لجريدة عمان:
2024-11-07@09:00:12 GMT

حين يسقط المثقف

تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT

يسقط المثقف إذا تخلى عن المواقف الإنسانية وانحاز -خوفا أو طمعا- إلى قوى الظلم والاستبداد وتبرير أفعال المتسلط تحت صيغ واهية، فالمثقف مطلوب منه أن يقف ضد الظلم والاعتداء على كرامة الإنسان وانتهاك حقوقه. تُعد الكتابة أرقى أنواع التعبير عن حقوق الإنسان لأن الكلمة وإبداء الرأي حق مصان بعد حق الحياة، لذلك يستخدم كثير من الكتاب كلماتهم ويعبرون عن مواقفهم لمنع وقوع الأذى على الآخرين بصرف النظر عن الجنس أو الجنسية أو المعتقد أو الديانة، مثل قضية دريفوس، الضابط في الجيش الفرنسي المتهم بالتجسس لصالح الألمان في عام 1894م، حينها كتب الكاتب الفرنسي إميل زولا رسالة مفتوحة في صحيفة لورو بعنوان (أنا أتهم) موجهة إلى الرئيس الفرنسي فيليكس فور لمنع إدانة الضابط، وبعد معركة قضائية تمت تبرئة دريفوس وإدانة الفاعل الحقيقي.

إن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على أرضه المحتلة تفرض علينا التضامن والتعبير عن إدانتنا لآلة الإجرام الصهيونية ليس بدءا بقتل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم وليس انتهاء باللحظة الراهنة التي يتم فيها محو غزة وسكانها، فنحن لا ندري كم فلسطيني سيُقتل بينما أكتب وأنشر هذا المقال؟ في الوقت الذي ينحاز فيه ما يُسمى بالعالم المتُحضر إلى جانب إسرائيل وقد احتضرت ضمائر الساسة والكتاب والإعلاميين، ولم يُعد هذا الانحياز خفيا، فالأزمة الأوكرانية كشفت الغطاء عما يُسمى المجتمع الدولي كما عرّته من قبل القضايا العربية منذ النكبة وإلى الآن، وكشفت إبادة غزة عن حقيقة المؤسسات الثقافية الأوروبية ومدى ارتهانها للمؤسسات الصهيونية، إذ حُرِمت الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي (49 عاما) من التكريم في معرض فرانكفورت بعد فوز روايتها (تفصيل ثانوي) بجائزة «ليبراتور»، التي تُمنح للكاتبات من دول الجنوب. وأعلنت إدارة المعرض عن إفساح المجال أمام اليهود والإسرائيليين للحديث عن هجوم غزة، مثلما صرّح مدير المهرجان يورغن بوس (62 عاما) بالإعلان عن وقوف المعرض بشكل تام إلى جانب إسرائيل، وهو الأمر الذي قُوبل بانسحاب مشرّف من كتاب عرب من المعرض وانسحاب هيئة الثقافة لإمارة الشارقة من المشاركة في المعرض. وفي موضوع إعلان المواقف والتصريحات يخرج علينا الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون (78عاما) ويدين حركة حماس فيصف مناضليها بأنهم بلا ضمير ولا إنسانية، وقد نشر مقاله في صحيفة لوبوان الفرنسية.

لم نكن ننتظر من بن جلون أن تكون له مواقف الممثلة السينمائية الإنجليزية فانيسا رديغريف (86 عاما) الفائزة بجائزة أوسكار سنة 1978م والمعروف عنها تعاطفها مع القضية الفلسطينية ومعارضتها لحربي فيتنام وغزو العراق في عام 2003م، ولا ننتظر من صاحب جائزة الجونكور أن تكون له مواقف مواطنيه المغاربة المشاركين في الثورة الفلسطينية منهم (الأختان نادية وريتا برادلي، نادية برادلي -حقنتها السلطات الإسرائيلية بمواد مسرطنة أثناء سجنها والتحقيق معها وتوفيت في سنة 1995م بمرض السرطان بعد الإفراج عنها- والحسين الطنجاوي، وعبدالرحمن امزغار، والنمري الركراكي، ومصطفى قزيبر، وعبدالقادر بوناجي، وحسن بن الطيب، ومحمد السافيني) وقد نشرتُ مقالا في جريدة عمان بعنوان (مغاربة في النضال الفلسطيني) معتمدا على معلومات الكاتب والمناضل المغربي محمد لومة (1948)، الذي التحق بالثورة الفلسطينية في سنة 1968، كتب لومة العديد من المؤلفات عن الثورة الفلسطينية أهمها كتابه (حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش) وكتاب (جورج حبش في معسكر الخصم) ووثق فيه بالأسماء والصور بعض الشهداء المغاربة في سبيل القضية الفلسطينية منهم.

يتناول الطاهر بن جلون في رواياته المواضيع التي لا يدافع عنها، فمثلا بعد صدور روايته تلك العتمة الباهرة 2001، قال المعتقل السياسي أحمد المرزوقي (76 عاما) صاحب كتاب (تزمامارت الزنزانة رقم 10) وأحد الضحايا (إن الطاهر بن جلون يسعى دائما للكتابة على أريكة مريحة، فهو كاتب خمائلي يكتب بعيدا عن منغصات السلطة، وإن كان لا يكتب تحت أوامرها طبعا لكنه في المقابل يكتب وفق الاهتمامات وتحت تأثير المواضيع الحارة التي يصنعها الإعلام الأوروبي في واجهة اهتماماته). «نقلا عن سالمة الموشي موقع هسبريس».

