سميرة الطائية: «إن لم يتقدم أحدٌ ليصبح ممرضا في ذلك الوقت، فمن سيفعل؟!»
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
كان هناك الكثير مما يجب السؤال عنه، والكثير مما أحبت سميرة أن تسرده، فأخذنا الوقت ونحن نحكي 30 عاما من سيرة أول ممرضة عمانية في محافظة الداخلية، والتي ابتدأت عام 1976م عندما عملت في مستشفى سمائل بعد أربع سنوات من افتتاحه، وقالت: «كنت مضمدة وأما لطفلة، فلاحظوا أنني شغوفة بما أفعل، وأقوم بكل ما يوكل إلي».
ممرضة صغيرة
عن حكاية البداية قالت سميرة الطائية: «لطالما حلمت أن أكون ممرضة وأنا صغيرة. ساعدني أنني كنت أجيد اللغة الإنجليزية فاختارتني آسية الخروصية بعدها بعام لدراسة التمريض، والتي كانت مديرة للمستشفى، أذكر أنها قالت لي: «من الأفضل لك أن تدرسي»، وكنت حاملا بطفلي الثاني وقتها، فالتحقت بالدراسة بعد أن وضعت طفلي الثاني. كانت آسية لا تزال مصرة على أن أكمل دراستي في معهد التمريض، كنت سعيدة وخائفة في ذات الوقت، فقد كنت أقطن وعائلتي في سمائل والمعهد في مدينة مطرح وسأضطر للإقامة في السكن الداخلي، وأبنائي لا يزالون صغارا، لكنني فعلتها، فقد سمحوا لي بإحضار صغاري معي، وبعد ثلاث سنوات ونصف تخرجت، واقترحوا علي مرة أخرى أن أكمل الدراسة في الخارج، لكنني رفضت».
بعد التخرج من معهد التمريض تابعت سميرة العمل في مستشفى سمائل، وكانت تتنقل بين مستشفيات عدة في ذات الوقت، قالت: «عملت في أقسام متنوعة منها الولادة، وقمت مع الزملاء بعمل بحوث كنا أول من أعدها، حول صحة الأم والطفل والرضاعة الطبيعية والمباعدة بين الولادات وصحة المجتمع، وقمنا بحملات توعية في مناطق مختلفة من السلطنة، بعضها كنا نصل إليها بالطائرة ومع أجانب في بعض الأحيان، وكنت أصغرهم في الفريق وأبلغ من العمر ٢٣ عاما، وفي أحيان كثيرة كنت آخذ الأطفال مضطرة معي إن لم تكن أمي موجودة. بعد هذا كله عرضوا عليّ هذه المرة السفر إلى المملكة المتحدة، فبكيت واشترطت عليهم أن آخذ الأطفال معي، {ضحكت} وتابعت: لكنهم قالوا لي «ما يستوي تشلي أولادش معش كل مكان».
السنة الأولى في التمريض
وعن حكاية السنة الأولى في التمريض تقول: «في السنة الأولى ارتديت قبعة التمريض لأول مرة، كان طيها وطريقة ارتدائها صعبة بالنسبة لي، ولا أنكر أن ذلك أبكاني في الحقيقة، وجدته أمرا شاقا، وأظنه كان آخر ما أبكاني لأن إكمال الدراسة في الخارج كان أمرا استدعى بكائي بشكل أكبر فالأمر كان لازما ولا مفر منه، فأكملتها بين مسقط والسودان، هنا اكتشفت جمال السفر ومتعته، لم أشعر بالضياع أبدا هناك، لكني لم أتوقف عن الاتصالات الدولية اليومية لمحادثة أبنائي».
الولادة الأولى
في حديثنا عن أحب الأقسام إليها، قالت: «أحَب الأقسام إليّ الجراحة وقسم الولادة، أحب لحظة قدوم الطفل، وأما مشاهدة تعب الأم واحتضانها للرضيع فتجعلني أشعر بالأمومة أكثر. أول ولادة شهدتها في مستشفى خولة بحكم أني كنت أدرس بالمعهد في الوطية، في الحقيقة كنت أشعر أنني أنا من ألد وليس المريضة، مع أنني كنت أمّا بالفعل، لكني ولصغر سني لم أكن أعرف كيف يتموضع الجنين ويعيش داخل الرحم، فجعلتني غرفة الولادة أعرف كل ذلك. {ضحكت} وقالت: كنت أعتقد أنهم معلقون رأسا على عقب في فراغ داخل تجويف البطن. وبدأت أعرف أكثر مع الدراسة والتطبيقات العملية على الأرانب والدجاج.
وأضافت: «على الرغم من حبي الشديد للعمل في قسم الولادة إلا أن قسم الأطفال كان على النقيض تماما بالنسبة لي، أشعر بوجع في قلبي عندما يعطونهم حقنة أو تحصينا».
