أرنولا شوريت فى حوار خاص مع لوديالوج حول المهاجرين والاندماج فى البلاد: مجتمع الأغلبية الفرنسى متردد فى الترحيب بمن لا يشبهه لكن فرنسا ليست عنصرية
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
أرنولا شوريت الرئيس السابق لمكتب عمدة ريليولا باب (الرون) من 2014 إلى 2017. وهو حاصل على الدكتوراه فى العلوم السياسية ويمتلك المؤهلات التى تسمح له بالإشراف وتوجيه الابحاث فى هذا التخصص. كما أنه مؤلف للعديد من الأعمال التى تتناول اندماج الفرنسيين من الهجرة العربية الإسلامية. ومنذ أغسطس 2022، انضم إلى كلية SKEMA للأعمال كأستاذ مشارك ومدير "البرامج والمشاريع وتوير الأعمال» فى جامعة سوربون Grand Paris وقبل هذا التاريخ، كان أستاذًا مشاركًا ومديرًا لمدرسة الأعمال العربية الفرنسية، وهى عبارة عن برنامج مشترك بين ESSEC وجامعة الخليج العربى فى البحرين منذ عام 2017.
وقد وصل إلى هذا المنصب نتيجة لخبرته القوية فى مجال التعليم العالى الخاص كأستاذ باحث ومدير تعليمى لبرنامج ثم نائبًا للمدير العام لكلية إيدراك" للأعمال (10 فروع فى جميع أنحاء فرنسا). وأيضا لديه حياة مهنية موازية خصصها لخدمة المسئولين المنتخبين المحليين والوطنيين والتى قامت بنقله من البرلمان الأوروبى إلى إدارة المكاتب المنتخبة المحلية من خلال الجمعية الوطنية. كما قضى فترة ناجحة فى القطاع الخاص فى قسم العلاقات المؤسسية لمجموعة كبيرة.. كل هذه الأفكار قدمها أرنولاشوريت فى كتابه الأخير: «اندماج النهاجرين.. نجاح الجيل الثانى من هجرة شمال أفريقيا».
من خلال دراسة حوالى خمسين ملفًا شخصيًا، يوضح المؤلف أن إندماج الفرنسيين من شمال أفريقيا يتم بشكل أفضل مما يعتقده الكثيرون. فى ظل أعمال الشغب التى ضربت كامل أرجاء البلاد ومع التحول الديموجرافى، يتعامل أرنولاشوريت مع نقاط وموضوعات أساسية فى قلب الأحداث الجارية: هل ما زال الاندماج ممكنا؟ هل ما زال نموذج الاندماج الفرنسى محفوظا؟ ماذا نعنى حقًا بالاندماج: هل يتعلق الأمر بالاندماج فى النسيج الاقتصادى أم ينبغى أن نتحدث حاليًا عن الاندماج الاجتماعى والثقافي؟ وفى وقت يدعو فيه الفرنسيون إلى إجراء استفتاء حول الهجرة، فهل تتمكن أوروبا من استيعاب «كل البؤس» الذى يعيشه العالم؟
لوديالوج: أرنولاشوريت، كتابك الأخير يتعارض مع معالجة وسائل الإعلام لموضوع الهوية.. بأسلوب متفائل للغاية، تقوم بشرح أن نموذج الاندماج الفرنسى يعمل بشكل جيد وأن الشباب ومعظمهم من الجيل الثانى من المهاجرين من شمال أفريقيا (جيل ٣٠/٥٠ سنة) هم أكثر نجاحًا مما نعتقد.. هل يمكنك أن تخبرنا عن الدراسة المتعلقة بهذه المسألة والمنهجية التى قمت باتباعتها؟
أرنولاشوريت: لقد استخدمت منهجية نوعية تعتمد على مقابلات شبه منظمة مع أشخاص يتوافقون مع معايير محددة للغاية. فيجب على سبيل المثال أن تتراوح أعمارهم بين ٣٠ و٥٠ عامًا وأن يكونوا أبناء لمهاجرين من شمال أفريقيا وأن يكونوا حاصلين على البكالوريا + ٣ إلى ٥ وأن يشغلوا منصبًا ذا قيمة إجتماعية (موظف، أوصاحب أعمال أوما إلى ذلك). كما أنه من أجل دراسة المتغير الدينى، فقد قمت بالحوار أوبسؤال أشخاص يعرف عنهم أنهم ذووعقيدة دينية على الأقل، حتى لا يتم سؤال الأشخاص الذين انفصلوا تمامًا عن الإسلام لأن نهاية الاستبيان تتعلق باعتبارات مرتبطة بالدين.
