مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

عُرف عن العمانيين تفاعلهم مع القضايا العربية والإسلامية المختلفة، بل ومشاركتهم في بعض أحداثها منذ بدء دعوة الرسول الكريم وحتى قضايا المنطقة الأخيرة، وذلك من منطلق التكامل العربي الإسلامي، ومن منطلق لحمة الصف العربي والإسلامي وأن المسلم للمسلم كالبنيان.

وتعد القضية الفلسطينية من أهم القضايا التي تفاعل العمانيون معها – وما يزالون- واقتربوا من أحداثها، بل وشاركوا بقوة في دعم صمود أبناء فلسطين وتقوية شوكتهم، وذلك منذ أحداث السابع من شهر يوليو من عام 1937م وبعد مرور 19 عاما على وقوع الانتداب البريطاني على فلسطين، عندما شكلت الحكومة البريطانية في شهر أغسطس من عام 1936م لجنة تحقيق بريطانية برئاسة اللورد روبرت بيل سميت اللجنة لاحقا باسمه “لجنة بيل”، بغرض دراسة الأسباب الأساسية لانتفاضة الشعب الفلسطيني في أبريل من عام 1936م والتي توصلت إلى قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية وأخرى يهودية مع بقاء القدس وبيت لحم والناصرة تحت الانتداب البريطاني.

وعلى الرغم من الظروف التي كانت تعانيها عُمان في تلك الفترة، وضعف وسائل الاتصال والتواصل، إلا أن العمانيين قد عبّروا من خلال الوسائل المتاحة وقتها عن رفضهم لفكرة التقسيم، وتمسكوا بعروبة فلسطين، وقد ظهر هذا التفاعل من خلال العديد من المراسلات والأخبار التي نشرتها بعض الصحف العربية، وكذلك تقديم التبرعات لأهل فلسطين.

وعندما حدثت نكبة عام 1948م ومن بعدها أحداث 1956م ونكبة حزيران 1967م ونصر أكتوبر المجيد عام 1973م لم يكن أهل عمان على طرفي امبراطوريتها العريقة ببعيدين عن تلك الأحداث كذلك، فتفاعلوا معها كما تفاعلوا من سابقتها، وامتد دعمهم وتأييدهم المادي والمعنوي، وصدحت أشعارهم وخطبهم معبّرةً عمّا يجول في خاطرهم تجاه فلسطين، بل وشارك بعضهم في أحداث تلك الحروب أسوةً بإخوانهم العرب.

وعندما بزغ فجر نهضة 23 يوليو 1970م  لم تتغير السياسة العمانية الخارجية تجاه فلسطين، بل كانت القضية الفلسطينية في بؤرة الاهتمام، وعبّرت سلطنة عمان من خلال وفودها ومشاركاتها الإقليمية والدولية عن دعم حق الفلسطينيين، وفي حرب 1973م تبرع الموظفون بجزء من رواتبهم لصالح الحرب، وتم إنشاء مكتب المقاطعة الإسرائيلية ملحقًا بوزارة التجارة والصناعة، كما تبرعت حكومة سلطنة عمان بالعديد من المشاريع الخيرية والخدمية لصالح الشعب الفلسطيني.

“أثير” في هذا التقرير تستعرض جانبًا من العلاقات العمانية الفلسطينية، وتتوقف عند بعض المحطات الخاصة بتفاعل العمانيين في عمان وشرقي أفريقيا مع القضية الفلسطينية، مع التركيز على الحقبة السابقة لعام 1970م نظرًا لتوسع الموضوع وحاجته إلى عدد من التقارير وبالأخص فيما يتعلق بتفاعل العمانيين مع القضية الفلسطينية بعد عام 1970م والذي قد يكون عنوانًا لاحقًا في الوقت القريب.

العلاقات العمانية الفلسطينية:

تعود بدايات العلاقات العمانية الفلسطينية الحديثة إلى مطلع القرن العشرين عندما رغب السلطان تيمور بن فيصل في تطوير بعض المؤسسات الإدارية وبالتالي الاستعانة ببعض الخبرات العربية والآسيوية، ثم حذا السلطان سعيد بن تيمور حذو أبيه السلطان تيمور في الاستعانة ببعض الشخصيات غير العمانية في المجالات المختلفة، حيث يشير ويندل فيليبس في كتابه ” تاريخ عمان” إلى مقولة للسلطان سعيد: ” إذا لم يكن لدي اكتفاء ذاتي في سلعةٍ ما، أو أحدث أساليب التنمية، فإنني أسافر لأستوردها من الخارج.. ونفس الشيء بالنسبة للتخصصات من الرجال التي لا تتوافر في عمان فإنني أذهب إلى مصدرها لأحصل عليها”.

