القضية الفلسطينية ورؤية الشباب العماني
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
أقام النادي الثقافي مساء الأحد الماضي ندوة بعنوان: النضال الفلسطيني ومتغيرات العالم اليوم، شارك فيها ثلة من الشباب الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، وأدارتها أمل السعيدية، وحضرها جمع كبير أغلبهم من الشباب، كما حضرها السفير الفلسطيني في سلطنة عُمان، والغاية من الجلسة الحوارية الاقتراب من الشباب، وسماع آرائهم حول القضية.
واللافت ذلك الوعي بالقضية ليس على مستوى الجانب العاطفي الملازم طبيعيا للحالة التي تعيشها غزة اليوم من عدوان صارخ، وتقتيل للأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، بل هناك وعي أكبر لدى الشباب والجيل الجديد، الذي تمثل في المعاناة التأريخية لفلسطين عموما، ولغزة خصوصا، والحالة الاجتماعية السيئة التي تعيشها غزة، من حيث الماء والكهرباء والأدوية والمواد الأساسية، بجانب صعوبة السفر حتى لدراسة أو عمل، والتحكم في المعابر، فغزة واقعا أقرب إلى السجن المؤبد، بل هي أقرب إلى الموت البطيء.
كما أن المستوطنات التي هي سرطان في جسد الأرض الفلسطينية زادت بشكل كبير، في حين أن الفلسطيني لا يستطيع البناء إلا بصعوبة كبيرة جدا، وأحيانا كثيرة يتم هدم ما بناه، في حين يمكن الإسرائيلي من البناء بكل سهولة، وتتم شرعنة الاستيطان، وامتلاك الأراضي بغير حق، وحرمان أصحاب الأرض من الانتفاع بها، ونقل ملكيتها إلى آخرين.
وفي الوقت نفسه استطاعت إسرائيل نقل صورة مغايرة عن الواقع غير الإنساني الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، ومخاطبة الغرب بلغة المظلوم، وإلقاء الظلم والعدوان على أصحاب الأرض، لهذا تحكمت إسرائيل بالإعلام الكلاسيكي من صحافة وإذاعة وتلفزة، ومن يتعاطف من الغربيين مع القضية الفلسطينية يتهم بمعاداة السامية، ويلقى من الإيذاء الوظيفي والاجتماعي، وقد يحرم من حقوقه المشروعة، ومنها حق التعبير عن الرأي، الذي قامت عليه أوروبا بعد الثورة الفرنسية، وضحى لأجل ذلك أجدادهم.
وكما يتم التحكم بالإعلام الكلاسيكي؛ أيضا يتم التحكم بالإعلام الحديث، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي، فيتم التحكم في مفردات البحث، وإغلاق العديد من الحسابات المناصرة للقضية الفلسطينية، كما يتم نقل الحدث في غير سياقيه التأريخي والظرفي، كما أنه تم استغلال الذكاء الاصطناعي في تشويه الحقيقة، حتى على مستوى الصور والتلاعب بها، لهذا يقوم الإعلام الغربي في نقل هذه القضية على التزييف والتضليل معا.
بيد أننا دائما نكون في موقع ردة الفعل لا في موقع الفعل ذاته، فكثيرا ما يتكرر سيناريو القتل والدمار في فلسطين، سواء كان في الضفة أم في غزة، كما يتكرر مشهد المسجد الأقصى ومحاولة اقتحامه، فيثور العالم الإسلامي والعربي، وبانتهاء الوضع ينتهي الحديث عن القضية الفلسطينية ذاتها، حتى يتكرر الحدث مرة أخرى.
وهذا ذاته يتكرر مع دعوات المقاطعة، فهي لا تحقق جدوى؛ لأنها تظهر وتشتد بظهور الحدث، وتكرار المشاهد غير الإنسانية، ثم لا تلبث أن ترمى في عالم النسيان والإهمال، ويبتعد الناس عن أهدافها، وإيجاد البديل الذي بذاته يخدم القضية الفلسطينية.
هناك الكثير مما طرحه الشباب والشابات في هذه الجلسة الحوارية، وإن غلب في بعض جوانبها الحالة العاطفية والوجدانية والحماسية أكثر من التعقل، فهذا كما أسلفت حالة طبيعية للوضع المأساوي الذي تعيشه غزة اليوم، في حالة غير أخلاقية، وبعيدة جدا عن المبادئ الإنسانية والدينية، ولو كنت في موقفهم لقلتُ مثلهم، فكما قيل لكل حادثة حديث، ولكل مقام مقال.
