الأمم المتحدة: نزوح 4700 أسرة يمنية منذ مطلع العام
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
دينا محمود (لندن)
أخبار ذات صلة الإمارات تدعو إلى حشد الدعم لإعادة إعمار المناطق المتضررة في ليبيا الإمارات: تعليم الفتيات شرط أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامةأعلنت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، أمس، نزوح أكثر من 4700 أسرة يمنية منذ مطلع العام الجاري 2023. وذكرت المنظمة الأممية، أن «وحدة تتبع النزوح التابعة لها رصدت نزوح 4 آلاف و716 أسرة في اليمن منذ بداية يناير حتى 14 أكتوبر العام الجاري.
وأشارت إلى أن «أكثر المحافظات التي شهدت حالات النزوح، هي الحديدة وتعز ومأرب».
ووسط مخاوف متصاعدة من استمرار تردي الوضع الإنساني في اليمن، رغم ما يبدو من هدوء نسبي يسود الأوضاع الميدانية على الأرض منذ نحو عامٍ ونصف العام، تتزايد التحذيرات الدولية، من خطورة تجاهل ما يعانيه اليمنيون من مشكلات صحية جسيمة، لا تقتصر على تلك التي تهدد حياتهم بشكل مباشر فحسب.
وتشير التقارير إلى معاناة عدد كبير من اليمنيين من أزمات نفسية خطيرة، جراء ما مروا به من أهوال، منذ انقلاب جماعة الحوثي على الحكومة الشرعية في صنعاء، في خريف عام 2014.
ووفقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، يواجه الملايين من اليمنيين هذه الأزمات والمشكلات، جراء الصدمات النفسية والضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تتفاقم بفعل إطالة «الحوثيين» أمد الصراع، مع ما يعانيه القطاع الصحي في البلاد من دمار، أدى إلى تقليص قدرته على تقديم الحد الأدنى من خدماته.
وقال مسؤولو المنظمة التابعة للأمم المتحدة، إن تركيز الجهات المسؤولة عن الصحة في اليمن، على توفير الخدمات لمن يواجهون مخاطر يمكن أن تقود بشكل مباشر إلى الوفاة، أدى على مدار السنوات الماضية، إلى عدم إيلاء الاهتمام الكافي للأشخاص الذين يعانون مشكلات ترتبط بالصحة النفسية والعقلية.
وبحسب هؤلاء المسؤولين، تفاقمت احتياجات اليمنيين للحصول على دعم نفسي، في ظل ما ينجم عن الصراع الحالي من تصاعد لأعمال العنف الحوثي، وإجبار كثيرين منهم على النزوح، فضلاً عن معاناة نسبة لا يُستهان بها منهم، البطالة والجوع والفقر، لا سيما وسط تأكيدات برنامج الأغذية العالمي، على أن ما يزيد على أربعة ملايين يمني، سيُحرمون من مساعداته خلال الربع الأخير من العام الجاري، بسبب نقص التمويل.
كما أن الحكومة اليمنية، أكدت قبل بضعة أشهر، أن نسبة الفقر ارتفعت في البلاد، لتصل إلى نحو 80%، من جراء انكماش الاقتصاد الوطني، بنسبة بلغت ما يقرب من 50%، وهو ما أفضى بالتبعية، إلى وصول معدلات البطالة إلى قرابة 70% من إجمالي القوى العاملة.
وأفادت تقديرات دولية بأن نحو سبعة ملايين شخص في اليمن، قالوا خلال العام الحالي وحده إنهم بحاجة إلى الدعم والعلاج لمواجهة مشكلات الصحة النفسية والعقلية، وإن ما لا يزيد على مئة وعشرين ألفاً من هؤلاء، هم من يتمكنون من الحصول على الخدمات الصحية اللازمة لهم على هذا الصعيد، من دون انقطاع.
ونقل موقع «ريليف ويب» الإلكتروني التابع للأمم المتحدة، عن الدكتور أرتورو بيسيغان، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن قوله، إن النظام الصحي هناك، يكافح حتى من قبل اندلاع الصراع الحالي، من أجل جعل خدمات الصحة النفسية والعقلية جزءاً من منظومته.
