بات السؤال الأكثر تداولا في الأروقة السياسية والدبلوماسية في لبنان والمنطقة هو: "هل يدخل لبنان وحزب الله تحديدا على خط معركة "طوفان الأقصى"؟ لا إجابة واضحة عنه حتى اللحظة. لكن الأكيد أن المسارات العسكرية في غزة وما قد ينتج عنها هو الذي سيحدد وجهة الحزب.

ومنذ انطلاق حرب طوفان الأقصى والتقدم الذي أحرزته حركة حماس، كان حزب الله في حالة استنفار سياسية وإعلامية وعسكرية، أصدر بداية بيانه الذي تأخر لمنتصف نهار السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وشدد فيه على متابعة ومواكبة ما يجري، وأنه على اتصال دائم مع حماس والجهاد الإسلامي.

المعادلة الإسرائيلية

صباح يوم الأحد الماضي، أوصل حزب الله رسالة مباشرة من خلال القذائف الصاروخية التي أطلقت باتجاه مواقع إسرائيلية محاذية للبنان. الرسالة كانت مدروسة: استهداف مواقع عسكرية في منطقة "مفتوحة"، وفق معايير الحزب، أي في مزارع شبعا المحتلة التي يطالب بها لبنان.

ومبادرة إسرائيل إلى قصف مواقع معروفة بأنها لـ"حزب الله" في الشريط الحدودي، تعكس من جهة حالة التوتر التي تعيشها القيادة العسكرية في الشمال، لكنها تشكل رسالة واضحة أرادت إسرائيل من خلالها تحميل حزب الله مباشرة أي عمل يُشن عليها انطلاقا من الأراضي اللبنانية. وهي تحاول عبر عمليات القصف وإيقاع قتلى في صفوف حزب الله القول للحزب إنه مسؤول مباشرة عن أي عمل ينطلق من لبنان بعد تسلل عناصر الجهاد الإسلامي إلى مستعمرة شتولا، وإنه مسؤول عن أي نشاط يقوم به الفلسطينيون في لبنان سواء بعلمك أو من دونه.

هذه المعادلة هي بالضبط ما يعمل حزب الله على منع تكريسها، ولذلك فإن القصف الذي تعرضت له ثكنات إسرائيلية بعد قصف مواقعه، شكل ردا أوليا، وهذا يشير إلى أن الحزب، كما هو معروف عنه، يدرس الأمر من زاوية "القصف مقابل القصف" التي يعمل بها منذ فترة طويلة، والتي تقتضي منه القيام بعمل عسكري يؤدي إلى قتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الأقل، وما سينتج عن ذلك من رد فعل لدى حكومة نتنياهو المأزومة، مما قد يقود إلى تدحرج الأمور نحو مواجهة واسعة.

ولهذه المواجهة قواعدها وسياقاتها بالنسبة إلى حزب الله، فهو لا يراها موضعية وتخصه لبنانيا، بقدر ما يراها ويريدها في سياق المواجهة التي تؤدي إلى خلق شبكة حماية للفصائل في غزة، وإفشال الالتفاف الإسرائيلي الهادف إلى محاولة إزالة التأثيرات التي تركتها عملية العبور في طوفان الأقصى.

وعليه أصبح لبنان بشكل أو بآخر في قلب التصعيد الذي تشهده المنطقة انطلاقا من عملية طوفان الأقصى، وإن لم تكن بالحرب العسكرية المباشرة والمفتوحة، وفتح الجبهات وإشعالها من لبنان وسوريا، إلا أنه بالمعنى السياسي والإستراتيجي هي معركة في سياق تكامل مسار وحدة الجبهات التي تحدث عنها بشكل مستفيض مسؤولو حزب الله وقيادات إيرانية.

وهذا الصراع سيأخذ مداه الأبعد في الإعلان الأميركي والغربي الواضح والمباشر بالوقوف خلف إسرائيل، والدفاع عنها وعن وجودها التاريخي، وصولاً إلى إرسال أسلحة لها وتوجيه حاملة الطائرات نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، والدعوة إلى تحالف دولي لمواجهة التدحرج الحاصل في المنطقة.

بالمقابل، لا يخفي حزب الله وأوساطه أن إرسال واشنطن حاملة الطائرات للمنطقة تحمل مجموعة أهداف، وهي إبعاد إيران عن هذا الصراع. وهو ما يندرج في كلام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بعدم وجود دليل على مشاركة طهران في عبور حماس.

