بعد 23 عامًا على استشهاد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية.. وبدء طوفان الأقصىوالد الشهيد محمد الدرة فى حواره مع «البوابة»:لا يوجد شبر واحد آمن فى غزة.. والفسفور ينزل علينا كالمطر
إسرائيل تنفذ إبادة جماعية بدعم أمريكى وتحت مرأى ومسمع من العالم
لم نسمع صوتًا منذ طوفان الأقصى سوى مصر رصاص الاحتلال كان عامدًا متعمدًا علىّ وعلى ابنىأبوعاقلة والدرة.

. وجهان لإرهاب الاحتلال الإسرائيلىالاحتلال حاول مساومتى على «دم الدرة» بـ «شيك مدفوع الثمن».. وحين رفضت قصفوا منزلى 3 مراتمصر ضحت من أجل فلسطين.. وفى كل حرب «القاهرة» تتدخل لوقف العدوانفلسطين هى القضية الأم لمصر وشعبها عبر التاريخ

 

قال والد الشهيد محمد الدرة والذى يسكن جنوب قطاع غزة وتحديدا فى مخيم البريج، إن غزة تشهد رعبا لم يشهده التاريخ من قبل وتحديدا منذ بدء عمليات طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر الجارى، مشيرا إلى أن الاحتلال يقصف غزة برا وبحرا وجوا دون رحمة وينسف البيوت فوق رؤوس قاطنيها بكل أنواع الأسلحة حتى المحرمة دوليا، حتى بات لا يوجد مكان واحد آمن فى قطاع غزة.

وأضاف «الدرة» فى تصريحات خاصة لـ«البوابة»، أن طيران الاحتلال يقصف البيوت دون أى إنذار وأوقع بالآلاف من الشهداء والجرحى، حتى المستشفيات قصف محيطها لمنع وصول عربات الإسعاف، مما أدى لخروج عدد من المستشفيات عن الخدمة وسط انتشار لمئات القتلى والجرحى تحت الأنقاض؛ فيما لا يزال مئات الجرحى والمصابين لايجدون أى مركز للعلاج وتضميد جراحهم؛ بعد إغلاق المستشفيات وتعمد الاحتلال الإبادة الجماعية لسكان غزة مؤكدا، نحارب بأسلحة أمريكية تحت مرأى ومسمع من العالم كله ولا يحركون ساكنا من أجل القضية الفلسطينية.

 

وأوضح جمال الدرة، أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الاحتلال بكل قوتها علنا، ونشاهد ونسمع كيف تضغط أمريكا على بعض الدول العربية لعدم مساندة الشعب الفلسطينى ومنع إدخال الحاجات الإنسانية الملحة من أكل وشراب ومواد طبية.. الآن كل المستشفيات الفلسطينية لايوجد فيها أدوية ومستهلكات طبية، وبات الوضع أصعب مما لا يتخيله عقل، فالقصف لم يتوقف ساعة واحدة منذ الـ 7 من أكتوبر وفى أى لحظة نتوقع الاستشهاد بعد أن سلب الأمان من كل شبر فى غزة.

وتابع، أنه منذ بدء عمليات طوفان الأقصى، وتعمد الاحتلال مسح مجمعات سكنية كاملة بالقصف الجوى، لافتا إلى أن غزة مقبلة على إبادة جماعية بدعم أمريكى بعد وصول المعدات العسكرية لجيش الاحتلال، مشيرا إلى أن أكثر من 2 مليون مواطن غزاوى ينتظرون الاستشهاد بقصف الاحتلال.  

 

وأوضح والد أيقونة الشهداء، أن الاحتلال يستهدف المدنيين والنساء والأطفال وليس المقاومة حسبما يروج، مؤكدا أن قوات الاحتلال لا تستطيع الوصول إلى المقاومة ولكن تشن حربا إبادية جماعية على الشعب الفلسطينى، متسائلا: أين العالم الظالم الذى يكيل بمكيالين من هذه الحرب؟

وقارن «الدرة» بين القضية الأوكرانية والفلسطينية قائلا: «عندما قامت الحرب الروسية الأوكرانية انقلب العالم ضد روسيا ودعم أوكرانيا فى مواجهة روسيا» متسائلا: أين العالم الظالم من إبادة الشعب الفلسطينى.. ولماذا يقتل النساء والشيوخ والأطفال وتهدم البيوت على رؤوس ساكنيها؟ مؤكدا أن الشعب الفلسطينى الآن يضرب بجميع الأسلحة بما فيها الأسلحة المحرمة دوليا و«الآن الفسفور ينزل على غزة مثل المطر» فأين الضمير العربى وأين منظمات حقوق الإنسان.. نحن الشعب الوحيد الذى يقتل أمام العالم ولا نسمع صوتا واحدا معرضا لقتلنا.

