عمانية تحقق أحلامها في الصحراء
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
تعني لنا الصحراء بيئة مختلفة قاسية وصعبة إلا لمن أراد التغيير وصناعة الفرق، دخلت المهندسة رنا المكتومية مشرفة إنتاج حقل نفطي في مجال التخصص الجامعي بمجرد صدفة، وبعد التجربة أصبح المجال شغفا وحبا في المخاطرة ومواجهة التحديات وبناء شخصية قوية قادرة على مواكبة كافة البيئات وبناء شخصية قيادية ومرنة، كانت بدايات التحاقها بالعمل صعبة كون التأقلم لا يحدث سريعا وصعوبة التقبُل من العائلة من ناحية أخرى، إلى جانب أن الخدمات الترفيهية محدودة.
نشأت في محيط محافظ فهي من سكان ولاية صحم بمحافظة شمال الباطنة تربت في حاراتها القديمة ودرست في مدارسها الحكومية، تخرجت من الصف الثاني عشر من مدرسة صحم للتعليم العام وكانت من أوائلها ثم التحقت للدراسة في كلية الهندسة بجامعة السلطان قابوس في تخصصي الهندسة الكميائية والعمليات، كانت فترة حافلة بالعلم والمعارف.
قُبلت رنا المكتومية بعد تخرجها من الجامعة للعمل بوظيفة مهندسة إنتاج حقل نفطي وسط قلوب قلقة خائفة على ابنتهم في مكان قاس كالصحراء، إذ كانوا يدعون لها بالتوفيق والنجاح وسط نظرات الخوف والحزن والقلق..إلا أن تلك النظرات المملؤة بالدموع لم تدم طويلا فبعد التحاقها بالعمل في فيافي الصحراء الشاسعة وسط حقول النفط الواسعة سرعان ما تغير تفكيرهم واستبدل الخوف والقلق الذي ينتابهم بالأمل والنور وكان دافعا لتشجيع باقي أفراد الأسرة في خوض ذات التجربة.
أشعرها وجودها في الصحراء دون بنات جنسها بالوحدة والغربة في بداية التحاقها للعمل في حقول النفط ولكن انغماسها في العمل وطبيعة عملها الشاقة أصبح لا يوجد هناك متسع للتفكير بالوحدة والمشقة وغيرها، وتقضي وقتها بعد انتهاء عملها في ممارسة الرياضة والمشي كون الشركة التي تعمل فيها وفرت لها بعض الأجهزة الرياضية..كما أنها تقضي بعض الوقت في القراءة لتنمية فكرها وتوسعة معلوماتها.
وترى رنا أن المجتمع ينظر إلى عمل الفتاة في الصحراء على أنه أمر شاق وصعب لأن المرأة بطبيعتها الناعمة تصعب عليها بعض الأمور في هذا المجال مثل درجات الحرارة العالية والتعامل مع الآلات المعقدة، والعدد الكبير من العمال إلا إذا كانت ذات شخصية قوية وطموحة هي فقط من تستطيع.
وتسرد المهندسة رنا قصتها أثناء التحاقها بالصحراء وتقول: كانت نقلة محورية في تغيير وبناء شخصيتها للأفضل حيث ستكمل عامها الحادي عشر في شركة تنمية نفط عمان . وقد تدرجت في السلم الوظيفي وانتقلت منذ ما يقارب عامين إلى المقر الرئيسي للشركة في محافظة مسقط للعمل بوظيفة مشرفة إنتاج حقل نفطي وتتطلع لتجارب جديدة قادمة طموحة في خدمه الوطن.
ويعني لها العمل في وظيفة مشرفة إنتاج حقل نفطي مكسبا من الدرجة الأولى وشيء قليل تقدمه للوطن. وتوجه المهندسة رنا المكتومية نصيحتها للفتيات الراغبات في خوض مثل هذه التجارب بأنه لا داع للخوف وأن الأرض خلقت للسعي وأننا نحن بنات الصحراء وجيل القوة والجرأة فليس هناك أجمل من التجارب وبناء الخبرات في بيئات مختلفة صحراوية كانت برية أو بحرية أو جوية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی الصحراء
إقرأ أيضاً:
السعودية تستلهم إرث الأمازون لزراعة الصحراء
في قلب غابات الأمازون الكثيفة، قبل آلاف السنين، نجح السكان الأصليون في تحويل التربة الفقيرة إلى أرض خصبة تعرف بـ"التربة السوداء الهندية"، وذلك بواسطة ابتكارات بسيطة، استلهمها حديثا فريق علمي بالمملكة العربية السعودية، ونجح في التوصل للمعزز الحيوي "كاربوسويال"، الذي يعد بتحويل حلم "الصحراءالخضراء" إلى واقع.