وسبق أن كشفت دراسة أُجريت بشأن أوضاع الصحة النفسية والعقلية في اليمن، وشملت قرابة 42% من سكانه، عن أن 45% من هؤلاء، يعانون ما يُعرف بـ «اضطراب ما بعد الصدمة»، وأن 27% منهم مصابون بالاكتئاب، بينما يعاني 25% آخرون، القلق المرضي الناجم عن استمرار الصراع الذي لا توجد أي مؤشرات في الأفق، على إمكانية إيجاد تسوية نهائية له.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الأمم المتحدة اليمن فی الیمن
إقرأ أيضاً:
الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي
لا يمكن فهم الرفاه الاجتماعي بعيدا عن الصحة النفسية، بوصفها أحد معززات هذا الرفاه؛ إذ تُسهم إيجابيا في تنمية قدرات الأفراد اجتماعيا واقتصاديا، وتساعدهم في إدراك المجتمع الذي يعيشون فيه وفهمه بما يمكِّنهم من التفاعل معه بشكل إيجابي، ويستطيعون بالتالي فهم أهمية دورهم في تنميته من ناحية، وتعزيز إمكانات العمل المشترك القائم على مفاهيم المواطنة الإيجابية.
إن الصحة النفسية اليوم تُعد من بين تلك المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها رفاهية المجتمعات، فلن يصل المجتمع إلى تحقيق أهدافه ما لم يكن أفراده أصحاء ليس بدنيا وحسب بل أيضا نفسيا وعاطفيا وذهنيا. إنها المعادلة الرئيسة التي تتخذ أبعادا اجتماعية واقتصادية ذات أهمية قصوى، خاصة في ظل المتغيرات الحالية التي تمثِّل مشتتات ذهنية ونفسية تقود المجتمعات إلى طرق مظلمة ما لم تكن واعية ذهنيا ونفسيا، ومدركة للمخاطر التي باتت تشكِّل تحديات على مستوى التنمية.
ولهذا فإن خبراء الطب النفسي يوصون بأهمية تعويد الأطفال والناشئة بشكل خاص على (التكيُّف)، وتدريبهم (على التعامل مع تحديات الحياة اليومية بشكل فاعل)؛ بحيث ينشأون في بيئة صحية تؤهلهم على المرونة والمواءمة والتصالح والتسامح، وغيرها من القيم التي تؤصِّل إمكاناتهم وقدراتهم على التكيُّف ومعالجة المشكلات بأسلوب أكثر إيجابية، وتعوِّدهم على السلوكيات التي تنم عن أخلاق مجتمعهم وقيمه السمحة.
ولعل هذا التكيُّف يتطلَّب القدرة على الممارسة المُثلى للعديد من العادات التي تقتضي تحقيق تلك الأهداف، ومن بين تلك الممارسات يأتي (التأمُّل)، باعتباره أحد أبرز أدوات العناية الذاتية، التي تعزِّز الصحة النفسية؛ فهو من الممارسات العامة المعروفة على مستوى المجتمعات، والتي دعت إليها الأمم عبر الحضارات، بل حضَّت عليه الأديان، ومن بينها الدين الإسلامي الذي يأمرنا بالتأمل في خلق الله والتفكُّر في ملكوته، عبر إعمال العقل وإطلاقه بحكمة وعمق.
إن التأمل باعتباره أداة مهمة يقتضي التفكُّر وتركيز الانتباه بقدرة الله سبحانه في خلقه، وبكل ما حولنا، وبما حبانا الله إياه من نِعم تقتضي الشكر، فإنه أيضا قوة داخلية وشعور بالرضا والسلام والمحبة؛ لما له من أهمية - بحسب العديد من الأدبيات - في (خفض التوتر، وتحسين التركيز والتوازن العاطفي وتخفيف القلق والاكتئاب وتحسين جودة النوم). إنه أداة تدعم تحسين الصحة البدنية عموما.
ولذلك فإن العالم يحتفل في الواحد والعشرين من ديسمبر من كل عام بـ (اليوم العالمي للتَّأمُل)، الذي يهدف - حسب اليونسكو - إلى (زيادة الوعي بالتأمل وفوائده، واستذكار حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية)، الأمر الذي يدفع العالم إلى تعزيز تلك الأهمية ودعم أفراده إلى العناية بفكرة التأمل نفسها؛ كونها قائمة على إعمال الفكر والتعَّمق في الذات وما حولنا من متغيرات بل وما يحصل في العالم من تحديات تستوجب إعمال العقل والتفكُّر؛ فكل ما حول الإنسان من نِعم وما يمُّر فيه من محن إنما تحتاج منه التأمُّل والوقوف الحكيم، لا التسرُّع والاندفاع وجلد الذات، بما قد لا يضر بالنفس وحسب بل أيضا يصيبها بالكثير من الأمراض النفسية، التي تجعله مكبلا، غير قادر على المضي في حياته، وعاجز عن إسعاد نفسه وأهله، بل قد يصل إلى إيذاء نفسه وإيذاء من حوله.
أما التأمُّل باعتباره ممارسة فإنه يمثِّل القدرة على التصالح مع الذات وفهمها وفق محددات اجتماعية تعزِّز الصحة النفسية، وتدعم تحقيق الرفاه؛ فكلما تمتع أفراد المجتمع بالصحة النفسية، كانت قدرتهم على العمل والعطاء والإقبال على الحياة أكبر، ولهذا فإن التأمُّل والوعي به يقوم على توجهات المجتمع في العناية بالصحة النفسية، وبناء عالم أكثر مرونة وإيجابية وخدمة للسلام والمحبة.
