بعد 23 عامًا على استشهاد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية.. وبدء طوفان الأقصىوالد الشهيد محمد الدرة فى حواره مع «البوابة»:لا يوجد شبر واحد آمن فى غزة.. والفسفور ينزل علينا كالمطر
إسرائيل تنفذ إبادة جماعية بدعم أمريكى وتحت مرأى ومسمع من العالم
لم نسمع صوتًا منذ طوفان الأقصى سوى مصر رصاص الاحتلال كان عامدًا متعمدًا علىّ وعلى ابنىأبوعاقلة والدرة.

. وجهان لإرهاب الاحتلال الإسرائيلىالاحتلال حاول مساومتى على «دم الدرة» بـ «شيك مدفوع الثمن».. وحين رفضت قصفوا منزلى 3 مراتمصر ضحت من أجل فلسطين.. وفى كل حرب «القاهرة» تتدخل لوقف العدوانفلسطين هى القضية الأم لمصر وشعبها عبر التاريخ

 

قال والد الشهيد محمد الدرة والذى يسكن جنوب قطاع غزة وتحديدا فى مخيم البريج، إن غزة تشهد رعبا لم يشهده التاريخ من قبل وتحديدا منذ بدء عمليات طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الجارى، مشيرا إلى أن الاحتلال يقصف غزة برا وبحرا وجوا دون رحمة وينسف البيوت فوق رؤوس قاطنيها بكل أنواع الأسلحة حتى المحرمة دوليا، حتى بات لا يوجد مكان واحد آمن فى قطاع غزة.

وأضاف «الدرة» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن طيران الاحتلال يقصف البيوت دون أى إنذار وأوقع بالآلاف من الشهداء والجرحى، حتى المستشفيات قصف محيطها لمنع وصول عربات الإسعاف، مما أدى لخروج عدد من المستشفيات عن الخدمة وسط انتشار لمئات القتلى والجرحى تحت الأنقاض؛ فيما لا يزال مئات الجرحى والمصابين لايجدون أى مركز للعلاج وتضميد جراحهم؛ بعد إغلاق المستشفيات وتعمد الاحتلال الإبادة الجماعية لسكان غزة مؤكدا، نحارب بأسلحة أمريكية تحت مرأى ومسمع من العالم كله ولا يحركون ساكنا من أجل القضية الفلسطينية.

 

وأوضح جمال الدرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الاحتلال بكل قوتها علنا، ونشاهد ونسمع كيف تضغط أمريكا على بعض الدول العربية لعدم مساندة الشعب الفلسطينى ومنع إدخال الحاجات الإنسانية الملحة من أكل وشراب ومواد طبية.. الآن كل المستشفيات الفلسطينية لايوجد فيها أدوية ومستهلكات طبية، وبات الوضع أصعب مما لا يتخيله عقل، فالقصف لم يتوقف ساعة واحدة منذ الـ 7 من أكتوبر وفى أى لحظة نتوقع الاستشهاد بعد أن سلب الأمان من كل شبر فى غزة.

وتابع، أنه منذ بدء عمليات طوفان الأقصى، وتعمد الاحتلال مسح مجمعات سكنية كاملة بالقصف الجوى، لافتا إلى أن غزة مقبلة على إبادة جماعية بدعم أمريكى بعد وصول المعدات العسكرية لجيش الاحتلال، مشيرا إلى أن أكثر من 2 مليون مواطن غزاوى ينتظرون الاستشهاد بقصف الاحتلال.  

