د.عبدالمنعم سعيد يكتب: مرجعية الإصلاح والإخوان.. السير فى طريق «الكمون الاستراتيجى» من أهم شروط النقلة الكيفية
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
الاستفادة من التجارب الآسيوية ينقذ الشرق الأوسط من السعى الإخوانى للسيطرة التنمية المستدامة لا تواجه فقط التفكير الأصولى العنيف وإنما أمور أخرى مثل الزيادة السكانية
أسلفنا أن «الإصلاح» بكل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو من أسلحة مواجهة الإخوان المسلمين وتابعيهم فكريا وحركيا من الجماعات الإرهابية.
ومن الملاحظ أن جماعة الإخوان تسعى دوما إلى نشر الأفكار الداعمة للزيادة السكانية من خلال القبول بتعدد الزوجات، ومعاداة المرأة من أول التشجيع على الختان إلى الحث على بقائها فى المنزل، وحتى إقامة عدم المساواة بين الرجل والمرأة فى العمل العائد منه.
والحقيقة هى أن مواجهة الشعب المصرى للإخوان المسلمين خلال ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ شكلت لحظة فارقة من حيث تحقيق التراجع فى كافة الحركات والجماعات الإخوانية الرجعية فى العالمين العربى والإسلامى.
والثابت أنه فى كل جيل من أجيال المائة عام الماضية كانت هناك مهمة كبرى عليه تحقيقها من أجل بناء الأوطان من خلال عمليات إصلاحية واسعة النطاق. إن مهام المرحلة المقبلة، التى يجرى فيها تجاوز تحديات وعقبات لا بد منها لاستكمال مسيرة الإصلاح التى أخذت فى التبلور اعتبارا من منتصف العقد الماضى.
وإذا كان ممكنا التلخيص، فإن المهمة الراهنة لا تقل فى تحديها عن تحقيق انطلاقة تتجاوز معضلات المرحلتين الخارجية والداخلية إلى معدلات نمو عالية ليس فقط فى المجال الاقتصادى، وإنما أكثر من ذلك أن يكون الإنسان فى مستوى العصر الذى نعيش فيه.
ومثل ذلك كثيرًا ما يُقال عنه «بناء الإنسان»، وهو قول لم يَجْرِ له كثير من التحرير فى المعنى والمبنى، وفى الأصول والفروع، والكيفية التى ينتقل بها الإنسان من حال يتعايش مع الفقر والتخلف إلى آخر يعيش فيه الغنى والتقدم، ولديه المعرفة والشجاعة والاستعداد لمواجهة الإخوان وتابعيهم من جماعات سلفية إرهابية عنيفة.
ولا يوجد مثال يقرب منه قدر تلك الحالة من الفوران الكبير فى دول شرق وجنوب شرق آسيا، التى دارت فى المدارين الصينى واليابانى فى عصور قديمة؛ ثم دخلت عليها نوبات الاستعمار الفرنسى والبريطانى والهولندى، والحروب العالمية، وكل حالات الفقر والوباء والمجاعة.
والأمثلة اليابانية والصينية فى التقدم وبناء الإنسان كثيرة، ولكن آخر ما لفت الأنظار قادمًا من المنطقة كان استعداد كوريا الجنوبية لاستعمار القمر فى إشارة كبرى للتقدم العلمى والتكنولوجى مضافا للمساهمة فى الاقتصاد العالمى والاكتشافات العالمية فى الفضاء.
وظلت التجربة الفيتنامية حاضرة ومُلِحّة فى الأذهان لفترة طويلة، وكان النضال الفيتنامى ملهمًا، ولكن ما هو مناسب هو دروس انتقال فيتنام من صفوف الدول النامية إلى قلب الدول البازغة؛ وعندما وصلت صادراتها إلى أكثر من ٢٦٤ مليار دولار سنويا فإن «التجربة النضالية» كانت فى البناء والتعمير، جنبا إلى جنب مع بناء الإنسان الفيتنامى لكى يتناسب مع دولة متقدمة قادمة مثل تلك التى قامت فى كوريا الجنوبية من قبل.
هذه الحالة الآسيوية تشكل مرجعية ناجحة للخيارات الإصلاحية خلال المرحلة المقبلة، وتحدد بوضوح ما يجب النضال من أجله ألا وهو بناء الإنسان المعاصر.
