الإعلامي العربي زاهي وهبي يكتب: حيوانات بشرية!
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
أثير – الإعلامي العربي زاهي وهبي
…”نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصرف وفقاً لذلك”.
القائل حيوان غير بشري، حيوان دموي نازي اسمه يوآف غالانت وزير دفاع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ما تقيأه غالانت ليس زلة لسان أو فورة غضب، بل غيض من فيض العقيدة التوراتية المنحرفة وخرافة “شعب الله المختار” الأعلى رتبة من بقية الشعوب لأنه “صفوة الكائنات”، وكل مَن عداه مجرد حيوانات أو كائنات مُسخَّرة لخدمته(!).
لا نبالغ ولا نغالي.
الإيديولوجيا التوراتية ملأى بما يؤكد مقولة غالانت.
ففي سفر التثنية مثلاً: “لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ”(تث 14: 2). وفي التلمود اليهودي “كل اليهود مقدَّسون، كل اليهود أمراء. لم تُخلَق الدنيا إلا لجماعة يسرائيل. لا يُدْعى أحد أبناء الإله إلا جماعة يسرائيل، لا يحب الإله أحداً إلا جماعة يسرائيل”.
والحقيقة أن هذه النظرة الدونية إلى الشعوب والأمم
الأخرى ليست وقفاً على الصهاينة واليهود المتطرفين، وهي ليست مجرد عقيدة دينية بمقدار ما هي في جوهرها عقيدة استعمارية استعلائية. معظم الدول الاستعمارية تعاملت مع الشعوب المستعمَرة بوصفها كائنات أقل درجة. فما الرق والعبودية وتسخير مواطني الدول الواقعة تحت الاحتلال لأعمال السخرة الشاقة سوى ترجمة فعلية لتلك النظرة الاستعلائية التي متى تمكّن أصحابها من القوة والسلطة استعبدوا الناس الذين ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
أما إذا أردنا أن نستعرض تاريخ “حيونة الإنسان”(*) فسوف نجد أن السلوك الوحشي الجماعي أقلّه على مستوى التاريخ الحديث كان وما يزال سمة الإمبراطوريات العظمى التي فتكت بالدول الضعيفة واستعمرتها ونهبت ثرواتها وخيراتها واستعبدت شعوبها وانشأت أسواق الرق والنخاسة، وأشعلت الحروب والاضطرابات وتسببت بمقتل ملايين البشر.
الإمبراطوريات والدول الكبرى المعاصرة ما تزال تمارس السياسة نفسها التي مارستها الإمبراطوريات الغابرة. فرّق تسد، بناء على هذه المقولة تشنّ الحروب تحت ذرائع مختلفة وغالباً كاذبة كما حصل في العراق مثلاً، وتثير الفتن وتُألِّب الناس بعضهم على بعض، وتفرض إرادتها على البلدان الضعيفة وتسلبها حقها في الحياة الحرّة الكريمة، وتفرض العقوبات وتحاصر الشعوب والدول التي ترفض الهيمنة على قرارها وخيراتها.
العبودية المعاصرة لم تعد بواسطة القيود والأغلال والسخرة المجانية، صارت عبودية سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية وتكنولوجية، وها نحن في خضم عبودية “الميديا الحديثة” التي متى شاءت تمنعنا من قول الحقيقة أو نقلها إلا متى كانت في صالح القوى المهيمنة، والأمثلة لا تعد ولا تحصى، وبانت الأمور على حقيقتها خلال الحرب الأوكرانية والعدوان على غزة. فما هو حلالٌ هناك حرامٌ هنا، وما هو مباح هناك محرَّمٌ هنا. هذه هي ازدواجية المعايير لدى حكومات ووسائل إعلام طالما أمطرتنا شعارات ودروساً في حرية الرأي والتعبير والعدالة والمساواة والنزاهة والموضوعية والمصداقية. شعارات فضفاضة افتُضِحَ كذبها وزيفها ونفاقها عند استشهاد أول طفل من أطفال غزة الأبرياء.
لو كان ثمة عدل في هذا العالم لكانت صفة “الحيوانات البشرية” جديرة بمن يحتل الأرض ويقتلع أصحابها الأصليين، ويقتل يومياً النساء والأطفال على مدى عقود من الزمن، وينهب خيرات الشعوب المستضعفة، ويزوِّر التاريخ والحقائق، ويشن الحروب ويشعل الفتن، ويمارس النفاق السياسي والإعلامي جاعلاً الجلاد ضحية والضحية جلاداً، منحازاً للظالم ضد المظلوم، وللقاتل ضد القتيل.
