تتداعى القوات الأجنبية لغزة كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، ومن الولايات المتحدة الأمريكية، إلى فرنسا، وإيطاليا، إلى ألمانيا، والحبل على الجرار، وقد قررت واشنطن إرسال قطع بحرية لمساعدة الجيش الإسرائيلي في محنته، ولحصار غزة، مع الإعلان عن أن قرار الاجتياح البري للقطاع قد اتخذ بالفعل!
القطع العسكرية التي تحركت، والدعم العسكري الذي قُدم، أكد أن أسطورة تفوق الجيش الإسرائيلي محل شك، وإذا كان قد أعاد بناء سمعته بعد هزيمته في تشرين الأول/ أكتوبر 1973 وانكشاف عورته للناظرين، فها هي معركة يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، مع طلب النجدة من بايدن، قد أكدت أن التفوق الذي ضمنته الولايات المتحدة الأمريكية له يحقق النصر على الجيوش النظامية، لكن لا يوجد في غزة جيش نظامي، ومع هذا الوضع يمكن لقرار الاجتياح البري أن يكون قد اتُخذ فعلاً، وأنها مسألة وقت، عندها تتدفق القوات الأجنبية إلى القطاع!
عندما بدأ التلويح بالاجتياح البري في بداية العمليات، استبعدتُ هذا، لأن الأكثر ايلاماً هو هذا القصف الجوي، وإذا حدث الاجتياح البري، فسوف تكون المواجهة نداً لند، والأرض في هذه الحالة تلعب لصالح مالكها، لكن أياما مضت على القصف الجوي المجنون، الذي لا يميز بين بشر وحجر، أو بين مقاتل وطفل، أو بين مستشفى وبناية، على نحو نرى فيه سعاراً لا يجد من يلجمه، أو يوقفه عند الحدود الآمنة لهذه الحماقة، فالعالم الغربي يعيش همجيته الأولى، وليس معنياً بما يمكن أن يمس سمعته، فهو في غضبه يكون أصدق مع نفسه، لا تشغله الدروس، وفي الوقت الذي كان فيه الأمريكان يقدمون أنفسهم في احتلال العراق أنهم محررون يستهدفون نشر الديمقراطية، كان ما يحدث في سجن أبو غريب تتأذى منه الكائنات الحية، والاستبداد العربي على إجرامه!
على أبواب الانتخابات:
الحذر من الاجتياح البري فقد مفعوله، ليس فقط لأنهم ليسوا بحاجة لقصف جوي جديد، ولكن لأن قوى الاستعمار القديم قررت أنها في مهمة تأديب في المنطقة، لتمرد واحدة من المستعمرات القديمة على هيبتها، ولن يتحقق النصر إلا بمشهد الاجتياح البري، فكل ما يهم القوم الآن هو "اللقطة"، وهي التي حاربوا من أجلها في العراق، ولم تتحقق إلا بسقوطه والقبض على الرئيس صدام وإعدامه في وقت لاحق، وهو الهدف من اجتياح أفغانستان وإسقاط الحكومة، مع غياب العقل الاستراتيجي هنا وهناك
يغيب الرئيس الأمريكي عن الوعي، وعندما يسترد وعيه يتذكر أنه على أبواب انتخابات رئاسية، وأمامه تصريحات منافسه ترامب؛ بأن جرأة حماس هي بسبب ضعف الرئيس الأمريكي، وأنه لو كان في موقعه لما جرى ما جرى، ولأنها الانتخابات فقد أسرف بايدن في منح نتنياهو التأييد الكامل، بعد أن اعتمد الرواية الإسرائيلية عن قطع رقاب الأطفال الإسرائيليين بواسطة حماس، قبل التراجع عنها!
والحال كذلك، فإن الحذر من الاجتياح البري فقد مفعوله، ليس فقط لأنهم ليسوا بحاجة لقصف جوي جديد، ولكن لأن قوى الاستعمار القديم قررت أنها في مهمة تأديب في المنطقة، لتمرد واحدة من المستعمرات القديمة على هيبتها، ولن يتحقق النصر إلا بمشهد الاجتياح البري، فكل ما يهم القوم الآن هو "اللقطة"، وهي التي حاربوا من أجلها في العراق، ولم تتحقق إلا بسقوطه والقبض على الرئيس صدام وإعدامه في وقت لاحق، وهو الهدف من اجتياح أفغانستان وإسقاط الحكومة، مع غياب العقل الاستراتيجي هنا وهناك، فباحتلال العراق مكّنوا لإيران في الأرض، وفي أفغانستان اضطروا أن يغادروا بعد سنوات طويلة من الفشل والهزائم!
