يبدو أن حكومة تل أبيب ومن خلفها إدارة بايدن متفقتان وبتصميم حاسم على الدخول إلى عمق غزة، كخيار لا بديل عنه لإنجاز ضربة عسكرية ضخمة ومؤلمة ضد حركة حماس، وإذا أمكن فشطب الحركة بالكلية.. إلا أن الجانبين في الوقت ذاته يخشيان الإقدام على الحرب البرية إذا لم يتوفر لها أمران..

الأول: ضمان حرية عمل مطلقة لسلاح الجو الإسرائيلي ضمن سياق شن الحرب البرية، بهدف توفير غطاء جوي كامل وفاعل للآليات والجنود على الأرض.



الثاني: فتح مسارات ومسارح آمنة لحركة القوات قبل الحرب البرية، عبر استخدام كثيف للغارات الجوية للسماح بالتقدم على أرض محروقة يباد فيها كل نشاط أو حركة للمقاومة.

ولإنجاز هذه الاستراتيجية يصر الجانبان الإسرائيلي والأمريكي على ترحيل السكان إلى مصر، وإذا لم يتسن ذلك فعلى الأقل إخلاء السكان من الشمال وصولا إلى مدينة غزة باتجاه الجنوب، باعتبار هذه المنطقة مركز قوة المقاومة وتواجدها القيادي المركزي، ما سيوفر الفرصة لحملة دمار شاملة عبر الجو، ويسمح تاليا بتوفير غطاء جوي فاعل لتقدم بري محمي ومؤمّن.

يصر الجانبان الإسرائيلي والأمريكي على ترحيل السكان إلى مصر، وإذا لم يتسن ذلك فعلى الأقل إخلاء السكان من الشمال وصولا إلى مدينة غزة باتجاه الجنوب، باعتبار هذه المنطقة مركز قوة المقاومة وتواجدها القيادي المركزي، ما سيوفر الفرصة لحملة دمار شاملة عبر الجو، ويسمح تاليا بتوفير غطاء جوي فاعل لتقدم بري محمي ومؤمّن
ولهذا يشدد الاحتلال قصفه العشوائي الآن ضد المدنيين، وفرض حصار الماء والغذاء والدواء والوقود بصورة صارمة، لدفع السكان للنزوح ومغادرة منازلهم جنوبا.

وللغاية نفسها يعمل لإنجاز تفاهم مع الجانب المصري لترحيل السكان نحو سيناء، مع ضمانات بتوفير مستلزمات وجودهم، وضمان عودتهم للقطاع(!!) بعد تحقيق الحملة العسكرية أهدافها.

وإذ تستعصي مصر على التجاوب مع خطة الترحيل إلى سيناء، يجري الآن توظيف ضغط أمريكي ضخم لتقبل مصر بالخطوة.. ومن ضمن ذلك التخطيط لحضور بايدن وزيارته لمصر بعد إسرائيل، وبالطبع يمكن عرض إغراءات اقتصادية تحتاجها مصر.

وفي حال رفضت مصر التجاوب فالخطة يمكن أن تستمر عبر الضغط على السكان للنزوح للجنوب، وإطلاق يد سلاح الجو لتهيئة الميدان لتقدم القوات البرية.. تحت ستار وحماية جوية مطلقة اليدين، وهو ما يفسر التلميح بإمكانية السماح بإغاثة تحت سيطرة وإشراف صارم في مناطق الجنوب.

وهذا لا يعني بالضرورة أن الجنوب سيظل هادئا، بل سيخضع لعمليات عسكرية ضمن سقوف محددة.. وحين يتم انتهاء المهمة العسكرية في الشمال ستقلب المعادلة؛ السكان والإغاثة للشمال.. والأرض المحروقة والتوغل البري للجنوب، فيما يظل سيناريو الترحيل لسيناء هو الأفضل والأيسر.

وهذا يعني أن تشديد الحصار الشامل على القطاع سيستمر.. وسيتم استهداف المدنيين بنفس الوتيرة لتحقيق خطوات الاستراتيجية المدمرة.. في أي من سياقاتها.. وهو ما يعني أيضا أن نجاح الجهود لكسر الحصار وإغاثة المدنيين خطوة مهمة وذات أولوية في إفشال خطة الاحتلال.

ومعركة عض الأصابع على هذا الصعيد مستمرة.. والاحتلال ليس مطلق اليدين لا في قصف المدنيين ولا تجويعهم.. والعالم بدأ يضغط لأن ما يجري جريمة حرب.. حتى أوروبا بدأت تعلي صوتها بضرورة تحييد المدنيين، وأمريكا تجد حرجا في استمرار دعم هذه السياسة.