بيد الذي يهمني هنا أنه من الجيد أن نستمع قليلا للجيل الجديد، ومن الجيد أن نتواضع في الاستماع له ومحاورته، صحيح قد يظهر منهم حماسة الشباب أكثر من حكمة الشيوخ، ويعيشون المخيال أكثر من تجربة الحياة، ولكنهم يحملون وعيا يجاوز من هو أكبر منهم، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه كما قيل قديما.
كما أنني سعيد جدا أن أجد شبابا واعيا في مجتمعنا العماني، يحمل هموم وطنه وأمته، ويحفر في المعرفة ويسعى لها، ويتحدث ويكتب ويرسم ويعزف ويغامر في الحياة ويبدع فيها.
وقد فرحنا هذا الأسبوع بفوز محمد اليحيائي بجائزة كتارا للرواية العربية، فئة الروايات المنشورة عن روايته الحرب، وفي السنوات الخمس الأخيرة مثلا، رأينا العديد من العمانيين ممن حصدوا الجوائز الدولية والعالمية، بل نرى العماني حاضرا في كل محفل ومشهد في مناطق ودول عديدة.
علينا ألا نستنقص من ذاتنا، فعندنا أيضا قدرات إبداعية في مختلف الفنون والمعارف، كما علينا أن ندرك أن الجيل الجديد يحمل من الطاقات الإبداعية، وهو قادر على حمل المسيرة، وتشريف سلطنة عمان في محافل عديدة، ما علينا إلا أن نفتح لهذا الجيل المجال وسعة الحرية ليبدع وينتج، صحيح قد يخطئ، بيد أن الخطأ هو الحالة الطبيعية للإبداع والرقي، والذي لا يخطئ وهو يرقى سلم الإبداع والمعرفة، هو في الحقيقة ساكن في مكانه، والذي يخاف من الخطأ والفشل لن يتقدم في معرفته وإبداعه.
إن القضية الفلسطينية على آلامها وأحزانها، إلا أن الإبداع لا يخرج فقط وقت الرخاء، بل يكثر حين الشدائد أيضا، فكم رأينا من الإبداع الفلسطيني عند أطفالهم وشبابهم ونسائهم ومناضليهم، كذلك هذه القضية وحدت شعوبا أدركت معاناة هذا الشعب، وجميل أن نجد هذه الوحدة أيضا مع الشباب العماني، على اختلاف توجهاتهم وميولاتهم، وتنوع تخصصاتهم ومواهبهم، إلا أن القضية جعلتهم على قلب رجل واحد، ليتعدد إبداعهم في طرحها وتصويرها من تحليل ومقالة وقصة وقصيدة وفن ورسم ومسرح، وتصوير مرئي وسمعي، ففي هذه الشدائد تظهر إبداعات العديد من شبابنا منها لا نفقها نحن أصحاب الجيل السابق.
فرجائي من الجيل الجديد أن يواصلوا المسير، وألا يجعلوا حواجز تعوق إبداعهم، وأسوارا تحجب خيالهم، وأن يدركوا أن أبداعهم كامن في ذاتهم، لا في تقليد غيرهم تقليدا مطلقا، فلا نريد نسخا مكررة، بقدر ما نريد إبداعات تنطلق من الذات، وتتسع في الأفق، وأن فضاء اليوم أكثر انشراحا، وعالمه أكثر سعة من السابق، ومجالات الإبداع والنتاج اليوم لا تحد بسلطة، ولا تضيق بثقافة معينة، ولا تنحصر في حدود جغرافية، وهذا لا يأتي بالأماني، ولا ينزل من السماء، ولكنه بالصبر والمواصلة والثقة بالذات تتحول الأماني والأحلام إلى حقائق ووقائع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة
إقرأ أيضاً:
مختصون: السمت العماني .. هوية راسخة لمجتمع أصيل
يمثل السمت العماني سمة عريقة لأبناء سلطنة عمان، هي نتاج قرون من التربية المجتمعية والثقافة الدينية والقيم الأخلاقية المتأصلة في نفوسهم.
وفي ظل الحداثة والعولمة والتطور التكنولوجي يشد العمانيون بأيدي بعضهم بعضا في محاولة لحماية المجتمع من التأثيرات غير المحمودة، وحفاظا على سمتهم وأصالتهم.
