القضية الفلسطينية ورؤية الشباب العماني
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
أقام النادي الثقافي مساء الأحد الماضي ندوة بعنوان: النضال الفلسطيني ومتغيرات العالم اليوم، شارك فيها ثلة من الشباب الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، وأدارتها أمل السعيدية، وحضرها جمع كبير أغلبهم من الشباب، كما حضرها السفير الفلسطيني في سلطنة عُمان، والغاية من الجلسة الحوارية الاقتراب من الشباب، وسماع آرائهم حول القضية.
واللافت ذلك الوعي بالقضية ليس على مستوى الجانب العاطفي الملازم طبيعيا للحالة التي تعيشها غزة اليوم من عدوان صارخ، وتقتيل للأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، بل هناك وعي أكبر لدى الشباب والجيل الجديد، الذي تمثل في المعاناة التأريخية لفلسطين عموما، ولغزة خصوصا، والحالة الاجتماعية السيئة التي تعيشها غزة، من حيث الماء والكهرباء والأدوية والمواد الأساسية، بجانب صعوبة السفر حتى لدراسة أو عمل، والتحكم في المعابر، فغزة واقعا أقرب إلى السجن المؤبد، بل هي أقرب إلى الموت البطيء.
كما أن المستوطنات التي هي سرطان في جسد الأرض الفلسطينية زادت بشكل كبير، في حين أن الفلسطيني لا يستطيع البناء إلا بصعوبة كبيرة جدا، وأحيانا كثيرة يتم هدم ما بناه، في حين يمكن الإسرائيلي من البناء بكل سهولة، وتتم شرعنة الاستيطان، وامتلاك الأراضي بغير حق، وحرمان أصحاب الأرض من الانتفاع بها، ونقل ملكيتها إلى آخرين.
وفي الوقت نفسه استطاعت إسرائيل نقل صورة مغايرة عن الواقع غير الإنساني الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، ومخاطبة الغرب بلغة المظلوم، وإلقاء الظلم والعدوان على أصحاب الأرض، لهذا تحكمت إسرائيل بالإعلام الكلاسيكي من صحافة وإذاعة وتلفزة، ومن يتعاطف من الغربيين مع القضية الفلسطينية يتهم بمعاداة السامية، ويلقى من الإيذاء الوظيفي والاجتماعي، وقد يحرم من حقوقه المشروعة، ومنها حق التعبير عن الرأي، الذي قامت عليه أوروبا بعد الثورة الفرنسية، وضحى لأجل ذلك أجدادهم.
وكما يتم التحكم بالإعلام الكلاسيكي؛ أيضا يتم التحكم بالإعلام الحديث، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي، فيتم التحكم في مفردات البحث، وإغلاق العديد من الحسابات المناصرة للقضية الفلسطينية، كما يتم نقل الحدث في غير سياقيه التأريخي والظرفي، كما أنه تم استغلال الذكاء الاصطناعي في تشويه الحقيقة، حتى على مستوى الصور والتلاعب بها، لهذا يقوم الإعلام الغربي في نقل هذه القضية على التزييف والتضليل معا.
بيد أننا دائما نكون في موقع ردة الفعل لا في موقع الفعل ذاته، فكثيرا ما يتكرر سيناريو القتل والدمار في فلسطين، سواء كان في الضفة أم في غزة، كما يتكرر مشهد المسجد الأقصى ومحاولة اقتحامه، فيثور العالم الإسلامي والعربي، وبانتهاء الوضع ينتهي الحديث عن القضية الفلسطينية ذاتها، حتى يتكرر الحدث مرة أخرى.
وهذا ذاته يتكرر مع دعوات المقاطعة، فهي لا تحقق جدوى؛ لأنها تظهر وتشتد بظهور الحدث، وتكرار المشاهد غير الإنسانية، ثم لا تلبث أن ترمى في عالم النسيان والإهمال، ويبتعد الناس عن أهدافها، وإيجاد البديل الذي بذاته يخدم القضية الفلسطينية.
هناك الكثير مما طرحه الشباب والشابات في هذه الجلسة الحوارية، وإن غلب في بعض جوانبها الحالة العاطفية والوجدانية والحماسية أكثر من التعقل، فهذا كما أسلفت حالة طبيعية للوضع المأساوي الذي تعيشه غزة اليوم، في حالة غير أخلاقية، وبعيدة جدا عن المبادئ الإنسانية والدينية، ولو كنت في موقفهم لقلتُ مثلهم، فكما قيل لكل حادثة حديث، ولكل مقام مقال.
بيد الذي يهمني هنا أنه من الجيد أن نستمع قليلا للجيل الجديد، ومن الجيد أن نتواضع في الاستماع له ومحاورته، صحيح قد يظهر منهم حماسة الشباب أكثر من حكمة الشيوخ، ويعيشون المخيال أكثر من تجربة الحياة، ولكنهم يحملون وعيا يجاوز من هو أكبر منهم، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه كما قيل قديما.
