التصنيف الائتماني أو درجة الملاءة هو تحليل اقتصادي تقوم به شركات التصنيف الائتماني العالمية لمعرفة قدرة اقتصادات الدول على الاقتراض وسداد الديون عبر تحليل بعض السياسات الاقتصادية والمالية، إضافة إلى التنبؤ بتطورات الاقتصاد ومدى الالتزام بالسياسات المتخذة. ويعد تحسّن التصنيف الائتماني أو درجة الجدارة للدول مقياسا للقدرة على الوفاء بالالتزامات المالية مما يستطيع المقرض اتخاذ قرار الإقراض من عدمه عبر الرجوع للتصنيف الائتماني للدول وذلك لمعرفة مستوى المخاطر المالية الناتجة عن قرار الإقراض وسجلّات الدولة السابقة تجاه تسديد أقساط الديون، إضافة إلى إجراء دراسات وتحليلات اقتصادية لاختبار مدى ائتمانها على القروض ومخاطر السداد، ويواجه كثير من المستثمرين صعوبة في تحديد قرار الإقراض لبعض الدول بسبب غياب المعلومات الكافية لاتخاذ قرار الاستثمار من عدمه، وفي حال وجود شكوك في سداد أقساط الديون أو عدم يقين من التزام الدولة بسدادها فإنه ليس شرطا أن يمتنع المستثمر عن قرار الإقراض ولكن سيشترط معدلات فائدة مرتفعة على القرض، وسيقوم بتصنيف الاستثمار أو القرض عالي المخاطر.

وكما هو معلوم كلما انخفضت درجة المخاطر انخفضت نسبة الفائدة على القروض والعكس صحيح، وتبرز أهمية التصنيف الائتماني لدى المستثمرين الذي تسعى الدول للاهتمام به وتحسينه لاستقطاب أكبر عدد من الاستثمارات الخارجية النوعية وتحسين صورة الاقتصاد لدى المنظمات الدولية والمؤشرات الاقتصادية خاصة التي يعتمد عليها المستثمرون في اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه، كذلك تبرز أهمية تحسّن التصنيف الائتماني للدول في إعطائها أريحية لاستمرار التحسن في الوضع الاقتصادي والمالي والاستثماري مما يسهم في جلب المزيد من الاستثمارات المتنوعة سواء شركات مالية أو حتى أفراد إضافة إلى وجود أريحية في الاقتراض المستقبلي إن تطلب الأمر، وذلك بالحصول على نسب اقتراض منخفضة. فالجهود التي بذلتها حكومة سلطنة عمان خلال السنوات الماضية خاصة منذ إطلاق خطة التوازن المالي (2020-2024) المتمثلة في اعتماد بعض السياسات الاقتصادية والمالية أثمرت عن تحسّن التصنيف الائتماني للاقتصاد العماني وذلك بفضل متابعة وزارة الاقتصاد تنفيذ السياسات الاقتصادية المتخذة وتحسّن المؤشرات الاقتصادية لسلطنة عمان مما انعكس إيجابا على نمو الناتج المحلي الإجمالي، واستمرار تدفّق المستثمرين الأجانب مما يعزز الاستثمارات الخارجية في سلطنة عمان، ورغم أن هناك تساؤلات ترصد بين فترة وأخرى بانعكاس تحسّن التصنيف الائتماني لسلطنة عمان على المواطنين، إلا أن هناك ارتياحا من قبل الجمهور على تطوّر الاقتصاد العماني وتحسّن مؤشراته وبدأت بعض فئات المجتمع العماني ملامسة الأثر الإيجابي للتحسن الإيجابي لمؤشرات الاقتصاد عبر ترقية موظفي الدولة العمانيين المستحقين دفعات (2011-2016)، وإقرار مجلس الوزراء عددا من المشروعات والمبادرات الاقتصادية والاجتماعية مثل مبادرات الحماية الاجتماعية التي سيبدأ المواطنون في الاستفادة من منافعها مطلع العام المقبل وتخصيص مبالغ لإنشاء بعض المشاريع التنموية والاقتصادية واستكمال البعض الآخر، إضافة إلى توجيه جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- بالبدء في إجراءات إقامة مدينة رياضية متكاملة؛ فثمار الخطط والسياسات الاقتصادية والمالية التي أقرتها الحكومة للتعامل مع الأزمات الاقتصادية وزاد من حدتها تعرض العالم لأزمات أخرى مثل الأزمات الصحية والسياسة والنزاعات والصراعات والحروب التي يعاني منها الجميع مما أربك الحسابات والمؤشرات الاقتصادية، باتت واضحة للجميع وأثرها شمل مختلف فئات المجتمع العُماني وعالجت قضايا مجتمعية مثل قضية الباحثين عن عمل وإنهاء خدمات العاملين العمانيين من بعض مؤسسات وشركات القطاع الخاص إضافة إلى قيام الحكومة بترقية الموظفين العمانيين المستحقين مدعوما بدعم أسعار المحروقات جميعها ستساعد على تعزيز القوة الشرائية وكبح التضخم مما يزيد من مستوى الرفاه المجتمعي، ومع استمرار تحسن التصنيف الائتماني لسلطنة عمان عبر مختلف وكالات التصنيف الائتماني العالمية وتسهيل إجراءات الاستثمار سيؤدي ذلك إلى جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية مما يسهم في توليد فرص عمل للباحثين عن عمل.