وبين الواعظ والمحدث سالم النعماني أن "السمت العماني" هي مجموعة من القيم والعادات التي تميز بها العمانيون منذ القدم كحسن أخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين، وقد نالوا شهادات بذلك منذ دخول الإسلام إلى عُمان، حيث منح النبي صلى الله عليه وسلم شهادته لهم قائلا: "لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"، والسمت العماني يقوم على التمسك بالقيم الإسلامية، التي تشمل المعاملة الحسنة مع الآخرين، مؤكدا أن العمانيين حاولوا المحافظة على هذه القيم عبر الأجيال، ودورنا اليوم هو ترسيخ هذه السمات في أجيالنا القادمة.
دور الأسرة
ويلفت النعماني إلى أنه لابد لنا اليوم أن نسعى إلى ترسيخ السمت العماني، وترسيخه يبدأ من البيت والأسرة فعلى الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم في السلوك والتربية، مشددا على أهمية دور المسجد في توجيه المجتمع، حيث إن للإمام دور مهم لا يقتصر على طرح مواضيع محددة كل يوم، وإنما عليه أن يغوص في المجتمع، ليعرف ماذا ينبغي أن يكون عليه وماذا لا ينبغي، وأن يكون دوره فعّال في توجيه الناس نحو الحفاظ على السمت العماني. ويشدد النعماني على دور النادي والمدرسة والمجلس بالإضافة إلى دور الشخصيات البارزة في المجتمعات التي لا بدّ أن تكون قدوة في المجتمع، وأن يكونوا قريبين من الشباب يهتمون بشؤونهم ويعملون على حل مشاكله، وأن نكون حذرين من التأثيرات الخارجية وغزو التكنولوجيا والابتعاد عن التكاسل في الحفاظ على هذه القيم.
العادات العمانية
يتحدث النعماني عن مجموعة من العادات العمانية التي يرى من الضرورة المحافظة عليها، مثل احترام الآخرين، خصوصا كبار السن وأهل العلم ويشدد على أن يواصلوا تقدير الأشخاص ذوي الفضل في المجتمع، مثل المعلمين والمسؤولين، مؤكدا أن هذه القيم يجب أن تظل حاضرة في التعاملات اليومية.
كما تحدث عن أهمية التواصل مع الأطفال والشباب من خلال مجالس العائلة التي تجمع بين الأجيال المختلفة، مشيرا إلى أن هناك بيوتا عمانية ما زالت محافظة حتى يومنا هذا على مجلسها الخاص والعام، وعلى اللقاءات الأسبوعية ومنها الشهرية لذا، لا خوف على الشباب العماني ولكن يرى أن انشغال الناس بوسائل التواصل الاجتماعي قد أدى إلى ضعف هذه الجلسات العائلية، مما يهدد ذلك من ترابط المجتمع.
وأشار النعماني إلى أن من الأمور التي يجب أن نحافظ عليها، ارتداء الشباب العماني للملابس التقليدية الدشداشة العمانية والمصر ولبس الخنجر إن وجدت وحمل العصا، وثمن دور المؤسسات الحكومية في التأكيد على ارتداء "الدشداشة" العمانية في العمل، وكذلك في المدارس والجامعات الحكومية وهذه الأمور تورث الشباب المحافظة على السمت العماني والمحافظة على هويتهم.
ولترسيخ سمة السمت يفضل اصطحاب الأبناء عند زيارة الأرحام ليروا تطبيقا عمليا عندما يرون الكبار يتحدثون ويناقشون ويتقبلون الرأي والرأي الآخر ويتناشدون عن العلم والخبر وتقديم الكبير، وأسلوب الضيافة وتقديم القهوة، وغيرها من الأمور التي يجب أن تغرس في الأبناء ليكتسبوا هويتهم.
تأثير الانفتاح
وعن تحديات العصر الحديث، يقول النعماني: إن تحصين الشباب من خلال برامج مكثفة في العقيدة والفقه والسيرة والتاريخ، يكون لديهم أساسا قويا يواجهون به تأثيرات العالم الخارجي بالإضافة إلى دور الإعلام متمثلا في التلفزيون والراديو والصحافة وحتى من خلال الفن كتقديم مشاهد توعوية أو مسرحيات هادفة.
ويرى النعماني أن التكنولوجيا الحديثة سلاح ذو حدين يمكن استخدامها في نشر القيم الإيجابية أو في نشر السلبيات، وهذا يعتمد على كيفية توظيفها ويؤكد على أن العمانيين يجب أن يعيشوا في زمانهم وأن يستخدموا الوسائل الحديثة بطريقة تخدم أهدافهم الثقافية والدينية ويرى أن الانفتاح ليس بالضرورة أن يكون سيئا إذا تم التعامل معه بحكمة، بحيث يمكن الحفاظ على العادات والتقاليد العمانية مع الاستفادة من التطورات الحديثة.