وكذلك فإن الرسالة الأساسية هي لحزب الله خصوصا بأن تدخله قد يدفع الأميركيين إلى التدخل المباشر، وضرب قواعده المتعددة في لبنان وسوريا. وهذا الأمر حرصت وسائل إعلام إسرائيلية على تسريبه حول ما طلبه نتنياهو من الرئيس الأميركي جو بايدن بضرورة التدخل العسكري الأميركي المباشر إذا قرر حزب الله الدخول في المعركة، وفتح جبهات من لبنان وسوريا في إطار التخفيف عن غزة.

فرصة ذهبية

وفي الصورة الأوسع قد يجد حزب الله فيما يجري فرصة ذهبية، لا يمكن السماح بتضييعها في إطار واضح وهو إثبات جدية وقوة مشروع "وحدة الساحات"، وحتى لو كان الثمن الداخلي في لبنان كبيرا وغير متوقع، على اعتبار ما يجري لحظة تاريخية، عدم التفاعل معها سيؤدي إلى خسارات متعددة. كذلك فإن المشاركة الفاعلة في هذه الحرب ستؤدي إلى فرض شروط وتنازلات من إسرائيل لم يكن أحد من قبل قادرا على تحصيلها، خصوصا أنه من وجهة نظر حزب الله، فإن إسرائيل في أسوأ مرحلة في تاريخها منذ 1948، أي أن إسرائيل مضطرة للتنازل في نهاية المطاف.

وهنا لا بد من انتظار مسار المعركة، وما ستقرره الحكومة الإسرائيلية بشأن التعامل مع غزة، لأن الدخول في حرب برية واسعة حتما سيبقي الجبهة اللبنانية مفتوحة على احتمالات كثيرة، وسيرسل الكثير من الرسائل العسكرية والصاروخية، للإشارة إلى جاهزية الحزب الكاملة للدخول في الحرب، لا سيما أن العملية التي أطلقتها حماس لا يمكن فصلها عن سياق التنسيق مع قوى المنطقة.

وما كشفته "وول ستريت جورنال" من تنسيق في غرفة العمليات المشتركة للعملية في بيروت منذ مدة، يؤكد أن مثل هذا القرار لا بد أن يكون متخذا على مستوى محور المقاومة ككل، كما أن العملية مشابهة للكثير من العمليات التي قام بها الحزب سابقا، وآخرها عملية "مجدو"، باستخدام مجموعات بشرية مقاتلة تنخرط في المعارك. وقد استخدم ذلك في المعركة التي يطلق عليها الحزب اسم "بدر الكبرى" مثلاً، وإيران استخدمت مثل هذه الأساليب العسكرية في حربها مع العراق في عهد صدام حسين.

وثمة أمر رئيسي لا يمكن القفز فوقه، وهو أن حزب الله، الذي يقوم بتحشيد عسكري في لبنان رغم كل التباينات السياسية الحاصلة حول سلاحه ودوره الإقليمي، يقوم بتوسيع الحضور العسكري في مناطق جنوب سوريا وتحديدا في القنيطرة ومحيطها، وهو لا يغفل حساسية الجبهة السورية الصامتة عسكريا منذ عقود طويلة، مما يعني وجود خطة مبيتة لإرهاق إسرائيل من الجبهات الثلاث، وهذا ما استدعى اتصالات أميركية وإماراتية وفرنسية مع لبنان وسوريا للضغط باتجاه منع الانخراط في المعركة.

وهناك من يعتقد أن الاندفاعة من حزب الله بالاستثمار في العملية قد تتراجع إذا تم توسيع المواجهة نحو حرب تتخطى "الجبهة الغزية"، وقد يحول ذلك دون كسب إيران لما تريده. فالاستثمار في القضية الرئيسية والمحورية التي هي القضية الفلسطينية، يعطي الحزب وإيران أوراقا تفاوضية، في حين أن فتح الجبهة من لبنان قد يساهم في تشتيت قوة إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه يضرب الهدف السياسي للحزب باعتبار أن الدخول في معركة وسط هذا الصراع السياسي حول سلاح الحزب سيزيد الخلافات اللبنانية حول دور الحزب في ظل خصومته مع فريق واسع من اللبنانيين.

