نصرى العنقودية.. حكاية عمانيات صنعن أجيال التفوق
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
«لن تصل إلى الحارة بسهولة، حتى باستخدام خرائط الأقمار الصناعية»، كان يمكن أن أُجري حواري هذا هاتفيًا واختصر مسافة الرحلة إلى نزوى والضياع وسط الأزقة التي لا تكاد تتسع حتى لسيارة واحدة، ولكنني كنتُ على موعد مع امرأة استثنائية، طمعت بإن أجلس إلى جوارها وأستمع لقصتها من خلال عينيها وحركة أصابع يديها وهي تحكي.
قلتُ أني اخترتها لأنقل قصتها، ليعرف الناس أن العمانيات صنعن أجيال التفوق، وأن النساء اللاتي نراهن اليوم يعتلين أرفع المناصب لم يكن ليصلن لولا التضحيات التي بذلتها أنتِ ومن مثلك من الأمهات اللاتي قهرن ظروفهن لينعم أبناؤهن بحياة أفضل.
أشرت بعدها إلى ابنتها، الدكتورة زكية العفيفية، محاضرة في جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، وقلت أحكي لي، كيف استطعتِ إيصال زكية لأرقى الجامعات في العالم رغم بساطة حياتك والمشقات التي عشتها؟
بحزم أجابت الوالدة نصرى: «كان لازم أعلمها، محد بينفعها غير علمها»، وراحت تحكي: أهلي بسطاء، لم يتركوا لي الكثير، وليس لدي ما أستطيع توريثه لأبنائي حتى ينعموا بحياة أفضل من التي أعيشها، لذا بذلت قصارى جهدي وعملت كثيرًا حتى يتمكنوا من التعلم ونفع أنفسهم ونفعي فيما بعد.
ماذا كنتِ تعملين؟ سألتها، رفعت يداها وقالت «كل شيء»، كل شيء عزتني قوتي أن أفعله، كنت أعمل في إحدى المزارع، وأهتم بالماشية؛ لأساعد أهلي وأبنائي، فقد توفي أبي وأنا صغيرة، وأمي ضريرة، ولدي أطفال توفي والدهم وترك مسؤوليتهم لي، فلم يكن بيدي سوى أن أبذل كل ما في وسعي لرعايتهم.
قالت: إنها كانت تستيقظ مع الشمس، تهتم بالماشية، تُرسل أبناءها للمدرسة، من ثم تعمل في العناية بالمزروعات والحصاد وتجفيف المحاصيل ونقل أكوام كبيرة منها عبر القرى وإلى السوق، تنتهي من ذلك لتعود لتحضير العشاء لأبنائها وإعدادهم لليوم الدراسي في اليوم الثاني.
تابعت وعيناها تحدق بعيدًا: لم تكن الحياة سهلة كما هي اليوم، كان منزلنا قديما من طين، انتقلنا منه حين كاد السقف أن يسقط على رؤوسنا، احتمينا في زاوية غير مأهولة للسكن في مزرعة بجانبنا، مكثت فيها وأبنائي عشرين عاما، حتى استطعنا أن ننتقل لغرفة مغلقة تظلنا بأمان، لم يكن هناك مصدر مياه إلا مجموعة آبار بعيدة، أمشي إليها مسافة طويلة حتى أحضر الماء للماشية وللشرب حاملة ثلاث جرات ثقيلة فوق رأسي في كل مرة.
سألتها: ألم يساعدك أبناؤكِ؟. أجابت: بلى، ولكنني أطلب منهم في غالبية الوقت أن يجلسوا في الغرفة ليستكملوا دروسهم وكي لا يضطروا لهذا العمل بقية حياتهم، وأقول في نفسي، «غدًا سينفعون أنفسهم وينفعونني»، وقد حدث!
وماذا عنكِ، ألم يغركِ التعليم؟ بلى، كثيرًا، ولكن لم يكن مسموحا لنا أن نتعلم كفتيات إلا القرآن الكريم. والدي كان معلما، ولديه مدرسة يقصدها جميع أبناء الحارة، كنت أسترق السمع في بعض الأحيان؛ لأتعلم أي شيء من مجالسه ولكن أخي كان يمنعني.
