زكية اللمكية تعيد إحياء بيت والدها المهجور .. وتحوّله لمتحف يرتاده الزوار
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
خرجت من فوهة التاريخ لتأخذ جيل الحاضر إلى جذور الأجداد، تنفست بقربها رائحة الطيب الذي أخفته جدران الطين، وأعادتني إلى سنوات عاش فيها جدها ووالدها وأعمامها في البيت الغربي، هنا رسمت لي زكية اللمكية صور طفولتها، ولونتْها بحبها للمكان، حتى عندما أتعبها المرض كانت رائحة الطين طبيبها والدواء، وأخذها صوت والدها في المنام لسماع صوت الشغف في قلبها، وما كان الشغف إلا إعادة إحياء البيت الغربي قبيل اندثاره، والانخراط في العمل التطوعي؛ ليكون معجزة للنجاة من أمراض خطيرة.
لم أتخيل أن تكون زكية اللمكية صاحبة متحف البيت الغربي بالرستاق بتلك الهيئة، راودتني الكثير من الخيالات وأنا في طريقي للقائها، لم يستطع صوتها أن يصورها لي، وجدتها امرأة ممتلئة بالحياة، جمعت بين الماضي في ذاكرتها، والحاضر في حديثها ونمط حياتها، قالت لي: «كثرة الأحداث والوقائع التي مرت بي في حياتي أشعر بأني عشت 100 عام»، ولكنها -رغم أن لها أحفادا- تبدو وكأن العمر قد توقف بها في مرحلة من مراحل الشباب، وفي حديثها تستشف كم هي امرأة مرحة، والطفولة التي لم تكمل عيش تفاصيلها كاملة، فقد تزوجت وهي في الثانية عشرة من العمر، إلا أنها استمرت تعيش بروح الطفولة، ورغم السنوات الطويلة التي أخذتها لعالم مختلف عاشته في تربية الأبناء، والانشغال بوضعها الصحي الذي تدهور شيئا فشيئا، فكان أن بعثت لها المعجزة.
قصة البيت الغربي تشبه الخيال، فالمكان كان مهد طفولة «زكية اللمكية» عاشت فيه حتى زواجها، وغادرته سنوات طويلة، وهجر المكان بعد وفاة والدها، وترك للاندثار، تقول اللمكية: إن المكان لم يهتم لأمره أحد بتاتا، حتى مضت سنوات العمر سريعا.
عادت اللمكية إلى بيت الوالد بعد 28 عاما، عادت والحنين هو الذي قادها، تقول: إنها رأت اندثار البيت وحالته التي يرثى لها، فتبادر لذهنها العديد من الخطط التي صوّرها لها خيالها، وفي الليلة ذاتها رأت والدها في المنام، تقول: رأيته حلما أثناء نومي وهو واقف عند بوابة قصرى -مدخل الحارة القديمة-، يسأله من حوله «ماذا جاء بك إلى هنا؟ بعد أن رحلت لمكان بعيد، فقال: «أتيت لمساعدة ابنتي».
أخذها والدها في المنام وفتح لها باب البيت، وبدأ يفتح الغرف واحدة تلو الأخرى، تقول زكية: «والدي كان يفتح لي غرفا جديدة لم نكن نراها حين كنا صغارا، ربما لأنها غرف يخزن فيها والدي الكتب والمعونات للفقراء، والبيت في الحلم كأنه كقصر كبير».
وتضيف: «شعرت بأنها وصية والدي، وربما هي وصية تاريخية، ولا بد أن أستجيب لها».
«لم يكن البيت الغربي مجرد بيت للسكن، بل كان مدرسة لتعليم الفقه والعقيدة والسيرة النبوية في مجلس العلم».. سردت زكية قصة المكان فترة ازدهاره، فقالت: «كان جدي العلامة راشد بن سيف اللمكي يدرس الأئمة في البيت ذاته، وتمسك والدي بالنهج ذاته، ليصبح البيت الغربي منهلًا للعلم، ومكانًا لتخريج الأئمة وأصحاب العلم».
رائحة الطين تعيد الذاكرة ..