وقد برز عدد من الشخصيات الفلسطينية وبالأخص في المجال التربوي حيث أسهم عدد منهم في النهضة التعليمية الحديثة بالسلطنة والارتقاء بها، ومن بينهم: الناظر ثم الوالي إسماعيل بن خليل الرصاصي، وفخري الخطيب، وجمال حميد، ورشاد أبو غريبة، وأنور الخطيب التميمي، وغالب النقشبندي، وحسني نجيب، وعلي القاضي، وتوفيق عزيز، ومحمود بركات، ورمزي مصطفى، والصوّان، وغيرهم. ولعل السبب يعود إلى النهضة التعليمية التي كانت فلسطين قد شهدتها منذ أواخر القرن التاسع عشر ووجود العديد من المدارس والكليات التعليمية بها.

ويذكر الوالي إسماعيل بن خليل الرصاصي في معرض حديثه عن أسباب قدومه إلى مسقط في عام 1928م للعمل في المدرسة السلطانية الأولى أنه ” في شهر أكتوبر 1927 وزعت إدارة معارف فلسطين منشورًا على المدارس تسأل من يرغب أن يعمل مديرًا لمدرسة مسقط، فقدمتُ طلبًا رغبةً في زيادة الراتب وحبًا في المغامرة لرؤية البلاد الأخرى، وتمت الاتفاقية على الرغبة”.

 

في المدرسة السلطانية جلوسًا من اليمين: إسكندر حنا، والسيد هلال بن بدر، والشيخ الزبير بن علي، وإسماعيل الرصاصى وخلفهم يقف عدد من مدرسي المدرسة. أرشيف صور إياد الرصاصي

 

زيارة السلطان سعيد بن تيمور إلى القدس

في 17 أبريل 1944م وصل السلطان سعيد بن تيمور إلى القدس عن طريق القطار قادمًا من القاهرة، في زيارة وصفتها الصحف الفلسطينية التي تناولت أخبار الزيارة بأنها شخصية، حيث حل السلطان في فندق الملك داود.

وقد التقى السلطان سعيد أثناء زيارته للقدس بعدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية البارزة، وقناصل الدول الشرقية، كما زار عددًا من المعالم المعروفة بالقدس وخارجها، كمدينة بيت لحم، حيث رافقه خلال الجولة أنور الخطيب التميمي الذي عمل مدرسًا ومديرًا للمدرسة السعيدية خلال السنوات الأولى من أربعينيات القرن الماضي، وقام وقتها بإعداد منهج خاص بالتاريخ العماني لطلبة المدرسة السعيدية.

خبر منشور في جريدة الدفاع الفلسطينية بتاريخ 18 نيسان 1944 خبر منشور في جريدة فلسطين الفلسطينية بتاريخ 19 نيسان 1944

فلسطين في المراسلات العمانية الشخصية:

حفلت العديد من الرسائل الشخصية المتبادلة بين عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية العمانية، بأخبار فلسطين والأوضاع السياسية فيها، وحرص العديد من تلك الشخصيات على اقتناء أجهزة المذياع على قلّتها في تلك الفترة، والاشتراك في عدد من الصحف العربية وذلك للوقوف على حالة فلسطين ومعرفة الأوضاع الدائرة فيها، وكانت القضية الفلسطينية تحتل حيزًا مهمًا من أخبار العمانيين في جلساتهم ولقاءاتهم.

ونعرض هنا لمقتطفات من بعض المراسلات الشخصية العمانية تناولت في جانبٍ منها أحوال فلسطين، حيث يظهر من خلال تلك المراسلات اللهفة والقلق على الأوضاع هناك، والإشادة ببعض المواقف الإنسانية التي سلكها أهل فلسطين تجاه أسرى العدو وعدم التمثيل بهم كما كان يفعل الطرف الآخر، وكذلك التفاؤل بقيام الحكام العرب بتوحيد الصف العربي والاستعداد لطرد اليهود من فلسطين. ومن بين تلك المقتطفات:

عمان وفلسطين في الوثائق البريطانية:

حملت لنا التقارير الإنجليزية الخاصة بالوضع في عمان خلال النصف الأول من القرن العشرين وتحديدًا خلال فترة الثلاثينات والأربعينات منه، أخبارًا عن اهتمام عدد من الشخصيات العمانية القبلية والإدارية البارزة بالقضية الفلسطينية، فقد تضمنت وثيقة منشورة بمكتبة قطر الرقمية ضمن ملف بعنوان “ملف ٣٢/١١ اللجنة الملكية المعنية بفلسطين” يحتوي على مراسلات بين مسؤولين بريطانيين بخصوص ردود الفعل في عُمان وفلسطين ومنطقة الخليج بشكل أعم، على الأحداث في فلسطين، تحت رقم استدعاء IOR/R/15/6/379، مراسلة بين القنصلية البريطانية في مسقط والمعتمدية البريطانية في بوشهر بتاريخ 22 نوفمبر 1938 حول تداعيات قضية فلسطين في مسقط، حيث أشار القنصل البريطاني في مسقط إلى أن إسماعيل بن خليل الرصاصي المسؤول الفلسطيني الذي يتولى منصبًا كبيرًا في حكومة مسقط، قد شكّل “خلية” في مسقط، وأن كراهيته الشديدة لكل ما هو بريطاني قد أتاحت له التأثير على عدد قليل من الأشخاص في مسقط، غير أن هؤلاء لم يكن لهم تأثير كبير على الرأي العام أو على السلطان.