حقيقة، أشيد بالجهد الكبير الذي تبذله وزارة الاقتصاد في النهوض بالاقتصاد العماني ومتابعة تطوراته ونموّه وإطلاع الجمهور بما يتم إنجازه من خطط ومبادرات اقتصادية عبر مختلف قنوات التواصل والإعلام لا سيما التطورات المرتبطة بالمؤشرات الدولية مثل توقعات صندوق النقد الدولي ومقارنتها بتوقعات وزارة الاقتصاد التي أثبتت صحة توقعاتها بتحسن مؤشرات الاقتصاد العماني؛ إذ تشير الأرقام والإحصاءات المرصودة إلى أن الاقتصاد العماني مقبل على نمو وتطوّر وتسارع في تحقيق مستهدفاته خاصة فيما يتعلق بالارتفاع في الإيرادات المالية وتجويد الإنفاق وتقليص حجم الدين العام للدولة ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي الذي بات قريبا جدا من تحقيق النسب الآمنة للدين العام، أيضا لاحظنا ارتفاعا في أرقام مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي مما يشير إلى الجهود الجادة والكبيرة التي تبذلها الوزارة في متابعة مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى وذلك لتعزيز جهود الحكومة الرامية نحو تعزيز التنويع الاقتصادي وتنوّع مصادر الدخل، وجميع هذه المؤشرات والأرقام الاقتصادية المحققة منذ سنتين بفضل نجاح السياسات الاقتصادية والمالية لابد أن تحظى بارتياح من الجمهور كونها تشير إلى عمل جاد ونتائج باهرة ورائعة، وأرى أن أحد أسباب نجاح السياسات والخطط الاقتصادية هو الالتزام بتطبيقها وفقا للبرنامج الزمني المعد لذلك.

إن تحسّن التصنيف الائتماني لاقتصاد سلطنة عمان بوتيرة متسارعة وبإشادة دولية يعكس حجم الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الاقتصاد بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة لتنمية الاقتصاد وتطويره وتقويته حتى يصبح أحد الاقتصادات المتطورة عالميا، ولابد من استمرار كافة الجهود الساعية إلى الارتقاء به ونهوضه، أيضا لابد أن نوجه شكرنا وتقديرنا للجهود الإعلامية والاتصالية المبذولة لإطلاع الجمهور على تطورات الاقتصاد العماني بين فترة وأخرى.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاقتصاد العمانی وزارة الاقتصاد سلطنة عمان إضافة إلى

إقرأ أيضاً:

الدبلوماسية الاقتصادية من أمستردام إلى موسكو

 

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

كتبتُ مقالًا سابقًا عن الدبلوماسية الاقتصادية التي باتت توجه العلاقات الدولية وتشكل التحالفات السياسية الجديدة في هذا القرن، الذي أصبحت فيه قوة التأثير مرتبطة بالقوة الاقتصادية بشكل كبير جدًا.