زكية اللمكية بدأت بتنفيذ خططها، فقد كانت تريد أن تعيد فتح أبواب «البيت الغربي» وتحوله لمتحف يستقطب الزوار لمعرفة التراث العريق للمكان، ويبحروا عبره في أعماق قصص من تخرجوا منه، تقول زكية: «بعد الحلم هممت بتنظيف البيت وإعادته لهيئته القديمة.. وبالفعل تم ذلك بمساعدة الجيران، لأدخل البيت بعد تنظيفه فأشم فيه رائحة المطر، اختلاط الماء بالطين أعطاني إحساسا بأن مطرا قد بلل جدران البيت، بدأت أتمشى في أروقة البيت لأشعر برائحة كل نساء هذا البيت تنبثق من الجدران، كأني ألتقي بكل امرأة من خلال روائحهن وطيبهن الذي كن يتطيبن به من الصندل والعنبر والزعفران قد التصقت بالمكان، أعادني الحنين لتلك الأيام».
لم تكن في البيت أي مقتنيات، فقد نهبت كلها خلال الفترة التي هجر فيها البيت، لم يتسلل اليأس إلى قلب زكية بل بدأت تفكر: «كيف يمكن أن أبدأ!» تقول: «تذكرت أن أهلي أهدوني هدية الزواج واحتفظت بها لمدة 30 سنة، البعض يقول لي ارميها، ولكني احتفظت بها كونها هدية من الأهل وهي الذكرى الوحيدة لديّ منهم، كانت الهدية عبارة عن حقيبة وفيها بعض الأغراض، من ضمنها مصحف ومرفع وسجادات، أحضرتها للبيت ووضعتها في مجلس العلم، وبعضها وضعته في غرفة جدتي»، وتستطرد زكية بأسلوب يمتلئ بالتشويق: «بعد أن أفرغت الحقيبة من أغراضها كلها، اكتشفت أن فيها جيبا داخليا مغلق وفتحته لأول مرة بعد مضي كل هذه السنوات، وإذا بقطع ذهب موجودة في الداخل، شعرت بأن تلك القطع قد تركت كل هذه الأعوام خصيصا لأجل هذا البيت».
استطاعت زكية اللمكية أن تؤسس متحفًا للزوار، يقصده الكثر من مختلف المناطق والولايات، ويأتي له السياح، رغم ضعف الإمكانات وقلة الموارد، وكثرة العراقيل إلا أنها أبت إلا الحفاظ على التراث، وهي تفتح باب بيت والدها للجميع دون أي رسوم للدخول والاستكشاف والتعرف على مكنونات العلم والتراث والأجيال التي خلّفت بقاياهم تلك الجدران الطينية والقصص التي تحكيها اللمكية بكل حب.
عمل تطوعي ..
تقول زكية: إن بركة المكان كانت بفعل دعوات من حولها، وأن قلبها الشغوف بالبحث عن المقتنيات هو دافعها لتعمير المكان بصورة مليئة بالجمال، ورغم نظرات المجتمع التي قد لا ترحم أحيانا، والوقوف في طريق تحقيقها لهذا الحلم، إلا أنها أبت إلا الاستمرار، فكان عملها الخالص بالنية الصادقة هو ما جعلها تتوج بالمركز الثاني في جائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي.
تقول زكية: «رغم أني لا أعمل ولا أملك مصدرا ماليا، ولكن ببركة زوار المكان وحبهم للمكان ودعواتهم الصادقة استطعت أن أجعل البيت من أفضل المتاحف التي يقصدها الزوار، ووهبته وقتي وجهدي واهتمامي، أما المقتنيات فكان من الصعب الحصول عليها، فشراء المقتنيات كان سعرها مرتفعا، لذا لجأت للحصول على المقتنيات من البيوت المهجورة، بعضها كان أصحابها يرافقوني، والبعض الآخر يعطيني المفتاح ويترك لي حرية أخذ المقتنيات منها، ورغم أني واجهت مصاعب عدة في دخول تلك الأماكن، وتعرضت لأكثر من حادثة، وسقطت وأصبت، إضافة إلى أن بعض الأدوات القديمة التي كنت أحصل عليها تسببت في ظهور حبوب في يدي أخذت وقتًا لعلاجها، ولكن كانت هناك قوة تدفعني، وشغف يقودني، والحمد لله الاهتمام بالمتحف حوّل صحتي خلال 10 سنوات وقد تحولت لأفضل حال، إضافة إلى أن المتحف قادني للعمل التطوعي».