والتربة السوداء الهندية، التي تعرف أيضا بـ"تيرا بريتا"، تعد من أعظم الأمثلة على تدخل الإنسان في البيئة الطبيعية بشكل إيجابي ومستدام، ووفق دراسة نشرتها دورية "أدفانسيد إن أغرونومي"، يعتقد أن السكان الأصليين في غابات الأمازون بأميركا الجنوبية قاموا بإنشائها عن طريق إضافة الفحم النباتي ورماد النباتات وبقايا الطعام والعظام والمخلفات العضوية الأخرى إلى التربة الرملية الفقيرة في المنطقة، بهدف تحسينها بشكل مقصود لجعلها أكثر إنتاجية ودعما للمجتمعات الزراعية المستقرة في منطقة الأمازون.
واستلهمت السعودية هذا الإرث القديم من خلال تعاون علمي بين البروفيسور هيمانشو ميشرا، أستاذ الهندسة البيئية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، والمهندس الكيميائي البرازيلي أداير غالو، وكان هذا التعاون نتيجة سنوات من البحث والتجريب، تطورت خلالها الفكرة تدريجيا من مجرد مشروع أكاديمي إلى شركة "تيراكسي" الناشئة التي تقدم حلولا مستدامة لتحسين التربة القاحلة.
المعزز الحيوي "كاربوسويال" يساعد على زيادة احتفاظ التربة الرملية بالمياه واحتباس العناصر الغذائية بها (تيراكسي) من أميركا إلى السعوديةويحكي تقرير نشره موقع "وكالة الأنباء العربية البرازيلية" تطورات تلك الفكرة، التي كانت بدايتها في 2014، عندما كان غالو طالبا في برنامج "العلوم بلا حدود" البرازيلي، حيث التقى خلال فترة تدريبه في كاليفورنيا بأميركا بالبروفيسور ميشرا، لتنشأ بينهما خلال هذه الفترة، علاقة أكاديمية قائمة على الاهتمام المشترك بالمشاكل البيئية، خصوصا التربة والمياه.
وانتقل غالو في 2016 من البرازيل للعمل في (كاوست) بالمملكة العربية السعودية بناء على دعوة من ميشرا، وخلال دراساته العليا في الماجستير والدكتوراه، بدأ غالو في العمل مع ميشرا على مشروعات تتعلق بالمواد البيئية المستدامة، مثل معالجة التربة وتحسين قدرتها على مقاومة الظروف القاسية.
بدأ التعاون بينهما بتطوير "الرمل الشمعي"، وهو منتج يهدف إلى معالجة مشكلة فقدان المياه في التربة الصحراوية.
إعلانواستخدم الفريق مواد محلية مثل الرمال وشمع البارافين المنقى لإنتاج مادة قادرة على الاحتفاظ بالرطوبة ومنع التبخر، وواجه الفريق تحديات كبيرة، مثل فشل التجارب الأولى بسبب استخدام المياه المالحة، لكنهم تمكنوا لاحقا من تحسين المنتج وجعله فعالا.
وأثناء العمل على "الرمل الشمعي"، اكتشف الفريق البحثي أن التربة الصحراوية في السعودية ليست فقط فقيرة بالمياه، بل تعاني نقصا كبيرا في العناصر الغذائية الأساسية، مما يجعل الزراعة غير ممكنة، وهذا الاكتشاف دفعهم للبحث عن حلول مبتكرة لتعزيز خصوبة التربة الصحراوية.
فكر غالو حينها في استلهام فكرة "التربة السوداء الهندية" التي أنشأها السكان الأصليون للأمازون منذ آلاف السنين، حيث اكتشفت في هذه التربة عناصر عضوية ومعادن غنية تمثل مزيجا بين المخلفات النباتية والحيوانية.
وعبر الأبحاث التي أجراها غالو في البرازيل، تمكن من استيعاب الخصائص الكيميائية والبيولوجية لهذه التربة الفريدة، ليقوم بمساعدة ميشرا بتكييفها بما يناسب التربة القلوية الرملية الموجودة في المملكة العربية السعودية.
واستخدم الفريق المخلفات العضوية المحلية، مثل روث الدواجن وبقايا الطعام، كمكونات أساسية لإنتاج المعزز الحيوي الجديد " كاربوسويال"، الذي أدى استخدامه إلى إخصاب التربة الرملية القاحلة وجعلها صالحة للزراعة.
وخلال مراحل دراسة الدكتوراه لغالو عام 2021، بدأ الثنائي في رؤية الإمكانيات التجارية لمنتج "كاربوسويال"، وخصوصا توافقها مع رؤية السعودية 2030 لتحقيق الاستدامة، وأطلق الثنائي في 2022 شركتهما الناشئة "تيراكسي"، بدعم من "كاوست"، حيث توسعت الشركة بشكل سريع وزادت إنتاجية "كاربوسويال" بمقدار 20 ضعفا لتلبية الطلب المتزايد.
