كان هناك الكثير مما يجب السؤال عنه، والكثير مما أحبت سميرة أن تسرده، فأخذنا الوقت ونحن نحكي 30 عاما من سيرة أول ممرضة عمانية في محافظة الداخلية، والتي ابتدأت عام 1976م عندما عملت في مستشفى سمائل بعد أربع سنوات من افتتاحه، وقالت: «كنت مضمدة وأما لطفلة، فلاحظوا أنني شغوفة بما أفعل، وأقوم بكل ما يوكل إلي».

ممرضة صغيرة

عن حكاية البداية قالت سميرة الطائية: «لطالما حلمت أن أكون ممرضة وأنا صغيرة. ساعدني أنني كنت أجيد اللغة الإنجليزية فاختارتني آسية الخروصية بعدها بعام لدراسة التمريض، والتي كانت مديرة للمستشفى، أذكر أنها قالت لي: «من الأفضل لك أن تدرسي»، وكنت حاملا بطفلي الثاني وقتها، فالتحقت بالدراسة بعد أن وضعت طفلي الثاني. كانت آسية لا تزال مصرة على أن أكمل دراستي في معهد التمريض، كنت سعيدة وخائفة في ذات الوقت، فقد كنت أقطن وعائلتي في سمائل والمعهد في مدينة مطرح وسأضطر للإقامة في السكن الداخلي، وأبنائي لا يزالون صغارا، لكنني فعلتها، فقد سمحوا لي بإحضار صغاري معي، وبعد ثلاث سنوات ونصف تخرجت، واقترحوا علي مرة أخرى أن أكمل الدراسة في الخارج، لكنني رفضت».

بعد التخرج من معهد التمريض تابعت سميرة العمل في مستشفى سمائل، وكانت تتنقل بين مستشفيات عدة في ذات الوقت، قالت: «عملت في أقسام متنوعة منها الولادة، وقمت مع الزملاء بعمل بحوث كنا أول من أعدها، حول صحة الأم والطفل والرضاعة الطبيعية والمباعدة بين الولادات وصحة المجتمع، وقمنا بحملات توعية في مناطق مختلفة من السلطنة، بعضها كنا نصل إليها بالطائرة ومع أجانب في بعض الأحيان، وكنت أصغرهم في الفريق وأبلغ من العمر ٢٣ عاما، وفي أحيان كثيرة كنت آخذ الأطفال مضطرة معي إن لم تكن أمي موجودة. بعد هذا كله عرضوا عليّ هذه المرة السفر إلى المملكة المتحدة، فبكيت واشترطت عليهم أن آخذ الأطفال معي، {ضحكت} وتابعت: لكنهم قالوا لي «ما يستوي تشلي أولادش معش كل مكان».

السنة الأولى في التمريض

وعن حكاية السنة الأولى في التمريض تقول: «في السنة الأولى ارتديت قبعة التمريض لأول مرة، كان طيها وطريقة ارتدائها صعبة بالنسبة لي، ولا أنكر أن ذلك أبكاني في الحقيقة، وجدته أمرا شاقا، وأظنه كان آخر ما أبكاني لأن إكمال الدراسة في الخارج كان أمرا استدعى بكائي بشكل أكبر فالأمر كان لازما ولا مفر منه، فأكملتها بين مسقط والسودان، هنا اكتشفت جمال السفر ومتعته، لم أشعر بالضياع أبدا هناك، لكني لم أتوقف عن الاتصالات الدولية اليومية لمحادثة أبنائي».

الولادة الأولى

في حديثنا عن أحب الأقسام إليها، قالت: «أحَب الأقسام إليّ الجراحة وقسم الولادة، أحب لحظة قدوم الطفل، وأما مشاهدة تعب الأم واحتضانها للرضيع فتجعلني أشعر بالأمومة أكثر. أول ولادة شهدتها في مستشفى خولة بحكم أني كنت أدرس بالمعهد في الوطية، في الحقيقة كنت أشعر أنني أنا من ألد وليس المريضة، مع أنني كنت أمّا بالفعل، لكني ولصغر سني لم أكن أعرف كيف يتموضع الجنين ويعيش داخل الرحم، فجعلتني غرفة الولادة أعرف كل ذلك. {ضحكت} وقالت: كنت أعتقد أنهم معلقون رأسا على عقب في فراغ داخل تجويف البطن. وبدأت أعرف أكثر مع الدراسة والتطبيقات العملية على الأرانب والدجاج.