 

وأوضح، أنه بعد أيام من طوفان الأقصى، باتت غزة دون علاج ولا كهرباء ولا ماء ولا غاز، وتباد عوائلها بالكامل، بل ويطالبون بترحيل أهل غزة وفتح ممرات آمنة بعد أن باتت غزة عبارة عن منطقة الرعب، مشيرا إلى أن الاحتلال لم يقدر على الوقوف أمام المقاومة الفلسطينة بعد أن حرروا أراضينا المحتلة وأسروا الجنود الإسرائيليين؛ وهو الأمر الذى جن جنون إسرائيل وجعلها تدك غزة بالأسلحة المحرمة دوليا واستشهاد العشرات وإصابة المئات حتى باتت المستشفيات لا تستطيع استيعاب الجرحى.

وتساءل «الدرة»، أين الضمير العالمى والعربى من قتل الأبرياء والنساء والشيوخ فى غزة؟ فمنذ السابع من أكتوبر لم نسمع صوتا سوى مصر التى تعمل جاهدة من أجل القضية الفلسطينة، وإرسالها مساعدات للشعب الفلسطينى؛ ورغم ذلك ضرب الاحتلال معبر رفح حتى لا تصل مساعدات الشعب والحكومة المصرية لقطاع غزة. موجها التحية للقيادة المصرية لحرصها على دعم القضية الفلسطينية «ومن هنا نقول تحيا مصر».

بعد 23 عاما على استشهاد أيقونة الانتفاضة الفلسطينية.. والد محمد الدرة: مستعدون لكشف أكاذيب الاحتلال بشأن مقتل الدرة

شيرين أبوعاقلة والدرة وجهان لإرهاب الاحتلال

23 عاما مرت على استشهاد الشاب الغزاوى محمد الدرة، والذى بات أيقونة الانتفاضة الفلسطينية الثانية بعد أن قتله الإسرائيليون فى حضن والده.. جمال الدرة والد الشهيد سرد فى حوار مصور لـ"البوابة" كواليس وتفاصيل الذكرى الأليمة التى شهدها العالم حينما واجه الصراخ الرصاص.

ويقول الأب المكلوم على رحيل ابنه منذ 23 عاما: مازلت أذكر المشهد وكأنه اليوم؛ رغم مرور كل هذه السنوات فمرارة الأيام والليالى والأحداث لم تنسينى آلام قنص "محمد" أحب أبنائى لقلبى رغم أن الله عوضنى بطفل آخر يشبه "الدرة" فى كل شيء؛ لكن لن أقدر حتى الآن على النسيان وتضميد جراح القلب.

ويضيف الكل يذكر أن "شارون" - رئيس وزراء إسرائيل سابقا- اقتحم الأقصى فى الـ 28 من ديسمبر عام 2000 بحماية المئات من جنود الصهاينة؛ وبعد يومين من الاقتحام خرجت أنا ومحمد ابنى من البيت متوجهين إلى غزة لتحقيق حلم "محمد" بشراء "سيارة جيب" كبيرة تسع كل العائلة "كنت فى ذلك الوقت أمتلك سيارة صغيرة وأسرتى 7 أبناء وأنا وزوجتى 9 أفراد".

 

ويكمل: توجهنا لسوق السيارات فى غزة؛ ورغم صغر سن محمد الدرة - 12 عاما آن ذاك- إلا أنه كان الموكل بشراء السيارة؛ فكان يتمتع بعقلية كبيرة جدا وقوة بدنية خارقة؛ قائلا: لم نوفق هذا اليوم فى شراء السيارة وكان من المقرر العودة الأسبوع المقبل لشراء السيارة؛ وفى طريق عودتنا لمنزلنا الكائن بمخيم البريج جنوب قطاع غزة، كان شارع صلاح الدين مغلق بالحجارة فترجلنا  فى الشوارع الجانبيه لاستكمال طريقنا؛ ولكن بعد لحظات باغتنا رصاص الاحتلال.