وفي الملف “مجموعة ١٦/٢٠(١) “مسقط: يوميّات: أخبار وملخصات استخباراتية” المنشور في مكتبة قطر الرقمية تحت رقم استدعاء IOR/L/PS/12/2972، وفي الفقرة (301) من ملخص تقرير مسقط الاستخباري عن الفترة من 1 حتى 15 أكتوبر 1945، هناك خبر يشير إلى أن الشيخ علي بن عبد الله آل حموده والشيخ عيسى بن صالح الحارثي من الشرقية زارا المعتمد السياسي البريطاني خلال الأسبوعين الماضيين، وأبدى كلٌ منهما قلقه حول الأحداث الأخيرة في فلسطين.

وفي الملف “مجموعة ١٦/٢٠(٢) مسقط: يوميّات وأخبار وملخصات استخباراتية”، المنشور في مكتبة قطر الرقمية تحت رقم استدعاء IOR/L/PS/12/2973A، وفي الفقرة (336) لأخبار عام 1947، هناك خبر عن عودة الشيخ هاشل بن راشد المسكري رئيس تحرير صحيفة الفلق إلى زنجبار، ودعوته للعمانيين أن يساعدوا مسلمي فلسطين.

موقف أهل عمان من مشروع تقسيم فلسطين

تفاعل العديد من الشخصيات العمانية مع مشروع قرار تقسيم فلسطين في عام 1937م وقد أوردنا عددًا من التقارير والمراسلات التي تشير إلى ذلك، كما حملت لنا أخبار بعض الصحف العربية الصادرة في ذلك الوقت أخبار معارضة أهل عمان لقرار التقسيم، فقد أوردت جريدة “الجامعة الإسلامية” في عددها رقم (1346) الصادر بتاريخ 7 سبتمبر 1937، خبرًا عن احتجاج أهالي مسقط والبحرين على مشروع تقسيم فلسطين: ” نحن سكان مسقط نشارك إخواننا أبناء فلسطين سكان المناطق المقدسة ونؤازر العالمين العربي والإسلامي في الاستنكار الشديد والاحتجاج الصارخ على قرار اللجنة الملكية القاضي بتقسيم فلسطين وتمزيقها، ونطلب إلغاء ذلك القرار وجعل فلسطين لأهلها العرب”، ويورد الخبر أنه قد وقّع على البرقية زهاء 50 عالمًا ووجيهًا من مسقط.

كما أشارت جريدة (الشباب) التي كانت تصدر من القاهرة إلى ذلك الخبر حيث نشرت الجريدة في 19 سبتمبر 1937م خبرًا بعنوان ” أهالي مسقط والبحرين ومشروع التقسيم”، أشارت فيه إلى البرقية التي أرسلها سكان مسقط إلى وزير المستعمرات البريطانية بهذا الخصوص ووقّع عليها حوالي 50 شخصية من شخصيات مسقط وعمان.

موقف العمانيين في شرقي أفريقيا من قضية فلسطين:

تفاعل العمانيون والعرب والمسلمون في شرقي أفريقيا بصورة واضحة مع القضية الفلسطينية منذ مشروع قرار تقسيم فلسطين في يوليو 1937م وحتى يوم النكبة في عام 1948م وقد حملت لنا الصحف العربية التي كانت تصدر في زنجبار ومصر وفلسطين العديد من الأخبار عن ذلك التفاعل الذي حمل أشكالًا عدّة، فقد تم تأسيس لجنة لنصرة وإعانة فلسطين برئاسة السيد سيف بن حمود، وأقيمت الوقفات لصالح القضية الفلسطينية، كما تم جمع التبرعات من مختلف أطياف المجتمع هناك، ولم تكن الصحف العربية الصادرة هناك كالفلق مثلًا تخلو من مقال أو خبر أو إعلان يخص القضية.