والحزب الذي كان يعول على استخراج النفط والغاز من البلوك الـ9 قبالة الشاطئ الجنوبي الذي قطعت شركة توتال إنيرجي شوطا في الاستكشاف والحفر فيه، قد يتوقف، والأمين العام للحزب قال في خطابه الأخير في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول إن المعطيات الأوّلية تفيد بوجود كميات من الغاز فيه، وهذا مؤشر مهم على اهتمام الحزب بملف الطاقة كشريك طبيعي في مكاسب هذا القطاع، ويفتح آفاق الاستثمار في لبنان، والذهاب لتخفيف الضغوط الأميركية على لبنان والحزب عبر رفع العقوبات. لذا إدخال لبنان في الحرب الدائرة قد يحول دون استكمال هذا المسار.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: طوفان الأقصى لبنان وسوریا فی لبنان حزب الله من لبنان

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط

أحسب أن حماس كانت تدرك أنها قامت في 7 أكتوبر ـ  تشرين الأول 2023 بعملية عسكرية غير مسبوقة، لكنها ربما لم تكن تملك تقديرا دقيقا لحجم وأثر عملية "طوفان الأقصى" ولعلها فوجئت بمفاعيلها على الأقل، الأمر الذي حملني على وصفها بـ " دوسة في بيت نمل". ولعل أفضل وسيلة لقياسها حجما وتأثيرا تكمن في مقارنتها بعمليات سابقة أدت إلى حروب شاملة.

سقط في اليوم الأول من العملية وفق الإحصاء الإسرائيلي 1200 قتيل و3400 جريح وأسر 251 إسرائيليا بين مدني وعسكري. بالمقابل تشير الأرقام الرسمية إلى أن إسرائيل خسرت في اجتياحها للبنان (1982 ـ 1985) 654 جنديا و3887 جريحا وفقدت أربعة جنود ووقع في الأسر 12 جنديا. وتفصح الأرقام المعلنة لحرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 أن عدد القتلى الإسرائيليين بلغ 2600 قتيل و136 أسيرا لدى مصر و28 أسيرا لدى سوريا. وأسفرت حرب حزيران ـ يونيو عام 1967 بين العرب وإسرائيل عن سقوط 983 قتيلا عسكريا و20 مدنيا و15 أسيرا. وسقط في حرب السويس عام 1956 حوالي 172 جنديا إسرائيليا وأسيرا واحدا. وفي الحرب الأكبر عام 1948 سقط 6373 جنديا ومدنيا.

"بيرل هاربر" فلسطيني

وإذا أردنا الذهاب إلى مكان أبعد في هذه المقارنة، نجد أن الضربة اليابانية الصاعقة في ميناء "بيرل هاربر"، القاعدة البحرية الأمريكية الواقعة في جزر هواي في 7 ديسمبر ـ كانون الأول عام 1941 والتي دفعت أمريكا للاشتراك في الحرب العالمية الثانية، قد أدت إلى سقوط 2403 جنود وجرح 1178 جنديا. هذه الخسائر لا تتجاوز خسائر إسرائيل بكثير على الرغم من الفوارق الهائلة بين إحجام الأطراف المعنية والمعدات العسكرية والمواقع الاستراتيجية.

تفيد هذه المقارنة بأن حجم العملية والخسائر التي خلفتها ما كان متوقعا وهو بمثابة إعلان حرب شاملة تستدرج بالضرورة حلفاء الطرفين وتتجاوز غزة ولبنان. فهل كانت حماس تراهن على إشعال حرب شاملة عبر استدراج محور الممانعة من دون تنسيق مسبق أم أن المحور لم يدرك هو أيضا أثر وحجم العملية التي وصلته النية الفلسطينية بوقوعها من دون تحديد ساعة الصفر؟

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع.هذا السؤال ما زال بحاجة إلى إجابة لم تصدر بعد عن أي من أطراف "محور الممانعة". بانتظار الإجابة الرسمية من المعنيين، أرجح أن المحور فوجئ كما فوجئت حماس بنتائج العملية من دون أن يكون مستعدا للانخراط فيها انخراطا شاملا وتاما وليس عبر إسناد بصواريخ ومسيرات على أهميتها. نعم لقد كان "طوفان الأقصى" مؤثرا إلى الحد الذي يفوق كل تصور مسبق لدى جميع أطراف الحرب.

