فيليب بولس يكتب: أصل حركة «الووكيزم»
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
أفكار أيدلوجية ثورية ضد التمييز والعنصرية انجرفت عن مسارها
وفقًا لاستطلاعات الرأى، فإن حوالى ١٥٪ فقط من الفرنسيين سمعوا عن ما يطلق عليه الاستيقاظ أو الحراك (wokisme) وللوهلة الأولى، فإن الحديث عن هذا الأمر أو عند استخدام هذا المصطلح، لا يبدو مفاجئا. ومع ذلك، فإن هذا الأمر ليس دقيقا تماما. فى الواقع، على الرغم من أن غالبية الشعب الفرنسى لا يعرفون ما هو الاستيقاظ أو الـ wokisme، فإنه من النادر أن نتناقش مع أشخاص لم يسمعوا قط عن هذا المصطلح أوعن مطالبه أوعن الأحداث المرتبطة مباشرة بهذه الاتجاه الأيديولوجى.
إن مصطلح «woke” يأتى من الولايات المتحدة وهو جزء من حركة نضال الأمريكيين من أصل أفريقى من أجل الحصول على الحقوق المدنية. وتعود أصوله إلى خطاب ألقاه القس مارتن لوثر كينج، فى يونيو١٩٦٥ فى جامعة أو برلين فى أوهايو، حيث قام آنذاك بحث الطلاب على البقاء مستيقظين، “remaining awake” باللغة الإنجليزية، فى مواجهة التمييز والظلم. تحول التعبير العامى «البقاء مستيقظًا» إلى «الاستيقاظ» ثم سقط هذا التعبير العامى فى النسيان حتى عام ٢٠٠٨، وهو العام الذى كررت فيه مغنية أمريكية من أصل أفريقى تدعى إريكاه بادوعبارة «أنا أبقى مستيقظة» ما يقرب من أربعين مرة فى أغنيتها «سيد المعلم»، وبالتالى انتشر هذا التعبير بين الشباب الأمريكى. تم استخدام هذا التعبير فى عام ٢٠١٣ من قبل حركة «حياة السود مهمة» التى تم إنشاؤها كرد فعل على تبرئة حارس يدعى جورج زيمرمان، المسئول عن وفاة الشاب الأمريكى من أصل أفريقى ترايفون مارتن. أثار هذا الحدث، الذى وقع فى عهد باراك أوباما، أول رئيس أسود للولايات المتحدة، موجة من الاحتجاجات الوطنية المنددة بالعنصرية الممنهجة وكذلك بعنف الشرطة الذى يعانى منه الأمريكيون من أصل أفريقى. وربما يكون الحدث الذى يرمز أكثر لهذه الحركة، هووفاة جورج فلويد، وهوأمريكى من أصل أفريقى، اختناقًا على يد ديريك شوفين، ضابط الشرطة الأبيض. وقد تم تصوير هذه الوفاة المأساوية وبثها على نطاق واسع، مما أثار غضبا دوليا. ولذلك فإن موجة الاحتجاج هذه لم تقتصر على الولايات المتحدة أوعلى مسألة العنصرية، بل سنراها تمتد إلى بلدان أخرى ونراها تجمع بين الأقليات التى تعتقد أيضًا أنها ضحية للتمييز والظلم والعنف. فى البداية، سوف نجد أقليات عرقية، مثل الأمريكيين من أصل أفريقى فى الولايات المتحدة وأولئك الذين ينتمون إلى المستعمرات السابقة، مثل فرنسا وإنجلترا، على سبيل المثال لا الحصر. وستكون هناك أيضًا أقليات جنسية، لا سيما المثليين والسحاقيات والمتحولين جنسيًا، بالإضافة إلى النساء اللواتى يدّعين الانتماء إلى الحركة النسوية الحديثة. ثم ولدت حركة الاستيقاظ أوالحراك (wokisme) وسرعان ما أصبحت حركة دولية على الرغم من أنها كانت مقتصرة على الدول الغربية: الولايات المتحدة وكندا ودول أوروبا الغربية وأستراليا ونيوزيلندا.