فى الواقع، هذا الاستبيان مأخوذ من كتابى الثانى، الذى أجريت فيه مقابلات مع نساء من الخليج يتمتعن بنفس الخصائص، وتساءلت كيف تمكنت هذه السيدات من شغل مناصب إدارية بهذه السرعة، وكيف استفدن من الإصلاحات التى فتحت لهن سوق العمل دون التسبب فى أزمة أورد فعل عنيف من قبل مجتمع معروف بأنه من المحافظين ومعروف بأنه تقليدى للغاية. لقد حددت العديد من آليات الاندماج التى أردت اختبارها على النساء ثم الرجال وأطفال المهاجرين من شمال أفريقيا إلى فرنسا.
الدافع الآخر لهذا البحث النوعى هو البيانات الكمية المتاحة ولكن قليلة الاستخدام، والتى تظهر أن أطفال المهاجرين من شمال أفريقيا هم فى المجمل خريجون تعليم عالى ومديرون تنفيذيون بنسب قريبة جدًا من المتوسط الوطنى، رغم أنهم غالبًا ما يأنتسبون إلى عائلات فقيرة جدًا، ولم يدرس أحد هذا النجاح حقًا من منظور نوعى لذلك فقد تمسكت به.
لوديالوج: يتفق الكثيرون على أن الاستيعاب المفروض هو عملية فاشلة. وتتناول الأمر فى كتابك «آباء من شمال أفريقيين وصلوا إلى فرنسا قبل عام ١٩٧٤». هل تعتقد أن مجمل دراساتك مهمة وتنطبق على الجيل الأخير، أى جيل المتمردين الذين يضعون أحكام الإسلام فوق قوانين الجمهورية الفرنسية (انظر إلى أحدث استطلاع لل IFOP الذى يظهر أن ٧٤٪ من الجيل الثالث تحت سن ٢٥ سنة يضعون الإسلام فوق قوانين الجمهورية)؟
أرنولاشوريت: لقد اخترت طوعًا أن أضع جانبًا مفهوم الاستيعاب، الذى لم يتم تعريفه جيدًا من الناحية الاجتماعية، وذلك للتركيز على تعريف الاندماج الذى يتم مشاركته إلى حد ما فى العلوم الإنسانية والاجتماعية. هذه هى العملية التى يدخل من خلالها عضو من مجموعة الأقلية إلى مجتمع الأغلبية وذلك من خلال اكتساب رموزه ومواقفه وقيمه، مع العلم أن مجتمع الأغلبية لا يتم الترحيب به بشكل خاص.
وعندما نتناول هذا التعريف، يجب علينا أن نضع ملاحظة الفشل فى منظورها الصحيح: لأنه فى كل مكان حولنا، يوجد موظفين ومديرين يعيشون ويزدهرون فى فرنسا وهم من أصول مختلفة تمامًا. ومع ذلك، فإن مجموع دراساتى تقتصر على السكان الذين تمت عليهم الأبحاث! يمكننا أن نأخذ آليات معينة ونفترض أنها تنطبق على مجموعات سكانية أخرى قريبة ولكن هذا يتطلب مزيدًا من التحقق.
وفيما يتعلق بالأرقام الخاصة بالإسلام، سأكون هنا قاسيًا للغاية لأن أولئك الذين يطرحونها هم فى الغالب أولئك الذين يقولون أن «استطلاعات الرأى لا تعنى شيئًا». من الواضح أن هذه الأرقام مخيفة ولكن الاكتفاء بالبيانات الأولية غالبًا ما يكون وسيلة لتخويف نفسك دون داع.
وهذا يتطلب من الباحثين أن يتعمقوا قليلا فى قيم هذه الفئة من السكان، التى نعلم جيدا أنها لا تعرف الإسلام جيدا ولكنها تميل إلى تمجيده والاحتفاظ فقط بعناصر معينة، بمعنى آخر، أود بشدة أن أجرى محادثات من نفس النوع الذى تمكنت من إجرائه مع أولئك الذين يبلغون من العمر ما يكفى ليكونوا آباءهم، وذلك حتى أتمكن من فهم الفروق الدقيقة فى البيانات الأولية وتحسينها، والتى غالبًا ما يلوح بها الأشخاص الذين لا يقدمون بالتأكيد كثيرًا.
