في سيناريو مثالي لدى "حزب الله" والمحور المتحالف معه، تنتهي الحرب الإسرائيلية على غزة من دون حصول أي تقدم بري للجيش الاسرائيلي وتكتفي تل ابيب بالمجازر التي حققتها ضدّ المدنيين، على اعتبار أن عدم إستغلال قادة الاحتلال لهذه اللحظة التاريخية التي حصلت فيها حكومتهم على دعم دولي غير مسبوق يتيح لهم استخدام القوة من دون سقف، يعني أن الردع إنتهى الى الأبد، وأن ما فعلته حماس يمكن لحزب الله فعل أضعافه من دون ان يخشى أي ردة فعل اسرائيلية نظرا لاختلاف حجم القوة والامكانات بين غزة ولبنان.

في هذا السيناريو ستنتهي الحرب من دون أي تضرر فعلي بالبنية التحتية والعسكرية لحماس وتبقى غزة خط دفاع أول عن كل حلفائها في المنطقة.

في الساعات الماضية، لم تعد الحماسة الاسرائيلية المرتبطة بالحرب البرية ذاتها، بات الجو الاعلامي أكثر حذراً، خصوصاً ان تقدماً برياً وبمعزل عما سيؤدي اليه من فتح جبهات اخرى، سيكون كارثيا على الجيش الاسرائيلي لسببين، الأول مرتبط بطبيعة الحرب الهجينة التي تعاني فيها الجيوش النظامية وخاصة بالأماكن المبنية، والثاني هو أن معنويات الجيش الاسرائيلي لا تزال منخفضة جداً ولا يمكنه خوض هذه الحرب مع المقاومة الفلسطينية التي لديها معنويات عالية جدا بعد ما حققته في غلاف غزة، أضف الى كل ذلك أن أي عملية برية ستعني حكما تراجع حجم الاعتماد على سلاح الجو مع ما يعنيه ذلك في الميدان.

إن اكتفاء إسرائيل بأسلوب الثأر العشائري سينهي إحتمالات الحرب المتعددة الجبهات، خصوصا إذا لم يطل القصف والحصار الخانق على غزة، فإمكانية تدخل "حزب الله" ومن خلفه قوات عسكرية من دول مختلفة في المعركة مرتبط بعدة أمور وليس حدثاً واحداً، الاول هو التقدم البري الشامل في قطاع غزة، أي ان تبدأ تل بيب معركة برية كبرى والثاني هو ذهاب تل ابيب بسياسية تجويع القطاع وإخضاعه إنسانيا حتى النهاية، الثالث هو توجيه ضربة قاسمة للبنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية في القطاع وتراجع قدرتها على الصمود، وأخيرا التدخل الاميركي المباشر في المعركة عبر قصف جوي او قوات برية. في هذه الحالات سيصبح فتح جبهة الجنوب أمراً محسوما لا مفر منه.

لكن التدرج الذي تعتمده اسرائيل في التصعيد، ان استمر، سيقابله تدرج في فتح الجبهات. ولعل بدء تحرك الضفة الغربية هو أول مؤشر حقيقي على بداية انتقال المعركة الى خارج القطاع وهذا الحراك العسكري في جنين وغيرها من المناطق سيتصاعد بشكل سريع، يليه إشتعال التحركات الشعبية في أراضي الـ٤٨، قبل الوصول الى فتح علني وشامل لجبهة جنوب لبنان وربما جنوب سوريا.

في هذه المرحلة يعتمد "حزب الله" اسلوباً واضحاً في التعامل مع الحرب في غزة، ولولا تخطي تل ابيب لقواعد الاشتباك من خلال قتلها عناصر للحزب سابقاً وقصفها المباشر للصحافيين اللبنانيين والعراقيين، لتوقف تدخل الحزب المباشر في الازمة عند رسالته الاولى التي اعلن خلالها قصف مواقع الجيش الاسرائيلي المتاخمة للبنان. اراد الحزب ايصال رسالة وحيدة ومباشرة بأنه جاهز للانخراط في الحرب، ليليها تسخين جبهة الجنوب عبر التحركات العسكرية للفصائل الفلسطينية من خلال اقتحامات واطلاق نار واطلاق صواريخ، لكن انخراط الحزب اليومي في الاحداث يعود الى التعامل الاسرائيلي غير العقلاني مع ما يحصل ما يتطلب تثبيت لقواعد الاشتباك لمنع تفلت آلة الحرب الاسرائيلية.