وعن التمسك بالتقاليد العمانية والانفتاح على الحداثة يرى النعماني أن الحل يكمن في اعتماد المنهج الوسطي، حيث يمكن للشباب أن يستفيدوا من التكنولوجيا والتطورات الحديثة دون أن يفقدوا هويتهم ويؤثر على أخلاقهم وسمتهم.
ويؤكد النعماني على ضرورة أن يكون الانفتاح صحيحا، بحيث يحافظ العمانيون على سماتهم وعاداتهم حتى في المناسبات الاجتماعية التي قد تأثرت بالتغيرات الحديثة ويرى أن هناك إمكانيات كبيرة لاستمرار هذه العادات إذا تم توجيه الجهود بشكل صحيح من قبل المجتمع، بما في ذلك المؤسسات التعليمية والدينية.
تجسيد السمت العماني
من جانبه يتحدث الدكتور عبد الله العبري أن عمان والعمانيين من أعالي مسندم إلى ظفار يتميزون بسمت خاص يُعرف بالسمت العماني، وهو ليس كالصمت، بل يعكس شخصية هادئة ومتزنة تحترم الرأي والرأي الآخر وتتميز بالصدق والعدل، ولا تتعرض لذمم الناس، ولا تخون أو تغتاب، ولا تقلل من شأن أحد، مشيرا إلى أن هذه الصفات تجسد السمت العماني، والتي يتحلى بها العمانيون كبارا وصغارا، رجالا ونساء، إلا من رحم ربي فلا نزكي أنفسنا ولكن الشخصية العمانية الأصيلة هي التي تتمتع بهذه الخصال، مما يجعلها تبرز بين الآخرين.
واستذكر العبري حديثا مع أحد الأكاديميين العرب أثناء وجودهم في المملكة المتحدة، حين سأله: "هل يعد العمانيون معسكر إعداد لكم قبل الخروج إلى الغربة؟" فسأله عن سبب هذا السؤال، فأجاب بأنه لم يرَ عمانيا إلا وتعلوه الهيبة والسمت، وأن كل شخص منهم يفوق الآخر في صفاته الحسنة.
وأكد له العبري بأن هذا هو السمت العماني، الذي تجسده تربية الأسرة العمانية، التي تولي اهتماما بالغا بأن يكون العماني، سواء كان كبيرا أو صغيرا، متصفا بهذه الخصال.
وعن كيفية الحفاظ على تقاليدنا العمانية، أضاف العبري بأنه يجب غرس هذه القيم منذ سن الحضانة والروضة وفي المدرسة بمراحلها حتى سن الجامعة ليتمكن الشباب من الاستمرار في هذه التقاليد الأصيلة ونكون بها خير خلف لخير سلف، وأضاف بأن العمانيين منفتحون على العالم، غير متقوقعين بأفكارهم بفضل عقليتهم المتزنة التي تتقبل الرأي والرأي الآخر، بينما هم يحافظون على تقاليدهم.
وأوضح العبري بأننا لا نزكي أنفسنا وإن هناك من التقاليد ما يحتاج إلى تعديل ولكن بمجملها هناك ما يدعو بالفخر والكرم والعقلية المنفتحة وتقبل الرأي والرأي الآخر وعدم القدح في الآخرين والتقليل منهم وعدم الخوض في الخلافات المذهبية والطائفية فالإنسان العماني يتجنب كل ذلك لأنه شخصية تحترم الخصوصية وتحترم الآخرين وبالتالي كل ذلك يدعو بالفخر.
إيجاد القدوة
ويرى العبري بأنه على الرغم من التحديات المتعددة مثل وسائل التواصل الاجتماعي والانفتاح العالمي والعولمة، التي قد تحمل تأثيرات إيجابية وسلبية على العادات والتقاليد، إلا أن الإنسان الذي يهتم بمستقبله ومستقبل بلده يدرك أن هذه الوسائل قد تسهم في غرس قيم إيجابية. ومع ذلك، يجب التعامل معها بحذر لأن أبناءنا أمانة، هذا لا يعني أن الهوية العمانية مهددة بالفقدان، بل على الأسرة والمؤسسات التعليمية أن تلعب دورا في تعزيز السمت العماني من خلال المناهج والأنشطة، بما يسهم في غرس هذه القيم في الأجيال الجديدة.