في ذلك المقال تطرقتُ إلى توجه سلطنة عُمان نحو الدبلوماسية الاقتصادية وآثر ذلك على الخطط الاستراتيجية ورؤية "عُمان 2040" والتي يتوقف نجاحها كغيرها من الرؤى الاستراتيجية على استدامة الموارد المالية ودوران الاقتصاد، ولذلك يجب ضمان هذه الاستدامة كإحدى الممكنات الأساسية مع بقية العناصر اللازمة بطبيعة الحال، ولضمان ذلك لابد من وجود خطة اقتصادية متكاملة لتحقيق أهداف التنمية، وهنا يأتي دور السياسة الخارجية كأحد العوامل الرئيسية لضمان خلق فرص استثمارية جديدة ووجود بيئة جاذبة لنمو الاقتصاد الوطني.

وعودةً الى الدبلوماسية الاقتصادية، فإنني ومن خلال نظرة تحليلية بسيطة حول الدبلوماسية الاقتصادية العُمانية والتوجهات المستقبلية، وما هو النموذج الأنسب لها في ظل المبادئ الموَجِّهة للسياسة العُمانية، من حيث الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ورفض التحالفات المبنية على الإضرار بالدول الصديقة. وقد أوردت الدراسات السياسية الاستراتيجية عدة نماذج ومستويات للدبلوماسية الاقتصادية بحسب السياسية الخارجية لكل دولة وما ترغبه من أهداف، ولعل أبرز هذه النماذج التي تنتهجها الدول في دبلوماسيتها الاقتصادية النموذج الثنائي والنموذج الإقليمي والنموذج الجماعي أو المجموعات متعددة الأطراف التي تضم المنظمات والتحالفات السياسية على المستوى الإقليمي والدولي.

إنَّ المتابع لتوجهات السياسة العُمانية يدرك أن الخط الذي وضعه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- للدبلوماسية العُمانية يسير وفق منهجية واضحة تراعي المبادئ التي أقرها النظام الأساسي للدولة، وفي نفس الوقت تساهم في تشكيل دبلوماسية اقتصادية تقوم على تحقيق المصالح الاقتصادية العُمانية وتخدمها بشكل مباشر. لذلك جاءت الزيارات الخارجية لجلالته- أيده الله- لتعزز هذا التوجه والخط الدبلوماسي الذي يتناسب مع المرحلة المقبلة ويحقق تطلعات القيادة الحكيمة والشعب لرفع مستوى المعيشة وزيادة الدخل والرفاه الاجتماعي.

هذه الأهداف لا يمكن أن تتحقق إلّا من خلال جهود مختلفة تساهم في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط والغاز كمصادر وحيدة للدخل، مع وجود فرص كبيرة لتحقيق التنوع الاقتصادي.

وفي ظل ما يشهده العالم من تطورات وتغيرات سياسية تؤثر بشكل مباشر على مستقبل الاقتصاد العالمي وخاصة ما دار خلال الأسابيع الماضية من حرب مستعرة حول الرسوم الجمركية التي أشعلتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى تأثير كل ذلك على اقتصاديات الدول، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني أساسًا من ازمات سياسية، وحالة من عدم الاستقرار وتحديات تعيق النمو الاقتصادي، الذي يعاني من تباطؤ حركته، كذلك استمرار الاعتماد على النفط والغاز كمصادر للدخل وتأثير الأزمات الاقتصادية على هذين المصدرين بشكل مباشر، وسط كل ذلك لابد من عمل سياسي قوي يعمل على إيجاد مسارات اقتصادية جديدة وينعش الاقتصاد ويواجه هذه التحديات ويقلل من تأثيرها ويمنع الانتكاسات التي قد تؤثر على الخطط والاستراتيجيات التنموية.