وبالقدر ذاته فإن صمود الفلسطينيين في مدنهم ومخيماتهم سيفشل خطة الاحتلال، ويمنع تغول سياسة التدمير، ويغلق الباب أمام هجرة بلا عودة.

كما أن ثبات مصر على موقفها مسألة ذات تأثير كبير في السياق، ما يتطلب جهدا من دول الفعل في الإقليم لإسنادها.

إدارة بايدن وحكومة نتنياهو لا تثقان بقدرة الجيش الإسرائيلي بكل إمكاناته وما يتوفر له من إسناد أمريكي؛ على حسم الحرب ضد المقاومة الفلسطينية خارج سياق تدمير غزة عن بكرة أبيها، ولهذا يؤجلون الحرب البرية ويخشونها
فالتداعيات السياسية لخطوة التهجير لسيناء سيفتح بابا من الشر على الإقليم لن يغلق.. وسيغري حكومة التدمير الإسرائيلية ومن ورائها إدارة أمريكية متصهينة؛ على الذهاب بعيدا في استنساخ خطوة مشابهة في الضفة.. وما هو أبعد.

ما سبق يوضح أمرا آخر على قدر من الأهمية، لا ينبغي تجاهله ويجب الوقوف أمامه مليا، أن إدارة بايدن وحكومة نتنياهو لا تثقان بقدرة الجيش الإسرائيلي بكل إمكاناته وما يتوفر له من إسناد أمريكي؛ على حسم الحرب ضد المقاومة الفلسطينية خارج سياق تدمير غزة عن بكرة أبيها، ولهذا يؤجلون الحرب البرية ويخشونها..

وهنا مصلحة للمنطقة العربية.. شرقا وغربا.. متصالحين مع أمريكا أو متخاصمين معها.. في إبقاء إسرائيل مردوعة، لا إسرائيل مجنونة منفلتة من كل عقال.. عبر منعها من النجاح في تدمير غزة، ولتذهب لحرب برية إن كان بوسعها ذلك، لتمنى بلطمة استراتيجية ثانية لا تقوم لها بعدها قائمة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإسرائيلي مصر مصر إسرائيل امريكا غزة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب البریة

إقرأ أيضاً:

هل تؤثر استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حزب الله على قدراته العسكرية والميدانية ؟

 

من استهداف شخصيات بارزة مثل الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي، والقائد العسكري عماد مغنية، إلى اغتيال سماحة السيد حسن نصر الله ومن قبله القادة فؤاد شكر وإبراهيم عقيل وغيرهم، هدفت "إسرائيل" إلى شل القدرات القيادية والتنظيمية للحزب، لكن هذه الاستراتيجية لم تؤتِ أكلها، حيث لم تؤدِ إلى تراجع أو شلل في قدرات حزب الله العسكرية والميدانية.

 

وما عمليات الحزب المستمرة والمتصاعدة منذ استشهاد القادة الأخيرين وعلى رأسهم حبيبنا سماحة السيد حسن نصر الله، إلا دليل على ذلك.

 

وللتوضيح أكثر، فحزب الله يتميز بتركيبة تنظيمية لا تعتمد على قائد أو مجموعة صغيرة من القادة في اتخاذ القرارات، بل يعتبر الحزب حركة ذات هيكلية لامركزية، تتيح استمرارية العمليات حتى في غياب القيادات العليا.

 

هذه الهيكلية هي إحدى الركائز التي ضمنت بقاء الحزب قويًا رغم تعرضه لضغوط خارجية هائلة وضربات قاسية باغتيال قادته.

 

فمن خلال نظام القيادة الجماعية، يتم توزيع المهام والمسؤوليات بين عدد من القيادات الميدانية والسياسية، ما يجعل من غياب أحد القادة لا يؤدي إلى انهيار سلسلة القيادة، وهذه الاستراتيجية التنظيمية مصممة تحديدًا للتعامل مع ظروف الاغتيالات والمواجهات العسكرية طويلة الأمد.

 

وأضف إلى ذلك أن حزب الله ليس مجرد حركة عسكرية فحسب، بل هو حركة تحمل إيديولوجيا راسخة تتعلق بالمقاومة والجهاد ضد الاحتلال، والانتماء إلى الحزب يتجاوز الولاءات الفردية لقيادة معينة، بل يرتكز على التزام إيديولوجي طويل الأمد، حتى إذا تم استهداف القادة العسكريين أو السياسيين، فإن هذا الالتزام الفكري والروحي يبقي الحركة متماسكة.

 

ويؤمن عناصر الحزب بعقيدة راسخة تتعلق بالتضحية من أجل القضية التي يؤمنون بها، ولهذا فإن استشهاد القادة ينظر إليه كمصدر قوة وليس كنقطة ضعف، وهو ما حدث بعد استشهاد السيد حسن وما رأيناه من ثبات مذهل لدى أبناء الحزب وحاضنته، فكان استشهاده محركًا لهم للتمسك أكثر بمبادئ المقاومة، وتعزيز الشعور الجماعي بالمسؤولية تجاه المشروع الذي أسس له سماحة الشهيد القائد.