والحقيقة أنه خلال العقدين الأخيرين انتقل أكثر من مليار من البشر من الفقر إلى اليسر فى الطبقات والشرائح الاجتماعية الوسطى؛ وكانت الأغلبية الساحقة من دولتين: الصين والهند. وعلى عكس ما يعتقد كثيرون فإن أحوال العالم أفضل الآن عما كانت عليه قبل عقود، وبالتأكيد قبل قرون حيث ارتفعت مستويات المعيشة فى دول كثيرة، وتراجعت معدلات حدوث المجاعة، والأوبئة.
ولم يكن لذلك أن يحدث لولا الثورة العلمية والتكنولوجية، وتزايد الثروات فى الدول، والأهم من هذا وذاك، وربما باستثناء منطقة الشرق الأوسط، تراجع الصراعات الدولية والحروب الأهلية.
كل ذلك لم يكن ممكنا حدوثه لولا أن الغالبية من دول العالم أصبحت تسعى إلى التقدم والتنمية، وحدث ذلك من خلال حشد وتعبئة الاستثمارات الداخلية والخارجية وراء تحقيق تراكم رأسمالى يسمح للدولة بتحقيق معدلات عالية للنمو تنقلها من صفوف الدول النامية إلى تلك المتقدمة.
ولكن واحدا من أهم شروط هذه النقلة الكيفية هو السير فى طريق «الكمون الاستراتيجى» بمعنى أن تتجنب الدولة الدخول فى صراعات خارجية، وأن تجعل سياستها فى الخارج أداة فى الحصول على الاستثمارات.
وحرص الزعماء فى الدولة الصينية لفترة طويلة على مقاومة أمرين بشدة: أولهما أن الصين دولة متقدمة، فكان الإصرار على أنها دولة من دول العالم الثالث الفقيرة التى ينبغى معاملتها فى المحافل الاقتصادية الدولية على هذا الأساس؛ وثانيهما أن الصين لا تصبو إلى أن تكون قوة عظمى؛ ورغم مشاكلها الإقليمية الكثيرة فإنها تسعى، وبكرم، لحلها بالطرق السلمية كما فعلت مع قضايا هونج كونج ومكاو وتايوان ومشكلات الحدود والنزاعات على الجزر.
وحتى وقت قريب كان من النادر فى الصين الحديث لا عن الدور الإقليمى للصين، ولا عن الدور العالمي؛ ولا تستخدم الصين حق «الفيتو» وإنما تمتنع عن التصويت فى مجلس الأمن إلا فى القضايا التى لا تهم الصين مباشرة. والملاحظ أن موقف الصين من التواجد الأمريكى المباشر فى أفغانستان المجاورة للحدود الصينية كان مرحبا لأنه لمواجهة الجماعات الإرهابية.
كانت الولايات المتحدة فى الحقيقة تحارب، فيما بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، بالوكالة عن الصين! وأكثر من ذلك كانت الصين تحصل، وفى المتوسط، على قرابة ٤٠٪ من رؤوس الأموال العربية المستثمرة فى العالم الثالث كله.
ولكن الصين ليست المثال الوحيد، فلا اليابان، ولا كوريا الجنوبية، ولا البرازيل حتى حكمها اليسار، ولا ماليزيا كان لها دور دولى مؤثر؛ واقتصرت الأدوار الإقليمية لهذه الدول على تلك المتعلقة بالتعاون الدولى، ولم تقرر دول «آسيان» التى تقدمت أن تفعل أكثر من الحديث عن «الأمن الإقليمى» فى لقاءات أكاديمية. وحتى عندما ضغطت الولايات المتحدة على اليابان وكوريا الجنوبية لكى تساهم فى تكاليف حرب تحرير الكويت، لم تزد المشاركة عن المال وأحيانا مساهمات طبية.
وفى كل هذه الحالات كانت الدول تمارس حالة من «الكمون» الذى بمقتضاه تركز الدولة تماما على عمليات البناء الداخلى، وتتجنب قدر الإمكان المناوشات والمشاغبات والتورط الخارجى، وإذا كان لا بد مما ليس منه بد فإنها تقوم بالحد الأدنى الممكن وسط الظروف الدولية الصعبة.