وعند العودة للحديث عن مثيرى الشغب على سبيل المثال، فيجب علينا أيضًا أن ننظر إلى مصادر الشرطة، لقد تحدثت منذ وقت ليس ببعيد مع أحد من هؤلاء المسئولين الذى أخبرنى أنه من بين الأشخاص الذين تم اعتقالهم، كان هناك بعض من السكان الذين لهم أصول من جنوب الصحراء الكبرى، بأعداد زائدة مقارنة بالسكان من أصول من شمال أفريقيا. وبعبارة أخرى، ومرة أخرى، ربما تم التركيز على المتغير الدينى أكثر من اللازم على حساب عوامل أخرى لا تقل فى خطورتها عن الأخرى.
لوديالوج: نقطة البداية هى الاندماج الاقتصادى للعائلات من شمال أفريقيا. هل تعتقد أن «التنشئة الاجتماعية من خلال العمل» وحدها كافية للاستجابة للتحديات الحالية؟
أرنولاشوريت: بالتأكيد لا. ما يسمح بالاندماج هوالاجتماع مع الآخرين، مع وجود طرف ثالث يمكنه أن يقدم لك نموذجًا بديلًا، وذلك على سبيل الاستلهام قليلًا من جيرالد برونر. فى فرنسا، يظل العالم المهنى هوأفضل مكان للقاء أشخاص مختلفين، خاصة عندما تتولى مناصب المسئولية. وأجد من الصعب أن أتخيل أن المدير التنفيذى الذى يقضى ٥٠ ساعة فى الأسبوع مع زملائه من غالبية السكان، بما فى ذلك الأوقات المخصصة لتناول وجبات الطعام، يصبح هذا المدير مجرما أوأصوليًا بمجرد عودته ودخوله من باب المنزل. من الواضح أن الأمر لا يتم بصورة فورية ولكن فى عالم الأعمال الذى يتعرض لانتقادات متزايدة بسبب تعديه على الحياة الخاصة، هناك وظيفة تكاملية مثيرة للاهتمام. لكى نحصل على مهنة، نتعلم أن نكون مثل الآخرين، أن نكون مثل أولئك الذين نطمح إلى شغل مناصبهم. ونحن نفعل الشيء نفسه أثناء الدراسة وخاصة فى كليات الأعمال أوالهندسة.
لذلك بالطبع هذا لا يكفى، فقد حرص بعض الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، على الحفاظ أيضا على نمط حياة معين داخل البيئة الخاصة، ولكن من الصعب أن نتصور أن البيئة التى نقضى فيها معظم أوقاتنا ليس لها سوى تأثير هامشى على الطريقة التى نتبعها أونتصرف بها فى حياتنا الخاصة.
وهؤلاء الذين وجهوا لى هذا الانتقاد، يجدون أيضا من الصعوبة الحصول على بيئة أكثر ملائمة للاندماج، أكثر من تلك المتوفرة من خلال العالم المهنى... ولا يحدثنى أحد عن المدارس الحكومية التى نعرف جيدا أن توزيعها الجغرافى لا يسمح بأى حال من الأحوال بالاتصال بأشخاص مختلفين.
لوديالوج: من وجهة نظرك، ما «القوى» التى تعمل على شباب شمال إفريقيا من الجيل الثالث، غير المندمجين أو «المتفككين» بحيث لم يعودوا يشعرون بمكانتهم فى المجتمع الفرنسي؟
أرنولاشوريت: إن معرفتهم ليست بتلك السهولة، وإلا سيصبح الأمر سهلًا للغاية! الأمر الأكثر وضوحا - لأنه منتشر فى كل مكان فى وسائل الإعلام وظاهر جدًا فى الفضاء العام، هو أسلمة الشباب من خلفيات مهاجرة. كيبل يتحدث عن الأجواء الجهادية وفلورنس بيرجود بلاكلر يتحدث عن أخونة الشباب… باختصار، إن العقيدة التى أعلنها طارق رمضان قبل أكثر من ٢٠ عامًا بهدف تقديم إسلام غير مثقف بين أحفاد المهاجرين تعمل بشكل جيد وأصبحت حركة داخلية ذاتية الاستدامة. ولم تعد هناك حاجة للبحث فى الخارج لمعرفة من أين يأتى الدعاة، فهم الآن بيننا ولسوء الحظ فإنهم يديرون شؤونهم بأنفسهم باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة بشكل جيد للغاية.
