لجريدة عمان:
2025-01-03@17:06:47 GMT

نوافذ :وجه الغرب الحقيقي

تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT

فُجع العرب في أمرين خلال أحداث غزة الأخيرة التي تشتعل معاركها، وكان لا بد منها نتيجة تراكمات الـ75عاما وهي عمر القضية، الأول، الوجه الحقيقي للغرب الذي ظهر جليا وتبنى براءة الاحتلال من كل ما يحدث من مآس في الشرق الأوسط وقدمه على أنه الضحية، والثاني، ارتفاع مستوى الحقد والكراهية للاحتلال والدول الداعمة له تجاه كل ما هو عربي فلسطيني والتمسك بتدميره وفنائه.

فالأول أظهر فيه الغرب المساند المطلق لإسرائيل ومدى تمسكه بقضية بقاء الاحتلال الوجودي واعتبرها قضية مصيرية له لا يُساوَم عليها في مقابل مصالحه الاستراتيجية مع العرب، وشاهدنا هرولتهم لعدد من الدول العربية لانتزاع موافقتهم على إبادة سكان غزة، لكن الغرب فوجئ برد أغلب العرب على عدم قبول هذا المقترح رغم الإلحاح فيه، ويبدو أن ما سمعوه من الرئيس المصري كان تأكيدا واضحا على ذلك لما قاله بقية الزعماء العرب، وهذا مؤشر على اختلال علاقة العرب بالغرب الذي تجاوز حدود المعقول، ليمثل ذلك نقطة فاصلة في تاريخ هذه العلاقة التي بُنيت فقط على مصالح الغرب.

الغرب الشعبوي الذي ضلله الإعلام العالمي بدأ يفيق على حقائق الإعلام العربي الذي نقل أبشع جرائم التاريخ البشري مخلدا استحالة العيش مع المحتل في منطقة واحدة، وأن أي اتفاقيات معه لا تساوي قيمة حبر ما يكتب كونه لا يمكن الوثوق فيه نظرا لتلك الغطرسة التي يمارسها على الشعب الفلسطيني الأعزل. لذلك فإن ما حدث أكد لعموم العرب والمسلمين وبعض نخب الغرب المتعاطف مع القضية الفلسطينية، أن الغرب المسيحي الصهيوني وراء كل نكبات العرب منذ خروجهم من الأندلس حتى اليوم، فهو لن ينسى امتداد حكم المسلمين لقرابة 700 سنة نشروا فيها العلم والتقدم الحضاري. انكشف الغرب ولم يعد هناك مراهن على حسن نواياهم تجاه هذه القضية حاليا ومستقبلا أو أي قضايا أخرى في المنطقة التي أتخموها دماء وتدميرا من أفغانستان إلى العراق والصومال وسوريا.

الثاني مدى تلك الكراهية البغيضة التي أظهرها الاحتلال على الفلسطينيين والعرب وتمسكه بعقيدة إلغاء الآخر، متكئا على مساندة الغرب الذي دفع بعناصره لمساعدة إسرائيل في تدمير البشر والحجر في القطاع والضفة ليقارب الرقم 3000 شهيد، واستعجاله الحرب وحشد أساطيله لمقارعة مقاومة شعبية تسعى للعيش بكرامة والخروج من سجنها الكبير. هذه الكراهية تجلت في تصرفات جنود الاحتلال الذين أظهروا أبشع المشاهد المقيتة في الإعدام الميداني وترويع الأبرياء ونسف الأبراج والمنازل على ساكنيها ومطالبتهم بمغادرة القطاع حتى لا يعودوا إليه مرة أخرى.