 

وأوضح والد أيقونة الشهداء، أن الاحتلال يستهدف المدنيين والنساء والأطفال وليس المقاومة حسبما يروج، مؤكدا أن قوات الاحتلال لا تستطيع الوصول إلى المقاومة ولكن تشن حربا إبادية جماعية على الشعب الفلسطينى، متسائلا: أين العالم الظالم الذى يكيل بمكيالين من هذه الحرب؟

وقارن «الدرة» بين القضية الأوكرانية والفلسطينية قائلا: «عندما قامت الحرب الروسية الأوكرانية انقلب العالم ضد روسيا ودعم أوكرانيا فى مواجهة روسيا» متسائلا: أين العالم الظالم من إبادة الشعب الفلسطينى.. ولماذا يقتل النساء والشيوخ والأطفال وتهدم البيوت على رؤوس ساكنيها؟ مؤكدا أن الشعب الفلسطينى الآن يضرب بجميع الأسلحة بما فيها الأسلحة المحرمة دوليا و«الآن الفسفور ينزل على غزة مثل المطر» فأين الضمير العربى وأين منظمات حقوق الإنسان.. نحن الشعب الوحيد الذى يقتل أمام العالم ولا نسمع صوتا واحدا معرضا لقتلنا.

 

وأوضح، أنه بعد أيام من طوفان الأقصى، باتت غزة دون علاج ولا كهرباء ولا ماء ولا غاز، وتباد عوائلها بالكامل، بل ويطالبون بترحيل أهل غزة وفتح ممرات آمنة بعد أن باتت غزة عبارة عن منطقة الرعب، مشيرا إلى أن الاحتلال لم يقدر على الوقوف أمام المقاومة الفلسطينة بعد أن حرروا أراضينا المحتلة وأسروا الجنود الإسرائيليين؛ وهو الأمر الذى جن جنون إسرائيل وجعلها تدك غزة بالأسلحة المحرمة دوليا واستشهاد العشرات وإصابة المئات حتى باتت المستشفيات لا تستطيع استيعاب الجرحى.

وتساءل «الدرة»، أين الضمير العالمى والعربى من قتل الأبرياء والنساء والشيوخ فى غزة؟ فمنذ السابع من أكتوبر لم نسمع صوتا سوى مصر التى تعمل جاهدة من أجل القضية الفلسطينة، وإرسالها مساعدات للشعب الفلسطينى؛ ورغم ذلك ضرب الاحتلال معبر رفح حتى لا تصل مساعدات الشعب والحكومة المصرية لقطاع غزة. موجها التحية للقيادة المصرية لحرصها على دعم القضية الفلسطينية «ومن هنا نقول تحيا مصر».

بعد 23 عاما على استشهاد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية.. والد محمد الدرة: مستعدون لكشف أكاذيب الاحتلال بشأن مقتل الدرة

شيرين أبوعاقلة والدرة وجهان لإرهاب الاحتلال

23 عاما مرت على استشهاد الشاب الغزاوى محمد الدرة، والذى بات أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعد أن قتله الإسرائيليون فى حضن والده.. جمال الدرة والد الشهيد سرد فى حوار مصور لـ"البوابة" كواليس وتفاصيل الذكرى الأليمة التى شهدها العالم حينما واجه الصراخ الرصاص.

ويقول الأب المكلوم على رحيل ابنه منذ 23 عاما: مازلت أذكر المشهد وكأنه اليوم؛ رغم مرور كل هذه السنوات فمرارة الأيام والليالى والأحداث لم تنسينى آلام قنص "محمد" أحب أبنائى لقلبى رغم أن الله عوضنى بطفل آخر يشبه "الدرة" فى كل شيء؛ لكن لن أقدر حتى الآن على النسيان وتضميد جراح القلب.

ويضيف الكل يذكر أن "شارون" - رئيس وزراء إسرائيل سابقا- اقتحم الأقصى فى الـ 28 من ديسمبر عام 2000 بحماية المئات من جنود الصهاينة؛ وبعد يومين من الاقتحام خرجت أنا ومحمد ابنى من البيت متوجهين إلى غزة لتحقيق حلم "محمد" بشراء "سيارة جيب" كبيرة تسع كل العائلة "كنت فى ذلك الوقت أمتلك سيارة صغيرة وأسرتى 7 أبناء وأنا وزوجتى 9 أفراد".