الاستفادة من التجارب الآسيوية المختلفة، وكذلك من دول العالم الأخرى، ينقذ الشرق الأوسط من السعى الإخوانى لكى يشكلوا «أستاذية» العالم من خلال فروعها المختلفة فى ٨١ دولة يبدأون فيها بالسيطرة على المساجد والمراكز «الإسلامية» ثم يمضون إلى تجنيد العناصر الإسلامية المهاجرة من دول متعددة لكى تشارك فى أعمال كثيرة للجهاد فى العالم.
وفى كل الدراسات التى أجريت على الحركات الإرهابية العالمية، وعلى الشخصيات اللامعة فى عالم الإرهاب من قيادات القاعدة وداعش، فإن نتائجها تشير إلى أنهم جميعا تخرجوا من مدرسة الإخوان الفقهية والفكرية والعسكرية كذلك.
جوهر التفكير الإخوانى هو معاداة الدولة الوطنية والدفع باتجاه نوع من «العولمة» الإجرامية والإرهابية؛ والوقوف فى وجه الإصلاح السياسى الذى يدفع فى اتجاه الدولة المدنية؛ ومعارضة الإصلاح الاقتصادى المؤدى إلى اقتصاد السوق، ورفض الإصلاح الاجتماعى الذى يكفل حقوق المرأة والأقليات.
ورغم الخلاف المذهبى فإن الإخوان المسلمين ينظرون بتقدير كبير لتجربة الدولة الدينية فى إيران، وفى برنامج الجماعة المصرية لعام ٢٠٠٧ كان هناك محاكاة كبيرة للنموذج الإيرانى فى السياسات الداخلية والخارجية.
د. عبد المنعم سعيد: رئيس مجلس إدارة «المصرى اليوم» والرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة «الأهرام» ولمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.. له مؤلفات عديدة معنية بالنظام العالمى الجديد، والشئون العربية، والشراكة الأوروبية، والصراع العربى الإسرائيلى، والقضايا الأمنية فى الشرق الأوسط، والسياسة المصرية والحد من التسلح.. يستكمل رؤيته حول قضايا الإصلاح والتى كتب عنها فى عددٍ سابق.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الإخوان المسلمين د عبد المنعم سعيد بناء الإنسان الشرق الأوسط من خلال أکثر من من دول
إقرأ أيضاً:
خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي
مقالات مشابهة تقرير يكشف تفاصيل مرعبة: جوجل تعمّق تعاونها التقني مع الجيش الإسرائيلي في حرب غزة
3 أيام مضت
علماء: أنظمة الذكاء الاصطناعي تتجاوز الخط الأحمر وتحذيرات من “التكاثر الذاتي”3 أيام مضت
“أوبن إيه آي” تطلق برنامج ذكاء اصطناعي لتنفيذ المهام عبر الإنترنت3 أيام مضت
إنجاز نووي جديد للصين: “الشمس الاصطناعية” تسجل 100 مليون درجة في 1000 ثانية3 أيام مضت
بسبب الذكاء الاصطناعي.. ماسك وألتمان في مواجهة مفتوحة3 أيام مضت
بعد حظر “تيك توك”.. تطبيق صيني بديل يغزو أمريكاأسبوع واحد مضت
شهدت الأسواق العالمية هزة قوية عقب الإعلان عن إطلاق تطبيق الذكاء الاصطناعي الجديد “ديب سيك” (DeepSeek) التابع لشركة صينية ناشئة تحمل الاسم ذاته. وتمكنت الشركة، التي تتخذ من مدينة هانغتشو مقراً لها، من تحقيق نجاح مذهل خلال الساعات الأولى من إطلاق تطبيقها، مما أدى إلى خسائر ضخمة في أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.
شركة ناشئة تهدد عمالقة التكنولوجيا
تأسست “ديب سيك” قبل عامين كمشروع جامعي يهدف إلى تطوير ذكاء اصطناعي عام بمستوى قريب من ذكاء الإنسان، وهو هدف لم تحققه حتى الآن أي من الشركات التكنولوجية الكبرى. تعتمد الشركة نموذجاً فريداً يقلل من استهلاك الذاكرة ويخفض التكاليف التشغيلية بشكل كبير، ما جعل تقنيتها تنافس تطبيقات كبرى مثل “تشات جي بي تي” (ChatGPT) من شركة “أوبن إيه آي” (OpenAI).