 وقد أوردت جريدة (الشباب) التي كانت تصدر من القاهرة في عددها الصادر بتاريخ 7 يوليو 1937م مذكرة من أوغندا تتضمن رسالة من شخصية عمانية يقطن في كمبالا ويدعى خالد بن سعيد المعولي بعث بها إلى لجنة التحقيق الملكية البريطانية بلندن، وفيها يشير إلى أنه يتابع بقلبه ما يحدث في فلسطين بكل تلهف ويرجو أن تقوم اللجنة بإنصاف العرب في فلسطين، وأنه يروعه طلب اليهود تقسيم فلسطين لأن حق العرب في البلاد لا يقبل البحث والمناقشة، وأنه يخشى أن يؤدي هذا الطلب إلى إثارة سخط العرب في العالم أجمع.

وفي عددها الصادر بتاريخ 19 يناير 1938م نشرت جريدة (الشباب) مقالًا لكاتب عماني يدعى محمد بن سليمان اليعربي، يتناول فيها تداعيات القرار البريطاني بتقسيم فلسطين، ومدى تأثير ذلك على الأوضاع في فلسطين، والتناقض الحاصل في السياسة البريطانية، حيث إنها في الوقت الذي تدعو فيه إلى السلام والهدوء، فإنها تثير الفتن بمثل هذا القرار، ويختم مقاله بهذه الفقرة: “أيتها الحكومة البريطانية، قد تطايرت صفحاتك في العالم وستعلمين عواقب الظلم والاضطهاد كما علمت مثيلاتك من قبلك والله عزيز ذو انتقام”.

وفي عدد 23 أبريل 1938م، نشرت (الفلق) بيانًا ونداء للعرب الإسلامي بعنوان “السلطة البريطانية وما تبيّته للمسلمين في فلسطين” باسم مسلمي فلسطين، وفيه أشار النداء إلى ما تقوم به السلطات البريطانية في القدس من محاولات تضييق على المسلمين، ونقل بعض المؤسسات مثل الأوقاف من مكانها في المسجد الأقصى إلى إحدى دوائر حكومة فلسطين في القدس، ووضع يدها على وثائق الأوقاف الإسلامية، وكذلك إلغاء دائرة المعاهد الدينية، وغيرها من الممارسات.

وفي عدد (الفلق) الصادر في 2 أبريل 1938م نقرأ في الصفحة الثانية بيانًا عن مصائب فلسطين ونكباتها ووجوب إغاثتها، بقلم رئيس اللجنة الفلسطينية العربية بمصر محمد علي الطاهر، وهو كذلك رئيس تحرير صحف الشورى والشباب والعلم المصري التي صدرت خلال العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين قبل أن يتم إيقافها.

وفي عدد 30 أبريل 1938م نشرت (الفلق) خبرًا عن اجتماع اللجنة التنفيذية لجمعية الشبّان المسلمين بدار الجمعية العربية للنظر في مسألتي تقديم احتجاج من المسلمين عمومًا إلى المقيم البريطاني بزنجبار على الفظائع التي تقوم بها السلطة في فلسطين على العرب هناك، وفي جمع التبرعات لمنكوبي العرب بفلسطين.

وفي عدد 21 مايو 1938م من جريدة الفلق نطالع إعلانًا صادرًا عن لجنة إعانة مسلمي فلسطين، وفيه تعلن اللجنة بأن الاجتماع العمومي لكافة المسلمين سيكون في يوم الجمعة القادمة الموافق 27 مايو 1938م أمام بيت الشقصي لأجل إغاثة منكوبي فلسطين.

ونشرت جريدة الشباب في عددها الصادر بتاريخ الأربعاء 2 ربيع الثاني 1357هـ الموافق الأول من يونيو 1938م نقلًا عن جريدة الفلق خبر عقد جلسة في دار الجمعية العربية يوم 6 ربيع الأول للجنة إعانة مسلمي فلسطين برئاسة السيد سيف بن حمود بن فيصل البوسعيدي:

وفي عددها الصادر يوم الرابع من يونيو 1938م نشرت الفلق تغطية موسّعة عن “يوم فلسطين في زنجبار” تناولت فيه تفاصيل الاجتماع الذي دعت إليه جمعية الشبان المسلمين، وكان برئاسة حافظ بن محمد رئيس الجمعية العربية، وقد عقد أمام مدرسة البهرة بحضور عدد من الشخصيات من بينهم السيد سيف بن حمود بن فيصل الذي انتخب رئيسًا للجنة إعانة مسلمي فلسطين، والشيخ عبد الله بن سليمان الحارثي، والشيخ علي بن عمير المرهوبي، والأستاذ علي بن محمد الجمالي الذي ألقى خطبةً عصماء بتلك المناسبة، تناول فيها أوضاع فلسطين وما يعانيه العرب هناك من طغيان السلطة البريطانية واليهود عليهم.