ويروى والد أشهر شهداء فلسطين لحظات الألم لأشهر قضية قتل سجلتها كاميرات التلفاز أمام أعين العالم: كان رصاص الاحتلال ينزل علينا كالمطر، ولم يكن لدينا أى مفر لا التقدم ولا حتى الرجوع للخلف، حاولنا أن نحتمى خلف قطعة برميل أسمنتى بجانب أحد الجدران حتى يقف وابل الرصاص لاستكمال طريقنا للمخيم؛ إلا أن الرصاص استمر ولم يقف لحظة واحدة؛ قائلا: "وكأن الرصاص كان عامدا متعمدا عليا وعلى ابنى".

آخر كلمات بين الشهيد الدرة ووالده

يضيف "الدرة"، كان الصغير يسألنى لماذا يطلق علينا الرصاص؟ ولكن لم تكن لدى إجابة فكل تركيزى حماية ابنى من الرصاص؟ وبعد وقت طويل من إطلاق الرصاص الذى لم يتوقف أصيب محمد الدرة برصاصة فى ركبته اليمين؛ فصرخ قائلا "أصابونى الكلاب 3 مرات"، وكنت أطمئنه بأن سيارة الإسعاف ستحملنا بعد قليل؛ وكان يرد قائلا: "أنا لا أخاف"؛ حاولت أن أحمى ابنى بكل ما أستطيع حتى أننى استقبلت الرصاص بيدى اليمنى؛ وبعد وقت طول صمت مناشدة ابنى فنظرت إليه وجدته ملقى على قدمى لا يحرك ساكنا وبظهره فتحة كبيرة من الرصاص فأيقنت أن محمد الدرة استشهد.

بنبرة حزن يقول والد الدرة: "تحسرت على محمد فى هذا المكان؛ فلم أقدرعلى حماية ابنى وكنت أعاتب نفسى وأتحسر أكثر بعد أن تم إنقاذى وقتل محمد الدرة برصاص الاحتلال على مرأى ومسمع من العالم؛ "إلا أن قضاء الله كان أكبر من محاولاتى لإنقاذه".

 

يقول "الدرة" لـ "البوابة": "أقسم بالله أن الرصاص الذى صوب ناحيتنا كان أكثر من المطر، ورغم ذلك حاول الاحتلال أن يمسح هذه الجريمة بضرب قذيفة عليا وعلى ابنى إلا أنا أصابت حافة الرصيف ولم تصلنا"، وقد علمت من الصحفيين بعد الإفاقة من العناية المركزة أن فترة إطلاق الرصاص عليا وعلى الشهيد محمد الدرة تجاوزت الـ 45 دقيقة متواصلة"؛ وقد وثقها بالفيديو الصحفى طلال أبو رحمة وكان يردد: "مات الولد مات الولد".

حول آخر التفاصيل بشأن قضية استشهاد محمد الدرة فى المحاكم الفرنسية ضد الاحتلال يقول جمال الدرة: كانت هناك عمليات قذف وتشهير وما زالت، ونشر دعايات فى فرنسا بأن هذه أكذوبة وأن محمد الدرة لم يستشهد وجمال الدرة لم يصب وشريط الفيديو المصور لقتل الدرة مفبرك.

ولأن  فيديو استشهاد محمد الدرة كان بعدسة المصور الفرنسى شارل إندرلان المراسل بقناة فرنسا 2، فقد رفعت القضية أمام المحكمة الفرنسية، ووكلت محامية "مغربية فرنسية" فى المقابل رفع الادعاء لدولة الاحتلال ملياردير يهودى يعيش فى فرنسا؛ وأنصف القضاء الفرنسى قضية محمد الدرة، وأثبت أن الادعاءات الصهوينية كاذبة؛ أما القضية الثانية رفعت ضد عمليات التشهير بقضية محمد الدرة، وأنصفنا القضاء الفرنسى أمام 3 محاكم؛ ولكن استئناف الاحتلال على الأحكام الثلاثة كان بدعم من الملياردير اليهودى وبدعم من نتنياهو شخصيا.

وأكد أنه على مدار 23 سنة وهو يناشد الجميع بالوقوف بجانبه بشأن قضية محمد الدرة؛ لأنها قضية وطن بأكمله والآلاف من الشهداء والسجناء؛ فقضية "الدرة" ليست قضية فرد  ولكن قضية أمة ومجازر ارتكبها الاحتلال؛ لافتا إلى أنه مهما طال الزمن وما دام على قيد الحياة سيظل يناضل ليس من أجل قضية الدرة فقط ولكن لكل الشهداء والأسرى والقضية الفلسطينية حتى يحاسب الاحتلال على جرائمه أمام العالم.