 

ويكمل: توجهنا لسوق السيارات فى غزة؛ ورغم صغر سن محمد الدرة - 12 عاما آن ذاك- إلا أنه كان الموكل بشراء السيارة؛ فكان يتمتع بعقلية كبيرة جدا وقوة بدنية خارقة؛ قائلا: لم نوفق هذا اليوم فى شراء السيارة وكان من المقرر العودة الأسبوع المقبل لشراء السيارة؛ وفى طريق عودتنا لمنزلنا الكائن بمخيم البريج جنوب قطاع غزة، كان شارع صلاح الدين مغلق بالحجارة فترجلنا  فى الشوارع الجانبيه لاستكمال طريقنا؛ ولكن بعد لحظات باغتنا رصاص الاحتلال.

ويروى والد أشهر شهداء فلسطين لحظات الألم لأشهر قضية قتل سجلتها كاميرات التلفاز أمام أعين العالم: كان رصاص الاحتلال ينزل علينا كالمطر، ولم يكن لدينا أى مفر لا التقدم ولا حتى الرجوع للخلف، حاولنا أن نحتمى خلف قطعة برميل أسمنتى بجانب أحد الجدران حتى يقف وابل الرصاص لاستكمال طريقنا للمخيم؛ إلا أن الرصاص استمر ولم يقف لحظة واحدة؛ قائلا: "وكأن الرصاص كان عامدا متعمدا عليا وعلى ابنى".

آخر كلمات بين الشهيد الدرة ووالده

يضيف "الدرة"، كان الصغير يسألنى لماذا يطلق علينا الرصاص؟ ولكن لم تكن لدى إجابة فكل تركيزى حماية ابنى من الرصاص؟ وبعد وقت طويل من إطلاق الرصاص الذى لم يتوقف أصيب محمد الدرة برصاصة فى ركبته اليمين؛ فصرخ قائلا "أصابونى الكلاب 3 مرات"، وكنت أطمئنه بأن سيارة الإسعاف ستحملنا بعد قليل؛ وكان يرد قائلا: "أنا لا أخاف"؛ حاولت أن أحمى ابنى بكل ما أستطيع حتى أننى استقبلت الرصاص بيدى اليمنى؛ وبعد وقت طول صمت مناشدة ابنى فنظرت إليه وجدته ملقى على قدمى لا يحرك ساكنا وبظهره فتحة كبيرة من الرصاص فأيقنت أن محمد الدرة استشهد.

بنبرة حزن يقول والد الدرة: "تحسرت على محمد فى هذا المكان؛ فلم أقدرعلى حماية ابنى وكنت أعاتب نفسى وأتحسر أكثر بعد أن تم إنقاذى وقتل محمد الدرة برصاص الاحتلال على مرأى ومسمع من العالم؛ "إلا أن قضاء الله كان أكبر من محاولاتى لإنقاذه".

 

يقول "الدرة" لـ "البوابة": "أقسم بالله أن الرصاص الذى صوب ناحيتنا كان أكثر من المطر، ورغم ذلك حاول الاحتلال أن يمسح هذه الجريمة بضرب قذيفة عليا وعلى ابنى إلا أنا أصابت حافة الرصيف ولم تصلنا"، وقد علمت من الصحفيين بعد الإفاقة من العناية المركزة أن فترة إطلاق الرصاص عليا وعلى الشهيد محمد الدرة تجاوزت الـ 45 دقيقة متواصلة"؛ وقد وثقها بالفيديو الصحفى طلال أبو رحمة وكان يردد: "مات الولد مات الولد".

حول آخر التفاصيل بشأن قضية استشهاد محمد الدرة فى المحاكم الفرنسية ضد الاحتلال يقول جمال الدرة: كانت هناك عمليات قذف وتشهير وما زالت، ونشر دعايات فى فرنسا بأن هذه أكذوبة وأن محمد الدرة لم يستشهد وجمال الدرة لم يصب وشريط الفيديو المصور لقتل الدرة مفبرك.