وأضافت: «على الرغم من حبي الشديد للعمل في قسم الولادة إلا أن قسم الأطفال كان على النقيض تماما بالنسبة لي، أشعر بوجع في قلبي عندما يعطونهم حقنة أو تحصينا».

صورة الممرضة

في فترة كانت فيها سميرة الطائية العمانية الوحيدة التي تعمل بالتمريض في المشفى، سألناها عن صورة الممرضة لدى المجتمع آنذاك، فعبرت بقولها: يقال لنا أن التمريض «عيب»، لأنك ستتكشف على الناس. لكني كنت أفكر إن لم يصبح أحد ممرضا، فمن سيفعل ذلك؟! وتابعت: «ما جعلني أصر على ذلك، هو أنني كنت أمقت تعامل الممرضات الوافدات مع المرضى، وكنت مضمدة وأنا أشاهدهن يوقظنهم بعنف وإزعاج، وما استغربه أنهن كن يمنعنني من الدراسة والقراءة، كان يغضبهن ذلك، لكني شكوتهن إلى المديرة وقتها».

الإحساس بالمرضى

يقترب الممرض من المريض ويشعر به بطريقة يعجز عنها سواه، لكن الأمر كان مختلفا عند سميرة لأنها تعدت ذلك إلى الإحساس حتى بما يشعر به المريض بعد تناول الدواء، فحكت لنا هذه اللحظة عندما حدث أثناء عملها في مستشفى ابن سينا في سنتها الدراسية الأخيرة، وقالت: «كانت مهمتنا في أحد الأيام إعطاء المرضى أدويتهم، فقلت للطبيبة سآخذ هذا الدواء للبيت لأني راغبة بتجربته، سألتني لماذا؟! قلت أريد أن أعرف كيف يشعر المريض بعد تناولها، لكنني بعد ذلك شعرت بالتعاطف معهم أكثر من أي وقت مضى، انتابني شعور بأنني أطفو فوق موجة ولا أعرف أين أنا أو ربما أطير في غيمة. وجربت خياطة الجرح على نفسي من دون تخدير لأعرف حال المرضى عند خياطة الجروح، وعندما جربت فظاعة الألم قلت «مسكين المريض».

أمراض معدية

في مواقع خط الدفاع الأول تخبرنا سميرة أنها عاشرت وزملاؤها أشخاصا مصابين بالجذام، وقالت: كنا نزورهم في منازلهم الخاصة بالعزل في حي صغير بسمائل والتي أطلق عليها (سكان الجذام)، وكنا نعالجهم ونختلط بهم، لكن برعاية الله وبالحيطة والحذر، وتجنب الشك لم نصب بعدوى، وقمنا بواجباتنا تجاههم».

أما عندما انتشر وباء كوفيد-19 فقالت: «عندما حل كورونا كنت قد تقاعدت، ولكني تطوعت في مراكز اللقاح، تمنيت أن أكون معهم في المستشفى حينها كممرضة وأساعدهم وأكون ضمن خط الدفاع الأول مع الكادر الطبي. لكني ما أزال أعتبر نفسي ممرضة فأنا أمارس المهنة خارج المستشفى الآن مع جمعية المسنين، وأرافقهم أحيانا إلى العمرة وأشرف على أوضاعهم الصحية.

وأضافت: ذهبت كممرضة مع بعثة الحج العمانية ثلاث مرات، وكنا نلاحظ المرضى من الحجاج ونعتني بهم. كنا نذهب قبل الحجاج ونعود بعدهم، وفي عام 91 احترق مخيم الحجاج العمانيين، والحمدلله لم يصب أحد، واحترق كل شيء تقريبا ما عدا حاجياتي المهمة التي وضعتها لحسن الحظ في «سحارة» حديدية ولم تصب بأذى. وفي مرات أخرى عملنا كطب طوارئ مع أزمة النفق والاختناقات والمفقودين».