ولأن الرياضات عموما بأنواعها وأشكالها تقدِّم ضمن مجموعة من الأدوات التي تساعد أفراد المجتمع على التغلُّب على الكثير من الإرهاصات النفسية والجسدية التي تحدث في كثير من الأحيان دونما قصد، سواء خلال العمل و التعامل مع الناس أو حتى من ضغوطات الحياة عموما، فإن الرياضات الروحية المختصَّة بالجانب النفسي تقدِّم نفسها باعتبارها خيارا مناسبا للتعمُّق وإعمال الفكر والشعور بالهدوء والسكينة.
إن الصحة النفسية اليوم تغدو أكثر أهمية بالعناية والرعاية من قِبل المجتمعات، لما تمثِّله من مركزية في علاقتها بالتنمية وتحقيق الرفاه المجتمعي، وهي لا تتعلَّق بالتغذية الصحية وممارسة الرياضة عموما، بل أيضا بما ينتجه ذلك من أفكار ومشاعر وسلوك، قد يظهر ضمن تلك العلاقات المتشابكة خاصة في ظل التطورات التقنية التي تجعل الناشئة والشباب بشكل خاص، ينساقون وراء العديد من المغريات والتحديات في عالم افتراضي واسع لا يمكن ضبطه، سوى بإمكاناتهم على تأمُّل كل ما يتابعونه، أو يشاهدونه ويسمعونه، أو يقرأونه، ويتفكَّرون فيه وفق ضوابط قيم المجتمع ومحدداته.
إضافة إلى ذلك فإن حاجة المجتمعات اليوم إلى المرونة والتفاؤل كبيرة؛ فهذه المرونة تمكِّنهم من تخطي العديد من التحديات وتدفعهم إلى حل مشكلاتهم وتحدياتهم وفق رؤية أكثر إيجابية، ولهذا فإن تحقيق الصحة النفسية القائمة على التأمُّل والتفكُّر والعلاقات الإيجابية من خلال الأقران وتحفيز الصحة البدنية، والوعي بقيمة الصحة وعلاقتها بالرفاه الاجتماعي والصحة العاطفية، سيجعل أفراد المجتمعات أكثر قدرة على تخطي الضغوطات وفق مرونة نابعة من تلك العلاقة التي تأسسَّت على السلام الداخلي.
ولهذا فإن عُمان اعتنت عناية فائقة بالصحة النفسية، وبالوعي المجتمعي بأهميتها وقدرتها وإمكاناتها؛ وقد تزايد اليوم هذا الوعي الذي يظهر ليس من خلال الزيارات لمراكز الطب النفسي وحسب، بل أيضا بعناية المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية بالصحة النفسية لموظفيها وتهيئة البيئة الصحية المناسبة لهم، إضافة إلى عناية المؤسسات التعليمية والأكاديمية بهذا القطاع الصحي، التي تقدِّم برامج متخصصة للأطفال والناشئة والشباب، تهدف إلى التوعية وتقديم الدعم النفسي المناسب للطلاب في كافة مراحلهم التعليمية.
إن هذا الوعي المؤسسي ينعكس بدوره على الأفراد من خلال عنايتهم بأنماط الحياة الصحية المختلفة، سواء عن طريق ممارسة الرياضات البدنية أو الروحية، أو الالتزام بالتغذية الصحية، أو حتى عن طريق اختيار البيئة الصحية والأصحاب الإيجابين، وغير ذلك من الممارسات التي تنم عن وعي بأهمية الصحة النفسية وعلاقتها بالتطوير الذاتي النابع من محبة الذات والإيمان بقدراتها وبالتالي تحقيق الرفاه الاجتماعي من ناحية، والتنمية والمواطنة الإيجابية النابعة من عطائه ومشاركته الفاعلة في بناء مجتمعه ووطنه من ناحية أخرى.
ولذلك فإن العناية بالصحة النفسية عموما وبفكرة التأمُّل في حياتنا وما حولنا بشكل خاص، تتطلَّب منا الإيمان بأهميتها وقدرتها على تغيير أنماط ممارساتنا اليومية، للشعور بالسلام الداخلي وحُب الحياة والإقبال على العمل وفتح آفاق جديدة رحبة تتسِّع للجميع، فالحياة جميلة إذا نظرنا بعين الرضا والمحبة وتقبُّل أنفسنا والآخر بتسامح وتفاهم ينم عن أخلاقنا وقيمنا المجتمعية الأصيلة.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة