«تغريبة القافر».. الحياة من أجل الماء
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
د. نزار قبيلات
أخبار ذات صلة محمد الشرقي: الفنون تعزز الجسور الثقافية والإنسانية «الشارقة للكتاب 42» يجمع فائزين بجائزة نوبليحاول كُتّاب الرواية، ما استطاعوا، تجاوز التقريرية والنمطية التسجيلية في رواياتهم، وهو ما فعله زهران القاسمي حين منح بطل روايته «تغريبة القافر» صفةً غير عادية، وهي سماع أصوات الماء في جوف الأرض، ما جعل سالم بن جميل بطل الرواية من أهم مُقتفِي الماء واستخراجه من باطن الأرض في قريته وبلده كله، فذاع صيته وأقبل الناس عليه يطلبون عونه ومهارته الفريدة تلك.
هذه الرواية «تغريبة القافر»، الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر 2023)، ذكرتني بروايات عالمية أخرى كان بناؤها يقف على تمكين الشخصية الرئيسة من امتلاك ما يؤهلها لخرق الواقع العادي والماثل أمامنا، تماماً كما جاء في رواية «كافكا على الشاطئ» للرائع هاروكي موراكامي، والتي كان بطلها يحسن لغة القطط والحوار معها، فـ«تغريبة القافر» سردية عربية بامتياز وقفت باقتدار بين حدود الماء والبقاء، وبين تلول الغرب وامتدادات الشرق، وراحت إذ ذاك تستبطن جوّانيات الشخصية العربية وهي تُسائِل الأرض، وتغرف من الماء بعد كدٍّ وصبرٍ واحتمال، فصارت هذه الصفات جزءاً من شخصية الإنسان العربي الهارب من سطح الأرض وناسها بإشاعاتهم وخراريفهم إلى باطن الأرض الأقوى والأصدق، حيث لم يأبه «سالم» بإشاعات أهل قريته وقصصهم التي تلاحقه، فجابه صلابة الصخور ودفق الأفلاج وتحديات المكان، فسالم لم يملك حتى موته مزرعته الخاصة كعموم أهل القرية الذين تنعّموا بخيرات المزارع، غير أنّهم لم يملكوا حوار الأرض كسالم ووالده.
سر الحياة
وحيث يكون الماء تكون الحكايا والقصص والأساطير الشعبية، ويزدهر معها خيال البشر وتدبّ الحياة في الأوساط، إذ صيرورة الإنسان تقاوم مزاميل النسيان والظمأ والجدب، فالماء حين يتدفق لا يفسح المجال للسكون والصمت والريبة، لأنه سرٌ مباح للحياة وعنوان نزول الإنسان الذي يبحث عنه ولا يشعر بالاطمئنان إلا حين يسمع خريره، ويرى جريانه وهو يعاند التواءات الأفلاج وصلادة الصخور، التي وقفت في آخر مشاهد الرواية بين سالم الذي سلِمَ من الموت أول مرة في بطن أمّه الغريقة، بيد أنه لم يسلم منه حين وقفت صخرة عملاقة بينه وبين الخروج لسطح الأرض، حيث زوجته وقريته ومزرعته التي تنتظره، فحين انفجر الماء وصعد قذف معه كل شيء: سالم وأحلامه وآمال زوجته ومستقبل قريته، لقد عاندت الأرض سالماً وقست عليه فأخذت منه أمه في البداية، لكنها أعطته المرضعة الرؤوم والزوجة المُحبّة وكذا لغة الأرض حين يكون الماء سبباً للعيش وسبباً للموت.
سيرة الماء
إن هذه الرواية تمنح قارئها بطاقة الانضمام إلى مجتمعها منذ عتبتها النصية الأولى، فتجره معها في تلابيب سيرة الماء والمزارع والوديان، ومعها كانت اللغة رقيقة بليغة تخلو من الوصف المركب والتعقيد التصويري والإسهاب النفسي الذي كان ممكناً أن يفرضه تيار وعي الشخصية الرئيسية في الرواية، فكل جملة وكل حوار في الرواية جاء متسقاً وشَكل المشهد المطروح ومناسباً للوظيفة السردية التي اضطلعت بها شخوص الرواية التي كانت في المجمل شخوصاً متساوية في الهيئة والأداء باستثناء سالم، لقد قُسّمت الرواية بين طرفين، الأول يميل لسالم ووالده، وطرف آخر هو مجتمع القرية الذي ينتظر من سالم إخراج الماء، وحين يتأخر أو يفشل تلاحقه قصص الجن والبئر، كونه ابن الغريقة.