طبعاً، مع الاعتذار من الحيوانات!
——-
(*) عنوان كتاب للشاعر والكاتب والمسرحي الراحل ممدوح عدوان.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
حزب العدل: مصر حافظت على استقلالية قرارها الوطني وقاومت الحرب الاقتصادية
قال أحمد بدرة، مساعد رئيس حزب “العدل” لشؤون تنمية الصعيد، إن مصر تُسابق الزمن لزيادة معدلات الإنتاج محليًا وبناء اقتصاد قوي، في ظل الصراعات الدولية القائمة والحرب الاقتصادية الدائرة بين الأقطاب العالمية، وفي عالم سريع التغير، ومع احتدام الصراعات الجيوسياسية والاقتصادية، أصبحت الحروب العسكرية المباشرة خيارًا مُكلفًا ومرفوضًا للكثير من الدول الكبرى، وبديل هذه الحروب التقليدية كان أخطر وأذكى وهو الحرب الاقتصادية، التي تحولت إلى أداة ناعمة لكنها فعالة لإخضاع الخصوم وإعادة تشكيل موازين القوى.
وأضاف “بدرة”، في بيان اليوم الثلاثاء، أنه وسط هذه العاصفة العالمية تبرز مصر كلاعب إقليمي يتمسك باستقلاله الاستراتيجي، رافضًا الانجرار وراء الضغوط الاقتصادية أو الاصطفاف الكامل مع أي معسكر دولي؛ أما عن مفهوم الحرب الاقتصادية، ولماذا أصبحت سلاح العصر، وكيف استطاعت مصر الحفاظ على قرارها الوطني في مواجهة هذه التحديات، فاقتصاد الحرب هو مفهوم قديم نشأ مع الحروب الكبرى، ويتمثل في تحويل الدولة اقتصادها بالكامل لدعم العمليات العسكرية، من خلال تحويل المصانع المدنية إلى مصانع سلاح، وفرض سياسات تقنين واستهلاك صارمة.
وأوضح مساعد رئيس حزب “العدل” لشؤون تنمية الصعيد، أنه في المقابل ظهرت الحرب الاقتصادية كسلاح أكثر نعومة وذكاءً من خلال استخدام العقوبات، والحصار المالي، والقيود التجارية، والحروب التكنولوجية كأدوات لإضعاف الخصم دون اللجوء إلى الحرب العسكرية، ومع تزايد وعي الشعوب برفض الحروب التقليدية، وارتفاع تكلفتها السياسية والمادية، بدأت القوى الكبرى تميل إلى الحرب الاقتصادية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، ومن الأمثلة الحديثة، العقوبات الغربية على روسيا بعد أزمة أوكرانيا، والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، والحصار الاقتصادي على إيران وكوريا الشمالية، وأثبتت الحرب الاقتصادية فعاليتها في تحقيق الأهداف السياسية بأقل خسائر مباشرة، مع منح الدول المهاجمة مرونة كبيرة في التصعيد أو التراجع دون الدخول في حروب مفتوحة.
وأشار إلى أنه وسط هذه التحولات المهمة وقفت مصر بموقف مختلف، فبينما تعرضت لضغوط اقتصادية متزايدة عالميًا، خاصة بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وأخيرًا مشكلة القضية الفلسطنية والحرب عليى قطاع غزة وقضية التهجير، رفضت مصر أن تكون طرفًا تابعًا لأي معسكر، أو الرضوخ لأي طلب أو زيغ خلف عرض مغري وحافظت على استقلالية قرارها الوطني، واستخدمت مصر العديد من الأدوات في مقاومة الحرب الاقتصادية، ومنها تنويع الشركاء الدوليين، حيث بنت مصر علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين، مما منحها مرونة وقدرة على المناورة دون الانحياز لطرف واحد.
وأكد أن مصر حرصت على دعم الإنتاج المحلي من خلال تشجيع الصناعة والزراعة الوطنية، وسعت لتقليل اعتمادها على الخارج، وهو ما مثل جدار حماية في وجه أية محاولات لفرض حصار اقتصادي، وتُنفذ مصر سياسة خارجية متوازنة، خاصة في الأزمات الكبرى، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والتي اتخذت فيها مصر مواقف قائمة على احترام القانون الدولي مع الحفاظ على شراكاتها الاستراتيجية المتعددة.