لكن الأسلمة ليست سوى جزء مما يمكن أن يبعد الشاب عن المجتمع الفرنسى، الذى هو، دعنا نقول، المجتمع الوحيد الذى يعرفه. فنجد بشكل خاص لدى الشباب، أنه يوجد شغف مفاجئ للبلد الأصلى لأجدادهم، والذى يتجلى فى ارتداء لافتات بارزة، أشهرها العلم الجزائرى، الذى تم رفعه فى مناسبات عديدة، تماما مثل قميص كرة القدم لفرق من بلدان لا يعرفونها حقًا. إننا نشهد نوعًا من الخيال لبلاد عندما يذهبون إليها، لا تتم معاملتهم فيها بشكل جيد بالضرورة.
ونجد أيضًا موضوعًا ذا صلة بهذا الأمر: فكرة أن فرنسا عنصرية وتمييزية وتمنع الاندماج. إنه خطاب راسخ جدًا خاصة لدى اليسار والذى له نتيجة طبيعية وهى شكل من أشكال سحب المسئولية: فمنذ اللحظة التى نقتنع فيها بأن العنصرية منهجية وأن التمييز منتشر فى كل مكان، فمن الصعب أن نشعر بالهدوء فى المجتمع الذى من المفترض أن ننتمى إليه.
وينقل اليسار أيضًا رسالة ما بعد الاستعمار، والتى بموجبها تدين فرنسا بالمواقف الموروثة من الاستعمار. وهذه الرسالة جديدة تمامًا وتأتى بعد مرور أكثر من ٦٠ عامًا على استقلال الجزائر. لماذا الآن وليس قبل ٣٠ عاما ؟ وكيف يمكننا أن نفسر أن هذا الخطاب ينجح بشكل جيد مع الشباب؟
وأخيرًا، نشهد أيضًا انقلابًا فى القيم وشكلًا من أشكال رفض الغرب والحضارة التى يعيشون فيها منذ ثلاثة أجيال وحتى الآن. إننى أسمع المزيد والمزيد من أشكال الانبهار بالنماذج «البديلة» مثل مجموعة البريكس أوحتى روسيا، وذلك من أشخاص مدربين تدريبًا جيدًا ويبدون عقلانيين ظاهريًا. إن معاملة الأقليات المسلمة فى البلدان المعنية ليست موضع شك: فهم يقدمون أنفسهم كبديل للغرب، وبالتالى فإنهم موضع إعجاب.
وهذه المكونات الخمسة مترابطة وهى بالطبع ثمار العولمة وأداتها المميزة ألا هى الإنترنت. إن التلاعب يعمل بشكل جيد للغاية لأنه يستخدم التحيزات المعرفية التى تجعل من الممكن إستغلال الفشل الفردى ككبش فداء وطمأنة أولئك الذين يشعرون بالإقصاء. وما يثير الدهشة هوأن هذه القوى جديدة نسبيًا ولم تكن ذات أهمية حقيقية فى القرن الماضى عندما كان هناك بالفعل العديد من المهاجرين من شمال أفريقيا. إن البحث عن المسئولين هوأمر معقد: فنحن بالطبع نجد الإسلاميين وعمل دول المنشأ وجدلية اليسار المتطرف الجديدة التى تجد فى المهاجر صورة المعذبين الجدد فى الأرض. كما نجد أيضًا بالطبع الأعمال المزعزعة للاستقرار التى تقوم بها الدول الأجنبية ويمكننا أن نفكر فى تركيا وقطر وروسيا، والتى تقوم بتنشيط بالطبع الشرائح الأكثر هشاشة فى مجتمعنا.
لوديالوج: لقد أظهرت فى كتابك أن فرنسا قدمت الكثير، ولا سيما بفضل أدوات التمييز الإيجابى. وفى جيل واحد، فقد شهد الجيل الثانى من المهاجرين من شمال أفريقيا ارتفاعًا اقتصاديًا سريعًا مقارنة بالأطفال من الطبقات العاملة من أصل أوروبى، والذين يحتاجون فى المتوسط إلى ستة أجيال للوصول إلى نفس المستوى. إن أسلوبك يتحدى الأفكار المسبقة التى تجعل فرنسا دولة عنصرية. فهل هذا هوالحال: هل فرنسا دولة عنصرية؟
أرنولاشوريت: إن مجتمع الأغلبية الفرنسى مثل كل المجتمعات: نجده مترددا فى الترحيب بمن لا يشبهه. وتعتبر هذه ظاهرة طبيعية إلى حد ما. ومع ذلك، فإن مستوى العنصرية فى فرنسا لم يتم تسليط الضوء عليه من قبل أولئك الذين تمت مقابلتهم بإعتباره شيئًا محرجًا للغاية.