ستتضح أبعاد الصورة أكثر عندما ننظر إلى حجم القوى التي احتشدت أو أخذت تحتشد للاشتراك في هذه الحرب. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 8 أكتوبر ـ تشرين الأول عن إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد وهي الأحدث والأهم في العالم، إلى شرق المتوسط وتلتها حاملة الطائرات داويت أيزنهاور. وأرسلت من بعد إلى البحر الأحمر حاملة الطائرات هاري ترومان ومن ثم تلتها شقيقتها فينزون، وأرسلت جنبا إلى جنب حاملة طائرات مروحية وسفنا وغواصات وفرقاطات حربية.

استنفار 55 قاعدة عسكرية أمريكية

هذا الحشد العسكري الأمريكي كان قياسيا، ذلك أن واشنطن تحتفظ بـ 11 حاملة طائرات، أرسلت أقل من نصفها بقليل للرد على عملية "طوفان الأقصى" أضف إلى ذلك إرسال دعم لوجستي بشري في سياق استنفار القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، والبالغ عددها 55 قاعدة أكبرها قاعدة العيديد في قطر التي تضم 13 ألف جنديا.

وفي السياق أرسلت بريطانيا سفنا حربية ومشاة بحرية وطائرات استطلاع وقتال إلى شرق المتوسط ولم تبرح الطائرات البريطانية سماء غزة والمنطقة. من جهتها بادرت فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى تشكيل قوة بحرية لحماية السفن التجارية الأوروبية في البحر الأحمر وشاركت في إسقاط المسيرات الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل في 13 نيسان ـ أبريل عام 2024.

تعكس هذه الأرقام تقديرا أمريكيًا وأوروبيًا عاليا للخطر الداهم الذي يهدد الدولة العبرية وتصميما على حمايتها ورفع معنويات سكانها التي تراجعت إلى الحد الأقصى بعد هجوم أكتوبر، خصوصا بعد أن بدا الجيش الإسرائيلي في حالة ارتباك وعجز عن استعادة زمام المبادرة رغم مرور ساعات طويلة على بدء "الطوفان".

 إن ذهاب العملية إلى أبعد مما تتصوره أو تتوقعه حماس والمحور يمكن ملاحظته من خلال ردود فعل أطرافه، لكن قبل ذلك لا بد من ذكر بعض آثارها على الأرض. فقد وصل مقاتلو حماس إلى عمق 25 كلم في طوفانهم وتحديدا إلى مستوطنة أوفاكيم ، مروا بمستوطنات على بعد 10 كلم في سديروت و5 كلم في نتيفوت و5 كلم في مهرجان روعيم الذي انتشرت صور الهاربين منه على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مروعة لم تشهد إسرائيل ما يشبهها في كل حروبها مع العرب، منذ تأسيس دولتها عام 1948 في فلسطين المحتلة.

مصرع التكنولوجيا الرقمية

لقد استفاد مقاتلو حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من عنصر المفاجأة، ليحققوا إصابات قاتلة في صفوف الإسرائيليين أكثر بكثير مما كانوا يتوقعون. فقد سيطروا على مقر قيادة فرقة غزة (رعيم) بسهولة كبيرة، وخرقوا الجدران الإلكترونية والإسمنتية من دون صعوبات تذكر، واستخدموا الطائرات المسيرة في التشويش وتدمير أبراج المراقبة، والطائرات الشراعية (جيلدرز) لنقل مقاتلين إلى مواقع القتال بسرعة كبيرة، وشنت قواتهم البحرية هجمات ناجحة بواسطة قوارب مطاطية في قاعدة (زيكيم) البحرية,

بدأت هذه الهجمات المنسقة بإطلاقات صاروخية كثيفة، الساعة السادسة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، واستمرت أياما طويلة حتى تمكنت إسرائيل من القضاء على الوحدات العسكرية المتسللة وذلك من دون أن تصاب حماس بخسائر كبيرة بحسب مصادرها. في حين أكدت إسرائيل والولايات المتحدة سقوط 1000 شهيد فلسطيني في داخل الأراضي الإسرائيلية.

إن وصول "طوفان الأقصى" إلى عمق 25 كلم يعني أن المقاتلين أصبحوا في منتصف الطريق بين غزة والضفة الغربية حيث تقدر المسافة بين 50 إلى 70 كلم وصاروا على بعد 200 كلم من الحدود اللبنانية، وتفيد المعلومات التي نشرتها إسرائيل حول المقاتلين الذين أسروا أو استشهدوا، أنهم كانوا يحتفظون بتموين وذخيرة تكفي أياما عديدة ما يعني أنهم كانوا يراهنون على طول العملية بانتظار تطورات لاحقة.

