زلزال طوفان الأقصى ومآسي الرئيس الأمريكي بايدن
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
بتاريخ 7 أكتوبر 2023 وقع زلزال ربما وصلت شدته تسع درجات على مقياس ريختر سمي بـ«طوفان الأقصى» حيث اجتاح المقاومون الفلسطينيون المستعمرات التي أقامتها حركة الاستيطان الأوروبي في جنوب فلسطين وسموها «غلاف غزة». كانت عملية الاجتياح على درجة عالية من الانضباط والجسارة والتمويه، التي ضللت العدو لدرجة أن البيت الأبيض ـ على بعده الجغرافي ـ أصيب بالمفاجأة، وسمى بنيامين نتنياهو ذلك اليوم بـ«اليوم الأسود».
من اللافت للنظر أن الولايات المتحدة تبعث فجأة بحاملتي طائرات إلى المنطقة، يرافق ذلك تهديدات من الرئيس الأمريكي، وكأنه يبعث رسائل تحذير ضد أي تحرك لأي طرف ثالث (وربما يقصد إيران) بقصد التدخل ضد إسرائيل. ويبدو أن وزير الحرب الإسرائيلي، اعتبر ذلك ضوءاً أخضر أمريكياً لآلة الحرب الإسرائيلية، حيث أمر بقطع الماء والكهرباء والغذاء عن كامل سكان قطاع غزة، واعتبارهم «وحوشا بشرية». وما يدلل على ذلك السلوك العدواني أن وزير الحرب، أطلق العنان لكل آلات الدمار العسكرية، وبدأ في تطبيق «مبدأ الضاحية» الذي يعتنقه جيش المستوطنين، وهو المبدأ الذي ينطوي على الدمار الشامل، من دون تمييز بين عسكري ومدني، لإحداث حالة هلع بين المدنيين.
إن مأساة الرئيس بايدن الأولى، أنه لم يقرأ أو يسمع ما قاله وزير الحرب الإسرائيلي، ما يعني بداية ارتكاب جريمة «الإبادة الجماعية» ولم يسمع الرئيس أو يقرأ ما قاله الوزير عن الفلسطينيين، من أنهم «حيوانات بشرية» ما يهيئ الأرض لتبرير الإبادة الجماعية. ولم يكن الرئيس الأمريكي وحيداً في إظهار هذا الشعور البليد، بل انضمت إليه كل أطراف النادي الاستعماري، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، التي أصدرت بياناً مشتركاً، اعلنت فيه أنها «ستدعم جهد إسرائيل للدفاع عن نفسها» في مواجهة المقاومة الفلسطينية، التي تمارس حقاً مشروعاً في المقاومة ضد الاحتلال والاستعمار. لم تذكر أطراف النادي الاستعماري كلمة واحدة عن حصار قطاع غزة، براً وبحراً وجواً، الذي ما زال مستمراً لسبعة عشر عاماً، وحولت القطاع إلى أكبر معتقل في العالم، ولم يلحظ أيٍ منهم أن بعض التقارير الدولية قد حذرت من أن قطاع غزة سوف لن يكون صالحاً للحياة في عام 2020.
ومع ذلك، فإن أخطر ما ورد في خطاب الرئيس بايدن ـ وهذه مأساته الثانية – هو شعوره بأن ما وقع في غلاف غزة على يد المقاومة الوطنية هو أنها «مأساة ليست بعيدة عنّا» مشيراً إلى وجود أحد عشر أمريكيا (ثم أصبحوا اثنين وعشرين) ما بين قتيل وجريح وأسير، مضيفاً أن «سلامة المواطنين الأمريكيين، سواء في الداخل أو الخارج ـ هي أولويتي القصوى كرئيس». يبدو من ظاهر كلام الرئيس أنه لا يميّز بين المواطنين الأمريكيين فهم جميعاً متساوون، وذلك لكي يؤمن لهم السلامة والأمان، ولكنه قبل أسبوع تقريباً تبين خلاف ذلك، حين اتضح أن إدارته تميز بين أمريكيين كاملي الدسم، وأمريكيين منزوعي الدسم، حيث ميزت إدارته بين الأمريكيين من اصول فلسطينية، والأمريكيين كاملي الدسم. فالقسم الأول لا يمنح حق الدخول إلى فلسطين ووافقت إدارته على قيام إسرائيل بالتمييز بين المواطنين الأمريكيين من أصول فلسطينية والأمريكيين الآخرين.