ولأن  فيديو استشهاد محمد الدرة كان بعدسة المصور الفرنسى شارل إندرلان المراسل بقناة فرنسا 2، فقد رفعت القضية أمام المحكمة الفرنسية، ووكلت محامية "مغربية فرنسية" فى المقابل رفع الادعاء لدولة الاحتلال ملياردير يهودى يعيش فى فرنسا؛ وأنصف القضاء الفرنسى قضية محمد الدرة، وأثبت أن الادعاءات الصهوينية كاذبة؛ أما القضية الثانية رفعت ضد عمليات التشهير بقضية محمد الدرة، وأنصفنا القضاء الفرنسى أمام 3 محاكم؛ ولكن استئناف الاحتلال على الأحكام الثلاثة كان بدعم من الملياردير اليهودى وبدعم من نتنياهو شخصيا.

وأكد أنه على مدار 23 سنة وهو يناشد الجميع بالوقوف بجانبه بشأن قضية محمد الدرة؛ لأنها قضية وطن بأكمله والآلاف من الشهداء والسجناء؛ فقضية "الدرة" ليست قضية فرد  ولكن قضية أمة ومجازر ارتكبها الاحتلال؛ لافتا إلى أنه مهما طال الزمن وما دام على قيد الحياة سيظل يناضل ليس من أجل قضية الدرة فقط ولكن لكل الشهداء والأسرى والقضية الفلسطينية حتى يحاسب الاحتلال على جرائمه أمام العالم.

 

وردًا على التشكيك بأن محمد الدرة لم يستشهد، قال: مستعدين فى أى وقت للتحقيق فى استشهاد محمد وكشف كذب الاحتلال، وعلى أتم استعداد لتشكيل لجنة دولية شرط أن يكون ضمنها عرب، وأن يتحققوا من استشهاد الدرة، فالرصاص الذى اخترق جسم الشهيد لا يزال موجودا لدى السلطة حتى الآن؛ وأن يفتحوا القبر ويتحققوا هل هذا محمد الدرة أم لا؟

وحول مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة فى الحادى عشر من مايو 2022؛ يقول جمال الدرة: إن مقتل "أبو عاقلة" لن يكون الأخير لاغتيال الصحفيين الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال؛ ولكن مشهد "أبو عاقلة" كان مطابقا لاغتيال محمد الدرة، "كأنه نسخة كربونية بعد 22 عاما"؛ مشيرا إلى أن "أبو عاقلة" تم قنصها برصاص الاحتلال رغم أن جنود الاحتلال كانوا يشاهدونها بالعين المجردة ويدركون أنها صحفية ورغم ذلك تم قنصها فى الرقبة بعيدا عن الخوذة والدرع الصحفى الواقى. لافتا إلى أن سيناريو التشكيك فى مقتل "أبو عاقلة" كان أيضا مشابها لـ"الدرة"؛ فرغم وجود حائط خلف شيرين إلا أن الاحتلال حاول فبركة مقتل أبو عاقلة معتبره مشهد دعائى كاذب للتملص من "دم أبو عاقلة" رغم حملها للجنسية الأمريكية.

يقول الدرة: بعد فشل الاحتلال فى التشكيك فى مقتل الدرة، سلك طريقتى "الترغيب والترهيب"، فالأولى حاولت إسرائيل "المساومة على دم ابنى" 3 مرات من خلال وسطاء بالتنازل عن القضايا والتوقف عن الظهور الإعلامى والتحدث عن القضية، مقابل "شيك مالى مفتوح الثمن"؛ وكان الرد: "مال الدنيا لا يساوى قطرة دم واحدة من الفلسطينيين"؛ استخدم أسلوب الترهيب والذى وصل للتهديد بالتصفية الجسدية بل وقتل عائلة الدرة بأكملها، وكان الرد فى المرة الثانية: "لا يرهبنا القتل والاستشهاد شرف لنا".

