شكلت عوامل الضيق إلهاماً لبعض السودانيات لإيجاد حلول ومصادر رزق للتكسب
تشهد مدينة بورتسودان حاضرة ولاية البحر الأحمر حراكاً تجارياً واسعاً من خلال البازارات النسائية كظاهرة اقتصادية، فضلاً عن أنها فرصة للأسر المنتجة لعرض منتجاتها وتحسين أوضاعها.
الأزمة التي يمر بها السودان منذ الشرارة الأولى للحرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي أجبرت المواطنين على النزوح والهجرة القسرية نحو الولايات الآمنة، كل يبحث عن ضالته للخروج من مأزق الأوضاع الاقتصادية المتهالكة التي فرضتها الحرب للحصول على مصادر أرزاق للكسب وتحسين النواحي المادية.


تنامت البازارات بالمدينة السودانية ذات الأصل التركي، إذ كان أول من أقام أكبر وأقدم بازار هو السلطان محمد الثاني “الفاتح” في مدينة إسطنبول، أما في السودان وإثر النزوح بسبب الحرب فتبنت فكرتها فتاة في مقتبل العمر، تدعى مشكاة أحمد، يقيناً منها بإيجاد حلول للاتي فقدن عملهن وبتن يواجهن أعباء معيشية.
تعرض في هذه البازارات التي يطلق عليها في الغالب اسم “سوق الطاولات الموقت”، فضلاً عن تنقلها من مكان إلى آخر، عديداً من المصنوعات المنزلية من مخبوزات ومعجنات وحلويات وأشغال يدوية أخرى، إضافة إلى الملبوسات والأحذية والإكسسوارات والعصائر الباردة، إلى جانب العطور الخاصة بالمرأة السودانية التي وجدت النصيب الأكبر من زوار البازار.

أماكن ترويح
وتقول صاحبة الفكرة مشكاة أحمد إن “التدفق الكبير للأسر النازحة جراء الاشتباكات بين الجيش وقوات “الدعم السريع” نحو مدينة بورتسودان ومواجهتهم للغلاء وارتفاع أسعار السلع الضرورية، إضافة إلى الإيجارات التي يتسابق ملاك العقارات على فرضها، كلها عوامل كانت بمثابة إلهام لإيجاد حلول للحصول على مصادر رزق للتكسب، فكانت فكرة البازارات التي من خلالها وجدت النساء أنهن يمتلكن مواهب أجبرتهن الحرب على إخراجها، فضلاً عن أن البازارات متنفس اقتصادي وسوق لعرض المنتجات التي تصنع داخل المنزل. كما تعتبر البازارات فرصة لمحدودي الدخل لشراء هذه المنتجات بأسعار مخفضة باتت تنافس المحال التجارية والمولات”. وأضافت مشكاة أحمد أن “فترة البازار لا تتعدى ثلاثة أيام ومن ثم يكون الانتقال إلى مكان جديد في مقابل مبالغ رمزية لحجز المكان المخصص والطاولات والتسويق عبر التجمعات النسائية على مواقع التواصل الاجتماعي”.
ونوهت بأن “البازارات لا تقتصر على حركة البيع والشراء فقط وإنما تعتبر أماكن ترويح للنساء والأطفال من سكان المدينة أو الذين فروا من صوت القذائف والرصاص، وتشكل أيضاً فرصة للتلاقي والتواصل مع الأصدقاء والمعارف الذين فقدوا روابطهم الاجتماعية”.
وأشارت صاحبت الفكرة إلى أن “هذه البازارات بمدينة بورتسودان وجدت الدعم والإشادة من الذين يهتمون بالصناعات اليدوية إيماناً بالأهداف التي سعينا إلى تحقيقها، كما حقق البازار النسائي الهدف الذي يتيح فرصة الحفاظ على خصوصية المرأة التي لا تستطيع البيع في سوق مفتوح ومختلط. وعلى رغم المشكلات التي تواجهنا إلا أننا رأينا من الضروري مواصلة العمل بإصرار وعزيمة من دون توقف”.