فأين هي مسؤوليته التي يتحدث عنها كرئيس؟ أما مأساة الرئيس الثالثة فهي حزنه وألمه على الأمريكيين الذين قتلوا، أو وقعوا في أسر المقاومة الفلسطينية. فكيف يستسيغ الرئيس الأمريكي الادعاء ـ وبصوتٍ عال- بحماية المواطنين الأمريكيين، إذا وقعوا في أسر المقاومة، ولا يأتي على ذكرهم إذا قام هؤلاء الأمريكيون بقصف وقتل وتدمير وتعذيب الفلسطينيين في غزة، أو في أي جزء من الأراضي المحتلة، إذا كانوا هم في حركة المستوطنين، أو في سلك الجيش الإسرائيلي وطيرانه؟
لقد اعترف الرئيس بأن هؤلاء القتلى أو الأسرى يعتبرون «إسرائيل وطنهم الثاني» وفي الواقع، فإن الرئيس يحتاج إلى تصويب أقواله، إذ أنهم يعتبرون «إسرائيل وطنهم الأول» وهو وطنهم الذي «وعدهم الله به» ولم يعدهم الله بأمريكا وطنهم الأول. إن فلسطين هي «أرض الميعاد» كما يزعمون، وليست ميامي أو نيويورك.
لقد مضى حين من الدهر كانت وزارة الخارجية الأمريكية توزع فيه على المواطنين الأمريكيين ذوي الديانة اليهودية، الذين يرغبون في زيارة إسرائيل، كراساً تحذرهم فيه من أن قانون الجنسية الإسرائيلية «يفرض» الجنسية على أي يهودي بمجرد دخوله المطار، أو الميناء الإسرائيلي، من دون علمه أو إخطاره بذلك، لأنه ـ حسب القانون ـ أن اليهودي الذي يدخل إسرائيل هو «عائد» والعائد إلى بيته لا يحتاج إلى إذن أو طلب، أو كما قالت عنه محكمة العدل العليا الإسرائيلية، إنه كمن يحمل مفتاح منزله في جيبه، حيث يفتح باب بيته ويدخل. إن مأساة الرئيس بايدن أنه يداري عدم علمه، أو يتظاهر بعدم العلم، بأن قانون الجنسيه الإسرائيلية يمنع ازدواج الجنسية منعاً باتاً إلاّ لليهودي. وعلى سبيل المثال، وهو مثال نظري، لو هاجر شخص ألماني مسيحي إلى إسرائيل، وبعد إقامته في إسرائيل عدداً من السنوات، وتقدم بطلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية، ولو افترضنا أنه استوفى كل الشروط لاكتساب الجنسية، فإن عليه أن يتنازل عن جنسيته الأصلية. ولو افترضنا أن هذا الألماني كان يهوديا لا يشترط القانون منه التنازل عن جنسيته الأصلية، وقد جاءت صياغة المادة (14) من القانون صياغة ملتوية، لكي تخفي العنصرية الوارده فيها، ذلك أنها تنص على «في ما عدا حالة التجنس، فإن اكتساب الجنسية الإسرائيلية ليس مشروطاً بالتنازل عن الجنسية السابقة». التجنّس هو طريق لإكتساب الجنسية الإسرائيلية من قبل أي شخص غير يهودي، لأن اليهودي يكتسب الجنسية الإسرائيلية بالعودة وليس بالتجنّس، أي أن ازدواج الجنسية طبقاً للقانون الإسرائيلي مسموح به لليهودي فقط. ومن هنا يجب الانتباه إلى ما قاله الرئيس بايدن، وما يقوله مسؤولون غربيون آخرون، إنهم يعيشون مأساة فقدان أو أسر مواطنين لهم في غزة، وبالأحرى هم مزدوجو الجنسية باعتبار أنهم يهود. وهنا