منذ اليوم الأول بدأ "حزب الله" ممارسة مستوى معين من الاستنفار طال جزءا بسيطا من قواته المقاتلة، لكنه حافظ بشكل كبير على عمل مؤسساته الروتيني، وهذا شمل الاراضي اللبنانية كافة مع تأكيدات تنظيمية بضرورة بقاء الجميع على اهبة الاستعداد، لكن الساعات الماضية شهدت رفع مستوى الاستنفار اذ حصلت اخلاءات في مناطق معينة فقط، تحسباً للاسوأ بالتوازي مع عمل بعض الوحدات المرتبطة بالمهجرين وخطة الإجلاء التي وضعها الحزب منذ سنوات وأجرى تعديلات عليها خلال التوترات الاخيرة لحظة ترسيم الحدود البحرية.

"كلما تأخر تدخل الحزب في المعركة، كلما كان أفضل"، هذه هي قراءة بعض المطلعين على الأحداث، اذ ان استمرار استنزاف الجيش الاسرائيلي في المعركة في غزة يتيح لباقي الجبهات التجهز والتحضير ونقل الامدادات وتعزيزها، ولعل ما يحصل من اشتباكات متفرقة وعملية اختبار بالنار للقبة الحديدة على طول الحدود يشير الى ان هناك من يحاول معرفة نقاط الضعف في الدفاعات الاسرائيلية تمهيدا لاي تطور مقبل. كما أن مشاهد القصف والدمار في غزة تمهد الطريق لأوسع تضامن شعبي وتعيد ترتيب الواقع السياسي في المنطقة ما يعطي غطاءً سياسيا للحرب الكبرى التي لن تكون المنطقة بعدها كما كانت قبلها وهذا ما ألمح اليه وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان خلال مؤتمره الصحافي في السفارة الايرانية في بيروت. لم يعطِ "حزب الله" اي ضمانات او تطمينات، هو يربط تدخله حصرا بتطور المعركة في فلسطين او بتدحرج الاشتباك عند الحدود، حتى ان عدم خروج الامين العام للحزب بأي اطلالة يزيد من حجم الغموض الذي يعززه طريقة تعامل الحزب ميدانيا، فهو لا يظهر استعدادا للحرب ولا يظهر في الوقت نفسه انكفاء عنها... المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الجیش الاسرائیلی فی المعرکة حزب الله من دون

إقرأ أيضاً:

كيف سيتمكن لبنان من عزل نفسه عن الحرائق؟

كتبت روزانا بو منصف في" النهار": التحديات الاهم امام لبنان هي في انتقاله الى استكمال قدراته كدولة تمتلك ليس فقط قرار الحرب والسلم واستعادته من الحزب بل استعادة سيطرتها على كل مفاصل القرار اللبناني السياسي والامني والعسكري والاقتصادي. ولا تساهل ازاء ذلك في ظل تأن رسمي بقيادة مرحلة تنفيذ اتفاق وقف النار واظهار قدرات وعزم على القيام بذلك فيما ان الحزب ومن ورائه ايران ووفقا لما يعبر عنه مسؤولوها باستمرار لم تقتنع بعد بوضع حد لمفهوم "المقاومة" وهي لا تزال تضغط في هذا الاتجاه.
 
الرسائل من استمرار إسرائيل استهدافها مواقع لبنانية تقول انها للحزب فيما لا يصدر في المقابل اي دحض لهذا الادعاء على اي مستوى كان، كما استمرارها في استهداف عناصر للحزب توزع بعدها بيانا تفصيليا باسم المستهدف وزمن التحاقه بالحزب ومهامه تكشف الكثير.
 
