مُلهمة تتحدى المرض.. وتجعل الرياضة أنيسها
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
رقية بنت سعود الحسنية إحدى مكافحات مرض السرطان التي لازمها المرض لغاية هذا اليوم، حيث بدأت مرحلة اكتشاف الإصابة بالمرض تظهر معها منذ عام 2003م وهي ما زالت في مقاعد المدرسة، ولكن حبها الشديد للرياضة جعلها تنسى ما تمر به وهون عليها معاناة المرض، حيث خلقت من الرياضة واقعا جديدا تعيش فيه وأسلوب حياة استمرت عليه، وأيقنت أن الإنسان بإمكانه الاستمرار مهما كانت ظروفه، والحياة مليئة بالفرص الجميلة التي يلقي من خلالها النور، مؤمنة بأن القوة تنبع من الداخل ولا شيء يعلو على الإرادة والعزيمة.
وتسرد رقية قصتها لنا قائلة: حكايتي مع المرض طويلة جدا بدأت منذ ٢٠٠٣، حيث أصبت بورم في العنق وكنت لا أزال في مقاعد الدراسة تم تشخيصه بعد الفحوصات بورم حميد وتم إجراء العملية وعدت لحياتي الطبيعية، أنهيت دراستي الثانوية ودخلت مجال الدراسة الجامعية، ثم في عام 2008م تكرر السيناريو وأصبت بورم آخر وكذلك بعد الفحوصات الطبية تم تشخيصه بورم حميد ولكن تم استعجال العملية كحل أول بسبب احتمالية تحوله لخبيث وعدت للحياة الروتينية، وبسبب حبي للعمل وحب الاعتماد على نفسي قمت بالعمل في الفترة الصباحية كمساعد معلم في مدرسة دولية وأدرس في الفترة المسائية في جامعة خاصة، وفي عام ٢٠١٢م شاءت الأقدار أن يعود ورمٌ آخر في مكان آخر، وبعد الفحوصات تم تشخيصه بورم خبيث في بداية مراحله، وكنت حينها قد قبلت للعمل في مكان جديد وبسبب استعجال العملية والفحوصات أخبروني أنهم لا يستطيعون توظيفي لأني سأحتاج لعلاج طويل فيما معناه أنني سأنقطع عن العمل لفترة طويلة وسيؤثر في عملي، أصبت بحالة انكسار وانهيار كبيرين، وبعدما أنهيت العملية وبدأت مرحلة العلاج حاولتُ جاهدة أن أكون أقوى وأستثمر وقتي في شيء يخدمني وأسلي به نفسي، ولأنني أحب صنع الحلويات عملت في مجال بيع الحلويات والمعجنات عن طريق الانستجرام، وبدأت مرحلة جديدة من حياتي انقطعت فيها عن الدراسة بسبب أنني لم أستطع دفع التكاليف لكني علمت أن بداخلي شخصية قوية، وبدأت مرحلة العلاج الإشعاعي والهرموني وكنت حينها يوميا من المستشفى للمنزل أقود سيارتي بنفسي ودعوات أمي الحبيبة تحفني وتشجيع أخواني وأخواتي وصديقاتي بأني أقوى من كل شيء، وانتهت مرحلة العلاج الإشعاعي واستمرت مرحلة العلاج الهرموني، وفي عام 2014م دخلت النادي الصحي بعدما زاد وزني بسبب العلاج زيادة كبيرة، وكانت عضوية النادي هدية من صديقتي «عزة» وعلمت حينها أني أعشق الرياضة حد الإدمان.
الإصرار
ولكن لم تنته معاناة رقية مع المرض، ففي بداية عام ٢٠١٥م ظهر ورم جديد آخر وتم تشخيصه بورم حميد وتمت إزالته، ووجدت حينها رقية بأن عليها أن ترضى بالواقع وتتعايش معه وتمارس حياتها بشكل طبيعي، فأصرت رقية على العمل وفعلا حصلت على عمل جديد رغم كلام الأطباء ومحبيها عن مدى خوفهم عليها بأنه يجب عليها أن تلزم الراحة وعدم العمل، موضحة: كنتُ مؤمنة بأني ما دمت أستطيع الحركة والعطاء إذًا يجب أن أعمل، ومرت سنة ٢٠١٦م بخير من دون أورام، وفي عام 2017م أصبت بورم جديد وتم استئصاله وكان العلاج الهرموني مستمرا، وفي بداية 2018 م أصبت بورم آخر وحينها أصررت أن أعلم ما الذي يحدث بي؟ ما سبب تكرار كل هذه الأورام في جسدي؟، وكنت مستمرة في العلاج وفي الرياضة في الصالة الرياضية، وبعد المناقشة مع الأطباء لمعرفة الأسباب تم تحويلي لعيادة الجينات وبعد الفحوصات تم تشخيصي بطفرة جينية نادرة وهي المسببة لهذه الأورام، حينها أدركت بأنه يجب أن أكون أقوى وأكافح المرض بعزيمة وإصرار وثقة بالله وأمل لا ينقطع مهما كانت الظروف وأعيش حياتي باستمتاع من دون يأس وقلق وتفكير.