تطبيق يجذب الملايين في ساعات
أصبح تطبيق “DeepSeek AI” الأكثر تحميلاً على متجر تطبيقات أبل في بريطانيا وعدة دول أخرى، بفضل تقديمه خدمات ذكاء اصطناعي مجانية كانت تتطلب اشتراكات مالية لدى المنافسين. وأشاد خبراء بقدرته على معالجة المهام المعقدة، مثل الرياضيات والبرمجة، باستخدام قوة حوسبة أقل بكثير.
ردود فعل السوق: خسائر بالمليارات
مع انتشار أخبار التطبيق الجديد، تعرضت أسهم شركات التكنولوجيا الأميركية لضغوط هائلة، حيث تكبدت شركة “إنفيديا” خسائر قياسية تجاوزت ضعفي القيمة السوقية لشركة مثل “كوكاكولا”. كما شهدت شركات كبرى أخرى، مثل “أوبن إيه آي” و”ميتا” و”غوغل”، تراجعاً في أسهمها نتيجة القلق من قدرة “ديب سيك” على تقليص التكاليف وتقديم خدمات منافسة.
رسالة من الصين
ليانغ وينفينغ، مؤسس “ديب سيك” والمدير السابق لصندوق تحوط كمي، صرّح قائلاً: “لقد اعتادت الشركات الصينية لفترة طويلة على تقليد الابتكار الغربي، لكننا الآن نتجه لأن نصبح قادة عالميين في مجال الذكاء الاصطناعي”.
تداعيات على المدى البعيد
بينما تواجه الشركات الأميركية ضغوطاً لإعادة تقييم استثماراتها، استفادت شركات مثل “أبل” من هذا التحول، وسط توقعات بأن النموذج الجديد قد يغير قواعد اللعبة في سوق الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك، يبقى التساؤل مطروحاً: هل ستتمكن الشركات الأميركية من الرد على هذا التحدي الصيني في الوقت المناسب؟
الوسومchat gpt DeepSeek الذكاء الاصطناعي الصين تطبيق ديب سيك الصيني ديب سيك
السابق هل تُنهي بطاريات الألمنيوم عصر الليثيوم؟ ابتكار جديد يُعيد تشكيل مستقبل تخزين الطاقةاترك تعليقاً إلغاء الرديجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
آخر الأخبار خلال ساعات.. الصين تكشف عن اختراع مذهل وتبهر العالم وتهز عرش التكنولوجيا الأميركية وتسقط أسهم الذكاء الاصطناعي دقيقة واحدة مضت هل تُنهي بطاريات الألمنيوم عصر الليثيوم؟ ابتكار جديد يُعيد تشكيل مستقبل تخزين الطاقة ساعة واحدة مضت خطوة بخطوة.. كيف تقرأ رسائل واتساب المحذوفة على Android وiOS؟ يومين مضت دولة عربية تضغط للدفع بالسعودية نحو التصعيد باليمن.. ما هو السبب؟؟ يومين مضت عاجل وردنا الان: شاهد أول صورة لضبط قاتل المعلمة نسرين بعد فراره من عدن إلى صنعاء يومين مضت الخضيري يكشف حقيقة الأساس العلمي لفوائد خلط التين بزيت الزيتون يومين مضت بشرى سارة لمستخدمي ثريدز.. ميتا تكشف بدء الإعلانات على المنصة مع ميزات جديدة 3 أيام مضت تقرير يكشف تفاصيل مرعبة: جوجل تعمّق تعاونها التقني مع الجيش الإسرائيلي في حرب غزة 3 أيام مضت سامسونج تُعلن أسعار هواتف Galaxy S25 وS25 Ultra في الأسواق العربية 3 أيام مضت عطور بريطانية فاخرة تُصنع من الصرف الصحي.. مفارقة غريبة 3 أيام مضت اكتشاف قمم عملاقة مدفونة تحت الأرض تفوق ارتفاع إيفرست بـ100 مرة 3 أيام مضت “واتساب” يطلق ميزة ثورية للمحادثات المقفلة.. طريقة تفعيلها 3 أيام مضت © حقوق النشر 2025، جميع الحقوق محفوظة | لموقع الميدان اليمني