لقد نوقشت خلال الحرب إحدى الفرضيات التي تقول إن حماس كانت تنتظر تحركا من مقاتلي الضفة الغربية لإكمال الهجوم الوافد من غزة، والذي لو استمر كان يمكن أن يشكل جسرا قتاليا من غزة إلى الضفة الغربية، هذا الجسر كان يمكن أن يتسع ويكتسب أهمية عسكرية فائقة لو نفذ حزب الله هجوما مرغوبا باتجاه الجليل ومنه إلى حيفا. ويؤكد على صلاحية هذه الفرضية اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحق بن بريك الذي يرى بأن إسرائيل ما كان بوسعها القتال على جبهتين. وراجت توقعات أخرى في الدولة العبرية من أن الحزب كان بوسعه الوصول إلى حيفا من دون صعوبات كبيرة مستفيدا من عنصر المباغتة في اليوم الأول للعملية.

هجوم لم يأت من الضفة وآخر من الجليل

هل كان محور الممانعة يتحرك وفق خطة مرسومة سلفا على أن تبدأ بعملية "طوفان الأقصى" وتستكمل بهجوم حزب الله على الجليل وصولا إلى حيفا وإلى ما بعد وفق ما كان يردد الأمين العام الراحل للحزب السيد حسن نصر الله؟ أو على الأقل هل كانت حماس تتمنى أن يتحرك هذا السيناريو، وهل استدرجت المحور إلى هذا المكان؟ بعض الأنباء غير المؤكدة تفيد أن حماس أبلغت أطراف المحور في لقاء تم في بيروت في آب ـ أغسطس عام 2023 نيتها شن عملية عسكرية كبيرة ضد إسرائيل تسمح لها بتغيير قواعد الاشتباك، لكننا ما زلنا بحاجة إلى تأكيد رسمي لم يصدر بعد عن أطراف المحور حول هذا الجانب.

يذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".وتفيد أنباء أخرى أن إيران كانت على علم بتفاصيل العملية، وقد انعكس ذلك في تصريح شهير للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، الذي وصف العملية بـ "زلزال" ستهتز له أركان إسرائيل. وينسب إلى رئيسي تصميمه على دعم المقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان بكل الوسائل التي تتيح هزيمة إسرائيل، بل يتهم أصحاب نظرية المؤامرة إسرائيل باغتيال رئيسي بعد زيارته لأذربيجان بواسطة "بايجر" مفخخ ويربطون موقع الاغتيال بوجود مكتب ناشط للموساد في العاصمة الآذرية "باكو".

ويذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".

كائنا ما كان حال ونوع التواصل بين أطراف محور الممانعة قبل هجوم السابع من أكتوبر فإن ردود الفعل الغربية والدولية على هذه العملية كانت كلها تنم عن خوف على الكيان الصهيوني، وعن شعور بالخطر على مصيره. بعبارة أخرى كانت الولايات المتحدة تعرف أن إسرائيل غير قادرة على خوض القتال على أكثر من جبهة وأنها تحتاج إلى حماية ومشاركة في الحرب، ودعم لوجستي متواصل ومفتوح. ولعل انتشار القوات الأمريكية في المنطقة بالطريقة التي أشرنا إليها للتو يفصح عن هذا الشعور بالخطر المصيري على الكيان الإسرائيلي.

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع. ولعلهم ذهبوا بتوقعاتهم بعيدا في رهان متأخر، على أن يشترك معهم المحور بكافة أطرافه في معركة "زلزلت الكيان الصهيوني" على ما قال رئيس إيران الراحل. لكن التمني في لحظة نصر استثنائية لم يكن متناسبا مع حسابات حماس نفسها ومع حسابات المحور عموما. ذلك أن حربا تسعى إلى توجيه ضربة قاضية لإسرائيل ستؤدي بالضرورة إلى حرب مع الولايات المتحدة والغرب الذي دمر العراق وأفغانستان خلال شهور قليلة، ويمكنه بوسائله الحربية أن يدمر إيران وأن يتحمل مخاطر حرب إقليمية مفتوحة، أو حرب عالمية دفاعا ليس فقط عن إسرائيل وإنما أيضا عن جغرافية العالم السياسية التي رسمها ويتحكم بمساراتها.