تكمن قوة الـ wokisme فى حقيقة أنها كانت مبنية فى باديء الأمر على مطالب مشروعة. وقد سمح لها ذلك بأن تقوى بصورة سريعة، لأننا لا نستطيع أن ننكر عدم المساواة والظلم والتمييز وحتى الاضطهاد الذى كانت أولا تزال تتعرض له مجموعات معينة من الناس. لا يمكننا إلا أن نبتهج بالتقدم الذى تم إحرازه بفضل المعارك العديدة التى تم شنها، علاوة على ذلك، قبل وقت طويل من ولادة الـ Wokism. على سبيل المثال، دعونا نتذكر أنه كان على الأمريكيين من أصل أفريقى الانتظار حتى الثانى من يوليو١٩٦٤ ليروا فى نهاية المطاف نجاح كفاحهم من أجل الحصول على الحقوق المدنية. فى ذلك التاريخ، وقع الرئيس جونسون على قانون الحقوق المدنية، مما أنهى جميع أشكال التمييز بما فى ذلك التمييز على أساس العرق واللون. ودعونا نتذكر أيضًا أنه فى جنوب أفريقيا، استمر نظام الفصل العنصرى السياسى لمدة ٤٣ عامًا، وانتهى فى عهد الرئيس دى كليرك. كان هذا النظام قائمًا من عام ١٩٤٨ إلى عام ١٩٩١، وفرض بشكل صريح الفصل العنصرى بالإضافة إلى هيمنة مجموعة عرقية على أخرى، وفى هذه الحالة، هى هيمنة البيض على السود. ومن الجيد أن نتذكر أنه فى فرنسا، كان على المرأة الانتظار حتى صدور مرسوم ٢١ أبريل ١٩٤٤ للحصول على حق التصويت. وقد تمكنت من ممارسة هذا الحق لأول مرة فى ربيع عام ١٩٤٥ عند انتخابات المحليات. كما كان عليهن انتظار قانون ١٣ يوليو١٩٦٥ للحصول على حق العمل وفتح حساب بنكى دون الحاجة إلى إذن الزوج.
وعلى مستوى الكفاح ضد التمييز، تم تحقيق العديد من الانتصارات ولكن لا يزال هناك الكثير الذى يتعين علينا القيام به على نطاق عالمى. وفى هذا المقال، قمت بتقديم الـ wokisme منذ ولادة هذا الاتجاه الفكرى، مساهماته، وهذا هو السبب وراء حصول هذه الحركة على قدر معين من التعاطف بين الرأى العام. والمشكلة هى أن هذه الحركة قد انجرفت تدريجيا نحو بعد آخر، وبقيت مجهولة لدى عامة الناس حتى يومنا هذا. ويؤدى هذا الجهل إلى ظهور الـ wokisme، لأن الذين يتبنون هذا الفكر يتواصلون باستخدام حجج مغرية ومضللة فى نفس الوقت، مثل مكافحة العنصرية والتمييز. إن انجراف هذه الحركة يكمن فى راديكاليتها وتطرفها. كما أنها تدور حول مفهوم التفكيك المنسوب إلى فلاسفة فرنسا فى الستينيات والسبعينيات، وهذا ما سنراه فى مقالى القادم.
الحركة تقدم حججا مغرية ومضللة فى نفس الوقت وانحرافها يكمن فى راديكاليتها وتطرفهافيليب بولس خريج كلية إدارة الأعمال حاصل على درجة الماجستير فى الإدارة ويهتم بالقضايا الاجتماعية الكبرى وحرية التعبير ويركز فى مقالاته على مفهوم حركة الووكيزم وأصولها وآثارها المدمرة فى المجتمعات الغربية، ثم مفهوم التفكيك، ونظرية النوع وغيرها من المواضيع المهمة.. يواصل، بهذا المقال، طرح رؤيته لحركة «الووكيزم» وأصل نشأتها.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الولایات المتحدة هذه الحرکة
إقرأ أيضاً:
شاهد وقائع المؤتمر الصحفي للسيسي وماكرون بالاتحادية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، وذلك في إطار الزيارة الرسمية رفيعة المستوى التي يقوم بها إلى مصر، حيث أقيمت مراسم الاستقبال الرسمي وتم عزف السلامين الوطنيين واستعراض حرس الشرف.
وصرح السفير محمد الشناوى المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، بأن اللقاء شهد عقد مباحثات ثنائية تلتها مباحثات موسعة ضمت وفدي البلدين.