 

وردًا على التشكيك بأن محمد الدرة لم يستشهد، قال: مستعدين فى أى وقت للتحقيق فى استشهاد محمد وكشف كذب الاحتلال، وعلى أتم استعداد لتشكيل لجنة دولية شرط أن يكون ضمنها عرب، وأن يتحققوا من استشهاد الدرة، فالرصاص الذى اخترق جسم الشهيد لا يزال موجودا لدى السلطة حتى الآن؛ وأن يفتحوا القبر ويتحققوا هل هذا محمد الدرة أم لا؟

وحول مقتل الصحفية الفلسطينية شيرين أبوعاقلة فى الحادى عشر من مايو 2022؛ يقول جمال الدرة: إن مقتل "أبو عاقلة" لن يكون الأخير لاغتيال الصحفيين الفلسطينيين على يد قوات الاحتلال؛ ولكن مشهد "أبو عاقلة" كان مطابقا لاغتيال محمد الدرة، "كأنه نسخة كربونية بعد 22 عاما"؛ مشيرا إلى أن "أبو عاقلة" تم قنصها برصاص الاحتلال رغم أن جنود الاحتلال كانوا يشاهدونها بالعين المجردة ويدركون أنها صحفية ورغم ذلك تم قنصها فى الرقبة بعيدا عن الخوذة والدرع الصحفى الواقى. لافتا إلى أن سيناريو التشكيك فى مقتل "أبو عاقلة" كان أيضا مشابها لـ"الدرة"؛ فرغم وجود حائط خلف شيرين إلا أن الاحتلال حاول فبركة مقتل أبو عاقلة معتبره مشهد دعائى كاذب للتملص من "دم أبو عاقلة" رغم حملها للجنسية الأمريكية.

يقول الدرة: بعد فشل الاحتلال فى التشكيك فى مقتل الدرة، سلك طريقتى "الترغيب والترهيب"، فالأولى حاولت إسرائيل "المساومة على دم ابنى" 3 مرات من خلال وسطاء بالتنازل عن القضايا والتوقف عن الظهور الإعلامى والتحدث عن القضية، مقابل "شيك مالى مفتوح الثمن"؛ وكان الرد: "مال الدنيا لا يساوى قطرة دم واحدة من الفلسطينيين"؛ استخدم أسلوب الترهيب والذى وصل للتهديد بالتصفية الجسدية بل وقتل عائلة الدرة بأكملها، وكان الرد فى المرة الثانية: "لا يرهبنا القتل والاستشهاد شرف لنا".

وهو الأمر الذى دفع الاحتلال لمحاولات القضاء على عائلة الدرة، ففى عامى 2008 و2009 تم قصف منزلى وكان ذلك عبر اتصال تليفونى بإخلاء البيت فى غضون 10 دقائق؛ وحينها كان لدى 10 أطفال وزوجتى؛ وبالفعل تم قصف منزلى وبيت آخر بجوارى، وفى 2014 قصف البيت مرة أخرى بضربات مدفعية وربنا أنجانا. مشيرا إلى أن الاحتلال لديه قدرة على قصف أى بيت فى مكان ضيق ولا يضر الجيران من حوله؛ وبإمكانه مسح مربع سكنى كاملا بصاروخ واحد.

ويختتم الدرة حديثه مع "البوابة نيوز" قائلا: علاقة مصر بفلسطين ليست وليدة اليوم، والقضية الفلسطينية هى القضية الأم لمصر وشعبها عبر التاريخ، مؤكدا أن مصر ضحت من أجل فلسطين ومازالت تضحى من أجل القضية الفلسطينية وفى كل حرب تتدخل "القاهرة" لوقف العدوان الإسرائيلى، فهى صاحبة إعادة إعمار غزة وأتت ورفعت أنقاض كل هذه الحروب لتبنى مدنا فى غزة بدلا من التى دمرها الاحتلال.. ونشاهد هذا بأعيننا.

ووجه "الدرة" التحية للرئيس عبد الفتاح السيسى والشعب المصرى والأجهزة السيادية لجهودها بشأن القضية الفلسطينة، مشيرا إلى أن مصر لن تتخلى عن فلسطين وشعبها وقضيته.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: والد الشهيد محمد الدرة الشهيد محمد الدرة محمد الدرة قطاع غزة غزة القضیة الفلسطینیة الشعب الفلسطینى طوفان الأقصى أن الاحتلال والد الشهید أبو عاقلة إلا أن بعد أن فى غزة من أجل

إقرأ أيضاً:

المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

موضوعات عدة، ما بين الظروف السياسية والشئون الخارجية وما يحيط بمنطقة الشرق الأوسط، وشبح الحروب المخيمة على المنطقة، وأثر دخولنا لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، والعقبات والمشاكل التى تعرقل تطلعات وطموحات العقل العربى الفعال، تحدث الدكتور نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة السياسية إلى جريدة «البوابة نيوز»، محللًا الكثير من القضايا برؤية فلسفية متأنية.. وكان لا بد أن يتناول فى حديثه أبعاد الذكريات الرمضانية التى ترتبط بأيام الشهر الفضيل.

