موقع 24:
2024-07-06@01:04:25 GMT

حماس ليست فلسطين

تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT

حماس ليست فلسطين

هنا لحظة أخرى لاستدعاء الوعي الجمعيّ، فالموقف المشهود بالدماء والقتل يستدعي استجماعًا لحقيقة مكررة لطالما انتهجتها جماعات الإسلام السياسي، منذ أن نشأت جماعة الإخوان في العام 1928 وهي تعيش على مادة أنها تمثل المسلمين، هذه عقيدة راسخة لم تتبدل، وبالرغم من توالي العقود والأحداث وتفرّع الجماعة إلى أكثر من تنظيم مسلّح وغير ذلك إلا أنها أبقت على مسألة الانفراد بالتمثيل السياسي والشعبي، هذه المنهجية يمكن استقراؤها بامتداد التصادم بين جماعات الإسلام الحركي والدولة الوطنية العربية بعد نشوئها في ثورة الضباط الأحرار المصرية عام 1952.


عند حادثة المنشية في الإسكندرية تصادمت الدولة الوطنية مع الجماعة الدينية، لم تكن محاولة اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر سوى لحظة التصادم الفكرية بين خصمين لا يمكنهما التعايش مع بعضهما البعض للتضاد المنطقي، اعتقدت في تلك اللحظة جماعة الإخوان أنها إذا أطاحت برأس الدولة الوطنية ستمتلك السلطة السياسية على مصر، هذا ما كانت تعتقده. والأكثر عمقا أن الجماعة كانت تدرك أن عملية الاغتيال إذا نجحت فهذا سيقضي على مشروع التحرر الوطني العربي، لذلك مثلت نجاة عبدالناصر نجاة للمشروع القومي بمفهومه الوطني أكثر من ذلك المفهوم الأممي الذي كان رائجًا في الحقبة الناصرية.

حتى نكسة 1967 كانت في جوهرها تصادمًا بين الدولة الوطنية والجماعة الدينية، ما تلا النكسة كان خطابا تعبويا مشحونا بالشماتة على النظام المصري كنظام سياسي وطني، كانت تلكم الأيام مشبعة بكراهية فكرة الدولة الوطنية العربية في مركزها وعمقها العروبي، الشحنات الهائلة التي امتدت من كل حدب وصوب على النظام السياسي لم تكن مسبوقة وعملت فعليّا على إيجاد الهوة بين الشعوب والنظم السياسية في العالم العربي، حدث كل ذلك نتيجة عدم استيعاب الأنظمة الوطنية لحقيقة إهمال الجانب الديني الذي كانت تتحرك فيه الجماعة دون ضوابط في إطار الدولة ومحدداتها.
انتهزت جماعة الإخوان الصراع بين الأنظمة الجمهورية والملكية ونجحت مع الخطاب اليساري العربي في توسيع خطاب الكراهية ضد النظم الوطنية، كانت حرب أكتوبر 1973 الرافعة الوحيدة التي منها تم تأكيد الحيوية للنظام الوطني العربي فيما حققه الجيش المصري عندما استطاع عبور جدار بارليف، وحتى ذلك الانتصار الثمين والتاريخي لم يكن قادرا على ردم الهوة المتسعة بين النظم السياسية العربية وشعوبها التي عادت إلى الإنصات لخطاب الدعوات الدينية المناهضة للدولة بعد معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في كامب ديفيد 1979، والتي أدت إلى اغتيال الرئيس أنور السادات في 1981.
الحرب الأهلية اللبنانية كانت في عمقها توظيفا كريها للصراع الديني والطائفي في الشرق الأوسط، لم تتنبّه الدول الوطنية العربية إلى أن تلك الحرب كانت تعميقا لصراع على مفهوم أبعد من كونه صراعا متعدد الأدوات بقدر ما كان يعني تحطيما لمعنى الدولة الوطنية اللبنانية الجامعة، أفرزت الحرب اللبنانية أول ظهور لحصول الجماعات الراديكالية على السلاح خارج إطار الدولة، من حركة أمل الشيعية ولد حزب الله مع تزايد الخطاب الثوري الديني بعد أن نجحت الثورة الإسلامية الإيرانية في إسقاط حكم الشاه العلماني وإقامة دولة دينية واسعة جغرافيًّا ويقف على هرمها الخميني وليًّا للفقيه.
وبالرغم من كل الإفرازات ظلت المنظومة العربية السياسية منكرة لوقائع الإفرازات حتى وهذه النظم تتابع باهتمام اقتحام جهيمان العتيبي ومجموعته للمسجد الحرام في مكة، النظم العربية دون أن تستشرف المدى البعيد لإرسالها المقاتلين إلى أفغانستان مع اشتداد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والسوفييت كانت في الواقع خاضعة دون استدراك لتيار راديكالي ديني متعصب كان بالفعل قد أتمّ تغوله داخل هياكل المؤسسات الوطنية العربية وكان قادرا على توجيهها وفقا لرؤيته الأممية الإسلامية.