المقاومة الفلسطينية تتعامل معهم كإسرائيليين باعتبار أن انخراطهم في القتال إلى جانب القوات الإسرائيلية يعني أن خيارهم كان الجنسية الإسرائيلية. وإذا كان مستوطناً، تعتبر المقاومة أنه ينطبق عليه المعيار ذاته معتبرة أن المستوطن شخص مسلح وهو عضو في الجيش، ويشترك في جلسات التوجيه التي يلقيها الضباط على جنودهم. ولا يستطيع مزدوج الجنسية، أن يختار بين الجنسيتين كمن ينتقي فاكهة أو خضارا، ذلك أن عليه دفع الضريبة، فلمن يدفعها للخزانة الأمريكية أم الإسرائيلية؟ أين سكنه الاعتيادي في نيويورك أو في مستوطنة جبل أبو غنيم؟ أين يسجل أبناءه في المدرسة وأين مركز حياته؟ وأين يدفع فواتير الكهرباء أو الماء؟ والمقاومة الفلسطينية تحدد جنسيته على ضوء المعايير أعلاه، إنه ليس خياراً للمقاتل الأمريكي (أو الأوروبي) لكي يحدد جنسيته متى شاء وكيفما شاء. إن انخراطه في صفوف الجيش الإسرائيلي يؤكد انه «عدو» وإن كان متطوعاً فهو في عداد المرتزقه الذي لا يحميهم أي قانون.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة بايدن الاحتلال غزة الاحتلال بايدن طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المواطنین الأمریکیین المقاومة الفلسطینیة الجنسیة الإسرائیلیة الرئیس الأمریکی الرئیس بایدن
إقرأ أيضاً:
اليمن.. عام من الصمود والتحولات الكبرى في معركة طوفان الأقصى
مع مرور عام على العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن، أظهر الشعب اليمني صمودًا استثنائيًا أعاد تشكيل موازين القوى في المنطقة تحت قيادة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- خاض اليمن معركة الجهاد المقدس بكل عزم وإصرار، مما كشف ضعف قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وإسرائيل.
قيادة السيد عبدالملك.. رؤية استثنائية وتحولات جوهرية
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي يمثل نموذجًا نادرًا للقائد الإسلامي الذي يتحرك برؤية مستمدة من المنهج النبوي، واضعًا القيم الإيمانية والعدل فوق كل اعتبار، خطابه لم يكن مجرد شعارات بل جسّد رؤية عملية تعكس عمق الإيمان والبصيرة والحكمة في مواجهة تحديات الأمة.
في وقت شهدت فيه الأمة تراجعًا وخذلانًا من قياداتها، برز السيد القائد كصوت للحق، يدعو الأمة للتحرك الجهادي الفعّال، مؤكدًا أن الصمت والتخاذل أمام العدوان الصهيوأمريكي ليسا خيارًا، برهن بأفعاله قبل أقواله أن القيادة تعني العمل من أجل الأمة، وأن بالإمكان مواجهة الظلم مهما بلغت التحديات.
بقيادته الحكيمة، نجح اليمن في إدارة المعركة على جبهات متعددة: داخليًا من خلال تعزيز الصمود الشعبي، وإقليميًا عبر نصرة المقاومة الفلسطينية، ودوليًا بتوجيه رسالة واضحة أن الأمة لا تزال قادرة على الصمود والردع.