وأشار العبري إلى أهمية إيجاد القدوة وعلى المعلم أن يكون قدوة حسنة، ويعمل بجد على توعية الأجيال الجديدة بقيم العمانيين، فالتعليم بالقدوة هو الأكثر تأثيرا، كما يمكن نشر الوعي من خلال وسائل الإعلام المختلفة، إضافة إلى الملتقيات والأنشطة الطلابية والكشفية وأن يعمل الجميع على تعزيز هذه القيم الحسنة من خلال المناهج والمؤسسات التربوية بأشكالها.
السبلة العمانية
ويؤكد العبري أن السبلة العمانية تلعب دورا كبيرا في تعزيز القيم، فهي بمثابة المدرسة التي تربي الأجيال وتربطهم بعاداتهم وتقاليدهم، إذا استمرينا على نهج آبائنا وتمسكنا بقيمنا، فلا خوف على الأجيال القادمة، مؤكدا بأن علينا أن نظهر للعالم بسلوكنا وعاداتنا العمانية، لنستطيع نشر حضارتنا ونسوق لها.
دور المؤسسات
وأشار خالد المدهوشي إمام مسجد إلى أن المساجد تلعب دورا حيويا في تعزيز القيم الأخلاقية وترسيخ الصفات الإسلامية والشخصية العمانية، حيث تعد مكانا للتلاقي والتواصل بين مختلف فئات المجتمع، لاسيما في القرى، حيث يتعلم الصغار من الكبار احترام الآخرين وتقديرهم، فينعكس ذلك إيجابا على سلوكهم ويشعر رواد المساجد، خاصة في القرى والمناطق الريفية كون أن أغلب سكانها من عوائل متقاربة بمسؤولية أكبر في توجيه النصح والإرشاد فيما بينهم، في الأمور المتعلقة بالالتزام باللباس العماني، وغرس القيم والأخلاق كجزء من واجباتهم اتجاه بعضهم البعض داخل المسجد وكعائلة. مما يسهم هذا التفاعل المجتمعي في غرس القيم العمانية والإسلامية لدى الناشئة، الذين يتأثرون بمحيطهم ويترسخ فيهم الالتزام بأخلاق الإسلام وقيم المجتمع.
وأكد المدهوشي أن أئمة المساجد يؤدون دورا محوريا في غرس السمت والهوية العمانية لدى الناشئة، حيث لا يقتصر على تعليمهم بشكل متجرد أو حشو أدمغة الأطفال بمجموعة من المعلومات في نقل المعرفة الدينية، بل يمتد دورنا لتعليمهم العادات والتقاليد العمانية والإسلامية الأصيلة، كما يسعى الأئمة من خلال دروسهم ومحاضراتهم إلى تربية الأجيال على القيم العمانية وتوجيههم فيما يتعلق باللباس والأخلاق، وتعزيز الروح الإسلامية في التعامل بين الأفراد ككل، فهذا النهج التربوي يسهم في تكوين شخصية الشباب العماني، ويعمل على ترسيخ هويتهم الإسلامية والمحافظة على القيم الراسخة في مجتمعنا، فبتوجيه الأئمة المتواصل، سيغرسون هذه القيم العريقة بشكل مباشر وغير مباشر في هؤلاء الفتية، ليصبح المسجد منبعا لبناء الشخصية العمانية الملتزمة والمحافظة.
تأثير مواقع التواصل
وعن تأثير مواقع التواصل الاجتماعي أوضح المدهوشي قائلا إن وسائل التواصل الاجتماعي تؤثر بشكل كبير على الالتزام بالقيم والتقاليد العمانية، حيث أدى هذا التداخل الرقمي إلى تلاشي بعض الفروقات الثقافية بين المجتمعات، مما أثرت في بعض الشباب العماني على صعيد اللغة أو في طريقة ممارسة أسلوب حياتهم بما هو لا يمثل مجتمعنا العماني، مما يُظهر بعض السلوكيات غير المعتادة، مثل استخدام ألفاظ السب والشتم التي لم تكن جزءا من مجتمعنا العماني وثقافته.
توجيه الشباب
ونصح المدهوشي الشباب العماني بالحفاظ على السمت العماني وسط تحديات العولمة وذلك بالانخراط في المجتمع والاقتراب من كبار السن والنظر إلى ما عندهم من عادات وقيم ومبادئ أصيلة، فهم مصدر حي للتعلم العملي، فلقد جعلت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الأفراد وخصوصا الأطفال يميلون للعزلة، في حين أن الخروج من المنزل والتفاعل المباشر يعززان الفهم العميق للسلوكيات الحميدة، كما أن الالتزام بالدين، يُعتبر أساس للقيم في المجتمع العماني المحافظ ومرسخا للأخلاق والمبادئ الأصيلة، وبالتفاعل مع المجتمع.