ووسط كل هذا الركام والتدمير والحطام والجثث يبدوا أن العرب فرضوا أنفسهم إعلاميا وصحفيا لأول مرة في تاريخهم الحضاري ويقدمون شواهد حية على حجم الكراهية والعنف والاستبداد والطغيان والقتل والتدمير وانعدام الإنسانية، فكل الحروب والمواجهات العسكرية في التاريخ لها ضوابط تمنع التجاوزات والانتقام إلا هذا الطرف الذي يعد نفسه فوق كل شيء في العالم ولا شيء سواه. الإعلام العربي استطاع أن يقدم الأحداث بصورة مجردة متفوقا على إعلام الغرب الديمقراطي الذي انتقى أوجاع الإسرائيليين «فقط» ليمعن في التشويه لصورة الفلسطيني المطالب بأرضه التاريخية، واستطاع الإعلام العربي أن يجعل الغرب شاهدا ومتابعا على الهواء لما يحدث من مجازر في غزة لحظة بلحظة وهذا أمر مهم جدا في تغير القناعات. ما حدث ويحدث هو نتاج طبيعي لذلك الشحن المستمر للانتقام من الفلسطينيين الذي هجروا وشردوا منذ أن جاء الاحتلال ومنحه الغرب دولة يقيم فيها «الغرب الذي يعطي ما لا يملك» ومنذ 75 عاما وكل أحرار العالم يطالبون بحل القضية وتنفيذ حل الدولتين بدءا من كامب ديفيد إلى أوسلو إلى شرم الشيخ، وكان ثمن ذلك التعنت انفجار الأوضاع التي كانت متوقعة، والتي ستغير تداعياتها أوضاع قائمة، فإما الذهاب إلى التسوية والعيش بسلام، أو إلى المزيد من الدماء.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من باع القضية؟ ومن قبض الثمن؟

