استراتيجية الإفناء الأمريكية الإسرائيلية وضرورة إسقاطها
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
يبدو أن حكومة تل أبيب ومن خلفها إدارة بايدن متفقتان وبتصميم حاسم على الدخول إلى عمق غزة، كخيار لا بديل عنه لإنجاز ضربة عسكرية ضخمة ومؤلمة ضد حركة حماس، وإذا أمكن فشطب الحركة بالكلية.. إلا أن الجانبين في الوقت ذاته يخشيان الإقدام على الحرب البرية إذا لم يتوفر لها أمران..
الأول: ضمان حرية عمل مطلقة لسلاح الجو الإسرائيلي ضمن سياق شن الحرب البرية، بهدف توفير غطاء جوي كامل وفاعل للآليات والجنود على الأرض.
الثاني: فتح مسارات ومسارح آمنة لحركة القوات قبل الحرب البرية، عبر استخدام كثيف للغارات الجوية للسماح بالتقدم على أرض محروقة يباد فيها كل نشاط أو حركة للمقاومة.
ولإنجاز هذه الاستراتيجية يصر الجانبان الإسرائيلي والأمريكي على ترحيل السكان إلى مصر، وإذا لم يتسن ذلك فعلى الأقل إخلاء السكان من الشمال وصولا إلى مدينة غزة باتجاه الجنوب، باعتبار هذه المنطقة مركز قوة المقاومة وتواجدها القيادي المركزي، ما سيوفر الفرصة لحملة دمار شاملة عبر الجو، ويسمح تاليا بتوفير غطاء جوي فاعل لتقدم بري محمي ومؤمّن.
يصر الجانبان الإسرائيلي والأمريكي على ترحيل السكان إلى مصر، وإذا لم يتسن ذلك فعلى الأقل إخلاء السكان من الشمال وصولا إلى مدينة غزة باتجاه الجنوب، باعتبار هذه المنطقة مركز قوة المقاومة وتواجدها القيادي المركزي، ما سيوفر الفرصة لحملة دمار شاملة عبر الجو، ويسمح تاليا بتوفير غطاء جوي فاعل لتقدم بري محمي ومؤمّن
ولهذا يشدد الاحتلال قصفه العشوائي الآن ضد المدنيين، وفرض حصار الماء والغذاء والدواء والوقود بصورة صارمة، لدفع السكان للنزوح ومغادرة منازلهم جنوبا.
وللغاية نفسها يعمل لإنجاز تفاهم مع الجانب المصري لترحيل السكان نحو سيناء، مع ضمانات بتوفير مستلزمات وجودهم، وضمان عودتهم للقطاع(!!) بعد تحقيق الحملة العسكرية أهدافها.
وإذ تستعصي مصر على التجاوب مع خطة الترحيل إلى سيناء، يجري الآن توظيف ضغط أمريكي ضخم لتقبل مصر بالخطوة.. ومن ضمن ذلك التخطيط لحضور بايدن وزيارته لمصر بعد إسرائيل، وبالطبع يمكن عرض إغراءات اقتصادية تحتاجها مصر.
وفي حال رفضت مصر التجاوب فالخطة يمكن أن تستمر عبر الضغط على السكان للنزوح للجنوب، وإطلاق يد سلاح الجو لتهيئة الميدان لتقدم القوات البرية.. تحت ستار وحماية جوية مطلقة اليدين، وهو ما يفسر التلميح بإمكانية السماح بإغاثة تحت سيطرة وإشراف صارم في مناطق الجنوب.
وهذا لا يعني بالضرورة أن الجنوب سيظل هادئا، بل سيخضع لعمليات عسكرية ضمن سقوف محددة.. وحين يتم انتهاء المهمة العسكرية في الشمال ستقلب المعادلة؛ السكان والإغاثة للشمال.. والأرض المحروقة والتوغل البري للجنوب، فيما يظل سيناريو الترحيل لسيناء هو الأفضل والأيسر.