ومن ناحية أخرى، يؤكد العديد على التغيير فى طريقة الرفض أوالإقصاء، فبينما كان هناك قبل ٣٠ عامًا، المزيد من مظاهر الرفض المرتبطة بلون البشرة أوالأصل، فإنهم يؤكدون أن اليوم، أصبح دينهم المفترض أو تلك الصور النمطية المرتبطة بالأخبار ضدهم. يؤكد العديد ممن تمت مقابلتهم أن الجدل السياسى حول الإسلام ومكانته فى فرنسا، وكذلك المواقف المتطرفة بشكل خاص التى يتم التعبير عنها على شبكات التواصل الاجتماعى، تساهم فى خلق مناخ غير صحى. ويعتقد كثيرون أن التطرف أوعلى الأقل ظهور إسلام أكثر تشددا، يأتى أيضا من هذا الشعور بالرفض.
إذن الإجابة هى لا: فرنسا ليست عنصرية بالمعنى الأصلى كما نرى فى بلدان أوروبية أخرى. ولن يتم رفض شخص ما بسبب لون بشرته، لكن الصورة والقوالب النمطية المرتبطة بالدين المفترض لسكان شمال أفريقيا لا تساعد بالضرورة على الشعور بالهدوء، على أقل تقدير.
لوديالوج: إن الاندماج الاقتصادى لا يحكم بأى حال من الأحوال على الاندماج الثقافى. إن الجهل بالقوانين الاجتماعية والثقافية فى فرنسا هوالذى يتحمل المسئولية. فى الواقع، فإن ٦٧٪ من الأشخاص الذين غادروا للجهاد كانوا من الطبقات الوسطى و١٧٪ كانوا من الطبقات الوسطى العليا. ماذا يمكن أن نقول عن «تنافر الهوية» فى فرنسا؟
أرنولاشوريت: يمكننا أن نرى أشياء من هذا القبيل، ثم ننظر أيضًا إلى الانتماء الاجتماعى لأولئك الذين ارتكبوا الهجمات فى فرنسا: فى معظم الأحيان، لا ينتمون إلى الطبقة الوسطى بل على العكس تمامًا. أنزاروف، مراح، كواشى، عبد السلام، كوليبالى هم شباب من عائلات فقيرة جدًا! يجب أن نتذكر أيضًا أنه لكى تهاجر إلى سوريا، غالبًا ما تحتاج إلى المال كما يجب عليك المرور عبر تركيا، لذلك يجب أن تكون قادرًا على السفر والتحدث ببضع كلمات باللغة الإنجليزية ثم بضع كلمات بالعربية... فالأفقر الذين لا يملكون المال، فإنهم لا يستطيعون المغادرة ويبقون بكل بساطة حيث هم. ومرة أخرى، تبدو الأرقام صعبة: فالأشخاص الأكثر فقرًا المتطرفون لا يغادرون فى كثير من الأحيان بسبب نقص الوسائل والمعرفة. علاوة على ذلك، نحن نتحدث عن عدد سكان أقل من ١٠٠٠ شخص، وهذا عدد كبير ولكن يمكن مقارنته بقاعدة مكونة من ٦ ملايين شخص من أصل شمال أفريقى فى فرنسا.