وفي عدد السبت الموافق 30 يوليو 1938م نشرت (الفلق) على صفحتها الأولى موضوعًا بعنوان “فلسطين تناشد الإنسانية” تحت توقيع “عماني”، ويبدو أن المقال للكاتب الشيخ هاشل بن راشد المسكري، وفيه ينادي سكان زنجبار من كافة أطيافها بأهمية دعم أهل فلسطين نظرًا للظروف الصعبة التي يعانون منها.

وفي عدد السبت الموافق 11 مارس 1939م نشرت (الفلق) على صفحتها الأولى كذلك موضوعًا بعنوان “فلسطين العربية”، حيث يؤكد كاتب المقال الذي لم يذكر اسمه على عروبة فلسطين، ويطالب البريطانيين بالتدخل لحل القضية وعدم المضي في مشروع تقسيم فلسطين.

فلسطين في الشعر العماني

لم تغب قضية فلسطين ومأساتها الكبرى عن الشاعر العماني منذ البدايات الأولى للأوضاع في فلسطين خلال فترة الثلاثينيات وثورة عام 1936م وما تلاها مرورًا بأحداث عام 1948، و1967 وما بينهما.

وسوف نعرض هنا لنماذج من تفاعل عدد من الشعراء العمانيين مع القضية الفلسطينية خلال الفترة ما قبل عام 1970م فقد نشرت جريدة (الشباب) التي كانت تصدر في القاهرة، في عددها الصادر بتاريخ 6 أكتوبر 1937م قصيدة وطنية عن فلسطين للشاعر العُماني محمد بن راشد بن غسان المعولي:

كما تنبأ الشاعر عبد الله بن محمد الطائي مبكرًا بانطلاقة العمل الفدائي وذلك في قصيدته “مهر فوز” التي كتبها عام 1954م بعد ست سنوات من نكبة فلسطين، وقد صدّرها الشاعر الطائي بقوله: ” إلى الذين يقولون لقد نام اللاجئون على الهزيمة، فهم لقمة في كل أرض، أتقدم بحدث من أحاديث مجالسهم، ومظهرٍ من مظاهر عزائمهم”.

 وفي القصيدة تخيل الشاعر البطل وليد يجمع شباب المخيم من أجل الثورة على العدو تؤيده في ذلك حبيبته فوز التي اشترطت أن يكون مهرها هو أخذ الثأر ورأت ضرورة تأجيل زواجهما حتى تقوم الثورة التي ستغير وضع اللاجئين وتقودهم من مخيمهم للعودة إلى ديارهم التي اغتصبها العدو وطردهم منها:

هذا وليد يبيع العمر محتسباً … للقدس مذ حلها شذاذ آفاق

قد ناله السهم حتى كاد يأسره … وما سوى فوز من آثاره راقي

وفي مايو من عام 1965م كتب الشاعر عبد الله الطائي قصيدةً أخرى بعنوان ” رسالة من يافا” صدّرها بقوله: ” الرسالة ليست خيالًا، فهي خواطر تجول في قلب كل عربيّ فلسطيني، يقيم بالوطن السليب”، ويقول مطلع القصيدة:

من ههنا من أرض يافا أكتبُ … واليكمُ ألقي الحديث فأسهبُ

من ههنا من جنةٍ عاثت بها … ريحُ فأمست بالجحيم تلهّبُ

ومن الشعراء العمانيين الذين تفاعلوا مع قضية فلسطين، الشاعر صالح بن علي الخلاسي القاطن في زنجبار والمتوفى في عام 1943م، وله قصيدة نادرة في القضية الفلسطينية عام 1937م بعنوان ” فلسطين أحاط بها الأعادي”، حيث يقول الخلاسي في مطلعها واصفًا ما حلّ بفلسطين:

فلسطين أحاط بها الأعادي … بجهر أو بكيد الخافيات

يمزق شملها ظلما وقهراً … بعدوان الجيوش الظالمات

كما تفاعل الشاعر الأديب السيد هلال بن بدر البوسعيدي مع القضية الفلسطينية من خلال قصيدته البائية التي حملت عنوان قصيدة (طالب الحق)، ومن بين أبياتها:

بني العروبة هل طاب المقام لكم … وفي فلسطين أشلاء على لهب

سمعت جعجعة منكم فهل طحنت … تلك الرحى أم غدت في كف مضطرب

ومنهم كذلك الشاعر الشيخ القاضي أبو عبيدة عبدالله بن خميّس البلوشي، الذي كتب عددًا من القصائد تناولت الشأن الفلسطيني، من بينها هذه الأبيات التي يستنهض فيها المسلمين لحرب اليهود وتخليص القدس من قبضتهم:

لن تقف اليهود إن لم تُصدَمِ … في وجهها من دون ما أحرامنا

سلّوا السيوف عاجلًا مستعجلًا … لا تغني آمالٌ هنا ولا مُنى

وقائمة الشعراء العمانيين الذين تفاعلوا مع أحداث فلسطين المختلفة عديدة وطويلة، ولعل من بين تلك الأسماء والقامات الشعرية كذلك: الشاعر الشيخ عبد الله بن علي الخليلي، والشاعر عبد الله السدراني، والشاعر هلال بن سالم السيابي، والشاعر هلال بن محمد العامري، والشاعر سالم بن علي الكلباني، وغيرهم.