وهو الأمر الذى دفع الاحتلال لمحاولات القضاء على عائلة الدرة، ففى عامى 2008 و2009 تم قصف منزلى وكان ذلك عبر اتصال تليفونى بإخلاء البيت فى غضون 10 دقائق؛ وحينها كان لدى 10 أطفال وزوجتى؛ وبالفعل تم قصف منزلى وبيت آخر بجوارى، وفى 2014 قصف البيت مرة أخرى بضربات مدفعية وربنا أنجانا. مشيرا إلى أن الاحتلال لديه قدرة على قصف أى بيت فى مكان ضيق ولا يضر الجيران من حوله؛ وبإمكانه مسح مربع سكنى كاملا بصاروخ واحد.

ويختتم الدرة حديثه مع "البوابة نيوز" قائلا: علاقة مصر بفلسطين ليست وليدة اليوم، والقضية الفلسطينية هى القضية الأم لمصر وشعبها عبر التاريخ، مؤكدا أن مصر ضحت من أجل فلسطين ومازالت تضحى من أجل القضية الفلسطينية وفى كل حرب تتدخل "القاهرة" لوقف العدوان الإسرائيلى، فهى صاحبة إعادة إعمار غزة وأتت ورفعت أنقاض كل هذه الحروب لتبنى مدنا فى غزة بدلا من التى دمرها الاحتلال.. ونشاهد هذا بأعيننا.

ووجه "الدرة" التحية للرئيس عبد الفتاح السيسى والشعب المصرى والأجهزة السيادية لجهودها بشأن القضية الفلسطينة، مشيرا إلى أن مصر لن تتخلى عن فلسطين وشعبها وقضيته.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: والد الشهيد محمد الدرة الشهيد محمد الدرة محمد الدرة قطاع غزة غزة القضیة الفلسطینیة الشعب الفلسطینى طوفان الأقصى أن الاحتلال والد الشهید أبو عاقلة إلا أن بعد أن فى غزة من أجل

إقرأ أيضاً:

هكذا أفشل صحفيو غزة خطط إسرائيل

لم يشهد أي مكان في العالم في أي مرحلة من مراحل التاريخ قتل عدد من الصحفيين والإعلاميين مثلما حدث في قطاع غزة خلال حرب الإبادة منذ ما بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

لقد قتل الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين قصفًا ونسفًا وقنصًا، وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم هم وعائلاتهم بوحشية لم يعرفها العالم من قبل. فارتقى 207 من الصحفيين والإعلاميين رجالًا ونساء وشبابًا وشيوخًا دون تمييز بمعدل ثلاثة أسبوعيًا، وهو أعلى بثلاث مرات من معدل قتل الصحفيين في كل دول العالم مجتمعة في أسوأ الأعوام التي شهدت استهداف الصحفيين خصوصًا في مناطق النزاعات، أو على خلفية استقصائهم في ملفات الجريمة المنظمة، أو الاتجار بالبشر، أو ملفات الفساد، وغير ذلك.

ولن يكون مفيدًا هنا أن نسأل الاحتلال عن سبب هذا الاستهداف المتعمد – في أغلب الأحيان إن لم يكن في جميعها- فقد نسج الاحتلال على الدوام روايات خيالية عن علاقة الصحفي الفلسطيني في غزة بقضيته الوطنية وبمعاناة شعبه، وكذلك بفصائل المقاومة.

ولفق الاحتلال التهم جزافًا لبعض من أثار قتلهم ردود فعل كبيرة نسبيًا، وحرك حالة من الاستنكار على المستوى العالمي، كما حدث بعدما اغتال الاحتلال الإسرائيلي الصحفي إسماعيل الغول، ذلك الشاب الواعد المتألق الذي نقل للعالم عبر قناة الجزيرة ومنصاتها أصعب مراحل العدوان على مدينة غزة وحصار واقتحام مستشفى الشفاء، وقد اعتقل من هناك لبضع ساعات، ثم أطلق سراحه لتنقض عليه صواريخ الغدر الإسرائيلية في يوم إخباري كبير كان يغطي فيه تداعيات اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فارتقى الإسماعيلان شهيدين في نفس اليوم وبنفس الطريقة تقريبًا، الأول في طهران، والثاني في مدينة غزة.