الفريق البحثي أثناء الزراعة باستخدام المعزز الحيوي "كاربوسويال" والرمل الشمعي (تيراكسي) كيف تم تصنيع التربة الكربونية؟ووفق موقع "كاوست"، فقد تم إنتاج المعزز الحيوي "كاربوسويال"، من خلال عملية مبتكرة تعتمد على تحويل المخلفات العضوية إلى منتج غني بالعناصر الغذائية، وذلك باستخدام تقنية التحلل الحراري التي تمنع الاحتراق الكامل وتحافظ على العناصر المفيدة في المادة العضوية.
إعلانوبدأت عملية الإنتاج باختيار المواد الخام، حيث تم اختيارها بعناية لتكون طبيعية وقابلة للتجديد، وتشمل روث الدواجن، كمصدر غني بالنيتروجين، وأحد أكثر المخلفات العضوية وفرة، حيث إن تربية الدواجن تعد صناعة كبيرة في السعودية، ينتج عنها أكثر من 400 كيلو طن من الروث يتم التخلص منها في مكبات النفايات.
وبالإضافة لروث الدواجن، توجد مخلفات المحاصيل الزراعية، مثل القش وبقايا النباتات، وفضلات الطعام، مثل قشور الفواكه والخضروات، والحمأة الناتجة عن معالجة مياه الصرف الصحي التي تحتوي على معادن وعناصر مغذية.
وتجمع هذه المواد وتعالج مبدئيا لإزالة الشوائب وتحسين تجانسها، وتشمل هذه الخطوة تجفيف المواد وتقطيعها لتسهيل المعالجة الحرارية، التي يتم خلالها تسخين المواد العضوية في بيئة مغلقة خالية من الأكسجين، مما يمنع الاحتراق الكامل، ويتم التحكم في درجة الحرارة بعناية (عادة بين 400 و700 درجة مئوية)، مما يؤدي إلى تفكك المواد العضوية إلى مكوناتها الأساسية.
وينتج عن هذه العملية الأخيرة مادة غنية بالكربون تعرف بـ"الفحم الحيوي"، وهي المكون الأساسي لمنتج "كاربوسويال"، ويتم تدعيم هذه المادة بإضافة عناصر غذائية إضافية مستخلصة من المخلفات العضوية، مثل الفوسفوروالبوتاسيوم، وتضاف مركبات عضوية تساعد على تحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالماء والعناصر الغذائية.
وأظهرت التجارب الميدانية التي أجراها الفريق البحثي مع شركاء صناعيين مثل أرامكو للطاقة الخضراء وقطاع حماية الطبيعة في نيوم، نجاحها في زراعة أكثر من 60 ألف نبته محلية.
كما قامت الشركة بتنفيذ مشروع بحثي على مساحة 1.3 هكتار لزراعة الأشجار المحلية في منتزه وادي قديد الوطني، وكان هذا المشروع ثمرة تعاون بين كاوست والمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
إعلان سر نجاح "كاربوسويال"ووفقا لغالو، فإن سر نجاح "كاربوسويال" يكمن في أنه أكثر استقرارا في التربة، حيث يبقى لفترة طويلة ويرتبط بالمغذيات، مما يتيح توفير فوائد مستدامة، وهذا لا يتوفر في معززات أخرى للتربة مثل الطحالب أو السماد العضوي، التي تتحلل خلال سنة واحدة، وتطلق الكربون إلى الغلاف الجوي، كما أن ارتفاع درجة حرارة المنطقة يسرع من عملية التحلل.
ويضيف أن "كاربوسويال"، يساعد أيضا على زيادة احتفاظ التربة الرملية بالمياه بنسبة 11% واحتباس العناصر الغذائية بنسبة 53%، ويظل 73% من المنتج فعالا بعد مرور 100 عام، مما يبرز فوائده على الأمد الطويل.
وإضافة لهذه الفوائد الزراعية المبشرة، يلتقط مجدي علام، الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب ومستشار مرفق البيئة العالمي مجموعة من المزايا البيئية، في تصريحات للجزيرة نت.
ويقول علام إن "هذا المنتج يقلل من الحاجة إلى الأسمدة التقليدية، كما يسهم في استدامة البيئة وتقليل النفايات العضوية من خلال تحويل المخلفات إلى منتج ذي قيمة، ويتم إنتاجه عن طريق عملية (التحلل الحراري)، التي تستخدم عمليات مبتكرة تضمن تقليل انبعاثات الكربون أثناء الإنتاج، مما يجعل العملية بأكملها صديقة للبيئة وتتماشى مع أهداف الاستدامة العالمية، وأخيرا، فإن هذا المنتج يحافظ على خصوبة التربة لسنوات طويلة، وهو ما يقلل من استخدام الأسمدة التقليدية على الأمد الطويل".