طوفان الأهداف

ما من شك في أن حماس كانت تتمنى أو تتوقع ولربما عملت ما بوسعها لحمل أطراف المحور على الاشتراك في حرب طوفان الأقصى بكامل القدرات المتاحة، لكنها كانت تعتمد في المقام الأول على قدراتها الذاتية، وهذا ما لاحظناه من خلال شبكة الأنفاق السرية الضخمة لحماية بناها التحتية.

إذا ما استبعدنا خطة شاملة لخوض حرب مفتوحة ضد إسرائيل وحلفائها من خلال عملية "طوفان الأقصى" فإن تقديرنا لأهداف العملية يمكن حصره في الخطوط العريضة التالية:

1 ـ الحؤول دون تصفية القضية الفلسطينية عبر الخط الإبراهيمي أي التطبيع مجانا من دون تنازلات.

2 ـ تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل على غرار القواعد التي كانت قد استقرت في لبنان قبل الطوفان. معلوم أن إسرائيل ما كانت قادرة قبل الطوفان على اقتلاع خيمتين نصبها الحزب في أرض حدودية متنازع عليها.

3 ـ فك الحصار المستمر على غزة منذ العام 2007 وإعادة إعمارها.

4 ـ تعظيم حضور حماس في المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي.

5 ـ استعراض قوة حماس والفصائل المقاتلة برا وبحرا وجوا وهي المرة الأولى التي يتمكن خلالها فصيل فلسطيني من تشكيل قوة بهذا القدر من التنوع في مساحة صغيرة لا تصل إلى 400 كلم مربع.
 
6 ـ تهميش السلطة الفلسطينية الرسمية التي اختارت التفاوض لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من أرض فلسطين بعد خسارتها الحرب وخروجها من لبنان عام 1982.

7 ـ ضرب أسطورة الجدران المعلوماتية والتكنولوجية الرقمية التي أحاطت بغزة وصورت على أنها غير قابلة للاختراق.

8 ـ استباق التطبيع السعودي الإسرائيلي والتهدئة اللبنانية الإسرائيلية.

9 ـ إخراج المسجد الأقصى من دائرة الاعتداء الدوري وإرساء معادلة جديدة لحمايته.

10 ـ طي صفحة الشعور الفلسطيني بالإحباط جراء الطرق المقفلة لحل القضية الفلسطينية وإظهار إسرائيل ك "بيت العنكبوت" وهو تعبير اشاعه السيد حسن نصرالله بعد انتصار العام 2000.

11 ـ إبرام صفقة لتحرير آلاف السجناء الفلسطينيين.

12 ـ اختبار فعالية حلف الساحات والممانعة.

13 ـ اختيار توقيت 7 أكتوبر لإحياء ذكرى الانتصار العربي في حرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 التي وصفت بأنها آخر الحروب العربية.

14 ــ إعادة طرح القضية الفلسطينية على المجتمع الدولي وإخراجها من المسار الإبراهيمي أو على الأقل فتح مسار آخر أمامها يمنح الفلسطينيين حقوقا أكثر وأملا بمستقبل أفضل.

هل تحققت هذه الأهداف أو هل يمكن أن تتحقق وماذا عن نهاية الحرب؟ أسئلة سأجيب عنها في المقال التالي.  

*باحث في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك

مقالات مشابهة

  • منذ بداية وقف إطلاق النار مع لبنان.. إسرائيل تُعلن حصيلة اغتيالاتها لعناصر حزب الله (فيديو)
  • سلاح حزب الله إلى دائرة الضوء
  • ما قصة القرض الذي سيوقعه وزير المال مع البنك الدولي؟
  • مصر تكثف الجهود لإنهاء احتلال إسرائيل لمواقع بجنوب لبنان
  • نزع سلاح حزب الله ضرورة لقيام دولة لبنان
  • الاستعدادات للشروع في الانتخابات البلدية مستمرة.. حزب اللهيؤكد مراعاة عون والتجاوب معه
  • الرئيس اللبناني يؤكد أن سحب سلاح حزب الله "حساس" ورهن توافر "الظروف"  
  • طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط
  • الرئيس اللبناني: سحب سلاح حزب الله يتحقق مع توافر الظروف
  • تصعيد في الجنوب.. هل هو ردّ إسرائيل على خطاب الشيخ قاسم؟!