كما وقع الرئيسان إعلانا مشتركاً لترفيع العلاقات بين مصر وفرنسا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وشهدا التوقيع على عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين.
وفي ختام الاجتماعات، عقد الرئيسان مؤتمراً صحفياً، وفيما يلي نص كلمة الرئيس في المؤتمر الصحفي:
يسعدنى أن أرحب بضيفى، الصديق العزيز، فخامة الرئيس "إيمانويل ماكرون"، رئيس الجمهورية الفرنسية، والوفد المرافق له، فــى زيــارته الرسمية رفيعة المستوى، التــــى يقــــــــوم بهــا إلــى مصــــر .. تلك الزيارة التى تجسد بجلاء، مسيرة طويلة من التعاون الثنائى المثمر، بين مصر وفرنسا
فى كافة المجالات، التى تحقق مصالح البلدين الصديقين .. وتوجت اليوم، بالإعلان عن ترفيع العلاقات بين البلدين، إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية ..الأمر الذى يعتبر خطوة مهمة، نحو تعزيز التعاون المشترك، وفتح آفاق جديدة، تحقق مصالح بلدينا وتطلعات الشعبين الصديقين.
لقد استعرضنا خلال مباحثاتنا، العلاقات التاريخية الممتدة بين مصر وفرنسا، وتطرقنا إلى سبل دفعها قدما، فى كافة المجالات ذات الأولوية، لاسيما فيما يتعلق بتعزيز وتكثيف الاستثمارات الفرنسية فى مصر .. حيث أكدنا أهمية توسيع انخراط الشركات الفرنسية، فى الأنشطة الاقتصادية المصرية، خاصة مع الخبرات المتراكمة، لهذه الشركات فى مصـر على مــدار العقـود الماضيـة ..كما شددنا على ضرورة البناء، على نتائج المنتدى الاقتصادى "المصرى - الفرنسى"، الذى سيعقد اليوم، لتعزيز التعاون المشترك ودفع عجلة التنمية الاقتصادية.
كما اتفقنا أيضا على أهمية تنفيذ كافة محاور شراكتنا الإستراتيجية الجديدة، بما فى ذلك الدعم المتبادل للترشيحات الدولية، وتعزيز فرص التعاون فى مجالات توطين صناعة السكك الحديدية، والتدريب الفنى والمهنى والذكاء الاصطناعى، والأمن السيبرانى وإنتاج الهيدروجين الأخضر.
وأكدنا خلال المباحثات، أهمية التعاون القائم بين مصر وفرنسا فى مجال الهجرة، وضرورة دعم مصر فى جهودها لمكافحة الهجرة غير الشرعية، خاصة فى ظل استضافتها لأكثر من تسعة ملايين لاجئ.
وفى هذا السياق، أرحب بالدعم الفرنسى لمصر، الذى أسهم فى اعتماد البرلمان الأوروبى مؤخرا، قرار إتاحة الشريحة الثانية، من حزمة الدعم المالى الكلى المقدمة من الاتحاد الأوروبـى لمصــر، بقيمة أربعـة مليـارات يــورو ..مما يعكس التقدير العميق، للشراكة الإستراتيجية والشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبى، ويؤكد الدور الحيوى الذى تضطلع به مصر، كركيزة للاستقرار فى منطقتى الشرق الأوسط وجنوب المتوسط وفى القارة الإفريقية.
ونتطلع فى هذا الإطار، إلى سرعة استكمال الإجراءات اللازمة، لصرف هذه الشريحة فى أقرب وقت ممكن.
تناولت وفخامة الرئيس "ماكرون" بشكل معمق، التطورات المتلاحقة على الساحة الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الوضع المأساوى فى قطاع غزة ..حيث أكدنا ضرورة العودة إلى وقف إطلاق النار بشكل فورى، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وإطلاق الرهائن.
كما توافقنا على رفض أية دعوات لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، واستعرضت مع فخامة الرئيس "ماكرون"، الخطة العربية للتعافى وإعادة إعمار قطاع غزة .. واتفقنا على تنسيق الجهود المشتركة، بشأن مؤتمر إعمار غزة، الذى تعتزم مصر استضافته، بمجرد وقف الأعمال العدائية فى القطاع .. وسيتعرف فخامته خلال الزيارة، على الجهود المصرية المبذولة، لحشد الدعم الإنسانى للفلسطينيين فى قطاع غزة .. وفى هذا الصدد، أتوجه بالشكر والتقدير للجانب الفرنسى، على دعمه المتواصل للأشقاء الفلسطينيين.
