هل هانت غزة إلى هذه الدرجة على الأمة
تاريخ النشر: 17th, October 2023 GMT
لقد طال سبات الأنظمة العربية والإسلامية ، بل تملكها الهوان والخنوع إلى درجة لايتقبلها إنسان سوي أبدا ، وربما لم أكن مبالغا إذا قلت حتى الطير والحيوان لن يستطيعا السكوت على شيء من ذلك الذل والهوان ، ويؤكد قولي ماحصل معي أنا وطائر من فصيلة الغربان ، إذ خرجت باكرا كعادتي – لتناول كأس من القهوة مصحوبا بحبيبات من التمر – من الباب الخلفي للمنزل الذي يطل على حديقتي المتواضعة ، وإذا بغراب يقترب مني مصدرا نعيقا مزعجا ، الأمر الذي جعلني أقذفه بحصاة صغيرة ، أصابته في جناحه ، ولكنها إصابة غير قاتلة ، غير أنه طار إلى الأعلى وكثف من نعيقه ، وماهي إلا بضع دقائق حتى أصبح يحيط بي عشرات من الغربان ، ويهاجمونني بكل شراسة ، ماجعلني أركض مسرعا إلى داخل المنزل ، وأغلق الأبواب والنوافذ لأحمي نفسي من ذلك الهجوم الشرس الذي شنته علي الغربان انتصارا لأخيها .
ولعل ماجعلني أستذكر هذا الأمر هو ما أراه من احتشاد قوى الشر الغربية إلى جانب الصهاينة المجرمين لقتل الشعب الفلسطيني الأعزل ، مع أن الصهاينة قد أنزلوا من حمم النيران على قطاع غزة فقط مايساوي ربع قنبلة نووية ، وذلك حسب تأكيد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ، وهذا بعد أن منعوا عن سكان قطاع غزة الكهرباء والمياه والمواد الغذائية ، وقصفوا بأطنان القنابل المحرمة مدارس الأونوروا ليقتلوا من نجا من الموت من النساء والأطفال والشيوخ إذ خرجوا من منازلهم إلى تلك المدارس يبتغون السلامة ، فضلا عن قصفهم للجرحى والمرضى في المشافي .
ومع ذلك لم نطلب من الأنظمة العربية والإسلامية أن يهبوا لنصرة إخوانهم الفلسطينيين كما هبت الغربان للانتصار لأخيها ؛ لأننا نعلم يقينا أنهم ليسوا أهلا لحمل السلاح والانتصار لإخوانهم المظلومين ، ولكن نريد منهم فقط أن يمدوا أهلهم من النساء والأطفال والشيوخ في قطاع غزة بالماء والطعام والوقود ، وهذا لا أظن أنه سيكلفهم الشيء الكثير ، إذ يستطيعون أن يقولوا لقوى الشر والظلم الغربية أنتم جئتم بحاملات الطائرات والجيوش الجرارة لنصرة الظالمين المغتصبين الصهاينة ، ونحن بالمقابل سوف نقدم شيئا زهيدا من الماء والطعام والوقود والدواء للمظلومين المكلومين في أرضهم وداخل منازلهم .ومع ذلك أخي القارئ نعلم يقينا أنهم أعجز من أن يقدموا شيئا لإخوانهم في غزة من تلك الأمور الإنسانية البسيطة .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قوافِلُ العطاء
حديثٌ لا تكاد الصفحات تكفي للكتابة حوله، مواقف عظيمة تجلت في نفوسٍ زاكية، عظماء باعوا من الرحمن فنجحت البيعة، لأن الميزة المهمة في هؤلاء الرجال هي انطلاقتهم وفق المشروع القرآني، فقد حرص شهيد القرآن على أن تكون الانطلاقة قرآنية، ومن بعده احتذى به خيرة الرجال ليلتحقوا بذلك الركب، في إطار إيماني أخلاقي؛ لأن أكثر ما تتعرض له الأمة هو محاربة الوعي والمبدأ، فلا بد أن يكون التحرك واعياً وجاداً.
تتجلى انتصارات هذا الشعب، انتصاراً تلو انتصار وفرحة تلو أخرى، فصرنا نسمع بياناً يخلفه بيان؛ ليشفي غليل الأمة في أعدائها، فلا نزال نقدم ونضحي، من أجل نصرة القضية، رغم ما قد حصل من هجوم مباغت، وقصف، وهدم بكل وحشية، إلا أننا مازلنا ثابتين على نفس المبدأ، لأن هذه الأمة تسير على مبدأ الجهاد والروحية الإيمانية، فبقيت مستمرة في العطاء، لأن ما على النفس إلا أن تكبح جماح نفسها، وتطغى على رغبات نفسها بالهدى القرآني، لتبقى على ما هي عليه من وعي شامل في مواجهة العدو، فها هو شعبنا المقدام اليوم يقدم ويبذل خيرة رجاله لنصرة القضية الفلسطينية، إلى جانب ما قدمه من قوافل العطاء.
يتحرك الجميع تحركاً جاداً لمواجهة العدو، حتى وإن سبق وقدموا قوافل من الشهداء، لم يهنوا، وينكسروا كما يظن البعض، بل ازدادوا انطلاقاً بعدة وجاهزية نفسية وميدانية، فهذه الروحية تسكن كل مجاهد، فهو يظل يعطي ويقدم في سبيل الله إلى أن ينتصر أو يرتقي شهيداً، لم يستغل روحه، بل أرخصها فداءً للقضية ولنصرة الدين، فما نراه اليوم من صمتٍ إزاء العدوان على اليمن لم يجعل الناس تتخاذلون، بل انطلقوا إلى ما هو أعظم، إلى القضية الأم، واتجه الجميع لنصرتها.
ما يحدث اليوم من ردٍ مزلزلٍ من اليمن ضد الكيان الإسرائيلي لنصرة فلسطين، كافٍ لإيصال رسائل لكل من تسوّل له نفسه الاعتداء على اليمن، فما اعتلى شأن اليمن، وما وصلت إلى ما نحن فيه اليوم، من عزة وكرامة وتمكين، إلا بفضل مجاهديها الأبطال، وبفضل دماء شهدائها الأقحاح البواسل، وها نحن في هذا الشهر المقدّس نحيي ذكرى استشهاد هؤلاء العظماء، فلم يتخصص لهم أسبوع معين، وفي شهرٍ معين للاحتفاء ولإحياء ذكراهم، إلا لعظمتهم، ولمكانتهم السامية والعالية في أوساطنا.
شهداءٌ أحياء، اعتلت بهم الأمة، ورفعوا من شأنها، فأصبحت تهابها الأمم؛ لعلو مكانة رجالها، فما ذُلت أمة قط، رجالها من أهل اليمن، هم من آووا ونصروا واستبسلوا منذ عصر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، ومازالوا إلى يومنا هذا، هم من استرخصوا دماءهم الزكية حباً لله، ولدينه، وتاجروا بأرواحهم لبارئها، فنعم البائع، ونعم المشتري، وهنيئاً لهم جِنان الخُلد، بكل ما فيها من استضافة، ومكانة، وعلو، وشأنٍ، وجاه، فاللهم إنا نسألك الرضا، وأن ترزقنا ما رزقتهم من حبٍ لك ولدينك، آثروه على حب أنفسهم وعلى كل ما يرغِّب لهم البقاء في هذه الدنيا الفانية.