أثناء أحداث الربيع العربي أصدر بن جلون رواية (الشرارة: انتفاضة في البلدان العربية) تستلهم قصة التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في تونس، لاحقا كتب الكاتب والروائي التونسي كمال الرياحي (49) في كتابه فن الرواية دراسة بعنوان (بالنار- الطاهر بن جلون: أكلة لحم الشهيد في بنار) «منذ سنوات تعترضني مواقف الكاتب المغربي محمد شكري من الطاهر بن جلون وكنت أستغرب مواقفه واتهامه بالانتهازية والانبطاح للغرب...استغرابي ذلك تبخر تماما وأنا أقرأ ما خطه الطاهر بن جلون عن الثورات العربية وخاصة ما كتبه عن الثورة التونسية في كتابيه (الشرارة: انتفاضة في البلدان العربية) و(بالنار) وهما يرتقيان إلى مستوى السقوط الثقافي الذي يأتي من كاتب كرسته ماكينة الفرنكفونية وعمل على مغازلتها بتصدير صورة المجتمعات العربية كما تريدها».

إن تجاهل المثقفين العرب لممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين وممارسات القتل والتعذيب والتهجير، يُعد خطيئة كبرى في سجلاتهم، ولا يمكن الكيل بمكيالين ولا مساواة الضحية بالمجرم، فقبل إدانة المقاومة لا بدّ من البحث عن جوهر الصراع الحقيقي للقضية الفلسطينية التي بالأساس قضية إنسانية عادلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثورة الفلسطینیة

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. تشرين الطفولة

#تشرين_الطفولة
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 18 / 10 / 2008

طفولة الشتاء، وكهولة الصيف. .هو تشرين.. فيه يتعالى صوت إغلاق النوافذ الغربية ،وسقوط الأواني المركونة على الجدار، فيه يذوب الطبشور على باب الدار مع زخة ليل عابرة ..
فيه يضجر حبل الغسيل من ضيوفه المبللين ،وفيه يكشف الشجر كل أوراقه دفعة واحدة ..
في تشرين يصبح للسماء مزاجها المختلف ، والغيم الأبيض الهارب من وسادة النهار يرسم أشكالاً تشبه الأحلام على زرقة السماء الغامقة..كان حمام الدار يدور حول نفسه سبع لفات ، عندما كانت تغربل أمي القمح استعداداً للشتاء،كان يهدل، يبرقم ، ثم يسرق عود قشّ بمنقاره ويطير ليصلح عشه في كوّة الطين..دقائق ويعود من جديد، يدور حول نفسه سبع لفات أخرى، ثم يغافلنا ويسرق قشّة أخرى ويطير..لم يكن يعنيه القمح كثيراً بقدر ما كان يعنيه القشّ..لقد أخبرته ساعته البيولوجية باقتراب الشتاء..فلم يعد يفكر برزق يومه..

يقولون أن الشمس لا تغطّى بغربال.. أمي كانت تغطّي الشمس بغربالها ، تمضي ساعات طويلة تجلس في ظل بيتنا القديم ، توجه غربالها نحو الريح. .تصفي القمح من التبن الدقيق والحجارة..تفرغها بكيس آخر ، تجمع الحب الساقط في حضنها أثناء الغربلة ..وتعيده للكيس ..كانت تخجل الشمس من مثابرة أمي، فكانت تتوارى خلف غربالها مثل صبية خجولة أعجبتها أنوثتها..

بعيد المغرب ، ومع تحليق أفواج السنونو الفرحة ، كتلاميذ عائدين من مدرسة مسائية ،كانت تتفقّد أمي خم الجاجات ، تغطي أكياس الاسمنت ،تدخل قرامي الشجر الى بيت الطابون، تلم ملابسنا من على الحبل تجمعها على كتفها واحداً تلو الآخر، تنكت ثوبها وتعود من حوش الدار..

مقالات ذات صلة وظائف شاغرة و مدعوون للمقابلة الشخصية 2024/11/07

* حتى اللحظة، ما زلت أشتم رائحة تشرين الطفولة، حيث دفاتري المسطّرة ،وصوت اهتزاز لقن الغسيل في الخارج.

والى اللحظة أحتفي بتشرين على طريقتي. .أشق نافذتي قليلاً كل مساء.. فيتسلل نسيم الغروب الى ذاكرتي..أراقب اوكازيون الشجر الهزيل..أراقب حَمَام العمر وهو يدور حول نفسه سبع لفات بينما أغربل الذكريات..فيغافلني و يسرق لحظة من عمري ويطير..تشرين يا طفولة الشتاء وكهولة الصيف..طوّق مسائي..برائحة القمح، وباستدارة غربال الحجة
..ahmedalzoubi@hotmail.com
أحمد حسن الزعبي

#129يوما

#أحمد_حسن_الزعبي

#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. تشرين الطفولة
  • أول مرة أراها خجولة .. من هي السيدة التي أحرجها ترامب
  • وفاة قائد الجيش النيجيري الذي خاض حربا من أطول الصراعات في أفريقيا.. عن عمر يناهز 56 عاما
  • «العربية لحقوق الإنسان» تنظم لقاء لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية
  • غداً.. افتتاح معرض «50 عاماً من التاريخ المشترك والصداقة بين الإمارات العربية المتحدة وفرنسا»
  • حكومة جنوب كردفان تحتفل بوداع واستقبال مديرجهاز المخابرات العامة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. منتهى الطموح
  • الطاهر حجر يحذر من تحول السودان ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية
  • مؤتمر الذكرى الثلاثين للسنة الدولية للأسرة يستعرض التحديات الكبرى التي تواجه الأسر العربية والعالمية
  • المقاومة الفلسطينية تستهدف آليات العدو الإسرائيلي التي تحاول اقتحام مدخل بلدة قباطية بمدينة جنين بزخات كثيفة من الرصاص وتحقق فيها إصابات مؤكدة