وفي حديث ودي مع صاحبة المتحف عن ذكريات طفولتها قالت: «كنا 10 إخوة، لا نعود للبيت إلا بعد غروب الشمس، كنا صغارا مشاكسين، نحب الكتابة والرسم على الجدران، وفترة النهار نقضيها باللعب في الحارة والذهاب إلى المزارع وقطف الثمار، وأما عن دراستي فقد درست للصف الثاني الإعدادي، وتزوجت بعدها، كان عمري 12 سنة، وبعدها أكملت بالدراسة الحرة، حتى حصلت على شهادة الثانوية، لكن الحياة علّمتني، والتجارب المختلفة هي التي صنعت مني هذه الإنسانة التي ترونها أمامكم».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
القمة الأوروبية في لندن: تشديد على أهمية إعادة تسليح أوروبا وتوحيد الصف الغربي ودعم أوكرانيا
انطلقت في لندن، اليوم الأحد، قمة استثنائية بمشاركة قادة أوروبيين لمناقشة الأمن ودعم أوكرانيا، بعد يومين فقط من المواجهة الحادة بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض.
استضاف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أكثر من عشرة قادة أوروبيين، إضافة إلى ممثلين عن كندا وتركيا، في قصر لانكستر هاوس بوسط لندن، حيث جرت مناقشات حاسمة حول مستقبل أوكرانيا والتحديات الأمنية التي تواجه أوروبا.
وشملت قائمة الحاضرين قادة كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا والنرويج والدنمارك وفنلندا والسويد وبولندا ورومانيا وجمهورية التشيك، إلى جانب وزير الخارجية التركي. كما شاركت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته.
وانضم زيلينسكي إلى القمة، وسط تكهنات حول نتائج المحادثات الأوروبية في ظل الغياب الأمريكي، حيث تحاول العواصم الأوروبية تنسيق موقف مشترك بشأن مستقبل الصراع في أوكرانيا.
ستارمر: لحظة حاسمة لأوروباوفي مستهل القمة، وصف ستارمر الاجتماع بأنه "لحظة لا تتكرر إلا مرة في كل جيل"، مشددًا على ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مستقبل القارة.
وكان ستارمر قد أكد، أن المملكة المتحدة وفرنسا تعملان على صياغة خطة مقترحة لوقف إطلاق النار في أوكرانيا سيتم تقديمها لاحقًا إلى إدارة ترامب.
Relatedصدمة عالمية من مشادة ترامب وزيلينسكي.. وتضامن أوروبي مع الرئيس الأوكراني إلا أوربان"فشل سياسي لأوكرانيا".. هكذا علّقت روسيا على المشادة الكلامية بين ترامب وزيلينسكيستارمر: لندن وباريس تعملان على خطة لوقف الحرب في أوكرانيا سيتم طرحها على ترامبكما أعرب في وقت سابق عن استعداده لإرسال قوات بريطانية كجزء من بعثة حفظ السلام في أوكرانيا، لكنه شدد على ضرورة وجود دعم عسكري أمريكي لضمان استقرار أي اتفاق محتمل. ومع ذلك، لم يتمكن ستارمر من الحصول على ضمانات من واشنطن خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض.
ميلوني وستارمر: وحدة الصف الغربي ضرورةوقبيل انعقاد القمة، التقت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني بنظيرها البريطاني، حيث أكدت على أهمية منع أي انقسام غربي، محذرة من أن أي تفكك في الموقف الأوروبي سيضعف الجميع.
وقالت ميلوني: "أعتقد أنه من الضروري تجنب خطر الانقسام داخل الغرب، وأرى أن المملكة المتحدة وإيطاليا يمكنهما لعب دور محوري في هذا المجال".
ودعت ميلوني إلى عقد اجتماع بين القادة الأوروبيين والأمريكيين لتعزيز وحدة الصف، مؤكدة أن التعاون في مجالات الأمن والدفاع والطاقة ومكافحة الهجرة غير النظامية يجب أن يكون أولوية مشتركة.