من بين هذه الرسائل التي يضاف اليها سيف مسلط فوق رأس السلطات الرسمية في لبنان على مستويين على الاقل على غرار مشروع قانون امام مجلس النواب الاميركي يطالب لبنان بنزع سلاح الحزب خلال مدة قصيرة معينة فيما لا ضوابط فعلية امام صدور قوانين مماثلة تستهدف انهاء الحزب عسكريا او اشتراط اثبات الدولة حزمها السير بهذه الطريق من اجل مساعدتها على النهوض في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها على هذا المستوى، اولا: ان اسرائيل تواصل قدراتها الاستخباراتية في اخضاع اي تحرك للحزب لمجهر دقيق يصعب الافلات منه راهنا على الاقل. ثانياً ان مواقفه المصرة على اعادة تأهيل نفسه تشكل سبباً رئيسياً للاستمرار في احتلال النقاط التي لا تزال تحتلها إسرائيل في الجنوب اللبناني ما لم تضمن هدوءا كليا على هذا المسار. بمعنى انها تقول ان بقاءها في هذه النقاط هي من بقاء الحزب كذلك فيما ان لا ضغط محتملا من اي جهة خارجية لمنعها من اضعاف الحزب اكثر فاكثر طمعا على الاقل من بعض دول الخارج باستعادة الدولة اللبنانية قدراتها وارغام الحزب على التحول الى حزب سياسي فحسب شأنه شأن سائر الاحزاب. وهذا الامر لم يعلنه الحزب بعد.
 
في السابق كان كثيرون يرون في اسرائيل عصا الولايات المتحدة في المنطقة، والعلاقة الراهنة بين اسرائيل والولايات المتحدة راهنا لن تدحض ذلك بل تؤكده اكثر. فيما ان الامور ليست مجرد ابيض او اسود لا سيما في ظل وجود عناصر كثيرة قد تخلط الاوراق او تعيد خلطها في المنطقة خصوصا مع الاستثمار السياسي لقوى اقليمية متعددة في ما يحصل في سوريا او تحريكها لما يحصل هناك والانعكاسات الكبيرة لذلك في اتجاهات متوقعة وغير متوقعة على حد سواء. والحرب الاهلية في سوريا قد تؤدي الى تغيير ومخاطر كبيرة بحيث تعمد اسرائيل الى تصعيد خرقها لاتفاق وقف النار في لبنان لا سيما تحت وطأة الحذر من توغل ايران مجددا وعودة تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، فيما ان الانعكاسات لن تلبث ان تهدد لبنان ودول الجوار السوري كذلك.
 
ولبنان بات ينظر بقلق شديد لكل ذلك ويخشى عبور الحرائق من حوله اليه فيما لا يزال هشا وضعيفا في هذه المرحلة المبكرة من بدء استعادته عافيته. والتهديدات التي تتصاعد حدتها من سوريا لا تخلو من ابعاد طائفية لا بل مذهبية مع اعدامات وانتقامات حصلت في الايام الاخيرة في المدن والقرى العلوية في اطار قمع محاولات التصدي للسلطات الجديدة ما ادى الى هرب الكثير من العلويين الى شمال لبنان. الامر الذي يضيف تعقيدات جديدة الى الواقع اللبناني المعقد ويربك امكانات وقدرات التعامل مع الواقعين القديم والمستجد منه كذلك. وكان لافتا التزام الحكومة صمتا مطبقا كليا ازاء التطورات السورية وطريقة مقاربة تداعياتها. 
 

مقالات مشابهة

  • كيف سيتمكن لبنان من عزل نفسه عن الحرائق؟
  • حزب الله: لا اتفاق سري مع إسرائيل وعلى الاحتلال الانسحاب من جنوب لبنان
  • سلاح حزب الله وصل إلى طريق مسدود.. والضغوط الدولية ستزداد
  • الاحتلال الاسرائيلي يعتقل 13 فلسطينيا من رام الله والبيرة والخليل
  • الحزب لن يتدخل
  • لماذا لا يُقرّ حزب الله بالهزيمة؟
  • التقدمي: نُعرب عن أسفنا للأحداث التي تشهدها منطقة الساحل السوريّ
  • تفاصيل جديدة حول خطة التهجير الطوعي .. استعدادات لنقل الآلاف يوميا
  • الحَرْبُ مُنْعَطَفٌ تِكْتِيكِيٌّ أَمْ مُطَبٌّ دْيالِكْتِيكِيٌّ (3)
  • أخطر أزمة أمام حزب الله.. تقريرٌ إسرائيلي يتحدّث عنها