صورة الممرضة
في فترة كانت فيها سميرة الطائية العمانية الوحيدة التي تعمل بالتمريض في المشفى، سألناها عن صورة الممرضة لدى المجتمع آنذاك، فعبرت بقولها: يقال لنا أن التمريض «عيب»، لأنك ستتكشف على الناس. لكني كنت أفكر إن لم يصبح أحد ممرضا، فمن سيفعل ذلك؟! وتابعت: «ما جعلني أصر على ذلك، هو أنني كنت أمقت تعامل الممرضات الوافدات مع المرضى، وكنت مضمدة وأنا أشاهدهن يوقظنهم بعنف وإزعاج، وما استغربه أنهن كن يمنعنني من الدراسة والقراءة، كان يغضبهن ذلك، لكني شكوتهن إلى المديرة وقتها».
الإحساس بالمرضى
يقترب الممرض من المريض ويشعر به بطريقة يعجز عنها سواه، لكن الأمر كان مختلفا عند سميرة لأنها تعدت ذلك إلى الإحساس حتى بما يشعر به المريض بعد تناول الدواء، فحكت لنا هذه اللحظة عندما حدث أثناء عملها في مستشفى ابن سينا في سنتها الدراسية الأخيرة، وقالت: «كانت مهمتنا في أحد الأيام إعطاء المرضى أدويتهم، فقلت للطبيبة سآخذ هذا الدواء للبيت لأني راغبة بتجربته، سألتني لماذا؟! قلت أريد أن أعرف كيف يشعر المريض بعد تناولها، لكنني بعد ذلك شعرت بالتعاطف معهم أكثر من أي وقت مضى، انتابني شعور بأنني أطفو فوق موجة ولا أعرف أين أنا أو ربما أطير في غيمة. وجربت خياطة الجرح على نفسي من دون تخدير لأعرف حال المرضى عند خياطة الجروح، وعندما جربت فظاعة الألم قلت «مسكين المريض».
أمراض معدية
في مواقع خط الدفاع الأول تخبرنا سميرة أنها عاشرت وزملاؤها أشخاصا مصابين بالجذام، وقالت: كنا نزورهم في منازلهم الخاصة بالعزل في حي صغير بسمائل والتي أطلق عليها (سكان الجذام)، وكنا نعالجهم ونختلط بهم، لكن برعاية الله وبالحيطة والحذر، وتجنب الشك لم نصب بعدوى، وقمنا بواجباتنا تجاههم».
أما عندما انتشر وباء كوفيد-19 فقالت: «عندما حل كورونا كنت قد تقاعدت، ولكني تطوعت في مراكز اللقاح، تمنيت أن أكون معهم في المستشفى حينها كممرضة وأساعدهم وأكون ضمن خط الدفاع الأول مع الكادر الطبي. لكني ما أزال أعتبر نفسي ممرضة فأنا أمارس المهنة خارج المستشفى الآن مع جمعية المسنين، وأرافقهم أحيانا إلى العمرة وأشرف على أوضاعهم الصحية.
وأضافت: ذهبت كممرضة مع بعثة الحج العمانية ثلاث مرات، وكنا نلاحظ المرضى من الحجاج ونعتني بهم. كنا نذهب قبل الحجاج ونعود بعدهم، وفي عام 91 احترق مخيم الحجاج العمانيين، والحمدلله لم يصب أحد، واحترق كل شيء تقريبا ما عدا حاجياتي المهمة التي وضعتها لحسن الحظ في «سحارة» حديدية ولم تصب بأذى. وفي مرات أخرى عملنا كطب طوارئ مع أزمة النفق والاختناقات والمفقودين».
التمريض في كل مكان
تقاعدت سميرة. لكنها لا تزال تحن للمكان الذي لا يرغب بالذهاب إليه أحد.. المستشفى. وفي الأوقات الذي تذهب فيها مريضة أو مرافقة لمريض لا تطيق البقاء هناك دون أن تعمل فتجدها ترتب المرضى في قائمة الانتظار حسب الحالة والألم ومن يدخل أولا ومن بوسعه أن يتحمل وينتظر.
سميرة التي كادت تغير رأيها منذ زمن وتتوقف عن التمريض، تقول لنا اليوم إن التمريض في كل مكان.. في البيت.. في الشارع.. في المسجد، وأن أكثر ما يخيفها أن تقع للمريض مشكلة، ولكنها تحمد الله أنها خلال 30 سنة في المستشفى لم يشتك منها أحد، لا المريض ولا أهله حتى، بل يقولون لها «المستشفى اخترب بعد غيابك»، وتعدّ قولهم هذا نعمة.