من جانبه، شدد ستارمر على مدى التقارب بين سياسات بلاده وإيطاليا، مشيرًا إلى أن الدولتين تتبنيان نهجًا مشتركًا في التعامل مع القضايا العالمية.
سانشيز يؤكد دعم إسبانيا لأوكرانيامن جانبه، أعرب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن دعمه القوي لأوكرانيا، حيث احتضن زيلينسكي بحرارة بعد التقاط صورة جماعية خلال القمة. وأكد سانشيز، أن إسبانيا ستفعل كل ما في وسعها لضمان أمن وحرية أوروبا.
وكان سانشيز قد زار كييف في الذكرى السنوية الثالثة للحرب، حيث أعلن عن حزمة دعم جديدة تشمل مساعدات عسكرية ومالية وإنسانية بقيمة مليار يورو.
كما شدد على موقف بلاده الثابت إلى جانب أوكرانيا، قائلًا: "إسبانيا تقف إلى جانبكم"، في تصريح حصد تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي.
زيلينسكي يعزز تحركاته الدبلوماسيةهذا والتقى زيلينسكي بميلوني، واصفًا الاجتماع بـ"المثمر"، حيث ناقش الزعيمان سبل وضع خطة سلام عادلة ودائمة لإنهاء الحرب. وقال زيلينسكي في منشور على موقع X إن "بوتين وحده من يريد استمرار الحرب"، مشددًا على أهمية تعزيز موقف أوكرانيا بالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة.
وبعد القمة، توجه زيلينسكي بمروحية إلى نورفولك في شرق إنجلترا، حيث كان من المقرر أن يلتقي بالملك تشارلز في منزله بساندرينجهام، في خطوة تؤكد على استمرار دعمه الدبلوماسي من المملكة المتحدة.
وفي سياق متصل، أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التزام الاتحاد الأوروبي بدعم أوكرانيا وتعزيز الدفاع الأوروبي، مشيرة إلى ضرورة وضع "ضمانات أمنية قوية" تجعل أوكرانيا "حصنًا منيعًا" ضد أي تهديدات مستقبلية.
كما دعت إلى إعادة تسليح الاتحاد الأوروبي على وجه السرعة وزيادة الإنفاق الدفاعي لمواجهة التحديات الجيوسياسية الجديدة. وقالت إن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى "طفرة" في الإنفاق العسكري تتناسب مع الوضع الأمني الحالي، مشددة على ضرورة أن يكون الاتحاد أكثر استعدادًا لمواجهة التهديدات المحتملة.
الناتو: على أوروبا تقديم المزيد من الدعموأكد الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، أن الدول الأوروبية بحاجة إلى زيادة مساهماتها لدعم أوكرانيا، مشيرًا إلى أن القارة تتحرك بالفعل نحو تعزيز قدراتها الدفاعية.
وأضاف روته: "نريد جميعًا اتفاق سلام، لكن يجب أن يستمر دعمنا العسكري"، مضيفًا أن تعزيز قوة الناتو يتطلب زيادة الاستثمار في الدفاع الأوروبي.
وفي أول تعليق أمريكي على القمة، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إنه سأل نظراءه الأوروبيين عن خطتهم لإنهاء الحرب، لكنه لم يسمع أي أفكار واضحة منهم.
وكان روبيو قد صرح بأن ترامب هو الوحيد القادر على إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وتعكس قمة لندن محاولة القادة الأوروبيين إعادة ضبط مسار العلاقات عبر الأطلسي، في ظل مخاوف متزايدة من تقارب أمريكي-روسي قد يؤثر على مستقبل أوكرانيا وأمن القارة الأوروبية، بينما تسعى العواصم الأوروبية إلى توحيد موقفها بشأن دعم كييف.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ستارمر: لندن وباريس تعملان على خطة لوقف الحرب في أوكرانيا سيتم طرحها على ترامب رئيس المفوضية الأوروبية السابق ليورونيوز: لاعضوية كاملة لأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي أوروبا على حافة الهاوية: الخلاف بين أمريكا وأوكرانيا يضع القارة العجوز في دائرة الضوء كير ستارمرروسياأوكرانياالولايات المتحدة الأمريكيةأوروبابريطانيا