يُعد د. نصار عبدالله، نموذجًا فريدًا للمفكر الذي يجمع بين عمق التحليل الفلسفي وجمالية التعبير الأدبي. وتجلى هذا فى مسيرته الأكاديمية والشعرية، تناول فى مؤلفاته الفلسفية قضايا جوهرية تتقاطع مع الفلسفة السياسية، مثل: مسألة الحرب العادلة، وطبيعة العدل الاجتماعي، والعلاقة الجدلية بين القانون الوضعى والأخلاقي، بالإضافة إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين الفلسفة والأدب، من خلال هذه القضايا، كما حاول تفكيك المفاهيم التقليدية وإعادة بنائها فى ضوء رؤية فلسفية متكاملة. وفى الموازاة عبَّر عن رؤاه وتأملاته من خلال دواوين شعرية مثل "قلبى طفل ضال"، و"أحزان الأزمنة الأولى"، و"سألت وجهه الجميل"، و"ما زلت أقول"، وغيرها، ما يعكس قدرته على تجسيد الأفكار الفلسفية فى قالب أدبى مؤثر.

ولد "عبدالله" فى البداري بأسيوط، وشهدت مسيرته الأكاديمية مزيجًا فريدًا بين العلوم السياسية والفلسفية والقانونية. تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام ١٩٦٦، فى فترة تاريخية اتسمت بتحولات سياسية وفكرية عميقة، وصراعات تحيط بمصر من دول استعمارية كبرى، فى هذا السياق التاريخي، اتخذ "عبدالله" قرارًا جوهريًا بالتوجه نحو دراسة الفلسفة فى كلية الآداب، حيث تخرج فيها عام ١٩٧١. ومن ثمَّ وسع آفاقه المعرفية بدراسة الحقوق، قبل أن يعود إلى رحاب الفلسفة ليكمل دراسته العليا ويحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه، ويستقر أستاذًا للفلسفة السياسية فى كلية الآداب جامعة سوهاج، تعكس هذه المسيرة الأكاديمية المتميزة رؤية فلسفية متكاملة، خاصة وأنه سعى إلى فهم العلاقة الجدلية بين التاريخ والفكر، وبين النظرية والتطبيق. فهو لم يكتفِ بدراسة العلوم السياسية فى سياقها التاريخي، كما حاول تعميق فهمه للواقع السياسى من خلال العدسات الفلسفية والقانونية.

نصار عبدالله: للصيام حكمة تتمثل فى تحمل الإنسان الشدة والضيق بإرادته قبل أن تُفرض عليهالذكريات الرمضانية

حدثنا د. نصار حول بعض الذكريات الرمضانية، وخاصة بعض سلوكيات الأهالي قديمًا فى رمضان، أو سلوكيات الأطفال فى الشهر الكريم.. قائلًا: فى طفولتي كان الإفطار والسحور جماعيًا، العائلة الكبيرة تجتمع فى المندرة، وتخرج صوانى للمندرة من البيت وتحتشد حولها الجموع والمفطرين، وليس أصحاب الصينية فقط، وإنما دعوة عامة لكل عابر سبيل يتصادف وجوده، وهو منظر بهيج افتقدناه، منظر الصوانى وهى تخرج من البيت فى المغربية منظر بهيج وجميل.

ومن ذكريات الطفولة أيضًا: لحظة انتظار آذان المغرب ونحن أطفال، لم يكن هناك صوت مدفع، وننتظر صوت المؤذن، وساعتها تنطلق الأغانى الطفولية "افطر يا صايم على الكشك العايم". 

وأضاف أن للصوم حكمة يجب أن يشعر بها الإنسان، وهى فى رأيه "أن الحياة لا تقدم لك ما تريده وعليك أن تمتنع عما هو متاح لك حتى تتعرض لظرف به من الضيق والشدة رغمًا عنك، وعليك أن تعيش الضيق والشدة بقرار منك قبل أن تأتى لحظة ويُفرض عليك هذا الضيق وهذه الشدة".