ووجدت رقية من الطبيعة متنفسا لروحها ومن الجبال الشامخة ثباتا وتحديا، حيث بدأت رقية مرحلة جديدة من حياتها عندما دخلت إلى عالم تسلق الجبال، متابعة الحديث: أصبحت أخرج كل أسبوع مع متسلقي الجبال وزادت قوتي في مواجهة المرض وتقبل نفسي مع أنه ما زالت عمليات تكرار الأورام مستمرة ولكن عشقي واستمتاعي بالرياضة وتسلق الجبال جعلني أنسى ما أمر به وجعلني في كل مرة أكون أقوى في مواجهة المرض من كل مرة مضت، وقد أخبرني الطبيب بعدها أني أنهيت العلاج الهرموني للسرطان ولكني يجب أن أستمر في الفحوصات لاحتمالية عودته، وأكملت مسيرة ورحلات تسلق الجبال، وفي عامي 2020 و2021م وجدت في الرياضة ترفيها وحياة لا تنتهي، ووازنت ما بين الرياضة وأعمالي الخاصة حيث عملت في مجال التدريس في رياض الأطفال وما زلت فيه، واشتغلت في جماعات تطوعية، كما أقوم بتخصيص وقت لاعتنائي بأمي العزيزة وتدبيري لكل أموري.
الطموح
وما زالت رقية تكمل رحلة تسلق الجبال باستمتاع، مضيفة: لم يبق جبل من جبال عمان الحبيبة إلا وزرته، ونعم كنت أتألم ولكني كنت أستمتع بذلك الألم، ونتيجة لذلك صحتي بدأت تستقر، وتعلمت بعدها رياضة الملاكمة، والغوص السطحي، والركض والفتنس بجميع أنواعه، وأنا أدير شؤوني الخاصة، وكنت حينها أحلم بتسلق قمة من قمم العالم السبع، وهي قمة كلمنجارو في إفريقيا، وأخبرت مدربي بذلك وهو الذي كان يسعى لإرشادي الدائم في مجال الرياضة والقوة البدنية الصحية التي كنت أمارسها، وقد وجهني للاشتراك بمسابقة في مواقع التواصل الاجتماعي لشركة توب فروت لكتابة القصص الملهمة حيث كتبت قصتي مع الأورام والرياضة وفزت بمبلغ مادي ساعدني جدا للرحلة، وفعلا أنجزت المهمة بكل فخر وسعادة، وحاليا أتجهز لماراثونات مختلفة وأسعى لتسلق قمم أخرى في العالم، وهدفي هو نقل تجربتي للآخرين وأن تكون قصتي ملهمة لكل من أصابه اليأس أو يعاني من أي ظرف سواء صحي أو نفسي بأنه لا شيء مستحيل مع الإصرار.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بالفن والإبداع.. فرقة القلب الصافي بالشرقية تتحدى الإعاقة وتصل إلى النجومية
تمثل الفنون مدخلًا مؤثرًا في عالم ذوي الإعاقة وخاصة «الدون والذهني»، الأمر الذي يُساهم في الكشف عن مواهبهم، ومن ثم يتم توجيههم وتأهيلهم حتى يصبحوا كالأسوياء، فضلًا عن التغير الذي يحدث في طريقة تواصلهم مع الآخرين بشكل أفضل.
«على مسارح وزارة الثقافة في محافظة الشرقية، وقفوا بثقة، يرقصون ويغنون بحماس، يكسرون حواجز الإعاقة، ويرسمون الأمل بأقدامهم وأيديهم»؛ إنهم أعضاء فرقة القلب الصافي لذوي الهمم، الذين أثبتوا أن الإبداع لا يعرف المستحيل، فلهذه الفئة من أبناء الشرقية دورًا ملموسًا في تجاوز آلام الإعاقة التي صاحبتهم منذ مولودهم، ونجحوا في إسعاد أنفسهم وأسرهم والمجتمع، من خلال عروض استعراضية تتم بتناسق وتفاهم دقيق فيما بينهم.
