اطمئن.. أنت في عهد الضيف وأبي عبيدة
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
خالد بن سعد الشنفري
عُمر قضية فلسطين وبيت المقدس (قضية العرب الأولى) اليوم يناهز عُمر أكبر المُعمِّرين منَّا وعلى مدى كل هذه الفترة الزمنية الطويلة للقضية قد غادرنا الملايين من العرب من هذه الدنيا منهم من قضى نحبه هرمًا ومنهم من قضاه مرضًا على فراشه ومنهم من قضاه بغير ذلك، ولن نقول إنه ليس منَّا من مات أيضًا بالسيف ولم يمت بغيره في سبيل قضيته الأولى قضية فلسطين والقدس، ولكن نقول إن أعدادهم لم تكن بحجم القضية نفسها رغم أننا نحن كعرب ومن يعتبر الشعر ديواننا وقد تداولنا فيما بيننا وتناقلنا على مدى أجيال وأجيال لقرابة ألف عام قصيدة أبي نصر السعدي التميمي الشهيرة:
من لم يمت بالسيف مات بغيره // تعددت الأسباب والموت واحد
فصبرا على ريب الزمان فإنها // لكم خلقت أهواله والشدائد.
قد يكون من سوء أو حسن الطالع (لا أعرف بعد) أن من هو في سني وسن أقراني من العرب جميعنا ولدنا بعد النكبة سنة 1948، أي بعد التهجير والشتات لأبناء فلسطين التاريخية وما رافقه من مجازر ومذابح يشيب من هول بشاعتها الولدان، كما عرفنا بعد ذلك، وأيضا بعد تشكل القضية وذلك بحوالي عقد ونصف من الزمن تقريباً أي جيل ما بعد النكبة وجيل النكسة (1967) ولم نحظ بعدهما إلا بنصر واحد هو نصر 6 أكتوبر 1973، لكن أصبح لنا اليوم نصر آخر هو نصر السابع من أكتوبر 2023، شاء من شاء وأبى من أبى.
نصر 6 أكتوبر 1973 وإن كان نصرًا حقيقيًا، إلّا أنه ظل وحيدًا ينطبق عليه المثل المصري الشائع (يافرحة ما تمت) فلم تكمل فرحتنا كعرب، لأن اتفاقية السلام التي أعقبته زادت من الإمعان في الحد من إطلاق ذراعها (أطول وأقوى أذرعة العرب) في مواجهة إسرائيل ولا شيء غير ذلك رغم كل ما رافقه من بروباجندا إعلامية.
نصر أكتوبر الثاني (7 أكتوبر 2023) بشهادة الإسرائليين أنفسهم لم يشكل هزيمة لهم في العمق فقط؛ بل قضَّ مضاجعهم وشلّ حركتهم بصدمة هي الأولى من نوعها التي تحصل في تاريخهم ولم يفيقوا منها إلى اليوم بعد عشرة أيام من حدوثها وحتى وقت كتابة هذا المقال، ولا يستبعد أن يجعلهم ذلك يتيهون مرة أخرى من جديد لمدة 40 عامًا أخرى، إذا بقوا أصلا فهو لم يخترق فقط غلاف غزة الذي صرف عليه أضعاف ما صرف على خط بارليف ليصعب اختراقه من جديد.
يا سبحان الله.. كما شهدنا بأم أعيننا انهيار خط بارليف والساتر الترابي الهائل تحت قصف 2000 مدفعية مصرية تنطلق في آن واحد تزامنًا مع نخر مئات خراطيم المياه الضاغطة لجبال رماله في يوم 6 أكتوبر قبل 50 عامًا من الآن، يُعيد التاريخ نفسه في 7 أكتوبر لتنهمر 5 آلاف صاروخ على ما يسمى بـ"غلاف غزة" لتشكِّل سحابة لهيب يخترق منها 1500 قسّاميّ الأرض لينتشروا في 50 مستعمرة إسرائيلية في صورة لم تصعق إسرائيل عن بكرة أبيها؛ بل أدهشت العالم فلم تستفق إسرائيل من صدمتها إلى اليوم بعد عشرة أيام ولا العالم من ذهوله أيضا.
اطمئنوا أبناء هذا الجيل من العرب، فبرغم أنكم قد أصبحتم اليوم أكثر من 430 مليون نسمة، اطمئنوا، ليس لعددكم المهول هذا، ولا لعدد دولكم ولا ترساناتها العسكرية التي صدئت في مخازنها. اطمئنوا؛ لأن إسرائيل بأعتى جيوشها وتقنياتها وموسادها وشاباكها وأمريكا والغرب من ورائها لا يعرفون إلى اليوم صورة واضحة لا لمحمد الضيف ولا لأبي عبيدة، وفشلوا فشلا ذريعا ليس في محاولات اغتيالهم؛ بل معرفة أي شيء عنهم حتى إن المقولة الطرائفية الإسرائيليه تقول "إن الزوجة إذا طلبت من زوجها أن تخرج خارج البيت يقول لها اسألي أبا عبيدة إذا كان المكان آمناً"!!