نصار عبدالله: الحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفرادحروب عصر الذكاء الاصطناعى الفائق

تناول الحديث مع الدكتور نصار عبدالله التحديات الجديدة التى فرضها عصر التقنية وعصر الذكاء الاصطناعى الفائق، وبدوره رأى أنه "من الممكن أن نطلق عليها حروب من الجيل الخامس أو السادس، بمعنى أنها حروب جيل ما بعد الأجيال التقليدية للحروب، فهى تعتمد بشكل أساسى ورئيسى على التكنولوجيا المتقدمة جدا".

وبحسب "عبدالله" فإن النظرة للجيوش والأسلحة التقليدية سوف تتغير بالضرورة، و"لن يكون للأفراد نفس الدور الذى كان لهم فيما مضى، لأن دور الأعداد يتقلص لحساب مستوى التقدم العقلي، فالحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفراد، فأى كان عدد الأفراد من الممكن أن يطيح بهم سلاح يحركه فرد واحد، بدون مجهود".

رأى أستاذ الفلسفة السياسية أن تطور أدوات الحروب يصب فى دمار البشرية، قائلًا: "لو ألقينا نظرة على وسائل الحرب من بداية ظاهرة الحرب، سنلاحظ استخدام الحجارة والعصي، وقدرتها على الفتك محدودة جدًا، فمهما تكاثرت الأعداد كم من القتلى سوف يسقط؟ فالأسلحة تتمثل فى الحجارة المدببة وقدرتها على الفتك محدودة، لكن اختراع البارود والأعيرة النارية يُعد ثورة، لأن أعداد القتلى تزيد، وقدرتها على الفتك كبيرة جدًا. ومع ظهور القنبلة النووية، لم يكن أحد يتصور أن قنبلة واحدة تستطيع أن تقضى على ١٠٠ ألف إنسان، ومبانٍ ومنشآت مدينة بالكامل، وتعتبر قنبلة هيروشيما قزمة بالنسبة للأجيال المتطورة من الأسلحة النووية، وعند مقارنة الأسلحة النووية نجد الفارق يشبه الفارق بين السهم والمدفع، والنتيجة إن أسلحة التدمير أصبحت مروعة وباتت تهدد بفناء الإنسانية فناءً حقيقيًا.

أسلحة التدمير مروعة وتهدد بفناء الإنسانية.. وقوة الردع تعطل نشاط أسلحة الدمار نتيجة الخوف المتبادل بين الدولخطر فناء البشرية

وفى تنبيه عام، حذَّر المفكر الكبير من اتجاه البشرية للفناء الحقيقى نتيجة تطور أسلحة الدمار، وتوسع الدول فى امتلاكها دون تعقل أو مسئولية أخلاقية، وبسؤاله: هل هذا يؤكد وجهة نظر الفريق القائل بأن تطور وتقدم البشرية يؤكد أننا نتجه ناحية دمار وهلاك البشرية؟.
أجاب "عبدالله" بأن التطور يُلقى مسئولية أكثر على الدول التى تمتلك هذه الأسلحة، وتتوسع فى تطويرها، ويجعلها أكثر حذرًا من استخدامها للأسلحة التقليدية، هناك خوف متبادل من الردع المتبادل بين الدول.
وشرح المسألة بقوله: إن هذا الردع المتبادل لم يكن موجودًا زمن الأسلحة التقليدية.. الآن باتت الدول تمتلك أسلحة مخيفة ورادعة، ويجب أن تكون مسئولة وحذرة قبل استخدامها، لأن مفهوم الحرب تغير، ولن تكون النتيجة إيذاء فى مقابل إيذاء، بل ستكون هلاك وإزالة فى مقابل هلاك وإزالة، حاليًا فإن الغواصات النووية قادرة على إبادة دول العالم، عندما تتعرض دولها لضربة معينة ستقوم هى بضربة مضادة، وهذا يجعلها قوة رادعة، ويجعلها أسلحة موقوفة الاستخدام، نتيجة للخوف المتبادل.

نصار عبدالله: عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين موقف شجاع تنتصر فيه بلادنا.. لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلكردع إسرائيل وترسانة إيران

أكد "عبدالله" فى حديثه أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تحتاج لأن تبنى الدول العربية قوة ردع، لأن الردع هو الذى يحفظ السلام ويفرض الشروط، مشيدًا بالموقف المصرى الشجاع فى عرقلتها لخطط دولة الاحتلال الرامية لتهجير الفلسطينيين بمساعدة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال: يؤسفني أن أقول إن الفارق التكنولوجي بين الدول العربية وبين إسرائيل اتسع جدًا لدرجة أنه لا يوجد رادع حقيقى لأى طرف من الدول التى يعنيها الحق والعدل، ولو وجدت دولة تملك رادع حقيقي ضد إسرائيل لتغيرت المعادلة مع إسرائيل تمامًا.