مشاريع ناجحة
أماني السيد عبدالغني، فتاة نزحت من العاصمة الخرطوم إلى مدينة بورتسودان برفقة أسرتها بعد أن فقدت متجرها بضاحية الرياض الذي كان يحتوي على كل مستلزمات المرأة. تقول إن هذه “البازارات أتاحت فرصة التعويض لسيدات وفتيات كثيرات فقدن عملهن، فضلاً عن أنها تعد مشاريع ناجحة للتكسب نظراً إلى ما حظيت به طاولات البازار من شراء”. وأضافت “طاولتي في البازارات التي أقيمت في بورتسودان عبارة عن نسخة مصغرة من متجري الذي كان مصدر رزق واسع، وهذا يعد البازار الخامس وأحظى بالإقبال نفسه الذي كنت أجده بالعاصمة الخرطوم”. وواصلت عبدالغني أن “الفئة التي نزحت إلى بورتسودان من ذوي الدخول البسيطة وغير القادرين على توفير الاحتياجات المنزلية، وكان ذلك سبباً للبحث عن وسائل الكسب، لذلك جاءت المشاركة كبيرة في هذه البازارات تعويضاً عن الخسائر الاقتصادية التي تسببت فيها الحرب”. وأكدت مواصلة عملها في كل الأنشطة التي تقام ببورتسودان للإيفاء بمتطلباتها المنزلية.

قهر الأزمات
في السياق أوضح الباحث الاقتصادي عبدالوهاب جمعة أن “فكرة البازارات ليست جديدة على السيدة السودانية التي تتغلب على الأزمات، إذ كانت تقام بالعاصمة الخرطوم بشكل واسع وتعرض ما يتعلق باهتمامات المرأة، بيد أنها وجدت النجاح وحظيت بقوة شرائية عالية. كما أن نقل فكرتها إلى بورتسودان بسبب اندلاع الحرب بالخرطوم هدفه مواصلة مسيرتهن بعزيمة لقهر الظروف القاسية، لاسيما أنها طوق نجاة من أوضاع اقتصادية متردية وفرصة للتكسب، الذي يشكل أيضاً حماية للسيدات والأطفال”. وأضاف أن “عمل المرأة يعد من الأمور المهمة لتحقيق الاستغلالية المالية خصوصاً وأن معظم السيدات العاملات تذهب أموالهن إلى الأبناء في التعليم والصحة وبعد أن فقدن عملهن سواء في القطاع الخاص أو الحكومي وأصبحن بلا مداخيل مادية، لذلك كانت مشاركتهن في البازارات ببورتسودان واسعة وناجحة وأصبحت إحدى البنى التي تمكنهن اقتصادياً”.
وتابع جمعة أن “البازارات لها ميزات عدة أهمها أنها تعد وعاء جامعاً للنساء العاملات والزوار وسوق للباعة والمشترين وتبادل الخبرات والأفكار، وتعد أيضاً المنتجات التي تعرض في البازار رخيصة الثمن وأسعارها في متناول الجميع، علماً أن الحرب أدخلت الاقتصاد السوداني في مأزق وأصبح الحصول على السلع غير متوفر في ظل توقف عمل المصانع، وإذا وجدت هذه المنتجات الأسرية الدعم وتوسعت في الإنتاج ستحقق نهوضاً بالاقتصاد”.
ومضى يقول إن “أكبر مشكلات الاقتصاد السوداني ليست مشكلات تضخم أو ارتفاع سعر الصرف وانخفاضه وإنما عدم الإنتاجية وعدم كفايتها، واعتقد أن عمل المرأة في هذه البازارات سيسهم إلى حد كبير في النهوض بالاقتصاد، إذ إن عملهن لا يحتاج إلى كلفة عالية، وهذا العمل الكبير هو بمثابة إيقاد شمعة وسط الظلام”. واعتبر الخبير الاقتصادي أن “الفكرة السائدة بأن دخول البازارات أمر متواضع، ولكن تكرارها في المدينة ذاتها أو نقلها إلى مدن أخرى لم تتأثر بالحرب قد يحدث أثراً كبيراً في عملية التوظيف. وأعتقد أن قوة الاقتصاد تكمن في قوة التوظيف”، متمنياً أن “تعم الفائدة وأن يعمل الرجل جنباً إلى جنب مع المرأة في هذه البازارات”.