تكامل الجهود
وأشار المدهوشي إلى أنه يمكن أن تتكامل هذه الجهود بتعاون المؤسسات التعليمية والمساجد معا في مسألة تعزيز الهوية العمانية عبر تنظيم برامج مشتركة تهدف لغرس القيم الأصيلة، فمن الممكن أن تستعين المدارس بأئمة المساجد لتقديم محاضرات تثقيفية تتناول جوانب الهوية العمانية والعادات والتقاليد الإسلامية والأخلاق الإسلامية بالإضافة إلى ذلك، أو يمكن للمدارس تشجيع الطلبة على حضور الفعاليات والأنشطة التي تقام في المساجد، مثل الدروس والمحاضرات الدينية والثقافية، مما يوفر لهم فرصة للتفاعل المباشر مع القيم المجتمعية والإسلامية مما سيسهم هذا التعاون في توثيق علاقة الطلبة بمحيطهم الثقافي والديني، ويعزز لديهم الفهم العميق للعادات العمانية وتكوين جيل واعٍ ومرتبط بهويته.
دور مجلس الشورى
وأوضح سعادة سليمان الراجحي عضو مجلس الشورى ممثل ولاية جعلان بني بوحسن أن السمت العماني هي خصائص ثقافية واجتماعية تميز المجتمع العماني عن غيره وتعكس هويته الأصيلة التي تشمل القيم الأخلاقية والعادات والتقاليد التي تشكل ملامح الشخصية العمانية الفريدة.
وأكد الراجحي أن مجلس الشورى يلعب دورا بارزا في حماية الهوية العمانية وتعزيزها لدى الشباب من خلال إعداد ومراجعة التشريعات التي تهدف إلى حماية التراث الثقافي وتوطيد الهوية الوطنية، التي تساعد على ترسيخ القيم العمانية لدى الأجيال الشابة بالإضافة إلى أن المجلس يشجع الجهات المختصة على تنظيم فعاليات وندوات ثقافية تستهدف تعزيز الوعي بالتراث العماني، وتعريف الشباب بقيمهم وتاريخهم الوطني. بالإضافة إلى حرصنا على المشاركة في المناسبات الوطنية والاحتفالات العامة، والظهور بالزي العماني والأخلاق العمانية لأهمية غرس هذه الفكرة في أذهان الشباب ورسم صورة نمطية في أذهانهم حول شكل ظهور الشاب العماني مما يعزز شعور الانتماء والاعتزاز بالهوية الوطنية لديهم.
وقال الراجحي إن الحفاظ على التقاليد العمانية والتكيف مع العصر الحديث يتطلب جهدا متوازنا من قبل الشباب، ويكمن دورنا نحن كأولياء أمور ومؤسسات في تثقيف النشء وتوعيتهم بتاريخهم وثقافتهم مما يعزز فهمهم واحترامهم للتقاليد ويمكنهم من التفكير النقدي لتحديد القيم التي يرغبون في الحفاظ عليها فالمرونة في التكيف أمرا ضروريا، بحيث يتمكن الشباب من تبني قيم حديثة دون التخلي عن جذورهم كما أن تعزيز الحوار مع الأجيال السابقة والانخراط في الأنشطة المجتمعية يعززان هذا التوازن، ولا يمكننا تجاهل دور التكنولوجيا حيث تتيح لنا فرصة الوصول إلى المعلومات الثقافية على نطاق واسع، وتمنح العمانيين فرصة للترويج لعاداتهم عالميا.
ويرى الراجحي أن تأثير العولمة على العادات العمانية هو موضوع ذو أبعاد متباينة، حيث تحمل العولمة جوانب إيجابية من خلال تعزيزها لمسألة تبادل الثقافات، مما يثري العادات العمانية بعناصر جديدة، وفي المقابل، قد تؤدي إلى تآكل بعض القيم التقليدية وتوجه الشباب نحو تقليد أنماط حياة لا تتوافق مع حياة الإنسان العماني والقيم العمانية مما قد يهدد ذلك هويتنا الثقافية، لهذا يعد التوازن بين الاستفادة من العولمة والمحافظة على القيم جزءا أساسيا من بناء هوية ثقافية غنية.