حرب نفسية بين واشنطن وطهران أم تحركات استباقية؟
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
في قراءته لتطورات الأوضاع في قطاع غزة، يرجح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، خليل العناني -في تصريح لقناة الجزيرة- أن هناك احتمالين تشير إليهما المواقف الأخيرة لواشنطن وطهران على وجه الخصوص.
وعلق العناني على تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان التي تحدث فيها عن احتمال القيام بما وصفه بتحرك وقائي واستباقي من قبل محور المقاومة في الساعات المقبلة.
وقال العناني إن تصريح عبد اللهيان يشير إلى أمرين: إما أن هناك حربا نفسية بين الأطراف المتصارعة تمهيدا للدخول في جولة مفاوضات، أو أن هناك معلومات بحوزة كل طرف حول وجود تحرك ما على الأرض.
ورأى أن الأميركيين ربما يملكون معلومات حول تحركات استباقية إيرانية، ولذلك يقدمون كل أنواع الدعم لإسرائيل، عسكريا واستخباراتيا ولوجيستيا، ويخصصون قرابة 2000 جندي لمهمة محتملة لدعم إسرائيل.
فضلا عن إرسال حاملتي طائرات إلى المنطقة بعد معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلت عن مسؤولين دفاعيين أميركيين قولهم إن البنتاغون (وزارة الدفاع) كلّف قرابة 2000 جندي بالاستعداد لمهمة محتملة لدعم إسرائيل.
وقالت الصحيفة إنه لم تتضح بعد الظروف التي قد تدفع واشنطن إلى نشر هذه القوات أو مواقع نشرها، لكنها ذكرت أن قرار البنتاغون يعد مؤشرا على استعداده لدعم القوات الإسرائيلية إذا قررت تل أبيب شن هجوم بري على قطاع غزة.
وربما يأتي الدعم الأميركي العسكري للحليف الإسرائيلي تحسبا لاحتمال فتح جبهة جديدة، اللبنانية أو السورية، أو حتى لاستهداف الوجود الأميركي في المنطقة.
أو ربما -يضيف العناني- هي رسالة ردع لإيران وخاصة في ظل تحذيرات أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن من استغلال أي جهة للأزمة الحالية في قطاع غزة.
ومنذ إطلاق المقاومة الفلسطينية معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات إلى المنطقة دعما لإسرائيل.
ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في تصريحه للجزيرة من أن الولايات المتحدة الأميركية تتحسب للاجتياح البري المحتمل في قطاع غزة، لأنها تدرك أن هذه الاجتياح سيكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة على مستوى الصورة والردع.
وعن الزيارة المرتقبة للرئيس بايدن إلى إسرائيل، أكد العناني أنها متعلقة بتأكيد الدعم الأميركي القوي وغير المشروط لإسرائيل، والتأكيد على مسألة الردع لكل القوى الإقليمية، وقد يكون هدف الزيارة إعادة طرح ملف تهجير سكان قطاع غزة إلى مصر.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
دييغو غارسيا: القاعدة الحصينة في المحيط الهندي وصراع النفوذ بين واشنطن وطهران
مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، تبرز جزيرة دييغو غارسيا كأحد الأعمدة الأساسية في الاستراتيجية العسكرية الأمريكية. هذه الجزيرة الصغيرة، الواقعة في قلب المحيط الهندي ضمن أرخبيل تشاغوس البريطاني، ليست مجرد قاعدة عسكرية عادية، بل نقطة ارتكاز استراتيجية تستخدمها واشنطن كموقع آمن لنشر قواتها الجوية والبحرية بعيدا عن تهديدات الخصوم.
قرار الولايات المتحدة نشر قاذفاتها الاستراتيجية من طراز B-2 Spirit في دييغو غارسيا، بدلا من قواعد أقرب مثل قاعدة العديد في قطر، يعكس حسابات عسكرية وأمنية دقيقة تهدف إلى الحفاظ على تفوقها العملياتي في مواجهة إيران. فما الذي يجعل هذه الجزيرة موقعا استثنائيا؟ وهل تمتلك إيران القدرة الفعلية على استهدافها في حال اندلاع مواجهة عسكرية؟
لماذا دييغو غارسيا؟ الأهمية الاستراتيجية
تتمتع دييغو غارسيا بموقع فريد يجعلها قاعدة متقدمة للعمليات الأمريكية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وشرق أفريقيا. تقع الجزيرة على بعد 3800 كيلومتر من إيران، وهي مسافة تبعدها عن نطاق معظم الصواريخ الباليستية الإيرانية التقليدية، التي يصل مداها إلى 2000-2500 كيلومتر. هذا الموقع يمنح القاذفات الأمريكية مثل B-2 ميزة كبيرة في تنفيذ ضربات بعيدة المدى دون أن تكون عرضة لهجمات مباشرة.
على النقيض، تقع قاعدة العديد في قطر على بعد 1200 كيلومتر فقط من إيران، مما يجعلها أكثر عرضة للهجمات الصاروخية أو المسيرات الانتحارية التي تمتلكها طهران. في حال رصد إقلاع قاذفات B-2 من قاعدة العديد، تستطيع إيران تنفيذ ضربة استباقية قد تعرّضها للخطر قبل تنفيذ مهامها. لهذا، تفضل الولايات المتحدة استخدام دييغو غارسيا، حيث توفر بيئة عملياتية أكثر أمانا وأقل عرضة للمفاجآت العسكرية.