ولكن بعد أن كبر أبنائي ألتحقت بتعليم الكبار، ولظروف لم تكن بالحسبان، قطعت التعليم، ولكنني أواصل اليوم تعلم القرآن الكريم.
وهل أصررتِ على تعليم زكية؟
«طبعًا»، أجابت بكل حماس. سمعت يومها من النساء حولي أنه تم فتح باب تسجيل الفتيات في المدرسة، بحثت عن أحد ليقلني بسرعة لتسجيلها. كبرت زكية ودخلت جامعة التقنية والعلوم التطبيقية، درست الأحياء، وكانت الأولى على دفعتها، نالت بذلك مقعدا في جامعة السلطان قابوس، أذكر أنها كانت تبحث عن وظيفة؛ لتساعدني في ذلك الوقت، رغم أني بذلت جهدي ألا تفعل وكنت أرسل إليها مصروفًا شهريًا. بعدها، تم اختيارها في برنامج للإحلال لتكون معيدة ومحاضرة في جامعة التقنية، فرحتُ كثيرًا ولم أتردد في الموافقة رغم استهجان الناس من حولي للأمر. وأضافت: أثق في ابنتي، أنشأتها على الأصول، وكنت أعرف أنها ستكون بخير. نجحت وسافرت بعدها لدراسة الدكتوراة، وها هي اليوم ناجحة وتعيش في حال أفضل، وأعيشُ أنا بحال جيدة بفضل الله وفضل تعليمها.
لاحظتُ أنكِ لا تفرقين بين أبنائك الذكور والإناث، صحيح؟ أشرت بيدها نافية، وقالت: «كلهم عندي واحد»، وعلمتهم الاعتماد على أنفسهم منذ الصغر، رغم أن تركيزي الأكبر كان على تعليمهم ولكن ذلك لا يمنع أن أعلمهم مهارات يستفيدون بها في حياتهم، نظرت بعدها لزكية التي كانت تستمع بفخر لوالدتها، وقالت، علمتها الخياطة وكانت تساعدني في صناعة ملابسها، كما أنها كانت تساعدني في أعمال المنزل والمزرعة.
قاطعتنا ابنتها زكية، وقالت: لم تكن الحياة سهلة على الإطلاق! كبرت وأنا أرى أمي تفعل كل شيء، وكانت صدمتي كبيرة حين علمت أن المزرعة التي أفنت عمرها لخدمتها لم تكن حتى لنا، ورغم بساطة المعيشة، تمكنت أمي من أن لا تحرمنا من الملبس الجيد والأكل والاحتفال بالمناسبات دون أن ينقصنا أي شيء.
أضافت زكية: كنتُ أساعدها منذ صغري بالطبع، فقبل ذهابي للمدرسة في الوقت المسائي، كنت أرعى الأغنام، حتى أنها في مرة أكلت أوراق امتحاناتي ووبختني المعلمة. وحين أكون مع الأغنام في الوادي ويفاجئنا بجريانه، كنت أحملها واحدة واحدة على الضفاف بنفسي وأتأكد من إرجاعها بسلام؛ لأستعد بعدها للذهاب إلى المدرسة.
وقبل أن أضغط زر إيقاف التسجيل، سألت الوالدة نصرى بنت جمعة العنقودية عن كلمة أخيرة تصف بها نساء جيلها كمن يحاول أن يستغل كل دقيقة بصحبة امرأة مذهلة مثلها، فقالت: لم نكن نتذمر من العمل، ولم نتعلم الاعتماد على غيرنا، مدت لي جزءًا من ثوبها التقليدي المطرز بألوان مختلفة، وقالت: فرحتي تختلف حين ألبس ثوبًا أحيكه وأطرزه بنفسي، يشبه ملابس أمي، ولا أفهم كيف تلبس النساء اليوم من أيدي العمالة الوافدة، فكيف لهذه الصناعات أن تبقى إرثًا جميلا ننقله للأجيال القادمة. واختتمت حديثها مؤكدة «محد ينفع الحرمة إلا نفسها وعلمها».