تبرعات:

لم يقتصر الاهتمام بالقضية الفلسطينية على النخب العمانية لوحدها بل شمل مختلف أطياف المجتمع العماني، كما لم يقتصر ذلك الاهتمام على مجرد تبادل أخبار فلسطين، أو كتابة المقالات والأشعار، بل تعدى ذلك إلى جمع التبرعات التي أسهم فيها العديد من الشخصيات من الرجال والنساء في طرفي الإمبراطورية العمانية؛ فقد نشرت جريدة (الشباب) لصاحبها الفلسطيني محمد علي الطاهر في عدد ٩ نوفمبر ١٩٣٨م أسماء عدد من أهالي مدينة صور الذين تبرعوا لصالح القضية الفلسطينية، وهذا دليل على مدى الوعي القومي والإسلامي الذي كان يحمله أبناء المدينة خلال تلك الفترة.

ونشرت مجلة (الفتح) في العدد (607) الصادر بتاريخ الخميس 24 ربيع الثاني 1357هـ مساهمات عدد من العمانيين القاطنين في شرقي أفريقيا:

كما نشرت جريدة (الفلق) في أحد أعداد عام 1948م بيان المتبرعين من زنجبار للجهاد الإسلامي في فلسطين، تضم مجموعة من الشخصيات العربية والعمانية من الرجال والنساء، في دلالة على مدى الوعي بأهمية تلك القضية وضرورة مساندتها.

مشاركة العمانيين في حرب عام 1948م:

يذكر الشيخ الأديب أحمد بن عبد الله الفلاحي أنه كان قد شارك عدد من الشباب العماني في حرب عام 1948م ضد جيش الصهاينة أسوةً بالعديد من الشباب العربي الذي شارك في تلك الحرب من منطلق دوافع إسلامية وعروبية، حيث يذكر الأديب الفلاحي في أحد مقالاته أنه: “وقد شارك مجموعة من المتطوعين العمانيين في حرب فلسطين عام ثمانية وأربعين ومنهم من استشهد في مواجهة الغزاة المغتصبين ودفن في تلك الرحاب الطاهرة ومنهم من عاد بعد أداء مهمته، وكان دخول هؤلاء المتطوعين العمانيين إلى فلسطين من جانب مصر مع إخوانهم من المتطوعين المصريين، وقد أخبرني بذلك واحد منهم وهو المرحوم علي بن ناصر الحجري وذكر لي بعض أسماء زملائه الآخرين وهم من قبائل متعددة من مناطق عمانية مختلفة وللأسف لم أدون وقتها أسماء أولئك الشباب ومناطقهم فغابت عن ذاكرتي“.

وعلي بن ناصر الحجري شخصية عروبية بارزة، ورجل مثقف مطّلع، ومهتم بقضايا أمته، ومتأثر بالأحداث السياسية التي كانت تدور وقتها، وعندما حدثت نكبة عام 1948م انضم إلى صفوف المقاومين العرب المتطوعين، وقد تعرض للأسر بعد إحدى العمليات الفدائية التي قام بها، ومما يجدر ذكره أنه عمل بالصحافة، وكان من روّاد الصحافة العمانية مطلع السبعينات عندما عمل رئيسًا لتحرير جريدة الوطن بعد وفاة مؤسسها الشيخ نصر بن محمد الطائي.

المراجع:

الباطني، خالد بن سعيد. صفحة مفتاح الباحث على موقع أرشيف الإلكتروني، https://archive.org/details/@user_11675 البلوشي، تركي بن يحيى. سيرة الشيخ أبي عبيدة، دار الفرقد، سوريا، 2021. البوسعيدي، هلال بن بدر. ديوان السيد هلال بن بدر، تحقيق محمد علي الصليبي، الطبعة الثانية، وزارة التراث القومي والثقافة، مسقط، سلطنة عمان، 1989. الطائي، عبدالله بن محمد. ديوان الفجر الزاحف، مطبعة الضاد، حلب، 1966. العريمي، محمد بن حمد. الوالي إسماعيل، دار باز، مسقط، 2022. الفلاحي، أحمد. فلسطين في الشعر العماني، جريدة الوطن، 5 مارس 2017. مكتبة قطر الرقمية. ملف بعنوان “ملف ٣٢/١١ اللجنة الملكية المعنية بفلسطين”، رقم استدعاء IOR/R/15/6/379. مكتبة قطر الرقمية. ملف بعنوان “مجموعة ١٦/٢٠(٢) مسقط: يوميّات وأخبار وملخصات استخباراتية”، المنشور في مكتبة قطر الرقمية تحت رقم استدعاء IOR/L/PS/12/2973A مكتبة قطر الرقمية. ملف بعنوان “مجموعة ١٦/٢٠(١) “مسقط: يوميّات: أخبار وملخصات استخباراتية”، رقم استدعاء IOR/L/PS/12/2972