كما أنني سعيد جدا أن أجد شبابا واعيا في مجتمعنا العماني، يحمل هموم وطنه وأمته، ويحفر في المعرفة ويسعى لها، ويتحدث ويكتب ويرسم ويعزف ويغامر في الحياة ويبدع فيها.
وقد فرحنا هذا الأسبوع بفوز محمد اليحيائي بجائزة كتارا للرواية العربية، فئة الروايات المنشورة عن روايته الحرب، وفي السنوات الخمس الأخيرة مثلا، رأينا العديد من العمانيين ممن حصدوا الجوائز الدولية والعالمية، بل نرى العماني حاضرا في كل محفل ومشهد في مناطق ودول عديدة.
علينا ألا نستنقص من ذاتنا، فعندنا أيضا قدرات إبداعية في مختلف الفنون والمعارف، كما علينا أن ندرك أن الجيل الجديد يحمل من الطاقات الإبداعية، وهو قادر على حمل المسيرة، وتشريف سلطنة عمان في محافل عديدة، ما علينا إلا أن نفتح لهذا الجيل المجال وسعة الحرية ليبدع وينتج، صحيح قد يخطئ، بيد أن الخطأ هو الحالة الطبيعية للإبداع والرقي، والذي لا يخطئ وهو يرقى سلم الإبداع والمعرفة، هو في الحقيقة ساكن في مكانه، والذي يخاف من الخطأ والفشل لن يتقدم في معرفته وإبداعه.
إن القضية الفلسطينية على آلامها وأحزانها، إلا أن الإبداع لا يخرج فقط وقت الرخاء، بل يكثر حين الشدائد أيضا، فكم رأينا من الإبداع الفلسطيني عند أطفالهم وشبابهم ونسائهم ومناضليهم، كذلك هذه القضية وحدت شعوبا أدركت معاناة هذا الشعب، وجميل أن نجد هذه الوحدة أيضا مع الشباب العماني، على اختلاف توجهاتهم وميولاتهم، وتنوع تخصصاتهم ومواهبهم، إلا أن القضية جعلتهم على قلب رجل واحد، ليتعدد إبداعهم في طرحها وتصويرها من تحليل ومقالة وقصة وقصيدة وفن ورسم ومسرح، وتصوير مرئي وسمعي، ففي هذه الشدائد تظهر إبداعات العديد من شبابنا منها لا نفقها نحن أصحاب الجيل السابق.
فرجائي من الجيل الجديد أن يواصلوا المسير، وألا يجعلوا حواجز تعوق إبداعهم، وأسوارا تحجب خيالهم، وأن يدركوا أن أبداعهم كامن في ذاتهم، لا في تقليد غيرهم تقليدا مطلقا، فلا نريد نسخا مكررة، بقدر ما نريد إبداعات تنطلق من الذات، وتتسع في الأفق، وأن فضاء اليوم أكثر انشراحا، وعالمه أكثر سعة من السابق، ومجالات الإبداع والنتاج اليوم لا تحد بسلطة، ولا تضيق بثقافة معينة، ولا تنحصر في حدود جغرافية، وهذا لا يأتي بالأماني، ولا ينزل من السماء، ولكنه بالصبر والمواصلة والثقة بالذات تتحول الأماني والأحلام إلى حقائق ووقائع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
مدير «القاهرة السينمائي»: الدورة الحالية تعبر عن تضامن مصر مع القضية الفلسطينية
قال الناقد الفني عصام زكريا مدير مهرجان القاهرة السينمائي، إن الدورة الحالية من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لاقت رد فعل مميزا من المتابعين والجمهور والضيوف.
الاهتمام بفلسطينوأوضح «زكريا»، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «صباح الخير يا مصر»، عبر القناة الأولى والفضائية المصرية، من تقديم الإعلاميين محمد عبده ومنة الشرقاوي: «الاهتمام بفلسطين في المهرجان كان أمرا طبيعيا، فالشعب الفلسطيني يتعرض لحرب إبادة، كما سبق أن جرى إلغاء دورة كاملة تضامنا مع فلسطين وأهل غزة».
إعلان موقف ضد ما يحدثوتابع مدير مهرجان القاهرة السينمائي: «كان لابد أن يعلن المهرجان في هذه الدورة موقفه ضد ما يحدث، وهذا ما حدث منذ اليوم الأول للافتتاح، والبرامج التي تضمنت أفلاما فلسطينية كثيرة، والجوائز الخاصة بالسينما الفلسطينية، وهو ما تكلل في حفل الختام بتوزيع هذه الجوائز، وحصول عدد كبير من الأفلام الفلسطينية على جوائز».
وذكر الناقد الفني، أنّ أحد الاهتمامات الأساسية في الدورة الحالية أن يتحول المهرجان إلى بؤرة اهتمام والتقاء لأهل الصناعة وأن يساهم في دعم الصناعة السينمائية بمصر ودعم التواصل بين مصر وصناع الأفلام من أنحاء العالم، لذلك جرى توقيع بروتوكول مع مدينة الإنتاج الإعلامي ولجنة السينما المعنية بتصوير الأفلام الأجنبية في مصر.