إن تسوية غزة بالأرض، بالقصف من بعيد، لن يحقق المراد، الذي لن يتحقق سوى باجتياح بري، ويا حبذا لو تم الإمساك بقيادة الصف الأول في المقاومة، أو بأحد الزعماء الحاضرين إعلامياً، وفي النهاية لن تعني القوم السمعة، فقد أثبتت التجارب أنهم في ساعة الجد لا تشغلهم كثيراً، فتظهر صورة مصاص الدماء، وسيكون الرد: لقد طلبنا من المدنيين مغادرة غزة، ليمكن لهم أن يمارسوا غضبهم بدون تذكير بضمير، أو بسؤال أين ذهب الله بعقولهم؟
ليست اللقطة الأخيرة:
"العقل زينة"، فإن لم تعن القوم السمعة بأنهم من يمثلون الضمير الإنساني، وقد تمكنت منهم شهوة الانتقام، فإنهم لو انتصروا بـ"اللقطة"، فإنها لن تكون "اللقطة الأولى" في هذه الحرب!
هل لا يدرك القوم أن المقاومة في غزة ليست جيشاً نظامياً؟ فإذا كانت تجاربهم مريحة حيث الجيوش النظامية، فقد انتصروا في العراق بسهولة، إلا أنهم هُزموا في أفغانستان ومعهم الغرب وحلف الناتو، ومكنوا طالبان من فرض شروطها
الجنين في بطن أمه، يعرف أن غزة لا تقتصر المقاومة فيها على الأجنحة العسكرية للفصائل الرسمية، التي لا تغيب عنها التقديرات السياسية عند كل معركة، فالشاهد أن هذه المقاومة كانت تقمع من يخرج على حدود الممارسة المحسوبة، لكن بسقوط غزة، فلن تجد هذه المقاومة من يمنعها من العمل خارج السياسة، وإذا لم يكن هناك إحصاء بأعداد هؤلاء، فإن مواجهتهم على قلتهم ستكون موجعة.
لا نتحدث عن دول أوروبا المشاركة في الحرب، فقد تحولت الى قطعان في الحظيرة الأمريكية تسير في الركب، ولا تتعلم من التجارب الخاسرة الحذر من الانغماس في الدور الأمريكي، فما يعنيها هو هذا الكاوبوي القادم من التاريخ، سافراً عن وجهه، ليس مشغولاً بأبعد من مدد الشوف، حيث الانتخابات الرئاسية، وإصرار الرئيس المتوفى سابقاً على خوضها!
هل لا يدرك القوم أن المقاومة في غزة ليست جيشاً نظامياً؟ فإذا كانت تجاربهم مريحة حيث الجيوش النظامية، فقد انتصروا في العراق بسهولة، إلا أنهم هُزموا في أفغانستان ومعهم الغرب وحلف الناتو، ومكنوا طالبان من فرض شروطها، فلم تقبل بشرطهم استبدال الإمارات بقطر مكاناً للمفاوضات!
لا أعرف أسباب عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، وهل هي انتفاضة ضد الحصار وقسوته، أم أنها تعبر عن الدخول في مرحلة جديدة للمقاومة وهي التحرير الكامل، على النحو الذي انتقل بها من أن تكون ردة فعل إلى الفعل ذاته، لكن المعلوم أن اجتياح غزة لن يكون نزهة، وإن تصدرت القوات الأمريكية المشهد، فقد تحقق نصراً سريعاً، كما تستهدف الإدارة الأمريكية، لكنه لن يكون سفراً قاصداً، وإذا قرروا أن تكون حرباً مفتوحة، كما أرادوها، ففكرة طي صفحة حماس هي فكرة خيالية.
تصرفات الإدارة الأمريكية غير المسؤولة لا تحتكم للعقل، وبعد كل هذه السنوات التي مرت منذ النكبة فلا هروب من استحقاق الحل العادل للقضية الفلسطينية، وأن فرض إسرائيل بالسلاح الغربي وضمان التفوق، لن ينهي المشكلة ولن تعيش إسرائيل بأمان في وجوده!
إننا ندرك أن العواصم الغربية لن تقبل بإنهاء مستوطنتهم في المنطقة، وكم دفعت لتفوق جيشها على جيوش العالم العربي كله، وكم أنفقت على حماية الحكام المستبدين، باعتبار أنهم يمثلوا الأمان الاستراتيجي لإسرائيل، لكن ها هي هذه النظرية تتهاوى، واختفاء المقاومة تحت الأرض، سيجعل من فكرة الانتصار السريع الخاطف ليست دقيقة، فهل يتحمل الإسرائيليون هذا القلق لفترة طويلة، وعند أول صاروخ ينطلق باتجاه تل أبيب يهرعون إلى المطار للهروب، فلا يكون هناك مناص من إغلاقه وتعليق الرحلات منه وإليه حتى إشعار آخر؟!
تصرفات الإدارة الأمريكية غير المسؤولة لا تحتكم للعقل، وبعد كل هذه السنوات التي مرت منذ النكبة فلا هروب من استحقاق الحل العادل للقضية الفلسطينية، وأن فرض إسرائيل بالسلاح الغربي وضمان التفوق، لن ينهي المشكلة ولن تعيش إسرائيل بأمان في وجوده!