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: مع القضیة الفلسطینیة القضیة الفلسطینیة من عدد من الشخصیات الصحف العربیة البریطانیة فی العمانیین فی السلطان سعید قضیة فلسطین العدید من فلسطین فی فی فلسطین عبد الله وفی عدد فی مسقط أخبار ا الله بن محمد بن بن محمد من خلال فی عدد من بین علی بن رئیس ا فی حرب فی عام بن علی من عام فی تلک

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط

أحسب أن حماس كانت تدرك أنها قامت في 7 أكتوبر ـ  تشرين الأول 2023 بعملية عسكرية غير مسبوقة، لكنها ربما لم تكن تملك تقديرا دقيقا لحجم وأثر عملية "طوفان الأقصى" ولعلها فوجئت بمفاعيلها على الأقل، الأمر الذي حملني على وصفها بـ " دوسة في بيت نمل". ولعل أفضل وسيلة لقياسها حجما وتأثيرا تكمن في مقارنتها بعمليات سابقة أدت إلى حروب شاملة.

سقط في اليوم الأول من العملية وفق الإحصاء الإسرائيلي 1200 قتيل و3400 جريح وأسر 251 إسرائيليا بين مدني وعسكري. بالمقابل تشير الأرقام الرسمية إلى أن إسرائيل خسرت في اجتياحها للبنان (1982 ـ 1985) 654 جنديا و3887 جريحا وفقدت أربعة جنود ووقع في الأسر 12 جنديا. وتفصح الأرقام المعلنة لحرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 أن عدد القتلى الإسرائيليين بلغ 2600 قتيل و136 أسيرا لدى مصر و28 أسيرا لدى سوريا. وأسفرت حرب حزيران ـ يونيو عام 1967 بين العرب وإسرائيل عن سقوط 983 قتيلا عسكريا و20 مدنيا و15 أسيرا. وسقط في حرب السويس عام 1956 حوالي 172 جنديا إسرائيليا وأسيرا واحدا. وفي الحرب الأكبر عام 1948 سقط 6373 جنديا ومدنيا.

"بيرل هاربر" فلسطيني

وإذا أردنا الذهاب إلى مكان أبعد في هذه المقارنة، نجد أن الضربة اليابانية الصاعقة في ميناء "بيرل هاربر"، القاعدة البحرية الأمريكية الواقعة في جزر هواي في 7 ديسمبر ـ كانون الأول عام 1941 والتي دفعت أمريكا للاشتراك في الحرب العالمية الثانية، قد أدت إلى سقوط 2403 جنود وجرح 1178 جنديا. هذه الخسائر لا تتجاوز خسائر إسرائيل بكثير على الرغم من الفوارق الهائلة بين إحجام الأطراف المعنية والمعدات العسكرية والمواقع الاستراتيجية.

تفيد هذه المقارنة بأن حجم العملية والخسائر التي خلفتها ما كان متوقعا وهو بمثابة إعلان حرب شاملة تستدرج بالضرورة حلفاء الطرفين وتتجاوز غزة ولبنان. فهل كانت حماس تراهن على إشعال حرب شاملة عبر استدراج محور الممانعة من دون تنسيق مسبق أم أن المحور لم يدرك هو أيضا أثر وحجم العملية التي وصلته النية الفلسطينية بوقوعها من دون تحديد ساعة الصفر؟

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع.هذا السؤال ما زال بحاجة إلى إجابة لم تصدر بعد عن أي من أطراف "محور الممانعة". بانتظار الإجابة الرسمية من المعنيين، أرجح أن المحور فوجئ كما فوجئت حماس بنتائج العملية من دون أن يكون مستعدا للانخراط فيها انخراطا شاملا وتاما وليس عبر إسناد بصواريخ ومسيرات على أهميتها. نعم لقد كان "طوفان الأقصى" مؤثرا إلى الحد الذي يفوق كل تصور مسبق لدى جميع أطراف الحرب.