صحيفة اندبندنت البريطانية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: مدینة بورتسودان

إقرأ أيضاً:

مسؤولة أممية: أكثر من مليوني شخص بغزة في ظروف مروعة

قالت مسؤولة الطوارئ في وكالة الأونـروا لويز ووتريدج، الجمعة، إن أكثر من مليوني شخص ما زالوا محاصرين في ظروف مروعة في غزة ومحرومين من احتياجاتهم الأساسية.

وأشارت ووتريدج إلى أن "السكان لا يمكنهم الفرار، ويبدو الأمر وكأن كل طريق يمكن أن تسلكه يؤدي إلى الموت"، بحسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".

من جانبها، قالت (يونيسيف) إن "الحرب على الأطفال في غزة" تشكل تذكيرا صارخا بمسؤولية العالم الجماعية للقيام بكل ما هو ممكن لإنهاء معاناتهم، مؤكدة أن"جيلا من الأطفال يتحملون وطأة الانتهاك الوحشي لحقوقهم وتدمير مستقبلهم".

وأضافت اليونيسيف على لسان، مسؤولة الاتصالات الرئيسية في المنظمة في غزة روزاليا بولين "إن غزة هي واحدة من أكثر الأماكن المحزنة بالنسبة لنا كعاملين في المجال الإنساني، لأن كل جهد صغير لإنقاذ حياة طفل يضيع بسبب الدمار العنيف، ولأكثر من 14 شهرا، ظل الأطفال على حافة هذا الكابوس، حيث أبلغ عن قتل أكثر من 14500 طفل، وإصابة الآلاف غيرهم".



وحذرت اليونيسف من صعوبة الوضع مع حلول فصل الشتاء على غزة، حيث الأطفال "يشعرون بالبرد والرطوبة وهم حفاة الأقدام"، فيما لا يزال الكثير منهم يرتدون ملابس الصيف، مضيفة أن الأطفال يبحثون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية ليحرقوها، وأن الأمراض منتشرة في القطاع في ظل انعدام الخدمات الصحية وتعرض المستشفيات للهجوم بشكل مستمر.

وقالت الأونروا، إن الأحوال الجوية ساءت في الأيام الماضية وسيستمر هذا النمط كما كان متوقعا، إلا أن الوكالة اضطرت إلى إعطاء الأولوية للغذاء على مساعدات المأوى.

وأضافت الاونروا "لدينا إمدادات خارج قطاع غزة تنتظر دخول القطاع منذ ستة أشهر، هذا هو الواقع الذي يعيشه العاملون في المجال الإنساني هنا، يتعين علينا الاختيار بين حصول الناس على الطعام أو حصولهم على المأوى".

مقالات مشابهة

  • ترامب يهدد بالسيطرة على قناة بنما .. لا ينبغي أن تديرها الصين
  • «الأونروا»: مليونا شخص محاصرون في ظروف مروعة بغزة
  • حشود نسائية للاحتفال باليوم العالمي للمرأة المسلمة في أمانة العاصمة
  • جامعة الجلالة تنظم بازار الكريسماس «Santa’s Fair» في أجواء احتفالية مميزة
  • مسؤولة أممية: أكثر من مليوني شخص بغزة في ظروف مروعة
  • مبعوث أممي يزور بورتسودان غداً في إطار جهود دولية لوقف الحرب
  • لجنة أمن ولاية الخرطوم توجه بتنفيذ حملة لازالة مخلفات الحرب في المناطق التي تم تطهيرها ببحري
  • رئيسة قطاع المرأة بـ “تقدم”: ديسمبر “ثورة نساء” لبناء السلام وتحقيق العدالة
  • رئيسة قطاع المرأة بـ “تقدم”: ديسمبر”ثورة النساء” لبناء السلام وتحقيق العدالة
  • الهيئة النسائية بالحديدة تنظم فعالية بذكرى ميلاد الزهراء