التمريض في كل مكان

تقاعدت سميرة. لكنها لا تزال تحن للمكان الذي لا يرغب بالذهاب إليه أحد.. المستشفى. وفي الأوقات الذي تذهب فيها مريضة أو مرافقة لمريض لا تطيق البقاء هناك دون أن تعمل فتجدها ترتب المرضى في قائمة الانتظار حسب الحالة والألم ومن يدخل أولا ومن بوسعه أن يتحمل وينتظر.

سميرة التي كادت تغير رأيها منذ زمن وتتوقف عن التمريض، تقول لنا اليوم إن التمريض في كل مكان.. في البيت.. في الشارع.. في المسجد، وأن أكثر ما يخيفها أن تقع للمريض مشكلة، ولكنها تحمد الله أنها خلال 30 سنة في المستشفى لم يشتك منها أحد، لا المريض ولا أهله حتى، بل يقولون لها «المستشفى اخترب بعد غيابك»، وتعدّ قولهم هذا نعمة.

وتقول: « لم يتغير المستشفى ولا المرضى تغيروا، نفوسنا التي تغيرت، وانعكاس حياتنا في البيت تتحكم بتعاملنا مع المريض».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی مستشفى

إقرأ أيضاً:

هل يجوز صيام المريض العاجز؟ مفتي الجمهورية يوضح | فيديو

أكد الدكتور نظير عياد -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم، أن الفرح بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، والغيرة على دينه وسنته، من علامات المحبة الصادقة، مؤكدًا أن "المرء يُحشر مع من أحب"، مستشهدًا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين بشَّر رجلًا قال إنه لم يُعِدَّ للآخرة كثير صلاة أو صيام، لكنه يُحب الله ورسوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت».

مفتي الجمهورية: العاقُّ لوالديه يحجز لنفسه مقعدًا في النارمفتي الجمهورية: لا تعارض بين العقل والنقل .. ولله في خلقه رسولينمفتي الجمهورية: المرأة المصرية تساند الوطن وتقف مع الرجل في مسيرة البناء


وأضاف مفتي الجمهورية، خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق ببرنامج "اسأل المفتي" الذي يذاع على قناة صدى البلد، أن الإسلام دين يسر ورحمة، وأنه لا يكلف الإنسان فوق طاقته، مستشهدًا بقوله تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]. وأكد أن المريض العاجز عن الصيام، الذي لا يُرجى شفاؤه، وليس لديه القدرة على دفع الفدية، يُرفع عنه الحرج، وليس عليه إثم.

الإسلام دين يسر ورحمة


وأشار إلى قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكي أنه أتى أهله في نهار رمضان، فأمره النبي بالكفارة، لكنه لم يكن قادرًا عليها، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من تمر ليتصدق به، فلما أخبره الرجل أنه أفقر أهل المدينة، سمح له النبي بأخذه. وأكد فضيلته أن هذه القصة تدل على سعة رحمة الإسلام وتيسيره على المسلمين.


واختتم المفتي حديثه بالدعوة إلى التحلي بروح الشريعة الإسلامية التي تقوم على الرحمة والتيسير، والتأكيد على ضرورة الالتزام بالأحكام الشرعية بروح المحبة والاتباع، مع الاستفادة من التوجيهات النبوية في تحقيق السعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة.

مقالات مشابهة

  • أنكالاف يهزم بيريرا ليصبح بطل (يو إف سي) لوزن خفيف الثقيل
  • هل الخضوع للجراحة يوم العطلة يشكل خطرا على حياة المرضى؟!
  • دراسة تؤكد أهمية التوسع في مناهج التمريض الصحي للأطفال
  • تكريم سميرة عبد العزيز في حفل السحور السنوي لـ حزب العدل .. صور
  • المفتي يوضح حكم صيام المريض العاجز «فيديو»
  • استعدادات لتدشين أحدث جهاز طبي جراحي في مستشفى الثورة بالحديدة
  • هل يجوز صيام المريض العاجز؟ مفتي الجمهورية يوضح | فيديو
  • بالفيديو| هل يجوز صيام المريض العاجز؟.. مفتي الجمهورية يوضح
  • 5 مطالب عاجلة من الصحة للقائمين على التمريض في مصر.. هذه أهمها
  • سميرة سعيد ناعية نعيمة سميح: "اليوم فقدت صديقة الطفولة"