إعلان إستراتيجية ممنهجة للتعامل مع الإعلام

منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول منع الاحتلال دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة، وكان ذلك لسببين:

الأول: رفع الحصانة عن الصحفيين في غزة، فوجود صحفيين أجانب أو أي موظفين دوليين، خصوصًا من الغربيين، كما في كل الحروب السابقة، يعني أن على الاحتلال تحري الدقة في توجيه القصف والتدمير. وهذه المرة أراد الاحتلال التخلص من ذلك العبء. والثاني: أن يكون الاحتلال بمأمن من ملاحقة الصحفيين الأجانب الذين سيوثقون -بغض النظر عن مواقفهم السياسية- ما تقع عليه عيونهم وكاميراتهم، وسينشرون القصص والحكايات عما يرتكبه الاحتلال من فظائع وجرائم.
وهذه النقطة تحديدًا نجح الصحفيون الفلسطينيون في تعويضها، فانتشروا واستعدوا ونقلوا الصورة للعالم بأقصى ما يمكن من تفاصيلها وتحملوا أعباء ذلك. إجراءات متنوعة

أمام ذلك اتخذ الاحتلال سلسلة من الإجراءات على النحو التالي:

أولًا: إخلاء صحفيي الوكالات والمؤسسات الإعلامية الأجنبية، وهم أصحاب التجربة الطويلة والخبرة العالية، فضلًا عن ارتباطهم بالعالم الخارجي وراكموا قدرًا عاليًا من المهنية والمصداقية فيما يقدمونه من أخبار وصور. ومما يدفع للاستغراب أن ذلك حدث بطلب من تلك المؤسسات تحت عنوان حمايتهم، وتم إجلاء الغالبية العظمى منهم إما لمصر أو قطر أو دول أخرى. ثانيًا: تدمير المؤسسات الإعلامية الفلسطينية والمعدات من استوديوهات وكاميرات وعربات للنقل الخارجي أو الفضائي وغير ذلك. ثالثًا: الاغتيال المباشر لعدد كبير من الصحفيين العاملين في المؤسسات الإعلامية الفلسطينية وقناة الجزيرة بقصف بيوتهم أو قنصهم أثناء عملهم بالرصاص أو بالمسيرات. رابعًا: التشكيك في رواية الصحفيين ومهنيتهم واختراع الروايات الكاذبة لإضعاف مصداقيتهم مما يسهل استهدافهم بأي وقت وبأي نوع من الاستهداف. خامسًا: الاعتقال، وقد اعتقل الاحتلال بشكل متكرر الصحفيين والإعلاميين ونكّل بهم وبأسرهم، وفي بعض الحالات أحرق بيوتهم، كما حدث مع الصحفي القدير عماد الإفرنجي أبو مصعب الذي مازال يرزح خلف القضبان. سادسًا: الإصابات ومنع الخروج للعلاج، وهو ما يثبت نظرية التعمد في الاستهداف. فلو كان ذلك مجرد حدث عارض تسببت به ظروف المعركة وطبيعة المواجهة لكان الاحتلال حريصًا على تقديم العون والمساعدة مباشرة كما يفعل لجنوده الذين يتعرضون للإصابات في ميدان المعركة، أو على الأقل لكان سمح لهم بالحصول على الرعاية الطبية في أقرب نقطة ممكنة، أو السفر للخارج لتلقي العلاج إذا لم يتوفر ذلك في غزة التي دمر الاحتلال مؤسساتها الطبية وأصبحت عاجزة عن تقديم الخدمات الكثيرة التي احتاجها أهل غزة في ظروف الحرب الهمجية. سابعًا: التهديد عبر الاتصالات الهاتفية وعبر شاشات التلفزيون ضمن برامج القنوات الإسرائيلية، وهو الشكل الذي تكرر مع عشرات الصحفيين والمصورين، وكان هدفه التخويف والترهيب لوقف التغطية بأي شكل من الأشكال. إعلان كيف واجه الصحفيون الفلسطينيون كل ذلك؟