«إبداع بلا حدود.. فرقة القلب الصافي تمنح ذوي الهمم أجنحة للتحليق»
فرقة القلب الصافي الفنون الشعبية لذوي الهمم بمحافظة الشرقية، هي خير برهان على أن الفن قادر على إحداث تعديل سلوكي ومعرفي لهولاء، واستطاع الفن أن يكتشف مواهب وجوانب إبداعية لديهم.
نشأة الفرقة.. فكرة تحولت إلى واقع؛ يقول محمد بركات مخرج المسرحي والمسؤول الأول عن الفرقة، إنه يعمل مخرج مسرحي مُعتمد لدى هيئة قصور الثقافة، وإنه قبل أربع سنوات من الآن؛ لاحظ مواهب وقدرات إبداعية لدى الأشخاص والأطفال المصابين بما يعرف بـإعاقات «الدون والذهني» من أصحاب الهمم، وبعدها أعلن عبر اصدقاؤه ومعارفه وجمهور المبدعين نيته في تكوين فرقة خاصة بهولاء.
«كيف يمكن لحلم صغير أن يصبح نافذة أمل لذوي الهمم؟ هذا ما أثبتته فرقة القلب الصافي بمحافظة الشرقية، حيث استطاع مدربها محمد بركات أن يمنح أبناءه فرصة ليكونوا نجومًا على المسرح، ويغيروا نظرة المجتمع إليهم، وهو ما أكده بركات بأنه نجح في تجميع عدد 18 من أبناءنا من «الدون والذهني» من أعمار مختلفة تتراوح ما بين الـ 14 : 30 عامًا، مكونا بهم فرقة استعراضية تقدم تابلوها فنية رائعة.
ومتلازمة الداون هي اضطراب جيني ناتج عن وجود كروموسوم إضافي في الزوج 21، مما يؤدي إلى تأخر في النمو العقلي والجسدي، ويتميز المصابون بـ «الدون» بملامح وجه مميزة، وتأخر في النمو الحركي واللغوي، لكنها لا تمنع المصابين من التعلم وتحقيق إنجازات كبيرة عند توفير الدعم المناسب، أما الإعاقة الذهنية؛ تشير إلى حالات متنوعة من التأخر العقلي تؤثر على القدرات الفكرية والتكيفية للشخص، وقد تكون خفيفة أو متوسطة أو شديدة، وتعتمد على مستوى الذكاء والقدرة على التكيف مع الحياة اليومية.
رحلة الاعتماد الرسمي لفرقة القلب الصافي
ولفت المخرج المسرحي محمد بركات، إلى أنه وخلال عامين من بداية 2021 قام بتدريب هولاء حتى تمكن وبفضل الشاعر أحمد خاطر مدير عام قصور الثقافة بمحافظة الشرقية، وأمل عبد الله مدير عام إقليم شرق الدلتا -آنذاك- من التقدم لهيئة قصور الثقافة بأوراق اعتماد الفرقة، وبعد العرض على عدد من اللجان فنية من قبل الهيئة؛ تم اعتماد الفرقة في 18/9/2023، وأصبحت للفرقة وجود رسمي بين الفرق الاستعراضية العاملة في ربوع محافظات الجمهورية.
عروض لامعة على مسارح الجمهورية
تعد فرقة القلب الصافي الفنون الشعبية لذوي الهمم بمحافظة الشرقية، الوحيدة على مستوى محافظات شرق الدلتا الأربع، وهم «دمياط، الشرقية، الدقهلية، كفر الشيخ»، بفنانيها من أصحاب الهمم من مرضى «الدون والذهني»، ومقرها الرسمي قصر ثقافة ديرب نجم، كون أن معظم أعضاءها من مركز ديرب نجم.
شركاء النجاح في تدريب وتأهيل الفرقة
وذكر أن مدير الفرقة طارق عبد المقصود، ويساعده كل من: مروة عبد النبي وعبير صلاح، وذلك تحت متابعة مُديرة قصر الثقافة نجوى مكاوي، مشيرا إلى أن الفرقة تضم طلابًا بمدارس التربية الفكرية وعدد ممن أنهوا مراحل دراستهم التعليمية، ويقوم بتدريبهم مرتين أسبوعيًا الساعة 3 عصرًا يومي الثلاثاء والخميس من كل أسبوع في مقر الرئيس قصر ثقافة ديرب نجم، ويقدم أعضاءها من فنانيها؛ استعراضات شعبية، بعدد 8 تابلوهات فنية غنائية راقصة.