لوديالوج: ما رأيك فى سياسة المدينة على الطريقة الفرنسية؟ هل تصفها بأنها «عملية بلا معنى ولا نهاية» أم ترونها على أنها عملية لتطوير وتجديد الأحياء؟
أرنولاشوريت: أجد دائمًا صعوبة فى إعطاء رأى حول هذا الموضوع لأننا عندما ننتقد الجهات الفاعلة فى السياسة الحضرية، فإننا ننتقد الأخصائيين الاجتماعيين وموظفى الخدمة المدنية والجمعيات التى تعمل على الأرض يومًا بعد يوم وغالبًا ما تكون مليئة بالنوايا الحسنة. إن انتقاد هؤلاء الأشخاص يتطلب وضع نفسك فى مكانهم، والأمر ليس بهذه البساطة. لذا أقول نعم: إن الجانب الإنسانى فى سياسة المدينة يؤدى فى رأيى إلى نتائج عكسية لأننا نشيد بالاختلاف والتنوع بدلًا من توفير المفاتيح اللازمة لـ «أن نصبح فرنسيين» على وجه التحديد واكتساب القواعد الاجتماعية التى تسمح بالاندماج الكامل. ومن خلال الرغبة فى القيام بعمل جيد، نعيد الناس إلى أصلهم المفترض، وهذا هوالحال بشكل خاص عندما تجتمع الجمعيات الاجتماعية والثقافية حول الأطباق التقليدية من بلدان السكان الأصلية أوعندما ندعو فنانين من الشرق أوالأفارقة إلى الأحياء، معتقدين أنهم يفعلون الشيء الصحيح: نحن هنا نعيد السكان إلى أصولهم ولا نولى اهتمامًا كافيًا لاندماجهم. إن الجانب الحضرى هونفسه تمامًا: نحن نفرط فى تجهيز الأحياء من خلال إنشاء المدارس والكليات وصالات الألعاب الرياضية وحمامات السباحة وجميع أنواع الأنشطة التى تعطى الانطباع بأننا نعتنى بالسكان، بإستثناء أنه من خلال القيام بذلك، فإننا لا نسمح لهؤلاء السكان بمقابلة أغلبية السكان عند مغادرة الحى. من المثير للدهشة دائمًا ملاحظة خطط النقل العام: يبلغ عمر متروباريس أكثر من ١٠٠ عام ويغطى العاصمة ثم تم إنشاء عددًا قليلًا من خطوط قطارات RER وقطارات الضواحى التى ذهبت بأقل قدر ممكن إلى المناطق الشعبية فى الأحياء حيث غالبًا ما كان يكفى توفير خط من الحافلات للخروج من تلك الأحياء. ولم يصل الترام إلا بعد وقت طويل ولا يزال مشروع متروباريس الكبرى قيد الإنشاء. يمكن تلخيص فلسفة النقل العام حول المدن الكبرى على النحوالتالى: يجب علينا أن نفعل كل شيء حتى لا يتنقل الفقراء وذلك من خلال تزويدهم بالكثير من المرافق فى الأحياء وجعل تنقلهم أكثر تعقيدًا. لقد خطرت لى هذه الفكرة عندما قمت بالمقابلات مع الكثير من الأشخاص.
لوديالوج: لقد كانت هناك ظاهرة إعادة الأسلمة فى فرنسا وأوروبا. إننا نشاهد علامات لم نشهدها قبل ٢٠ عاما وأبرزها الحجاب الإسلامى. يعود التاريخ المشئوم لحجاب كريل إلى عام ١٩٨٩. فى رأيك، لماذا حدث هذا الانقطاع؟
أرنولاشوريت: إن نقطة البداية كانت هى عدم الفهم عندما عبرت الضواحى عن مطالبها. إن المسيرة ضد العنصرية والمطالبة بالمساواة المعروفة بإسم «مسيرة العرب»، والإضرابات فى قطاع السيارات فى أوائل الثمانينيات، طالبت بالحق فى اللامبالاة. لكن أولئك الذين كانوا فى السلطة اعتبروا ذلك بمثابة نوع من الطموح لرؤية اختلافاتهم معترف بها. ومنذ ذلك الحين، تم تقدير كل ما يسمح بالتعبير عن هذا الفارق، وظهر الإسلاميون بقوة وبأعداد كبيرة. فى عام ١٩٨٩، كنا فى منتصف الحرب الأهلية الجزائرية وكانت الأسلمة أكثر وضوحا. كان السكان ذوى الأصول المهاجرة يستمتعون بالدفاع عنهم من قبل الدولة والخطاب العام، ولسوء الحظ، كان هناك الكثير من التردد قبل وضع القانون فى النهاية. ومع ذلك، فى كل مرة كان البيان العام حازمًا، لم تكن هناك مشاكل: يتم إحترام قانون الرموز الدينية فى المدارس بشكل عام وبمجرد أن أشار الوزير إلى أن العباءة لم تعد مقبولة، لم يعد ذلك مشكلة لا يمكن التغلب عليها. بطبيعة الحال، ركزت شبكات التواصل الاجتماعى على بعض الظواهر المحلية ولكن كما أشرح لطلابى: منذ اللحظة التى يجب فيها تطبيق القانون، يجب أن نكون قادرين على قبول أن المسئولين عن تطبيقه يرتكبون أخطاء فى التقييم. لا يمكننا الاستمرار فى العيش من خلال تصوير أقل المشكلات المحلية بصورة هيستيرية، فالشبكات الاجتماعية والتدفق المستمر للمعلومات تضر بشدة سلام مجتمعنا.