التعبئة العامة.. التكتيك الذي صنع الفرق
كانت التعبئة العامة التي أطلقها السيد القائد جزءًا أساسيًا من تكتيك شامل يهدف لتعزيز وحدة الشعب وتماسكه. المظاهرات التي غطت كافة المحافظات، المديريات، وحتى القرى، كانت وسيلة فعّالة لإظهار التلاحم بين القيادة والشعب.
هذه الحشود لم تكن فقط تعبيرًا عن الاحتجاج أو الدعم، بل كانت أداة استراتيجية لدعم الجبهة الداخلية، رفع الوعي الوطني والجهادي، وتعزيز الثقة في القيادة. كما تضمنت دورات التثقيف والتأهيل القتالي التي أكسبت الشعب خبرات ومهارات أساسية للدفاع عن الوطن.
هذا التكتيك لم يقتصر على حماية الداخل اليمني فقط، بل شكّل عامل ضغط كبيراً على الأعداء، إذ أعاد توجيه المعركة من ساحة المواجهة العسكرية إلى ساحات الوعي الشعبي والإعلامي.
التحولات الإقليمية والدولية.. اليمن كلاعب استراتيجي
دخول اليمن في معركة طوفان الأقصى أحدث تحولات كبرى في المشهدين الإقليمي والدولي، أهمها:
1. تعزيز محور المقاومة:
اليمن لعب دورًا محوريًا في دعم القضية الفلسطينية، مما أعاد صياغة تحالفات جديدة تخدم مصلحة الأمة الإسلامية، وعزّز من صمود المقاومة في وجه الاحتلال.
2. كسر هيمنة الاستكبار العالمي:
أظهر اليمن للعالم أن الشعوب التي تؤمن بقضيتها وتمتلك قيادة واعية قادرة على كسر الهيمنة الغربية وتحقيق الاستقلالية في القرار.
3. إعادة تعريف معادلة الصراع:
أكد اليمن أن القضية الفلسطينية ليست مجرد نزاع إقليمي، بل هي قضية إسلامية وإنسانية تتطلب تحركًا جهاديًا موحدًا.
4. إثبات إمكانية الصمود رغم قلة الموارد:
برهن اليمن أن الإرادة الإيمانية والجهادية قادرة على تعويض نقص الإمكانات المادية، مقدمًا نموذجًا يُحتذى به للشعوب المستضعفة.
قيمة اليمن في ميزان الامم:
اليمن اليوم ليس مجرد دولة تواجه عدوانًا خارجيًا، بل أصبح رمزًا عالميًا للصمود والعزة. النظرة الدولية تجاه اليمن تغيرت جذريًا، وأصبح يُنظر إليه كدولة حرة تقدم دروسًا للعالم في الشجاعة والكرامة.
1. في قضية فلسطين:
مواقف اليمن أضافت زخمًا كبيرًا للقضية الفلسطينية، مؤكدًا أن تحرير الأقصى لا يكون بالكلام فقط، بل بالعمل والجهاد.
2. في تاريخ الشعوب الحرة:
أصبح اليمن مصدر إلهام لكل الشعوب الساعية للحرية، معززًا مفهوم أن الكرامة تُنال بالصبر والنضال، لا بالتبعية والاستسلام.
السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي لم يكن قائدًا تقليديًا؛ بل كان قائدًا استثنائيًا جمع بين الإيمان العميق والرؤية الاستراتيجية، مواقفه وقراراته جسّدت الصدق في القول والعمل، وأثبتت أن القيادة مسؤولية تستوجب العمل لخدمة الأمة.
اليمن بقيادته، قدم نموذجًا يُحتذى به في مقاومة الاستكبار والدفاع عن القيم الإسلامية والإنسانية. دعوته للجهاد والعمل الفعّال ليست مجرد شعارات، بل هي دعوة لاستعادة كرامة الأمة ومكانتها بين الأمم.
* محافظ محافظه تعز