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
خبير تربوي يوجه نصائح هامة لطلاب الثانوية العامة لتحقيق التفوق
أكد الخبير التربوي، الدكتور تامر شوقي، أن العام الدراسي الحالي يمثل فرصة مميزة لطلاب الثانوية العامة للاستذكار والتحصيل بفاعلية، خاصة في ظل تقليص عدد المقررات الدراسية إلى خمسة فقط، مما يتطلب استغلال هذه الميزة لتحقيق التفوق.
وأوضح أن من أهم العوامل التي تساعد على ذلك هو توزيع الوقت بشكل جيد بين المقررات المختلفة، بحيث يتمكن الطالب من إنهاء استذكار جميع المواد بحلول منتصف أو نهاية شهر مارس.
وأشار إلى أن قلة عدد المقررات الدراسية تمنح الطالب فرصة لتقليل اعتماده على الدروس الخصوصية غير الضرورية، مما يسمح له بقضاء وقت أطول في المنزل للمذاكرة والتحصيل.
لذا يجب على الطالب أن يكون أكثر وعيًا في اختيار الدروس التي يحتاجها بالفعل، وتجنب حضور تلك التي تغطي أجزاء من المقررات أتقنها مسبقًا أو لديه مصادر جيدة لمراجعتها.
وأكد أن التفوق لا يعني الالتحاق بدروس خصوصية في جميع المواد أو عدم تضييع أي حصة، بل يعتمد على الفهم الجيد للمنهج، والاستعانة بالدروس في الأجزاء التي يصعب عليه استيعابها فقط.
كما شدد على أهمية التوازن في استذكار المواد، حيث لا ينبغي الإفراط في مذاكرة المواد السهلة وإهمال الصعبة، لأن الطالب المتفوق هو من يذاكر جميع المقررات دون تمييز بينها.
وأضاف أن مادة اللغة العربية تستحوذ على نسبة كبيرة من مجموع الثانوية العامة، حيث تبلغ 80 درجة، أي ما يعادل 25% من إجمالي الدرجات، مما يستوجب الاهتمام بها بشكل مستمر، وحل التدريبات والنماذج المتعددة عليها، مع تكرار ذلك حتى يتمكن الطالب من إتقان جميع تفاصيلها، محذرًا من التكاسل في مراجعتها أو إهمالها.
وأشار إلى أن انخفاض المجموع الكلي لدرجات الثانوية العامة إلى 320 درجة فقط يجعل كل ثلاثة أخطاء تقريبًا تتسبب في فقدان الطالب 1% من درجاته، وهو ما يمثل عامل خطورة يستدعي الحرص على تجنب فقدان أي درجة أثناء التدريبات أو الامتحانات.
وفيما يتعلق بمادة الإحصاء، أوضح أن مذاكرتها تشبه إلى حد كبير مذاكرة اللغات، حيث تحتاج إلى مراجعة مستمرة وممارسة دورية، لأن تركها لفترة طويلة بلا استذكار يؤدي إلى نسيانها سريعًا.
وأكد أن الإحصاء تتطلب من الطالب أمرين أساسيين، هما الفهم والاستيعاب الجيد للقوانين والمفاهيم والمصطلحات المختلفة، إلى جانب التدريب المستمر على حل المسائل المتنوعة في كل درس.
كما نصح بعدم حفظ مسائل الإحصاء بأرقامها، بل يجب التركيز على فهم طريقة الحل والمنهجية المتبعة في الإجابة، حيث يعد الوصول إلى الإجابات الصحيحة أثناء حل التمارين هو المعيار الحقيقي للتأكد من تحصيل المادة بشكل جيد.
واختتم الدكتور تامر شوقي حديثه بالتأكيد على أن الإحصاء، رغم اعتمادها على الأرقام، تعد من المواد التي يسهل تحصيلها مقارنة بباقي المقررات، بشرط التعامل معها بأسلوب صحيح يعتمد على الفهم والممارسة المستمرة.