لوديالوج: تتحدث فى كتابك عن «إحياء الأصل الخيالي»، خاصة خلال الأحداث الرياضية أوالثقافية الكبرى أوحتى عن عقيدة الفكر «غير الاستعماري». ومع ذلك، فقد تم استغلال هذا الحق فى الاختلاف من قبل «قوى خارجية». فمن هى تلك القوى ؟
أرنولاشوريت: فى الوقت الحالى، إنها مشكلة فرنسية للغاية. إن ما نسميه «eWokism" هومجرد تجسيد آخر للتفكك وهى تلك الفكرة العزيزة على جاك دريدا، والتى تم تحديثها على مر السنين والتى عبرت المحيط الأطلسى مع ظهور «الدراسات الفرنسية». إذا لم أكن مخطئا، فإن ميشيل فوكووبيير بورديو، حتى اليوم، هم من بين علماء الاجتماع الأكثر اقتباسا فى العالم! ومن هنا يأتى التفكير المناهض للاستعمار الذى يحلل كل شيء فى نطاق مناهضة العنصرية والموقف الاستعمارى الجديد الذى قد تتخذه فرنسا تجاه أحفاد المهاجرين. ولكن كيف تطور هذا الفكر وهل تغلغل فى العقول إلى هذا الحد وخاصة فى اليسار فى السنوات الأخيرة عندما لم يكن هذا هوالحال على الإطلاق سابقًا ؟ لكن اليسار لم يكن أقل حضورا فى النقاش العام قبل ٣٠ عاما. يبقى الأمر لغزا.
والمسألة الأقل غموضًا هى الطريقة التى تناولت وتناقلت بها القنوات التليفزيونية الأجنبية ووسائل الإعلام عبر الإنترنت هذا الأمر لتصل إلى هدفها المباشر، وهم أحفاد المهاجرين الذين فقدوا اتجاهاتهم! الجزيرة، وقناة TRT التركية، وكذلك وسائل الإعلام الروسية RT، قضوا يومًا ميدانيًا فى تناول جميع رموز الشباب ولصب الزيت على النار. وقد وقع الضرر الآن، وأصبح هناك العديد من الشباب الذين بدأوا ينفصلون عن المجتمع الفرنسى، وحتى عن الغرب فى حين لا يوجد لديهم بديل حقيقى. وهنا، يجدون أنفسهم يحملون إحباطًا متفجرًا.
لوديالوج: هل يمكننا دمج الجميع؟ بالنظر إلى العدد الهائل من المهاجرين الوافدين، هل تعتقد أنه ينبغى علينا تعليق تدفقات الهجرة؟
أرنولاشوريت: لا… لا نستطيع ذلك. لقد تمكننا من دمج أطفال المهاجرين لأن والديهم جاءوا إلى فرنسا بناء على طلب أصحاب العمل لتلبية احتياجات محددة. على سبيل المثال، عامل جزائرى وصل إلى فرنسا وكان لديه عمل فى مصنع وكذلك سكنا، كان غالبًا فى أحد النزل. فمنذ اللحظة التى تكون لدينا فيها حاجة إلى أعداد ونستدعى العمالة الأجنبية من خلال قطاعات محددة، يمكننا البدء فى مشروع الاندماج. وهناك نتحدث أكثر عن الهجرة الإنسانية: الأشخاص الذين يجدون أنفسهم يعبرون البحر فى زورق مطاطى دون خطط محددة حقًا، لأنه يتم تشجيعهم على القيام بذلك... إنهم لا يستجيبون لحاجة معينة يعبر عنها العالم الاقتصادى، وبالتالى، فإنهم سيتجولون فى أوروبا دون حقوق أو وثائق، وينتهى بهم الأمر بتقديم طلب لجوء لا يتم قبوله فى كثير من الأحيان لأنهم لا يستوفون معايير حق اللجوء.
بمجرد إخطارهم بالرفض، لن يغادروا لأننا لا نطردهم والدول الأصلية ترفض استعادتهم، وفى عصر الإنترنت، فإن أدنى تسوية سيتم تفسيرها بشكل إيجابى فى بلدان الأصل، ويجب ألا ننسى أيضًا أن المهاجرين غالبًا ما يدفعون حياتهم ثمنًا لهذا العبور غير القانونى: فمن خلال عدم الوضوح بشأن إدارة حدودنا، فإننا نجعل أنفسنا متواطئين مع المهربين ونكون مسؤولين عن هذه الآلاف من الوفيات. ولن نتمكن من كبح جماح ذلك الأمر إلا من خلال القيام بما نادرا ما نفعله: وهوأن نكون حازمين وأن نقوم بحراسة حدودنا. فكلما زاد الضعف الذى نظهره، كلما زادت القوارب المطاطية التى تحاول العبور وزاد عدد الفقراء الذين يموتون غرقا. لقد أصبح من الملح إيصال الرسالة، حتى لوكانت غير سارة: الكرم والمشاعر الطيبة يقتلان الفقراء. دعونا نفكر فيهم قبل إرسال رسائل لا معنى لها.