وهذا يعني أن تشديد الحصار الشامل على القطاع سيستمر.. وسيتم استهداف المدنيين بنفس الوتيرة لتحقيق خطوات الاستراتيجية المدمرة.. في أي من سياقاتها.. وهو ما يعني أيضا أن نجاح الجهود لكسر الحصار وإغاثة المدنيين خطوة مهمة وذات أولوية في إفشال خطة الاحتلال.
ومعركة عض الأصابع على هذا الصعيد مستمرة.. والاحتلال ليس مطلق اليدين لا في قصف المدنيين ولا تجويعهم.. والعالم بدأ يضغط لأن ما يجري جريمة حرب.. حتى أوروبا بدأت تعلي صوتها بضرورة تحييد المدنيين، وأمريكا تجد حرجا في استمرار دعم هذه السياسة.
وبالقدر ذاته فإن صمود الفلسطينيين في مدنهم ومخيماتهم سيفشل خطة الاحتلال، ويمنع تغول سياسة التدمير، ويغلق الباب أمام هجرة بلا عودة.
كما أن ثبات مصر على موقفها مسألة ذات تأثير كبير في السياق، ما يتطلب جهدا من دول الفعل في الإقليم لإسنادها.
إدارة بايدن وحكومة نتنياهو لا تثقان بقدرة الجيش الإسرائيلي بكل إمكاناته وما يتوفر له من إسناد أمريكي؛ على حسم الحرب ضد المقاومة الفلسطينية خارج سياق تدمير غزة عن بكرة أبيها، ولهذا يؤجلون الحرب البرية ويخشونها
فالتداعيات السياسية لخطوة التهجير لسيناء سيفتح بابا من الشر على الإقليم لن يغلق.. وسيغري حكومة التدمير الإسرائيلية ومن ورائها إدارة أمريكية متصهينة؛ على الذهاب بعيدا في استنساخ خطوة مشابهة في الضفة.. وما هو أبعد.
ما سبق يوضح أمرا آخر على قدر من الأهمية، لا ينبغي تجاهله ويجب الوقوف أمامه مليا، أن إدارة بايدن وحكومة نتنياهو لا تثقان بقدرة الجيش الإسرائيلي بكل إمكاناته وما يتوفر له من إسناد أمريكي؛ على حسم الحرب ضد المقاومة الفلسطينية خارج سياق تدمير غزة عن بكرة أبيها، ولهذا يؤجلون الحرب البرية ويخشونها..
وهنا مصلحة للمنطقة العربية.. شرقا وغربا.. متصالحين مع أمريكا أو متخاصمين معها.. في إبقاء إسرائيل مردوعة، لا إسرائيل مجنونة منفلتة من كل عقال.. عبر منعها من النجاح في تدمير غزة، ولتذهب لحرب برية إن كان بوسعها ذلك، لتمنى بلطمة استراتيجية ثانية لا تقوم لها بعدها قائمة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الإسرائيلي مصر مصر إسرائيل امريكا غزة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الحرب البریة
إقرأ أيضاً:
تعطيل الاحتلال الإسرائيلي لصفقة التهدئة وقرع طبول الحرب
مع انتهاء المرحلة الأولى من صفقة التهدئة وتبادل الأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة، نحن أمام سلوك انتهازي إسرائيلي غير مستغرب، ومتكرر في تعامل الكيان الإسرائيلي مع الجانب الفلسطيني والبيئة العربية.
كان الخرق الإسرائيلي لاتفاق التهدئة فاضحا بإغلاق المعابر ومنع دخول البضائع، بالرغم من أن انتهاء المرحلة الأولى يلزم الجانب الإسرائيلي بمتابعة المفاوضات والاستمرار في فتح المعابر، وصولا للترتيبات النهائية للمرحلتين الثانية والثالثة.
هدف نتنياهو من إغلاق المعابر وتعطيل الصفقة إلى:
1- ابتزاز المقاومة الفلسطينية، ووضع مزيد من الضغوط عليها لمحاولة تحقيق مكاسب غير منصوص عليها في الصفقة المتوافق عليها، وخصوصا في أجواء يسعى فيها أبناء قطاع غزة إلى لملمة أنفسهم وتضميد جراحهم، وتوفير الحد الأدنى لمتطلباتهم الحياتية.