علي بن سالم كفيتان

لأكون صادقًا معكم قرائي، لا أدري من باع القضية الفلسطينية، لكنني أعرف من قبض الثمن! ما هو مؤكد أنَّ المزاد تم في قبو مُظلم تحت الأرض، دُعي إليه سماسرة محترفون في الشرق الأوسط، لديهم القدرة على بيع كل شيء، مقابل تقديم صكوك الولاء للأسياد في الغرب، معتقدين أن ذلك يقربهم أكثر ويمنحهم المنعة والقوة، فلا يمكن أن يحدث في فلسطين كل هذا الدمار والقتل والتهجير إلّا باتفاق مع سماسرة ما يُعرف بالسلام مع إسرائيل.
هنا المفارقة؛ فالبائع ليس هو المالك، والمشتري لا يملك حق التملك، ولهذا فالبيع باطل شرعًا، ولن تهدأ المنطقة ولن تهنأ إسرائيل بالسلام، ولن تتحقق أحلام السماسرة بالرخاء الاقتصادي والانفتاح العالمي، وخلق ما ينادون به حول نظريات الإنسان الكوني الذي يحق له الاستيطان حيث شاء، والزواج ممن يشاء، واتباع الدين الذي يشاء، واختيار الجنس الذي يشاء!!
اليوم.. ومع ميلاد عام جديد 2025، مضت سنة و3 أشهر على حدث مفصلي في الشرق الأوسط إنه "طوفان الأقصى" الذي لم تَعِه الأنظمة ولم تستوعبه الشعوب، لكنه غيَّر وجه الشرق الأوسط، وخلق واقعًا جديدًا في العالم لا يُمكن تجاهله، وأهم دروسه هو أن فلسطين ليست للمساومة، وأن لها شعباً يطالب بالاستقلال والحرية والعدالة ونيل الكرامة، وأن السنوار ورفاقه عندما اندفعوا إلى تخوم عسقلان، لم يكونوا غُزاة ولا مستعمرين؛ بل ثُوَّاراً يستعيدون أرضهم التي نهبها الكيان الصهيوني عام 1948. كل الشرائع والأعراف الإنسانية تُجيز الدفاع عن النفس في وجه المستعمر، لذا لم تكن المعركة مغامرة غير محسوبة، كما يقول البعض؛ بل كانت محسوبة وبدقة، إلّا فيما يتعلق بالخذلان العربي؛ فلم يتوقع السنوار أن يتم ضرب الحصار على غزة وتجويعها، والسماح باختراق إسرائيل لاتفاقياتها التي قطعتها في "كامب ديفيد"، لكن من المؤكد أن "طوفان الأقصى" أبعد صفقة القرن التي كانت وشيكة، بعد أن تم دفع الثمن، وبدأ التفاوض على التفاصيل الدقيقة قبل السابع من أكتوبر 2023.
من المعيب اليوم أن نلهو في متابعة مباريات كرة القدم ومهرجانات الغناء وسباقات الهجن، بينما يحتضر في غزة أكثر من مليوني إنسان عربي، لا ذنب لهم سوى أنهم قالوا "ربنا الله"، ويريدون وطنًا حُرًا يحتويهم، فتكون النتيجة أن تأكلهم الآلة الإسرائيلية التي لا ترحم يوميًا من جانب، ويلتهمهم الشتاء والبرد والمطر والجوع والفقد من جانب آخر. 
لم تعد قضية غزة تتصدر أخبار العرب ولا صُحفهم، ولم تعد حتى المظاهرات الخجولة في كل جمعة موجودة، ولماذا لم يعد بعض الخطباء يدعون لنصرة أهل فلسطين؟ ولماذا لم نعد نُصلي عليهم صلاة الغائب بعد كل جمعة؟ رغم أنَّ القتل مستمر، والدمار في تزايد، والناس هناك اليوم في حال أسوأ بكثير عمّا كان في بداية الحرب، عندما كانت لا تزال لديهم بعض المؤن والضغط الدولي قائم. يجب أن تعلو أصواتنا اليوم أكثر من الأمس، وأن نرفع مستوى الضغط بشكل مضاعف؛ فالناس باتت في حال يرثى لها؛ لدرجة أنهم أصبحوا يأكلون الجيف، بينما نحن لاهين في الملاعب والمسارح ودور الأوبرا.. اللعنة ستصلكم إذا لم تصحوا ضمائركم يا عرب، هذا مؤكد.
لا زالت الجبهة اليمنية تُناوش وحيدة، بعد أن تم إسكات جيوب المقاومة في لبنان والعراق وسوريا، وبات يلوح في الأفق مشروع الشام الجديد بنكهة عثمانية واعدة، وانسحاب فارسي مُخزٍ، ومباركة دولية؛ لتعويض تجربة العراق الفاشلة، كل هذا لتدجين كل من لا يعترف بإسرائيل، أو يُشكِّل خطرًا عليها، وخلق نصرٍ وهميٍّ لنتنياهو الذي يواجه المحاكمة والإقصاء من الداخل الإسرائيلي. كُل البنادق صمتت، إلّا بندقية صنعاء، لا زالت تقض مضجع نتنياهو وزبانيته، على جرائمهم الفظيعة في قطاع غزة والضفة الغربية، وكل التسهيلات لا زالت تقدم للكيان لقصف اليمن؛ فلهم كل الحق في التحليق عبر الأجواء والمياه الإقليمية العربية لتدمير آخر معاقل المقاومة في العالم العربي، وسحل الفلسطينيين في الداخل، لمنح إسرائيل الكعب العالي في المنطقة، ولنصبح جميعًا زبائن دكة السلام الخانع للغرب، بعد انتهاك عقيدتنا الإسلامية، وهويتنا العربية، واستباحة مواردنا الطبيعية، وتقديمها في طبقٍ من ذهب لإسرائيل.
 

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • أسامة السعيد: مصطلح حقوق الإنسان من صناعة الغرب..والإعلام يتعامل معه بشفافية
  • بينيت يتحضر للعودة للمشهد الإسرائيلي وسؤال القضية الفلسطينية يلازمه
  • تحذير إسرائيلي من استمرار العيش في نموذج الفيلّا في الغابة‎‎
  • العربى الناصرى: 2025 عام العبور الحقيقي إلي الجمهورية الجديدة
  • تعرف على النائب الذي سيخلف غالانت في الكنيست.. درزي محب لنتنياهو
  • تعرف إلى النائب الذي سيخلف غالانت في الكنيست.. درزي محب لنتنياهو
  • نساء أفغانستان مع العام الجديد.. طالبان تقرر إنشاء المباني بدون نوافذ لإخفاء المرأة تمامًا!
  • حماس: غلق قناة الجزيرة يستهدف تكميم الأفواه وانتهاك لحرية الإعلام
  • من باع القضية؟ ومن قبض الثمن؟
  • صحف عالمية تغادر منصة إكس.. ما الذي حدث؟