ومن ناحية أخرى، دعونا ننظم الهجرة الاقتصادية بأهداف محددة: فليس من المستحيل أن نحدد احتياجاتنا من حيث الأعداد، بما فى ذلك العمل الذى يتطلب مهارات متدنية، وأن يكون من الممكن جلب المهاجرين لأسباب اقتصادية. وقبل كل شيء، يجب أن ندرك أنه إذا لم نكن واضحين وحازمين، فإن أيدينا ملطخة بالدماء.
أرنو لاشيرى: الرئيس السابق لمكتب عمدة ريليولا باب (الرون) والخبير الفرنسى فى العلوم السياسية، أجرى معه موقع «لو ديالوج» هذا الحوار الشامل الذى يتعرض فيه لقضايا عديدة فى المجتمع الفرنسى، من أهمها قضية المهاجرين من الدول العربية والإسلامية ومدى اندماجهم فى المجتمع.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الفرنسيين شمال إفريقيا لوديالوج وسائل الإعلام الأشخاص الذین من المهاجرین أولئک الذین فى المجتمع إلى فرنسا یمکننا أن بشکل جید بشکل خاص فى فرنسا على سبیل الذین تم کان هناک ومع ذلک من خلال أکثر من أن نکون أنه من لا یتم من قبل تمام ا یجب أن
إقرأ أيضاً:
في العيد الـ12 لتجليسه.. طفولة ونشأة البابا تواضروس الثاني
مع حلول الخريف تتساقط أوراق الشجر لتنمو أخرى أكثر نضارة، ومع خريف 1952، وُلد وجيه صبحى باقى سليمان فى المنصورة، فى لحظة كانت فيها أوراق الشجر تتساقط لتفرش الأرض بألوانها الذهبية، وكأن الطبيعة تُعد الأرض لشجرة ستنمو جذورها لتظلل الكنيسة كلها لاحقاً.
نشأ «وجيه» فى كنف عائلة مصرية تقليدية تهتم بالقيم الروحية والدينية، وترعى أبناءها بحب وحرص، فوالده المهندس صبحى، مهندس المساحة، ابن القاهرة، ووالدته سامية، بنت دير القديسة دميانة ببرارى بلقاس فى الدقهلية، لم يتركا فرصة إلا واستثمراها لغرس القيم الدينية والروحية فى «وجيه» وإخوته، وكأنهما كانا يدركان أنه سيحمل فى المستقبل لقب «البابا الثامن عشر بعد المائة» فى تسلسل بابوات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فقد كانت والدته السيدة سامية تهتم بغرس محبة الله وتعزيز الإيمان فى نفوس أطفالها، وحينما انتقلت الأسرة بين عدة مدن مثل سوهاج ودمنهور، كان رباطهم بالكنيسة يتوطد.
كبر «وجيه»، الصغير الشقى المحبوب، المفعم بروح العمل الجماعى والمسئولية، وهو يحمل طموحاً مبكراً وحباً للمساعدة، ولكنه قد نال نصيبه من الفقد، الذى جاء مبكراً بوفاة والده صباح أول امتحانات الشهادة الإعدادية وكأنما سقطت ورقة من تلك الشجرة التى زُرعت قبل 15 سنة، تحدى الألم ليتفوق فى دراسته، مُكملاً طريقه نحو كلية الصيدلة فى جامعة الإسكندرية.
هناك، فى قاعات الكلية وبين كتب الصيدلة، أبحر «وجيه» فى عالم العلم، محاولاً فهم ما وراء الطب والعلاج، ساعياً أن يكون «ذلك الذى يريح الناس» من أوجاعهم، ولم تكن هذه المرحلة الأخيرة، بل تابع دراسته حتى نال زمالة الصحة العالمية فى إنجلترا عام 1985، ليتعلم مراقبة جودة تصنيع الدواء.
ومع مرور الزمن، وجد نفسه فى خدمة الكنيسة، التى احتضنته صغيراً ليكبر معها ويحمل أثقالها، حتى بات البابا تواضروس الثانى، بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.