وتساءل بدوره: ماذا لو كانت إيران مثلًا تمتلك سلاحًا نوويًا مثلما فعلتها باكستان فى غفلة من الزمن، حين باغتت العالم ذات يوم بتفجير نووي، ولم يكن العالم يتوقع أنها ستنجح فى ذلك، فماذا لو نجحت إيران فى ذلك؟ ربما تغيرت نقاط عدة فى المعادلة مع إسرائيل.

وهنا، عند الحديث عن تطور قدرات إيران النووية، كان سؤالنا: أليس امتلاك إيران لسلاح نووى يُعد تهديدًا للعرب ولمنطقة الشرق الأوسط؟. أجاب "عبدالله" بالإيجاب: بالطبع هى تهديد للمنطقة، ولكن أنظر لها بوصفها عدوًا لإسرائيل، والمعنى أنه من المفروض أن يكون هناك طرف يلزم إسرائيل بأن تستجيب للاتفاقيات والمطالب.

شجاعة الموقف المصري

وصف المفكر الكبير نصار عبدالله الموقف المصري بالشجاع والحكيم، قائلًا: لا أحد يشك فى الموقف المصري، والمصريون جميعًا من أعلى مستوى لأدنى مستوى يتألمون لما يحدث فى فلسطين، ويدركون عواقب ما يمكن أن يحدث لو أقدموا على المغامرة، لأنها ستكون خسارة كبيرة للفلسطينيين أنفسهم، لذلك أنا أثنى على الموقف المصرى وأراه حكيمًا جدًا، وأكثر البدائل حكمة فى ظل المعادلة الصعبة التى نعيشها الآن. وأكد أن عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين، هو موقف شجاع امتلكته مصر، وفيه تنتصر مصر، لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلك.

تطور الأمم مرهون بتقدمها فى مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقطضرورة الفلسفة فى عصر القوة

شدد نصار عبدالله على ضرورة الفلسفة فى عصر القوة، وعصر تطور الذكاء الاصطناعي، وأين يكمن دورها، مؤكدًا أنه من الخطأ الكبير تجاهل دور الفلسفة فى النهضة والتقدم. 

وبحسب حديثه، فإن الاهتمام العام فى التعليم ينطلق من مفهوم خطأ وهو قلة الاهتمام بالدراسات الإنسانية عمومًا، بما فيها الفلسفة، حتى كانت هناك دعوة لإلغاء أقسام الفلسفة، وترتب عليه انخفاض شديد فى عدد الدارسين لها، ولاحظ عدد الطلبة الذين يدرسون فى قسم الفلسفة ستجدهم قرابة ١٠ طلبة فى الدفعة، وهى ظاهرة على مستوى الجامعات، وهو شكل من أشكال الانبهار الأعمى بالنموذج الغربي، وتجاهل مخيف لإيجابيات النموذج، ومن الكارثة تصور أن العالم الغربى تطور بالتكنولوجيا فقط، وأغفل الدراسات الاجتماعية، هذا تصور خاطئ، فالدراسات الإنسانية لها دور أساسى جدا، والولايات المتحدة من الدول المتطورة تكنولوجيًا وبها العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية، التى تضم عددًا من الأساتذة المتخصصين فى الفلسفة السياسية، يساهمون فى رسم خطوط السياسية الأمريكية، ويضعون بدائل القرار الممكنة أمام رئيس الدولة، أى أن صاحب القرار لا يمكنه أن يستغنى عن مراكز الدراسات الاستراتيجية.

ولفت "عبدالله" إلى أن هناك فرعين من فروع الفلسفة على الأقل، وثيقى الصلة بنبض الحياة، أولهما فلسفة العلم، ومناهج البحث العلمي، لا يمكن الاستغناء عنه لأنه ضرورى لتطور العلم، وثانيهما علم الفلسفة السياسية، الذى يضع القيم والمحددات النهائية لأى دولة تسعى لتحقيقها، ويضعها أساتذة الفلسفة السياسية، وبهذا تظل الفلسفة تمارس دورها، وهذه الحقيقة غائبة عن واضع السياسية التعليمية وصانع القرار التعليمي، ويظن أن العالم يتقدم بالتكنولوجيا وبالتالى نلغى العلوم الإنسانية.