لم يستسلم الصحفيون أمام هذا الاستهداف الواسع، بل واصلوا التغطية وجعلوا ذلك شعارهم، وأبدعوا في إيجاد البدائل والوسائل لتوصيل الصوت والصورة المباشرة ما أمكن أو المسجلة والثابتة أو المعلومة والخبر، ونجحوا في فضح ممارسات وجرائم الاحتلال في كل مناطق القطاع، واستندوا إلى خبرات توارثها الصحفيون عبر ثلاثة أجيال منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى المعروفة بانتفاضة الحجارة عام سبعة وثمانين.

كما استندوا إلى ما يحملونه من إيمان بدورهم وقوة تأثيرهم وقدرتهم على حماية شعبهم من خلال هذا العمل الصحفي والإعلامي، كما فعلوا في كل الحروب التي مرت على غزة خلال العقدين الأخيرين، وإلى استعدادهم الدائم لأداء الواجب والحفاظ على التغطية مستمرة وعدم السماح بسقوط الصورة.

نتائج مذهلة

انضمت أجيال جديدة من الصحفيين للعمل، وحملوا راية زملائهم ولم يسمحوا بالتعتيم. وتناقل العالم في أطرافه الأربعة المعلومة والصورة الموثوقة، وإن كانت أحيانًا مصحوبة بمشاعر وتعليقات هؤلاء الصحفيين أو النشطاء الإعلاميين، وتحول معظمهم بسرعة البرق إلى نجوم نظرًا لوجودهم الدائم في دائرة الخطر، وتشابك علاقتهم بما حولهم، فبيوتهم مستهدفة كما كل أهل غزة، وعائلاتهم أيضًا قصفت أو نزحت كما كل غزة، ورآهم العالم يصرخون خوفًا أو يهربون فزعًا أو يرتجفون بردًا أو يتضورون جوعًا أو يتألمون من الجراح والإصابات، أو يودعون أحبابهم وأقاربهم الشهداء. ولم تعد قصتهم حدثًا شخصيًا بل جزءًا أساسيًا من مشهد شعب يتعرض كل ما فيه لعدوان همجي رهيب.

لاشك أن غزة استطاعت أن تحكي قصتها بكل جرأة ووضوح من خلالهم، وفشل الاحتلال فشلًا ذريعًا في كتم الحقيقة، وفشلت معه مؤسسات إعلامية دولية كانت تبدو عملاقة حتى رآها العالم متقزمة وفاشلة وربما متآمرة، فلا هي قاتلت من أجل الصحفيين في غزة ولا من أجل الدخول إلى غزة والمشاركة في تغطية حرب عظيمة ومدمرة جعلتنا نسميها "حرب الإبادة"، ولا قامت بواجبها في نقل الصورة الصحيحة أو الدفاع عن حق الصحفيين الفلسطينيين بأن يتمتعوا بما تنص عليه مواثيق العالم من حصانة وحرية .

إعلان

أما صحفيو غزة فاستحقوا أن يحصدوا كل جوائز الشجاعة في كل المهرجانات أو المحافل العالمية، فقد ثبتوا وصمدوا وتحملوا وكابدوا والتصقوا بشعبهم وقضيته، ونقلوا كل صور المعاناة التي لم تغب آثارها عن تعبيرات وجوههم أو حدقات عيونهم أو نبرات أصواتهم أو على أجسامهم وممتلكاتهم.

الأجيال الثلاثة

ربما يكون ذلك نوعًا من التأريخ الشخصي لمهنة الصحافة في غزة، وليس تأريخًا علميًا دقيقًا، فالمهنة لم تبدأ عندما بدأت، بل سبقني وجيلي صحفيون على مدى سنوات طويلة، لكنني لاحظت أن جيلنا كان طبقة كاملة من الصحفيين في تخصصات مختلفة، وغالبيتهم واكبوا الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى المعروفة بانتفاضة الحجارة التي انطلقت عام 1987.