ومع غياب العقل الأمريكي، واستفزاز العقلاء في المنطقة، فسوف يكون المتحدث الرسمي فيها هي الأصوات الأكثر تشدداً في مقاومة المحتل، الذي جاء من آخر الدنيا لحماية أمن إسرائيل، بعد فشل السياسة!
إن الرئيس السياسي السادات، أدرك أن أمريكا لن تسمح للسلاح الروسي أن يحقق نصراً بلا حدود، فتراجع لأنه رئيس، ويملك جيشاً يخشى عليه من التدخل الأمريكي، لكن الشعب الفلسطيني ليس لديه ما يخسره، ومع حدّة الضربات وإيلامها، والزحف البري، ستكون هناك نتائج وخيمة، على القوم وعلى المنطقة.
عندما يحلس في قصور الحكم مجانين، فهل يأتي اليوم الذي نقول فيه: على نفسها جنت براقش؟!
twitter.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي غزة حماس إسرائيل امريكا حماس غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاجتیاح البری فی المنطقة فی العراق
إقرأ أيضاً:
إعادة فتح معبر رفح البري بعد تسعة أشهر من الإغلاق
المناطق_واس
أُعيد فتح معبر رفح البري بين قطاع غزة ومصر اليوم، بعد تسعة أشهر من الإغلاق، جراء سيطرة قوات الاحتلال الإسرائيلي على مرافق المعبر، وإغلاقه أمام المغادرين من القطاع والقادمين إليه من الخارج.
وأوضحت وزارة الصحة الفلسطينية، أن الخروج من قطاع غزة سيشمل 50 مريضًا وجريحًا، بالإضافة إلى مرافقيهم، وسيتم نقلهم من مستشفى الشفاء بغزة ومستشفى ناصر بمدينة خانيونس، عبر الحافلات إلى المعبر، مشيرةً إلى أن الحالات التي تحتاج إلى نقل بالإسعاف سيتم نقلها عبر إسعافات الهلال الأحمر.
أخبار قد تهمك المركزي الروسي يخفض أسعار صرف العملات الرئيسية مقابل الروبل 1 فبراير 2025 - 10:23 صباحًا زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب الإكوادور 1 فبراير 2025 - 9:58 صباحًا نسخ الرابط تم نسخ الرابط 1 فبراير 2025 - 11:03 صباحًا شاركها فيسبوك X لينكدإن ماسنجر ماسنجر أقرأ التالي أبرز المواد1 فبراير 2025 - 9:27 صباحًاتحطّم طائرة ركاب صغيرة في مدينة فيلادلفيا الأمريكية أبرز المواد1 فبراير 2025 - 9:08 صباحًادفعة رابعة من تبادل الأسرى في غزة.. 3 مقابل 183 أبرز المواد1 فبراير 2025 - 8:17 صباحًا“ثريدز” يتيح وضع علامات على الوسائط والصور الاقتصاد1 فبراير 2025 - 8:14 صباحًاتراجع صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 3ر10% في يناير أبرز المواد1 فبراير 2025 - 8:12 صباحًادراسة: الحوامل بريئات من إصابة أطفالهن بالتوحد1 فبراير 2025 - 9:27 صباحًاتحطّم طائرة ركاب صغيرة في مدينة فيلادلفيا الأمريكية1 فبراير 2025 - 9:08 صباحًادفعة رابعة من تبادل الأسرى في غزة.. 3 مقابل 1831 فبراير 2025 - 8:17 صباحًا“ثريدز” يتيح وضع علامات على الوسائط والصور1 فبراير 2025 - 8:14 صباحًاتراجع صادرات كوريا الجنوبية بنسبة 3ر10% في يناير1 فبراير 2025 - 8:12 صباحًادراسة: الحوامل بريئات من إصابة أطفالهن بالتوحد المركزي الروسي يخفض أسعار صرف العملات الرئيسية مقابل الروبل المركزي الروسي يخفض أسعار صرف العملات الرئيسية مقابل الروبل تابعنا على تويتـــــرTweets by AlMnatiq تابعنا على فيسبوك تابعنا على فيسبوكالأكثر مشاهدة الفوائد الاجتماعية للإسكان التعاوني 4 أغسطس 2022 - 11:10 مساءً بث مباشر مباراة الهلال وريال مدريد بكأس العالم للأندية 11 فبراير 2023 - 1:45 مساءً اليوم.. “حساب المواطن” يبدأ في صرف مستحقات المستفيدين من الدعم لدفعة يناير الجاري 10 يناير 2023 - 8:12 صباحًا جميع الحقوق محفوظة لجوال وصحيفة المناطق © حقوق النشر 2025 | تطوير سيكيور هوست | مُستضاف بفخر لدى سيكيورهوستفيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق البحث عن: فيسبوكXYouTubeانستقرامواتساب إغلاق بحث عن إغلاق بحث عن