وبناء الرواية بناءٌ غير تقليدي، بُني على الاستشراف السردي ثم العودة لخط الزمن التصاعدي وملء كل الفجوات التي قد يتركها أي سرد تصاعدي خلفه، أما المكان فلم يكن مكاناً أليفاً، بل هو مكان قلق، وإن أظهرت البنية السطحية للمكان هدوء القرية ورقة الأفلاج الدّفقة وأشجار النخيل الباسقة، إذ إن صراع الإنسان قائمٌ بين ما يرغب في حدوثه وبين المصير الذي لا يعرف وقت حدوثه.
«تغريبة القافر» رواية التوجس في مكان الهدأة والسكون، ورواية الحياة والموت بالماء، هي سيرة صحراء الإنسان العربي والخصب المأمول بالمشقة حين لا يكون له خيار غيره.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: تغریبة القافر
إقرأ أيضاً:
وطني لن يموت
كتب الدكتور فيليب سالم في"الجمهورية": ها نحن اليوم في ظل قرار دولي و «اتفاق على وقف إطلاق النار » لتطبيق قرار الأمم المتحدة 1701 . والسؤال الكبير هنا، هل سيأخذنا هذا القرار إلى السلام الذي نريده؟ نحن اللبنانيين الذين نعبد هذا الوطن بعد الله، قلقين على لبناننا، لأنّ هؤلاء الذين أخذوه إلى الحرب عنوة، يريدون اليوم إخضاعه عنوة لسلام ليس هو سلامه. قلقون لأنّ المفاوضات التي أدّت إلى هذا القرار الدولي، لم تعتبر لبنان وطناً للبنانيين جميعهم، بل اعتبرته وطناً ل "حزب الله". فهذه المفاوضات التي قادتها الولايات المتحدة كانت مفاوضات بين طرفين. الطرف الأميركي الإسرائيلي من جهة، والطرف الإيراني "حزب الله" من جهة أخرى. لم يكن لبنان طرفاً في هذه المفاوضات.
وكم رحّبنا بكلام الأمين العام الجديد ل «حزب الله » عندما قال: «نريد فقط وقف إطلاق النار واحترام سيادة لبنان".
ولكن احترام سيادة لبنان أيها السيد يبدأ بكم أنتم. يبدأ بتسليم سلاحكم إلى الدولة والعودة بكم إلى وطنكم. لقد تأخّرتم في فصل لبنان عن غزة، فنرجو أّ لّا تتأخّروا في فصل لبنان عن إيران.
وسيقول لبنان إنّه خائف لأنّ هذا الاتفاق الجديد يؤمّن ولو موقتاً السلام لإسرائيل، ولكنه لا يؤمّن السلام للبنان. هذا الاتفاق لا يؤمّن نزع السلاح. إنّ نزع السلاح ليس أكيداً في هذا الاتفاق. ولو كان، لما كانت إسرائيل لتصرّ على منطقة عازلة بين حدودها الشمالية ونهر الليطاني. ونود هنا أن نسأل، قد يكون هناك نزع سلاح جنوب الليطاني ولكن ماذا عن شماله؟ هل سيكون هناك السلاح غير الشرعي شرعياً؟ ولو كان نزع السلاح وارداً لم تكن إسرائيل لتصرّ على ما تسمّيه "حقها في الدفاع عن نفسها » كلما تجرأ "حزب الله" على مهاجمتها. وإلى يومنا هذا، لا نرى أي تغيير في استراتيجية "حزب الله" للمستقبل. في هذا القرار يتكلمونعن القرار 1701 كما كان قبل الحرب لا كما يجب أن يكون. ونحن نذكر جيداً أنّه كنا قبل هذه الحرب تحت مظلته، ولماذا لم يؤمّن هذا الاتفاق يومذاك السلام لنا؟ ولماذا يا ترى يصبح هذا الاتفاق اليوم الحلم الذي نريده؟
إنّ وطني لن يموت. هذا وطن متجذر في التاريخ ومتجذر في إنسانه العنيد والمتمرّد. في انتشاره في العالم. متجذر في إنسانه الذي يحبه حتى الثمالة. لقد مرّت على هذه الأرض جيوش كثيرة ثم رحلت وبقي لبنان. مرّ عليه موت كثير وبقي حياً.
ونتوجّه إلى أهلنا في المقاومة ونقول لهم إنّ مسؤولية قيامة لبنان هي مسؤوليتنا، نحن وأنتم. لقد قيل «أعطونا السلام وخذوا ما يدهش العالم ». ولكن السلام لا يُعطى. السلام يُصنع. ويجب أن نعترف بأنّه لا يمكننا الوصول إلى السلام إذا كنا نحن على خلاف. هذه الأرض هي أرضنا جميعاً وليس هناك في الأرض أرض سواها تكون أرضنا. تجمعنا محبة الأرض ويجمعنا الألم. كما يجمعنا مستقبل أولادنا.