ثم واكبوا ما تبعها من تطورات سياسية خصوصًا "عملية السلام" واتفاقيات أوسلو وإقامة السلطة بعد عودة ياسر عرفات ومنظمة التحرير. وقد نشأت علاقتي بالصحافة مع هذا الجيل الذي استهدفه الاحتلال أيضًا في حرب الإبادة، كما كان في استهداف الصحفي الكبير مصطفى الصواف فارتقى شهيدًا هو وعدد من أفراد أسرته.
أما الزميل الآخر الذي ينتمي لهذه المرحلة أيضًا فكان الزميل وائل الدحدوح، مدير مكتب الجزيرة الذي استهدف هو وعائلته وبيته وأصيب هو، بينما استشهد عدد من أفراد أسرته.
والصحفي القدير عماد الإفرنجي وهو من رموز صحفيي غزة أيضًا، فقد نكل به الاحتلال بعد اعتقاله، كما أحرق بيته وهجر أسرته إلى جنوب القطاع بطريقة شديدة الوطأة تدل على سادية ووحشية منقطعة النظير.
ولا أبالغ إن قلت إن معظم أبناء الجيلَين: الأول والثاني، هم الذين خرجوا من رحم انتفاضة الأقصى عام 2000، وعاشوا حروبًا متتالية منذ 2008، وهؤلاء من أمثال الصحفي القدير تامر المسحال ومؤمن الشرافي وهشام زقوت وغيرهم ممن يعملون بالمؤسسات الإعلامية المتنوعة، قد تمرسوا على تغطية الحروب منذ 2008 وحتى 2021. وتعرضوا أيضًا للاستهداف بالقتل أو الإصابة أو التهديد أو الاعتقال واستهداف أسرهم وبيوتهم.

إعلان

أما الجيل الثالث، فهم ربما ظهروا بعد حرب 2021 أو قبلها، ولكنهم تميزوا وبرزوا بعدما حملوا الراية باقتدار خلال أصعب المعارك الفلسطينية على الإطلاق منذ انطلاق طوفان الأقصى نهاية العام 2023، وقدموا صورة مشرفة عن بطولتهم وشجاعتهم ومهنيتهم وانتمائهم الوطني وحمْل قضية شعبهم، وحق لنا أن نفخر ونحتفي بهم، وأن نترحم على 207 من الزملاء الشهداء، ونتمنى الشفاء التام للجرحى، والحرية للأسرى والمعتقلين منهم، وأن يعوض الله كل المتضررين خيرًا.

وليست حكاية الصحفيين في غزة سوى نموذج مصغر من كل شرائح الشعب الفلسطيني في غزة، فقد عركتهم التجارب وصقلتهم الحروب وألهمتهم تجارب الأجيال السابقة ورموزها، وأجبروا على تحمُّل أعباء ثقال، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • "البوابة نيوز" تهنئ الدكتور جمال شفيق أحمد بخطوبة كريمته
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: إسرائيل تنفذ سياسات أمريكا في الشرق الأوسط
  • وحدات القمع في إسرائيل تقتحم سجن عوفر عقب إخلال بالنظام
  • البيان الختامي للقمة الأفريقية يطالب بمحاكمة «إسرائيل» دوليًا لارتكاب جرائم إبادة جماعية
  • هكذا أفشل صحفيو غزة خطط إسرائيل
  • حياة المضمار.. «البوابة نيوز» تنشر فصلًا من رواية «لمّاح»
  • "البوابة نيوز" تنشر كواليس مسلسل العتاولة 2.. صور
  • عباس: دعوات التهجير تهدف لإلهاء العالم عن إبادة إسرائيل لغزة
  • مقتل طالب مصري بسبب خلاف على قبعة رأس
  • «حماس» تعلن الإفراج عن 3 محتجزين من غزة غدا بينهم أمريكى