة تحت الأرض، بالثانية، كما تروي الصحيفة.
وتشير الوثائق إلى الأبواب المقاومة للانفجار في الأنفاق للحماية من القنابل والجنود الإسرائيليين.
وتظهر وثيقة أنه قبل عام واحد فقط من مهاجمة إسرائيل، وافق يحيى السنوار، قائد حماس في قطاع غزة، والذي اغتيل في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، على إنفاق 225 ألف دولار لتثبيت أبواب مقاومة للانفجار لحماية شبكة الأنفاق من الغارات الجوية والهجمات البرية، كما زعمت نيويورك تايمز.
ونقلت عن تامير هايمان، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق، قوله "إن استراتيجية حماس القتالية تعتمد على تكتيكات تحت الأرض. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلتهم قادرين على الصمود في وجه الجيش الإسرائيلي حتى الآن".
الخداع والتخفي
من عيون الأنفاق المفخخة إلى الدمى وأصوات تحاكي أصوات الأسرى وصولا للأسلحة المعدة لجذب الجنود، تفننت المقاومة الفلسطينية في أساليب خداع جيش الاحتلال.
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست"، عن عسكريين إسرائيليين، ما وصفوه بتكتيكات حماس خلال الحرب البرية في قطاع غزة المحاصر.
وقالت الصحيفة، إن "مقاتلي حركة حماس أعدّوا الكمائن والأفخاخ المتفجرة والدمى للإيقاع بالجنود الإسرائيليين خلال القتال الدائر حاليا في غزة".
وأشارت الصحيفة إلى أن المقاتلين، على سبيل المثال، يستخدمون الدمى وحقائب الأطفال مع مكبرات صوت تبث أصوات بكاء قرب مدخل نفق متصل بشبكة أنفاق كبيرة، بحسب جيش الاحتلال لاستدراج الجنود لزقاق ضيق مليء بالأنقاض قرب مخيم جباليا.
ويقول جيش الاحتلال، إنه "جرى وضع هذه الأشياء عمدا بالقرب من مدخل النفق. ونشر جيش الاحتلال الإسرائيلي صورا قال إنها لاثنتين من عارضات الأزياء أو الدمى ملفوفة في ملابس أطفال ملغومة بالمتفجرات".
وتنقل الصحيفة عن جيش الاحتلال قوله إن "جنوده سمعوا تسجيلات لأشخاص يبكون ويتحدثون العبرية، وهي محاولات، كما يعتقد القادة، لخداع الجنود الإسرائيليين للبحث عن رهائن في مكان قريب".
كما تحدث ضابط برتبة مقدم في وحدة استطلاع تابعة لجيش الاحتلال عن تكتيكات حماس، تضمنت "أفخاخا متفجرة ودمى وبكاء وأشخاصا يتحدثون العبرية".
وأضاف الضابط، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، بموجب القواعد التي وضعها جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن وحدته أُرسلت مؤخرا لفحص مبنى في وسط غزة، حيث سمع بعض الجنود "تسجيلات بكاء"، لكنهم لم يتمكنوا من العثور على مصدرها".
وتابع ضابط بالجيش بأن "قنابل كانت معلقة في أكياس رمل على الجدران لتنفجر على مستوى رؤوس الجنود"، وأردف بأنه "من خلال بكاء الأطفال وكل هذه الحيل، تهدف حماس لإيقاع قوات الجيش في الفخاخ".