 

ومن العوامل التي تجعل حزب الله قادرًا على الصمود في وجه الاغتيالات هي قدراته الاستخباراتية المتطورة، حيث تمكن طوال السنين الماضية من بناء شبكات استخبارات متقدمة تعمل على جمع المعلومات وتحليلها بما يخدم مصالحه، هذه الشبكات مكنت الحزب من التنبؤ بالمخاطر والتخطيط لردود فعالة في حالة الطوارئ ومن ضمنها الاغتيالات، ما يقلل من تأثير خسارة أي قيادة ميدانية أو عسكرية على قدراته في "الميدان".

 

فضلًا عن ذلك، يتم تدريب كوادر الحزب على جميع المستويات بشكل يتيح لهم القدرة على القيادة في حال غياب القيادة العليا، وهذا النهج يعني أن أي فراغ في القيادة يتم ملؤه بسرعة، مع الحفاظ على قدرة الحزب على تنفيذ عملياته العسكرية والدفاعية بكفاءة.

 

كما أن حزب الله، منذ تأسيسه، تبنى استراتيجيات قتالية متطورة قادرة على التكيّف مع الظروف المتغيرة، وسواء تعلق الأمر بحرب العصابات، أو استخدام الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، استطاع الحزب أن يطور استراتيجياته العسكرية بشكل يضمن استمراريته على الميدان، وهذه المرونة تسمح للحزب بالرد على أي اعتداء أو تصعيد حتى في حالة فقدان قادته العسكريين.

 

إضافة إلى ذلك، فالحزب ليس وحيدًا، ولديه علاقات واسعة وحلفاء على استعداد لبذل كل طاقاتهم وتسخيرها لصالحه، وهو ما يضمن له الحصول على دعم استراتيجي ولوجستي مستمر، ما يمنحه القدرة على التصعيد أو الرد على أي عمليات اغتيال أو اعتداءات إسرائيلية دون أن يتأثر بشكل كبير.

 

وبالتالي، فإن استراتيجية اغتيال قيادات الحزب ثبت فشلها خلال الفترة القريبة الماضية، رغم رمزية هؤلاء القادة وعظم شأنهم ليس فقط داخل الحزب بل وعلى مستوى المنطقة، إلا أن ذلك لا يمكن أن يقوّض قدرته أو يؤثر عليها عسكريًا وميدانيًا.

 

أما ما نشرته وسائل إعلام العدو عن استهداف السيد هاشم صفي الدين في الضاحية الجنوبية الليلة، سواء صدقت الأخبار أو كذبت، فليست سوى محاولة لإعادة ترميم صورة حكومة نتنياهو التي تبعثرت اليومين الماضيين، وإعادة تقديم نفسها لجمهورها في الداخل المحتل بـ"انتصار" وهمي جديد، قبيل حلول الذكرى الأولى لطوفان الأقصى العظيم بعد 3 أيام.

 

رغم أنها حتى باستهداف صفي الدين لن تحدث أي تأثير على مستوى الميدان، ولن تغير من حقيقة فشلها أو تخفي ما يتعرض له جنود وضباط جيشها من مجازر على الحدود الجنوبية للبنان مع شمال فلسطين المحتلة، ولن تحصد من ذلك سوى الخيبات والهزائم.

مقالات مشابهة

  • هل تؤثر استراتيجية الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حزب الله على قدراته العسكرية والميدانية ؟
  • الخارجية الأمريكية: 157 مليون دولار لدعم السكان المتضررين من الصراع في لبنان والمنطقة
  • الأمم المتحدة: عدد القتلى المدنيين في لبنان جراء الحملة الإسرائيلية غير مقبول بالمرة
  • الأمم المتحدة: عدد القتلى المدنيين في لبنان جراء الحملة الإسرائيلية غير مقبول
  • الأمم المتحدة: عدد القتلى من المدنيين في لبنان جراء الحملة الإسرائيلية "غير مقبول بالمرة"
  • محلل سياسي: إنهاء العملية البرية الإسرائيلية في لبنان بيد حزب الله
  • بن جفير: استمرار العملية البرية الإسرائيلية بالشمال حتى تطهير المنطقة من الأسلحة
  • غزة تحت الحرب.. انهيار الإنتاج الغذائي والجوع سلاح الاحتلال لإخضاع السكان
  • حزب الله يرد على العمليات البرية الإسرائيلية المحدودة.. فيديو
  • «القاهرة الإخبارية»: حزب الله رد على جميع العمليات البرية الإسرائيلية المحدودة