2- الحفاظ على تماسك الحكومة الإسرائيلية، وخشية نتنياهو من انهيارها، بسبب تهديد سموتريتش بالانسحاب من الحكومة إذا ما دخلت الحكومة في استحقاقات المرحلة الثانية.
خبرة الجانب الإسرائيلي في التعامل مع السلطة الفلسطينية ومع الجانب العربي، لن تُسعفه كثيرا في تعامله مع المقاومة. فقد أثبتت المقاومة صلابتها خلال 18 عاما من الحصار، وفي خمس حروب على قطاع غزة، وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء وفي مقدمتهم قادتها، دون أن تتنازل عن أهدافها. و"الفهلوة" الإسرائيلية لن تجدي نفعا في التعامل مع المقاومة
3- الاستفادة من الغطاء الأمريكي الذي لا يحترم الاتفاقات والمواثيق، والذي بدا متقدما حتى على الجانب الإسرائيلي في طرح أفكار باستملاك قطاع غزة وتهجير أهله؛ وكذلك الاستفادة من الأفكار التي طرحها مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيفن ويتكوف (Steven Witkoff) بشأن إطلاق سراح الأسرى لدى حماس؛ ومحاولة استثمار ذلك في وضع مزيد من الضغوط على المقاومة.
4- محاولة استعادة زمام المبادرة في الحرب الإعلامية والنفسية مع المقاومة، وتقديم خطاب متشدد للبيئة الداخلية الإسرائيلية، بعد أن كسبت المقاومة الجولات الإعلامية في عمليات تبادل الأسرى، ومحاولة الإيحاء بوجود تطورات وإعادة تموضع وتجهيزات وترتيبات إسرائيلية متعلقة باستئناف الحرب على قطاع غزة، خصوصا في ضوء تولي رئيس الأركان الجديد إيال زامير منصبه، وتغيير عدد من المواقع القيادية، والإعلان عن نتائج بعض التحقيقات في أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ وبالتالي، محاولة الإيحاء بقدرة الجانب الإسرائيلي هذه المرة على حسم المعركة.
* * *
يبدو أن خبرة الجانب الإسرائيلي في التعامل مع السلطة الفلسطينية ومع الجانب العربي، لن تُسعفه كثيرا في تعامله مع المقاومة. فقد أثبتت المقاومة صلابتها خلال 18 عاما من الحصار، وفي خمس حروب على قطاع غزة، وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء وفي مقدمتهم قادتها، دون أن تتنازل عن أهدافها. و"الفهلوة" الإسرائيلية لن تجدي نفعا في التعامل مع المقاومة؛ خصوصا أننا أمام صفقة موقّع عليها لها "ضامنون" دوليون؛ وبالتالي فإصرار المقاومة على موقفها له سنده وشرعيته الثابتة.
هل معنى ذلك أن نتنياهو سيلجأ للحرب؟!
ليس بالضرورة، فالمعطيات التي بين يديه ربما تدفعه للابتزاز التكتيكي ولكن ليس في الولوغ في مستنقع الحرب. فبعد تجربة 471 يوما من الحرب الهمجية الوحشية التي استخدم فيها كل ما يمكن تخيُّله من وسائل القتل والدمار، ثم خرج بهذه الصفقة، ليس ثمة ما في الأفق ما يشجعه على حرب مماثلة تؤدي إلى نتائج أفضل. ثم إن المزاج العام للجمهور الإسرائيلي الصهيوني لا يميل للحرب، ويفضل الدخول في المرحلة الثانية من الصفقة.
