لجريدة عمان:
2025-01-01@01:28:27 GMT

حين يسقط المثقف

تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT

يسقط المثقف إذا تخلى عن المواقف الإنسانية وانحاز -خوفا أو طمعا- إلى قوى الظلم والاستبداد وتبرير أفعال المتسلط تحت صيغ واهية، فالمثقف مطلوب منه أن يقف ضد الظلم والاعتداء على كرامة الإنسان وانتهاك حقوقه. تُعد الكتابة أرقى أنواع التعبير عن حقوق الإنسان لأن الكلمة وإبداء الرأي حق مصان بعد حق الحياة، لذلك يستخدم كثير من الكتاب كلماتهم ويعبرون عن مواقفهم لمنع وقوع الأذى على الآخرين بصرف النظر عن الجنس أو الجنسية أو المعتقد أو الديانة، مثل قضية دريفوس، الضابط في الجيش الفرنسي المتهم بالتجسس لصالح الألمان في عام 1894م، حينها كتب الكاتب الفرنسي إميل زولا رسالة مفتوحة في صحيفة لورو بعنوان (أنا أتهم) موجهة إلى الرئيس الفرنسي فيليكس فور لمنع إدانة الضابط، وبعد معركة قضائية تمت تبرئة دريفوس وإدانة الفاعل الحقيقي.

إن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على أرضه المحتلة تفرض علينا التضامن والتعبير عن إدانتنا لآلة الإجرام الصهيونية ليس بدءا بقتل وتهجير الفلسطينيين من أرضهم وليس انتهاء باللحظة الراهنة التي يتم فيها محو غزة وسكانها، فنحن لا ندري كم فلسطيني سيُقتل بينما أكتب وأنشر هذا المقال؟ في الوقت الذي ينحاز فيه ما يُسمى بالعالم المتُحضر إلى جانب إسرائيل وقد احتضرت ضمائر الساسة والكتاب والإعلاميين، ولم يُعد هذا الانحياز خفيا، فالأزمة الأوكرانية كشفت الغطاء عما يُسمى المجتمع الدولي كما عرّته من قبل القضايا العربية منذ النكبة وإلى الآن، وكشفت إبادة غزة عن حقيقة المؤسسات الثقافية الأوروبية ومدى ارتهانها للمؤسسات الصهيونية، إذ حُرِمت الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي (49 عاما) من التكريم في معرض فرانكفورت بعد فوز روايتها (تفصيل ثانوي) بجائزة «ليبراتور»، التي تُمنح للكاتبات من دول الجنوب. وأعلنت إدارة المعرض عن إفساح المجال أمام اليهود والإسرائيليين للحديث عن هجوم غزة، مثلما صرّح مدير المهرجان يورغن بوس (62 عاما) بالإعلان عن وقوف المعرض بشكل تام إلى جانب إسرائيل، وهو الأمر الذي قُوبل بانسحاب مشرّف من كتاب عرب من المعرض وانسحاب هيئة الثقافة لإمارة الشارقة من المشاركة في المعرض. وفي موضوع إعلان المواقف والتصريحات يخرج علينا الكاتب المغربي الفرنسي الطاهر بن جلون (78عاما) ويدين حركة حماس فيصف مناضليها بأنهم بلا ضمير ولا إنسانية، وقد نشر مقاله في صحيفة لوبوان الفرنسية.

لم نكن ننتظر من بن جلون أن تكون له مواقف الممثلة السينمائية الإنجليزية فانيسا رديغريف (86 عاما) الفائزة بجائزة أوسكار سنة 1978م والمعروف عنها تعاطفها مع القضية الفلسطينية ومعارضتها لحربي فيتنام وغزو العراق في عام 2003م، ولا ننتظر من صاحب جائزة الجونكور أن تكون له مواقف مواطنيه المغاربة المشاركين في الثورة الفلسطينية منهم (الأختان نادية وريتا برادلي، نادية برادلي -حقنتها السلطات الإسرائيلية بمواد مسرطنة أثناء سجنها والتحقيق معها وتوفيت في سنة 1995م بمرض السرطان بعد الإفراج عنها- والحسين الطنجاوي، وعبدالرحمن امزغار، والنمري الركراكي، ومصطفى قزيبر، وعبدالقادر بوناجي، وحسن بن الطيب، ومحمد السافيني) وقد نشرتُ مقالا في جريدة عمان بعنوان (مغاربة في النضال الفلسطيني) معتمدا على معلومات الكاتب والمناضل المغربي محمد لومة (1948)، الذي التحق بالثورة الفلسطينية في سنة 1968، كتب لومة العديد من المؤلفات عن الثورة الفلسطينية أهمها كتابه (حكيم الثورة الفلسطينية الدكتور جورج حبش) وكتاب (جورج حبش في معسكر الخصم) ووثق فيه بالأسماء والصور بعض الشهداء المغاربة في سبيل القضية الفلسطينية منهم.

يتناول الطاهر بن جلون في رواياته المواضيع التي لا يدافع عنها، فمثلا بعد صدور روايته تلك العتمة الباهرة 2001، قال المعتقل السياسي أحمد المرزوقي (76 عاما) صاحب كتاب (تزمامارت الزنزانة رقم 10) وأحد الضحايا (إن الطاهر بن جلون يسعى دائما للكتابة على أريكة مريحة، فهو كاتب خمائلي يكتب بعيدا عن منغصات السلطة، وإن كان لا يكتب تحت أوامرها طبعا لكنه في المقابل يكتب وفق الاهتمامات وتحت تأثير المواضيع الحارة التي يصنعها الإعلام الأوروبي في واجهة اهتماماته). «نقلا عن سالمة الموشي موقع هسبريس».