اطمئنوا، علكم تجدون لكم نصرًا ثالثًا جديدًا بعد معادلة النصر هذه التي شهدتموها في نقل مباشر هذه المرة وهو ما لم نحظ به نحن، وهيئوا أنفسكم لحرب سجال وجولة أخرى أنتم مخططوها ومنفذوها؛ فالعدو قد طاب له المقام بينكم بعد قرن إلا ربع، إقامة ولن يقتلع منها هذه المرة بسهولة. اطمئنوا!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إنقاذ ترامب
يزور زعيم الإمبراطورية الكونية دونالد ترامب منطقتنا منتصف الشهر القادم، ومن المتوقع أن يستقبله القادة العرب بمنح اقتصادية وسياسية تخرجه من أزمة التراجع والهزيمة التي بدأت إدارته تعاني منها.
الرئيس الأمريكي الذي شن حربًا تجارية عالمية على كل دول العالم، وأظهر قدرًا غير مسبوق من الغرور والغطرسة، عاد ليتراجع عن كل رسومه الجمركية، وصرح مؤخرًا أنه سيصل إلى صفقة تجارية واقتصادية مع الصين، عدوه الاقتصادي الأول.
وعندما جاء الرجل ليطبق سياسة الضغوط القصوى على كل دول العالم، نجح المجتمع الدولي في التماسك والوقوف دون رعب في مواجهة تهديدات ترامب.
واستطاعت الصين تحويل نقاط ضعفها إلى أوراق ضغط قوية أجبرت الرجل على التراجع، فأمريكا تصدر للصين أكثر بقليل من 100 مليار دولار، مقابل 500 مليار دولار منتجات صينية لأمريكا. وعندما رفعت إدارة ترامب الرسوم الجمركية على تلك المنتجات للضغط على بكين نجحت الأخيرة في قلب الطاولة رأسًا على عقب، وقدمت عروضًا لمنتجات صينية بنصف الأسعار أو بربعها، وهو ما هدد الصناعة الأمريكية بالدمار الشامل، فتراجع ترامب.
وبعد تهدد أمريكا بالعزلة الدولية، يأتي الرجل وسط زفة إعلامية عربية غير مسبوقة وكأنه سيأخذهم معه إلى القمر!.
واستبعد ترامب بشكل متعمد مصر من زياراته التي تشمل السعودية والإمارات وقطر.
صحيح أنه إن زار القاهرة لن يحصل على أموال أو صفقات أسلحة، ولكن مصر هي أكبر دولة عربية وهي الفاعل الأساسي في قضية الصراع العربي مع الكيان الإسرائيلي، وحتى من الناحية الاقتصادية فهي أكبر سوق في المنطقة بـ110 ملايين مواطن، ولم يكن استبعادها فقط بسبب اليقين بأن ترامب لم يحصل على أموال منها، ولكن هناك أسبابًا كثيرة أولها ضرب الثقة بين مصر وأشقائها العرب، وإحداث فتنة تغذيها إسرائيل منذ اغتصابها لفلسطين عام 1948، إضافة إلى محاولة إضعاف الدور المصري الذي ينطلق من ضرورة أن يتخذ العرب موقفًا موحدًا وجماعيًا لحماية أمن واستقرار ووحدة أوطاننا العربية.
وهو أيضًا ضرب للدور المصري المساند بشكل لا لبث فيه لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967.
والغريب أن ترامب جاء ليزف إلينا البشرى بأنه سيعرض على السعودية صفقة أسلحة بـ100 مليار دولار، فهو من حدد حجم الصفقة، ونوع الأسلحة وتوقيتها، وهو من أعلنها، وهذا عكس كل الأعراف التجارية التي تقول أن المشتري، وليس البائع هو صاحب كل تلك الحقوق.
كما أن الأوساط الأمريكية بدأت الحديث حول صفقات سياسية تتضمن موافقة السعودية على التطبيع مع إسرائيل، إضافة إلى صفقات تجارية واقتصادية كبرى مع الإمارات وقطر، وكل هذا يتم التحضير له في شكل احتفالي عالمي، وكأن على العرب أن يدفعوا فقط ثمنًا لمباركة الرجل الأعظم ترامب لأراضيهم.
ولم يطرح حتى الآن أي مطالب عربية للرئيس الأمريكي مقابل كل هذه المليارات التي سيدفعها العرب راقصون فرحون بعدو أمتهم الأعظم.