بانعقاد المؤتمر العربي الإسلامي في الخرطوم عام 1991 كانت جماعة الإخوان وحلفاؤها في الطائفة الشيعية قد أحكموا قبضتهم، ولذلك فإن ميلاد تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب لم يكن سوى مسألة وقت بعدما أشاع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان فكرة أنّ غزو اليمن الجنوبي في صيف 1994 حربٌ مقدسة ضد الشيوعيين الماركسيين، كان ذلك تمهيدا لحادثة أعظم عندما قرر زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن شنّ هجمات إرهابية في الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة مختطفا الإرادة العربية والإسلامية، ما فعلته القاعدة كلّف المنطقة احتلالاً أميركيًّا لأفغانستان والعراق.
هذه السرديّة التاريخية ضرورية لاستيعاب فكرة أن الجماعات الراديكالية الإسلامية التي أظهرت تقاربا صريحا في سنوات “الربيع العربي” هدفها الرئيسي يبقى تحطيم الدولة الوطنية، الحوثي ظهر مدّعيًا أنه ممثل لليمن، وحزب الله ممثل للبنان، والحشد الشعبي وحلفاؤه ممثلون للعراق، وهكذا تمارس هذه الجماعات اختطاف شعوب وأوطان وترمي بها في حروب وصراعات بلا أهداف واضحة سوى أنها تريد إلغاء الحدود السياسية للدولة الوطنية العربية، هذا هدف تسعى له الجماعات الدينية لإقامة الدولة الأممية الشاملة أو ما تسميه في تعريفاتها “دولة الخلافة”.
حركتا حماس والجهاد في فلسطين ليس لهما حقّ أن تدعيا تمثيلاً لإرادة شعب فلسطين لترميَا به في حرب ليس لها معنى، كما ليس لكل الجماعات الدينية أن تفعل ذلك، ومع هذا الحصار المطبق على قطاع غزة بعد أن شنّ الهجوم الحمساوي على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023 من الأجدر أن يستيقظ العقل الجمعي العربي على حقيقة الأشياء؛ فلا يمكن أن تُستبدل الدولة الوطنية بدولة الخلافة أو الدولة الأممية، فهذه دولة مستحيل وجودها في الواقع السياسي. اللحظة وإن كانت دموية فهي أيضا يمكن أن تتحول إلى فرصة استيقاظ ومراجعة واتخاذ قرار القَطْع مع موروثات تستخدمها الجماعات الراديكالية لتدمير الإنسانية كلها.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة الوطنیة العربیة الدولة الوطنیة جماعة الإخوان

إقرأ أيضاً:

مهرجان الفيلم العربي في تورنتو.. نافذة المهاجر على السينما العربية

أُسدل الستار مؤخرا على فعاليات مهرجان الفيلم العربي بتورنتو في دورته الخامسة، حيث استقبل هذا العام أكثر من 150 فيلما مقدما من أكثر من 10 دول عربية، بما في ذلك فلسطين ولبنان ومصر وسوريا والسودان والسعودية وعمان والجزائر والمغرب وتونس وليبيا والأردن، بالإضافة إلى كندا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، ودول أخرى، وتم اختيار أكثر من 35 فيلما، بما في ذلك الأفلام القصيرة والروائية، وتم عرض 13 فيلما عبر الإنترنت، وأقيمت 10 عروض شخصية.

يُعد هذا المهرجان الأول من نوعه في كندا الذي يهدف لربط المهاجرين العرب بثقافتهم الأم من خلال الاطلاع على آخر إنتاجات السينما العربية، وقد قامت بإطلاقه مجموعة من المخرجين الشباب العرب المقيمين في كندا، ومنهم المخرجة السودانية رولا طاهر، التي أكدت على أن إقامة مهرجان للأفلام العربية في كندا كان أحد أحلامها كمخرجة.

وكانت الدورة الأولى للمهرجان قد أُطلقت عام 2017، لتكون فرصة لتجمع الجالية العربية بكندا في حدث ثقافي.

من الملاحم التاريخية إلى الكوميديا السوداء

من بين أبرز الأفلام لهذا العام فيلم "الملكة الأخيرة" المستوحى من معركة الأميرة زافيرا الأسطورية ضد القرصان سيئ السمعة بربروسا، وأفلام الكوميديا السوداء مثل "مندوب"، الذي يقدم تصويرا مثيرا لاقتصاد الأعمال المؤقتة في المملكة العربية السعودية.

كما شارك في المهرجان فيلم "وداعا جوليا"، وهو الفيلم الروائي الأول لمحمد كردفاني، وأول فيلم سوداني يعرض في مهرجان كان السينمائي، ويعرض الفيلم تصادم الأعراق والأديان والسياسة في أعقاب مقتل شخص في جنوب السودان.

مقالات مشابهة

  • بعد حرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • بعد جرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • وفد الهيئة السينوغرافية الصيني يزور الهيئة العربية للمسرح
  • حكومة أخنوش: الدولة الإجتماعية ليست شعاراً والإصلاحات أنعشت الإستثمار
  • طقس فلسطين : حزيران شهد موجتي حر شديدتين
  • مهرجان الفيلم العربي في تورنتو.. نافذة المهاجر على السينما العربية
  • رئيس البرلمان العربي يهنئ مصر بالتشكيل الجديد للحكومة
  • مندوبية فلسطين لدى الجامعة العربيّة تشارك بالمؤتمر الاقليمي لاستعراض الاتفاق العالمي للهجرة الآمنة
  • صمت الضمير العربي.. فلسطين جُرح لا يندمل
  • الموقف العربي والإسرائيلي من الدولة الفلسطينية