نعم، ثمة غُصَّة لدى الجانب الإسرائيلي أنه لم يحقق أهدافه من الحرب، وأن حماس استرجعت تموضعها القوي في القطاع، وملأت مباشرة سؤال "اليوم التالي" للحرب؛ ولكن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية كانت تدرك قبل أكثر من سبعة أشهر على نهاية الحرب أنها وصلت إلى أقصى مدى ممكن وأنها استنفذت أدواتها.. وأنها دفعت أثمانا هائلة في "الوقت الضائع" إلى حين وصول القيادة السياسية لقناعة بتوقيع الاتفاق.. ولذلك فإن قرع طبول الحرب يظل في إطار التكتيك.
وصحيح أن ثمة مخاوف لدى نتنياهو من انسحاب سموتريتش من الحكومة ومن انهيار حكومته، ولكن في المقابل فإن الاستحقاق الانتخابي للكنيست لم يتبقَّ عليه أصلا في توقيته الدوري سوى بضعة أشهر (نحو 8 أشهر)؛ وبالتالي فلن يُحدث انسحابه فرقا كبيرا. ثم إن أطرافا من المعارضة مستعدة لإعطاء الحكومة نوعا من شبكة الأمان لإنفاذ المرحلة الثانية من الاتفاقية، بما يمنع سقوط الحكومة.
تهديدات ترامب للمقاومة، فيجب التعامل معها في ضوء معرفة الطبيعة الشخصية لترامب وطريقته في الحكم والإدارة. ويدخل في ذلك تهديداته الأخيرة لحماس بوجوب إطلاق سراح جميع الأسرى فورا، وخروج قيادات حماس من القطاع
أما تهديدات ترامب للمقاومة، فيجب التعامل معها في ضوء معرفة الطبيعة الشخصية لترامب وطريقته في الحكم والإدارة. ويدخل في ذلك تهديداته الأخيرة لحماس بوجوب إطلاق سراح جميع الأسرى فورا، وخروج قيادات حماس من القطاع، وإلا فسيكون الثمن "جحيما".. فترامب نفسه يمارس براجماتية التاجر الانتهازي، بينما ينظر بنرجسية وفوقية للآخرين؛ غير أنه شخصية مُتقلّبة لا يمكن التنبؤ بسلوكها، ثم إن سعيه لسرعة الإنجاز مع عدم ميله لخوض الحروب، يجعله ينتقل من موقف إلى آخر. وقد سبق لترامب أن هدد المقاومة بإطلاق سراح الأسرى في توقيت محدد، ولم تستجب له، وهو من طرفه لم يفعل شيئا.
ثم إن ترامب نفسه تجاوز "المحرمات" الأمريكية على مدى نحو ثلاثين عاما، وعقد محادثات مباشرة مع حماس، بشأن إطلاق سراح الأسرى الأمريكان. وهو نفسه يعمل الشيء ونقيضه في دعمه لمسار التسوية السلمية والتطبيع، بينما يدعم ضمّ أجزاء من الضفة الغربية وتهجير أهل قطاع غزة وتهديد الأمن القومي للبلاد العربية.
* * *
حماس من طرفها، أوضحت أنها غير قابلة للابتزاز، وأنها لا تخشى تهديدات نتنياهو وترامب، وأنها مع إنفاذ الاتفاقية، لكنها لا تخشى من الحرب إن فُرضت عليها، وأن تهديدات ترامب (من ناحية منطقية) يجب أن تُوجَّه إلى من يُعطّل الاتفاق ويرفض تنفيذه (الطرف الإسرائيلي)، وليس إلى من يلتزم به.
وتظل المعضلة الإسرائيلية أن حماس ما تزال تملك ورقة الأسرى، وأن الاحتلال الإسرائيلي الذي فشل في تحرير أي من أسراه طوال هذه الحرب المريرة، لن يحصد إلا الفشل إذا ما أعاد المحاولة.
ولذلك، فقد يتابع الاحتلال الإسرائيلي لعبة الضغوط والابتزاز وتضييع الوقت، لكن يقظة المقاومة وحكمتها وحزمها المعتاد، سيجبر الاحتلال في النهاية على تنفيذ الاتفاق.
x.com/mohsenmsaleh1