البنية التحتية العسكرية للجزيرة
منذ أن أسست الولايات المتحدة القاعدة في السبعينيات، بعد تهجير السكان الأصليين من أرخبيل تشاغوس، أصبحت دييغو غارسيا منصة انطلاق رئيسية للعمليات العسكرية الأمريكية.
• مدرج طيران طويل يسمح بإقلاع القاذفات الثقيلة مثل B-52 وB-2.
• مرفأ عميق يستوعب السفن الحربية والغواصات النووية.
• مخازن ضخمة للوقود والعتاد تديرها قيادة النقل البحري الأمريكية.
• حوالي 4000 فرد عسكري ومتعاقد أمريكي، مع وجود وحدة بريطانية صغيرة.
استخدمت الولايات المتحدة القاعدة في عمليات حربي أفغانستان (2001) والعراق (2003)، وهي الآن عنصر أساسي في أي مواجهة محتملة مع إيران.
التوترات مع إيران: رسائل الردع والتهديدات المتبادلة
في ظل التصعيد الأمريكي ضد إيران، خاصة خلال إدارة دونالد ترامب التي أعادت سياسة "الضغط الأقصى"، أصبحت دييغو غارسيا جزءا من الترتيبات العسكرية لمواجهة طهران.
• في آذار/ مارس 2025، نشرت الولايات المتحدة قاذفات B-2 في الجزيرة كإشارة ردع واضحة.
• هذه القاذفات تحمل أسلحة استراتيجية مثل قنابل GBU-57 المضادة للتحصينات، والقادرة على ضرب المنشآت النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض.
• الرسالة الأمريكية لطهران واضحة: القدرة على توجيه ضربات موجعة من موقع آمن خارج نطاق الردع الإيراني.
الرد الإيراني: تهديدات بقدرات مشكوك فيها
إيران من جهتها لم تقف مكتوفة الأيدي، إذ هدد قادتها العسكريون مرارا باستهداف دييغو غارسيا في حال اندلاع صراع مفتوح. لكن السؤال الأهم: هل تمتلك إيران فعلا القدرة العسكرية لضرب القاعدة؟
هل تستطيع إيران استهداف دييغو غارسيا؟
رغم التهديدات الإيرانية، فإن القدرة الفعلية على ضرب القاعدة محل شك كبير للأسباب التالية:
1- المدى الصاروخي غير كافٍ
• صواريخ إيران الباليستية مثل شهاب-3 وسجيل-2 يصل مداها إلى 2000-2500 كيلومتر، وهي أقصر من المسافة المطلوبة (3800 كلم).
• إيران تمتلك صاروخ "خرمشهر" الذي يُزعم أن مداه 3000-4000 كيلومتر، لكن لا يوجد دليل عملي على نجاحه في ضرب أهداف بهذا البعد.
2- المسيرات بعيدة المدى: خيار غير فعال
• إيران طورت طائرات مسيرة مثل "شاهد-136B" التي يُقال إن مداها 4000 كيلومتر، لكن سرعتها البطيئة وضعف حمولتها يجعلها عرضة للإسقاط قبل الوصول لهدفها.
• القاعدة محمية بأنظمة دفاع جوي متطورة مثل "ثاد" و"باتريوت"، مما يقلل فرص نجاح أي هجوم.
3- الخيار البحري: تهديد محتمل ولكن ضعيف
• إيران قد تحاول إطلاق طائرات مسيرة من سفن حربية في المحيط الهندي، لكن ذلك سيتطلب اقتراب السفن من مناطق تخضع للرقابة الأمريكية المكثفة، مما يجعلها هدفا سهلا للقوات البحرية الأمريكية.
4- التبعات السياسية والعسكرية
• أي هجوم مباشر على دييغو غارسيا يعني إعلان حرب مفتوحة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
• الرد الأمريكي سيكون ساحقا ومدمرا، وربما يشمل ضربات استراتيجية ضد مواقع حساسة داخل إيران، وهو ما يدركه القادة الإيرانيون جيدا.
الخلاصة: دييغو غارسيا بين الردع والتصعيد
دييغو غارسيا ليست مجرد قاعدة عسكرية، بل رمز للهيمنة الأمريكية في المحيط الهندي وأداة ردع استراتيجية ضد الخصوم. اختيارها لنشر قاذفات B-2 يعكس رغبة واشنطن في الحفاظ على تفوقها العملياتي وحماية أصولها الجوية من أي تهديدات مفاجئة.
أما التهديدات الإيرانية باستهداف الجزيرة، فتبقى في إطار الدعاية أكثر منها تهديدا عمليا، نظرا لمحدودية القدرات الصاروخية والمسيرة الإيرانية في الوصول إلى الجزيرة بفعالية. ومع ذلك، فإن تصاعد التوترات بين الجانبين يجعل دييغو غارسيا نقطة ارتكاز في أي سيناريو مواجهة مستقبلية، حيث ستظل جزءا من التوازن الاستراتيجي بين واشنطن وطهران، بين الردع والتصعيد المحتمل.