طموحات الفرقة وأحلامها المستقبلية، وأهم المطالب والدعوات لدعم نجاح الفرقة
وكشف مُخرج فرقة القلب الصافي الفنون الشعبية لذوي الهمم بمحافظة الشرقية، عن حلمه بأن تشارك الفرقة في تمثيل مصر في المهرجانات الدولية والبروتوكولات الثقافية بين دول العالم، خاصة وأنه خلال عام 2024 قدمت الفرقة 30 عرضًا، من بينها عروض في مهرجانات ثقافية كبرى وحفلات في قصر ثقافة الزقازيق وديرب نجم، ما ساهم في انتشارها، ولذلك تعدت سمعة الفرقة محافظة الشرقية وأصبحت تقدم تابلوهات وعروض فنية على مستوى محافظات الجمهورية، بفضل حالة الانضباط والمهارة الإبداعية الفنية التي يتمتع بها أعضاءها وهم يقدمون عروضهم على المسرح، ونال ذلك إعجاب الجمهور، مما ساهم في ارتفاع معنوياتها النفسية ورفع سقف طموحاتها الفنية للوصول للعالمية.
«فرقة القلب الصافي ليست مجرد فرقة استعراضية، بل رسالة أمل وإثبات أن الإبداع لا يعرف حدودًا. فهل نرى دعمًا حقيقيًا لهذه المواهب الفريدة؟»
وطالب محمد بركات مخرج الفرقة الاستعراضية، بضرورة تعين أعضاء الفرقة في وظائف الـ 5 ٪ بالمصالح الحكومية، حتى يتمكنوا من إستكمال مراحل حياتهم، من خلال توفير راتب ثابت من عملهم بتلك الوظائف وتعينهم على مواصلة تألقهم الفني، داعيًا أولياء الأمور ممكن لديهم أبناء من مرضى «الدون والذهني» أن يبادروا بتقديم أبنائهم للفرقة حتى يتم اكتشاف ما لديهم من مواهب وقدرات إبداعية؛ بحيث يتم استثمارها بشكل مؤسسي يعود بالنفع عليهم بشكل خاص وعلى الفن المصري بشكل عام.
الفن له قدرة هائلة على إدماج ذوي الإعاقة في المجتمع
ومن جهته، أكد المحاسب توفيق حماد، رئيس الإتحاد النوعي للجمعيات العاملة في مجال الإعاقة بمحافظة الشرقية، أن فرقة القلب الصافي للفنون الشعبية لذوي الهمم، أثبتت أن الفن يمكن أن يكون وسيلة فعالة لتطوير المهارات، وتعزيز الثقة بالنفس، وإدماج ذوي الإعاقة في المجتمع، مشيرًا إلى أنه حضر للفرقة أكثر من عرض فني خلال الفترة الماضية، وأن هذه العروض ابهرته وكل من حضر هذه العروض، خاصة لحظة تقديم مُخرج الفرقة أعضاءها الواحد تلو الآخر بعد انتهاء العروض، وشاهد بنفسه حالة الرضا والسعادة على هولاء الأبناء الفنانين؛ ووقتها تيقن وبشكل عملي أهمية الفنون في إحداث تعديل سلوكي و معرفي لهولاء الأبناء، فضلًا عن اكتشاف مواهب وجوانب إبداعية لديهم، وهو ما يتحتم على كل مسؤول تنمية هذه المواهب والعمل على رعايتها بشكل احترافي حتى يعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع والبشرية جمعاء.
ابني مع الفرقة أصبح يعيش حياه جديدة
تقول ولاء محمد أحد أولياء الأمور: لم أتخيل يومًا أن أرى ابني يرقص ويغني أمام جمهور كبير، لقد منحته الفرقة حياة جديدة."
الفن جعلني أعيش حلمي على المسرح
وعبر كل من: «مي السعيد، محمد عبد النبي، محمود حسني، وشهد» أعضاء في فرقة القلب الصافي، عن سعادتهم بانضمامهم للفرقة، والتي نجحت في تغير توجهاتهم الفكرية والمعيشية، بقولهم: كنا نشعر بأننا غير مرئين في المجتمع، ولكن بعد انضمامنا للفرقة، أصبحنا نعيش حلمنا على المسرح".
فرقة القلب الصافي ليست مجرد فرقة عادية، بل رسالة حياة، فهل سنرى دعمًا حقيقيًا من المؤسسات الثقافية ورجال الأعمال لتحقيق حلمهم في الوصول للعالمية؟.