أؤكد مجددا، وبشكل لا التباس فيه، أن تحقيق الاستقرار والسلام الدائم فى الشرق الأوسط، سيظل أمرا بعيد المنال، طالما ظلت القضية الفلسطينية بدون تسوية عادلة، وطالما ظل الشعب الفلسطينى يواجه ويلات حروب طاحنة، تدمر مقوماته، وتحرم أجياله القادمة من حقها.. حتى فى الأمل فى مستقبل أكثر أمنا واستقرارا.
وفى هذا الإطار، فقد بحثت مع الرئيس "ماكرون"، سبل تدشين أفق سياسى ذى مصداقية، لإحياء عملية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية على خطوط الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية .. مؤكدا ترحيبى بمختلف الجهود فى هذا الإطار.
لقد تناولت مباحثاتنا كذلك، التطورات التى تشهدها سوريا ولبنان .. حيث توافقنا على أهمية الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، وضرورة اتسام العملية السياسية خلال الفترة الانتقالية، بالعمومية وبمشاركة كافة مكونات الشعب السورى .. وتم التشديد فى هذا الصدد، على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى السورية.
كما أكدنا دعمنا للرئيس اللبنانى الجديد، والحكومة اللبنانية، فى جهودهما لتحقيق الاستقرار وتطلعات الشعب اللبنانى الشقيق .. مع أهمية التزام جميع الأطراف بتنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، ومحورية الامتثال الكامل للقرار الأممى رقم "1701"، وتطبيقه دون انتقائية.
تباحثت أيضا مع فخامة الرئيس "ماكرون"، حول التطورات الخاصة بملف الأمن المائى .. حيث أكدت موقف مصر الراسخ، الذى يؤمن بأن نهر النيل، رابط تاريخى جغرافى، يجمع دول الحوض .. ومن ثم تعمل مصر على الحفاظ على التعاون بين دول الحوض، وتتمسك بالالتزام بقواعد القانون الدولى، وتحقيق المنفعة للجميع .. مع ضرورة مراعاة خصوصية الاعتماد المصرى التام، على مياه نهر النيل، كونه شريان الحياة لمصر وشعبها.
كما تطرقنا إلى الأوضاع فى السودان الشقيق، إلى جانب التطورات الإقليمية فى منطقتى الساحل والقرن الإفريقى.
وقد اتفقنا فى هذا السياق، على ضرورة تكثيف التعاون، لتعزيز الأمن والاستقرار فى هذه المناطق .. بما يحقق تطلعات دولها وشعوبها، نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا.
وأكدنا على حرص مصر وفرنسا، على استعادة المعدلات الطبيعية، لحركة مرور السفن فى قناة السويس المصرية، وتفادى اضطرار السفن التجارية، إلى اتباع مسارات بحرية بديلة، أطول مسافة وأكثر كلفة، وذلك نتيجة الهجمات التى استهدفت بعضا منها فى مضيق باب المندب، بسبب استمرار الحرب فى غزة .. وهو الوضع الذى أسفر عن خسارة مصر، نحو سبعة مليارات دولار خلال عام ٢٠٢٤، من إيرادات قناة السويس، إلى جانب تأثيره السلبى المباشر، على حركة التجارة الدولية وسلاسل الإمداد العالمية.
صديقى العزيز، فخامة الرئيس "ماكرون لقد سعدت بلقائكم اليوم، وأجدد ترحيبى بكم فى مصر .. معربا عن ثقتى، فى أن زيارتكم، وما شهدناه من توقيع اتفاقيات ومذكرات تفاهم، بين بلدينا فى مختلف القطاعات، سيمثل انطلاقة جديدة، لتعزيز التعاون الإستراتيجى بين مصر وفرنسا.
إننا أمام مرحلة واعدة، نشهد فيها توطيد أواصر التعاون، بما يحقق المنفعة المتبادلة، وفى القلب منها، تعزيز روابط الصداقة التاريخية، والمتجذرة بين الشعبين المصرى والفرنسى.