جزء ما من حياة الإنسان داخلي يريد أن يشبعه وجدانيًامعضلة الدين والفلسفة.. ما الحل؟

لا يرى د. نصار عبدالله أن ما يثار من مشاكل بشأن الفلسفة والدين هى أزمات معقدة، ويعتقد أنها حدثت فى الماضى لأنها أحيطت بملابسات تاريخية وسياسية أسهمت فى خلق المشكلة.

وفى رأيه، أنها معضلة تحل نفسها مع الزمن، وهى مشكلة لها جوانب سياسية، ومع التطور السياسى ومع ظهور قيادات سياسية لها رؤية شاملة تدرك أبعاد كل فروع المعرفة، سوف تستعيد الفلسفة دورها وهى جديرة به فى ضوء وظيفتها المعاصرة، بوصفها خادمًا للعلم والسياسة، فالتقدم السياسى العام يحل المشكلة بشكل تلقائي.

وقال: أعتقد أن مشكل الدين مع الفلسفة أو مع الإلحاد مثلًا كان مرهونًا بشروط وظروف تاريخية معينة، ومنها أن مكونًا ما حاول أن يكون صاحب السلطة السياسية العليا، وأعتقد أنه مع التقدم السياسى لم تعد هذه المناطحة من جانب المشتغلين بالدين واردة، وهل تعلم أن العالم به نحو ٥٠ أو ٦٠ ديانة مختلفة، ومن الممكن أن تسميها ديانات كبرى، وكل دين يؤمن بأنه الدين الصحيح، وتتفاوت الديانات فى أعداد تابعيها، ولا يمكن أن نقول أن ديانة تمتلك نصف مليون مؤمن هى أقل قيمة من ديانة يتبعها نحو أكثر من مليار إنسان مثل الديانة الهندوكية.

وأوضح أنه فى النهاية يظل جزء ما من حياة الإنسان داخلي، يريد أن يشبعه وجدانيًا، أيًا كان شكله أو بصمته فى الحياة، وأيًا كان نفوذه فى مجرى الأحداث اليومية، نسميه بالعقيدة، أيًا كانت هذه العقيدة.

نصار عبدالله: المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنيةاستعادة مشاريع قديمة أم انتاج جديد

بسؤاله حول أهمية الدعوات الخاصة بشأن استعادة المشاريع الفلسفية القديمة مثل مشروع ابن رشد التنويري، هل مثل هذه الدعوات مفيدة وفاعلة؟، أجاب قائلًا: فى ظنى لا شيء قابل للاستنساخ، المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنية، وتنمو كما ينمو الجسد بشكل مرحلي، خلية وراء خلية إلى أن يتكامل، إنما لا يكفى إعادة إنتاج مشروع فكرى ماضوي.

وقال "عبدالله": أظن أن الابتعاد عن الأسلوب العلمى فى التفكير سبب وجيه لتخلف العقل العربي، وإن غياب التفكير العلمى مؤسف حتى أنه وصل لفئة وظيفتها العلم والتعليم، فتجد إنسانًا يمارس العلم فى معمله بينما لا يترجم هذا لسلوك فى أرض الواقع، ومن المفروض أنه لا انفصام بين ما نؤمن به كعلم وبين ما نمارسه فى الواقع، وعلى الجيل المؤمن بالتفكير العلمى أن يغرس ذلك فى الجيل اللاحق.

الصفحة الأولىحوار المفكر الكبير د. نصار عبدالله

مقالات مشابهة

  • الدكتور ماهر صافي في حواره لـ"البوابة نيوز": الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة هي الأنسب للمرحلة الحالية.. تصريحات نتنياهو بعودة القتال في القطاع مناورات للضغط على حماس
  • إيران تتهم واشنطن ولندن بدعم إبادة الفلسطينيين عبر هجماتهما في اليمن
  • إصابة شاب برصاص الاحتلال واعتقال طفل شرق الخليل
  • استشهاد 5 فلسطينيين بينهم صحفيان برصاص الاحتلال الإسرائيلي في بيت لاهيا
  • بينهم صحفيان.. استشهاد 5 فلسطينيين برصاص الاحتلال في بيت لاهيا
  • إذا لم تنفذ إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار..حماس تهدد بالتراجع عن تسليم رهينة أمريكي إسرائيلي و4 جثث
  • آليات الاحتلال تطلق الرصاص تجاه مخيم الشابورة فى رفح الفلسطينية جنوب غزة
  • المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي
  • استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال في سالم شرق نابلس
  • تقرير أممي يتهم إسرائيل بارتكاب أعمال إبادة في غزة