وفي هذا السياق، جاءت زيارة جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- إلى كلٍ من هولندا وروسيا لتُعزِّز العلاقات الاقتصادية معها، الى جانب مد جسور الصداقة والتعاون بين الجانبين، وقد كرَّس جلالة السلطان المعظم جهوده خلال الفترة الماضية للوصول إلى شراكات اقتصادية جديدة يمكن أن تسهم في تحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" وجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي تعزز من قوة الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج المحلي؛ مما يعني زيادة فرص العمل ونمو القطاعات غير النفطية. وقد حرص جلالة السلطان على قيادة المشروع الاقتصادي بشكل شخصي، رغبة من جلالته في إيصال فكرة واضحة عن خطط الدولة واستراتيجيتها الاقتصادية المستقبلية وقدرتها على الالتزام بتنفيذ هذه الخطط ورغبتها الجادة في هذه الشراكات والتحالفات الاقتصادية.

إنَّ الفكر الذي يمضي به جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أبقاه الله- وهو يقود المشروع الاقتصادي الوطني من خلال الممارسة الناجحة للدبلوماسية الاقتصادية؛ لهو جدير بالالتفاف حوله ومساندة هذه الجهود، كلٌ حسب موقعه ومكانته ومهامه؛ فهذا الفكر هو السبيل لمستقبل واعد للحاضر وللأجيال القادمة من أبناء الوطن العزيز، ولا بُد من الإيمان بأن هذه الجهود التي تبذل سوف نرى نتائجها في المستقبل القريب- بإذن الله- مع استمرار الجهود والمساعي التي تُسهم في تطوير منظومة الاقتصاد الوطني وتحقق أهداف التنمية المستدامة التي تسعى الحكومة لتحقيقها، وبالتعاون سوف نرى كل ذلك واقعًا بعون الله.

ختامًا.. ومن خلال الزيارتين الساميتين وما سبقهما من زيارات سامية إلى أقطار عدة، فإنَّ حزمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أبرمتها سلطنة عُمان مع هذه الدول، يجب استثمارها بشكل صحيح وعلى المؤسسات المعنية أن تقوم بدور فاعل في سبيل وضع هذه التفاهمات موضع التنفيذ، وفق خطط محددة، وعلى الوزارات والهيئات ذات العلاقة المُباشرة وكذلك غرفة تجارة وصناعة عُمان والشركات التابعة لجهاز الاستثمار العُماني وشركات القطاع الخاص، أن تعمل على تحليل مضامين هذه الاتفاقيات وما تحتويه من تسهيلات وخدمات يمكن أن تساعد على تطوير القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية والاستثماريّة بين الدول، وربما تكون هناك حاجة لمؤتمرات وورش عمل في هذا الشأن حتى تتحقق الاستفادة من هذه الجهود.

مقالات مشابهة

  • اللغويات وتجربة دراسة اللهجات في سلطنة عمان قصة عمرها أكثر ٤ عقود
  • عمان وبريطانيا تؤكدان أهمية الحوار والدبلوماسية لحل القضايا
  • وسامٌ سامٍ للمتبرعين بأعضائهم في سلطنة عمان
  • الوطني للأرصاد: زلزال بقوة 5.1 درجة جنوب سلطنة عمان
  • السوداني يؤكد أهمية تبسيط الإجراءات الإدارية التي تعترض مشاريع الاستثمار
  • الدبلوماسية الاقتصادية من أمستردام إلى موسكو
  • سلطنة عمان تعزي في ضحايا بندر عباس
  • عقد قران ذي يزن بن هيثم ولي عهد سلطنة عمان
  • خطوات عملية لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري بين سلطنة عمان وروسيا
  • مسؤولون يؤكِّدون أهمية اتفاقية التجارة الحرّة بين سلطنة عُمان والولايات المتحدة