أثناء أحداث الربيع العربي أصدر بن جلون رواية (الشرارة: انتفاضة في البلدان العربية) تستلهم قصة التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في تونس، لاحقا كتب الكاتب والروائي التونسي كمال الرياحي (49) في كتابه فن الرواية دراسة بعنوان (بالنار- الطاهر بن جلون: أكلة لحم الشهيد في بنار) «منذ سنوات تعترضني مواقف الكاتب المغربي محمد شكري من الطاهر بن جلون وكنت أستغرب مواقفه واتهامه بالانتهازية والانبطاح للغرب...استغرابي ذلك تبخر تماما وأنا أقرأ ما خطه الطاهر بن جلون عن الثورات العربية وخاصة ما كتبه عن الثورة التونسية في كتابيه (الشرارة: انتفاضة في البلدان العربية) و(بالنار) وهما يرتقيان إلى مستوى السقوط الثقافي الذي يأتي من كاتب كرسته ماكينة الفرنكفونية وعمل على مغازلتها بتصدير صورة المجتمعات العربية كما تريدها».

إن تجاهل المثقفين العرب لممارسات الاحتلال الصهيوني في فلسطين وممارسات القتل والتعذيب والتهجير، يُعد خطيئة كبرى في سجلاتهم، ولا يمكن الكيل بمكيالين ولا مساواة الضحية بالمجرم، فقبل إدانة المقاومة لا بدّ من البحث عن جوهر الصراع الحقيقي للقضية الفلسطينية التي بالأساس قضية إنسانية عادلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الثورة الفلسطینیة

إقرأ أيضاً:

المثقف السياسي وأحد أعمدة كتابة السيناريو.. عمرو وأيمن سلامة ينعيان بشير الديك

نعي المخرج عمرو سلامة عبر صفحته علي موقع التواصل الاجتماعي “ فيسبوك ” الكاتب الكبير بشير الديك، والذي رحل عن عالمنا خلال الساعات الماضية. 

وقال عمرو سلامة:  ليلة ساخنة.. ضد الحكومة.. الحريف.. سواق الأتوبيس.. موعد على العشاء.. رحم الله الكاتب الأسطوري المثقف السياسي المحمل بهموم البسطاء أ. بشير الديك

كما نعى إيمن سلامة الكاتب الراحل بشير الديك المؤلف، حيث علق قائلًا:  بكل الحزن والآسي أنعي إليكم أحد أعمدة كتابة السيناريو في مصر والوطن العربي.. رئيس جمعية مؤلفي الدراما الأستاذ بشير الديك اللهم أرحمه وأغفر له وتجاوز عنه وأدخله فسيح جناتك".

وكان قد رحل عن عالمنا خلال الساعات الماضية  الكاتب الكبير بشير الديك بعد مسيرة فنية طويلة، قدم من خلالها عشرات الأعمال السينمائية والتليفزيونية التى ستظل فى وجداننا، لعل أبرزها “سواق الأتوبيس” و"الحريف" و"ضد الحكومة" و"موعد على العشاء" و"عصر القوة" و"ناجي العلي" و"زيارة السيد الرئيس" وغيرها.

سحب الجنسية .. بشير الديك يكشف تفاصيل أزمة فيلمه الشهير ناجي العليوفاة بشير الديك.. حادث صادم أبعد سينارست الزمن الجميل عن السينمابعد وفاة بشير الديك.. تعرف على أبرز أعماله وصدمة عمره بسبب فراق نجلهوفاة الكاتب الكبير بشير الديك

ولد الكاتب الكبير بشير الديك في دمياط عام 1944، وحصل على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة عام 1966.


 وبدأ مسيرته من باب "الأدب"، حيث كتب العديد من القصص التي نشرت في مجلات وصحف ودورات أدبية مختلفة، إلى أن جاءته فرصة الكتابة للسينما.

كان أول أعماله هو فيلم "مع سبق الإصرار" الذي كتبه له والقصة والحوار وأخرجه أشرف فهمي عام 1978.

ولكن نقطة التميز الحقيقية كسيناريست مصري كبير بدأت مع شراكته للمخرج عاطف الطيب في عدد من أهم أفلامه، حيث كتب له أول أفلامه واستمر "سواق الأتوبيس" في "ضربة معلم" و"ضد الحكومة" و"ناجي العلي" و"ليلة ساخنة" و"شبكة الموت" و"عصر القوة".


 

مقالات مشابهة

  • الجامعة العربية والقضية الفلسطينية في 2024.. دعم قوي ونهج راسخ
  • المثقف السياسي وأحد أعمدة كتابة السيناريو.. عمرو وأيمن سلامة ينعيان بشير الديك
  • المثقف السياسي .. عمرو سلامة ينعى بشير الديك
  • المثقف السوداني: بين التهميش والتشظي على مفترق التغيير
  • صلاح جرار: الفلسطينيون شاركوا بفتح الأندلس وحنين قصائدي لغرناطة وجنين وعمّان
  • يون سوك يول.. رئيس كوريا الجنوبية الذي أعلن الأحكام العرفية فعزله البرلمان
  • د. لبيب قمحاوي .. التحديات التي تجابه المنطقة العربية في الحقبة القادمة
  • الشرع: مشروع إيران الذي استمر 40 عاما سقط في 11 يوما بسوريا
  • صاروخ حوثي يسقط في منطقة الوضيع بمحافظة أبين
  • 7 ميداليات لمنتخب الكاراتيه في البطولة العربية