وتقول: « لم يتغير المستشفى ولا المرضى تغيروا، نفوسنا التي تغيرت، وانعكاس حياتنا في البيت تتحكم بتعاملنا مع المريض».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی مستشفى
إقرأ أيضاً:
برلمانية بـ"الشيوخ": قانون المسؤولية الطبية متوازن ويحقق مصلحة المريض ويعطى الطبيب الحماية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد النائب حسام الخولى رئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن بمجلس الشيوخ، أن مشروع قانون تنظيم المسئولية الطبية وحماية المريض هو مشروع قانون متوازن يحقق مصلحة المريض ويعطى الطبيب الحرية والحماية إذا اتبع الأصول العلمية الثابتة حتى وإن خالف في ذلك غيره في ذات التخصص، فالقانون يكفل له الحماية من التعرض لأى أذى من أهل المريض، ولإنهاء حالات التعرض الهمجى التي كانت تحدث في السابق.
وأضاف حسام الخولى، أنه من الضرورى حينما يقرأ القانون يجب أن يقرأ كاملا بكامل مواده ولا تؤخذ مادة واحدة منفصلة لأن المواد مكملة لبعضهما وتعطى شرحا كاملا.
وأشار إلى أن قانون المسؤولية الطبية مطبق في دول العالم على سبيل المثال "ألمانيا، فرنسا، الإمارات، والسعودية".
وبدأت منذ قليل، الجلسة العامة لمجلس الشيوخ، برئاسة المستشار عبدالوهاب عبدالرازق، التي تشهد مناقشة مشروع قانون مقدم من الحكومة بشأن المسؤولية الطبية وحماية المريض.
ويهدف مشروع القانون إلى تحقيق التوازن بين حقوق المرضى وواجبات الأطقم الطبية ومسئولية القائمين على إدارة المنشآت الطبية، مع ضمان بيئة عمل عادلة وآمنة للعاملين في المجال الصحي، وتعزيز الثقة المتبادلة بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية من خلال وضع إطار قانوني واضح يحدد الالتزامات والمسؤوليات، ويعالج القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية بطريقة عادلة ومنصفة، ويراعي التطورات العلمية والتكنولوجية في المجال الصحي، ويهدف مشروع القانون إلى بناء نظام صحي مستدام يُعزز مـن جـودة الرعاية المقدمة ويحمي حقوق جميع الأطراف المعنية.
ووضع مشروع القانون نظام للتسوية الودية بين مزاولي المهن الطبية ومتلقي الخدمة تتولاه لجنة خاصـة برئاسة عضو جهة أو هيئة قضائية تحت إدارة اللجنة العليا للمسئولية الطبية؛ وهـو مـا يهدف إلـى التقليـل مـن مشـقة ومعاناة متلقي الخدمة المضرور أو ذويه، والحفاظ علـى وقـت وجـهـد مزاول المهنة الطبية، ودعماً للدور الذي تقوم به مثل هذه اللجان في إنهاء النزاعات فـي مهـدها فقـد حرص مشروع القانون على اعتبار الاتفاق على التسوية أمام لجنة التسوية الودية المشكلة وفقا لأحكامه له قوة السند التنفيذي ومنهياً للنزاع المدني في هذا الشأن.
وحرص مشروع القانون، على تقريب وتسهيل وسائل تقديم الشكاوى بشأن الأخطاء الطبية إلى اللجنة العليا، كما حرص في المرحلة الحالية على تكريس الطابع الاختياري لحـق متلقي الخدمة الذي وقع عليه ضرر أو ذويه في اللجوء إلى القضاء مباشرة أو اللجوء إلى آلية تقديم الشكوى إلى اللجنة العليا، ولم يعتبر تقديم الشكوى شرطاً سابقاً للجوء إلـى القضاء أو يمنــع مقدمها من اتخاذ الإجراء الذي يراه محققا لمصلحته وذلك لحين اكتمال المنظومة والوقوف على نتائجها بعد التطبيق.
وينطلق مشروع القانون من المبادئ الأساسية وهي حماية حقوق المرضى من خلال ضمان حصولهم على خدمات طبية عالية الجودة، ومعاقبة الإهمال أو التقصير الذي قد يؤدي إلى الإضرار بصحتهم أو سلامتهم وتشجيع الكفاءة الطبية عبر وضع معايير واضحة تحفز الممارسين الطبيين على الالتزام بأعلى درجات المهنية والدقة في عملهم، مما يُسهم في تحسين جودة الخدمات الصحية.
كما يهدف مشروع القانون إلى تحقيق العدالة وإنصاف المرضى المتضررين من الأخطاء الطبية دون المساس بحقوق الأطباء الذين قد يقعون ضحية لاتهامات غير عادلة، من خلال اعتماد آليات تحقيق دقيقة ومحايدة، ويدعو مشروع القانون إلى الالتزام بالقيم الأخلاقية في الممارسة الطبية، بما يشمل احترام كرامة المرضى وحقوقهم الإنسانية، وتوفير بيئة داعمة للأطقم الطبية من خلال حماية الممارسين الصحيين من التعدي عليهم أثناء عملهم والملاحقة التعسفية وضمان توفر التأمين ضد المخاطر المهنية، مما يشجعهم على أداء عملهم بثقة وأمان.