ستتضح أبعاد الصورة أكثر عندما ننظر إلى حجم القوى التي احتشدت أو أخذت تحتشد للاشتراك في هذه الحرب. فقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في 8 أكتوبر ـ تشرين الأول عن إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد وهي الأحدث والأهم في العالم، إلى شرق المتوسط وتلتها حاملة الطائرات داويت أيزنهاور. وأرسلت من بعد إلى البحر الأحمر حاملة الطائرات هاري ترومان ومن ثم تلتها شقيقتها فينزون، وأرسلت جنبا إلى جنب حاملة طائرات مروحية وسفنا وغواصات وفرقاطات حربية.

استنفار 55 قاعدة عسكرية أمريكية

هذا الحشد العسكري الأمريكي كان قياسيا، ذلك أن واشنطن تحتفظ بـ 11 حاملة طائرات، أرسلت أقل من نصفها بقليل للرد على عملية "طوفان الأقصى" أضف إلى ذلك إرسال دعم لوجستي بشري في سياق استنفار القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، والبالغ عددها 55 قاعدة أكبرها قاعدة العيديد في قطر التي تضم 13 ألف جنديا.

وفي السياق أرسلت بريطانيا سفنا حربية ومشاة بحرية وطائرات استطلاع وقتال إلى شرق المتوسط ولم تبرح الطائرات البريطانية سماء غزة والمنطقة. من جهتها بادرت فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى تشكيل قوة بحرية لحماية السفن التجارية الأوروبية في البحر الأحمر وشاركت في إسقاط المسيرات الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل في 13 نيسان ـ أبريل عام 2024.

تعكس هذه الأرقام تقديرا أمريكيًا وأوروبيًا عاليا للخطر الداهم الذي يهدد الدولة العبرية وتصميما على حمايتها ورفع معنويات سكانها التي تراجعت إلى الحد الأقصى بعد هجوم أكتوبر، خصوصا بعد أن بدا الجيش الإسرائيلي في حالة ارتباك وعجز عن استعادة زمام المبادرة رغم مرور ساعات طويلة على بدء "الطوفان".

 إن ذهاب العملية إلى أبعد مما تتصوره أو تتوقعه حماس والمحور يمكن ملاحظته من خلال ردود فعل أطرافه، لكن قبل ذلك لا بد من ذكر بعض آثارها على الأرض. فقد وصل مقاتلو حماس إلى عمق 25 كلم في طوفانهم وتحديدا إلى مستوطنة أوفاكيم ، مروا بمستوطنات على بعد 10 كلم في سديروت و5 كلم في نتيفوت و5 كلم في مهرجان روعيم الذي انتشرت صور الهاربين منه على وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة مروعة لم تشهد إسرائيل ما يشبهها في كل حروبها مع العرب، منذ تأسيس دولتها عام 1948 في فلسطين المحتلة.

مصرع التكنولوجيا الرقمية

لقد استفاد مقاتلو حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى من عنصر المفاجأة، ليحققوا إصابات قاتلة في صفوف الإسرائيليين أكثر بكثير مما كانوا يتوقعون. فقد سيطروا على مقر قيادة فرقة غزة (رعيم) بسهولة كبيرة، وخرقوا الجدران الإلكترونية والإسمنتية من دون صعوبات تذكر، واستخدموا الطائرات المسيرة في التشويش وتدمير أبراج المراقبة، والطائرات الشراعية (جيلدرز) لنقل مقاتلين إلى مواقع القتال بسرعة كبيرة، وشنت قواتهم البحرية هجمات ناجحة بواسطة قوارب مطاطية في قاعدة (زيكيم) البحرية,

بدأت هذه الهجمات المنسقة بإطلاقات صاروخية كثيفة، الساعة السادسة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي، واستمرت أياما طويلة حتى تمكنت إسرائيل من القضاء على الوحدات العسكرية المتسللة وذلك من دون أن تصاب حماس بخسائر كبيرة بحسب مصادرها. في حين أكدت إسرائيل والولايات المتحدة سقوط 1000 شهيد فلسطيني في داخل الأراضي الإسرائيلية.

إن وصول "طوفان الأقصى" إلى عمق 25 كلم يعني أن المقاتلين أصبحوا في منتصف الطريق بين غزة والضفة الغربية حيث تقدر المسافة بين 50 إلى 70 كلم وصاروا على بعد 200 كلم من الحدود اللبنانية، وتفيد المعلومات التي نشرتها إسرائيل حول المقاتلين الذين أسروا أو استشهدوا، أنهم كانوا يحتفظون بتموين وذخيرة تكفي أياما عديدة ما يعني أنهم كانوا يراهنون على طول العملية بانتظار تطورات لاحقة.

لقد نوقشت خلال الحرب إحدى الفرضيات التي تقول إن حماس كانت تنتظر تحركا من مقاتلي الضفة الغربية لإكمال الهجوم الوافد من غزة، والذي لو استمر كان يمكن أن يشكل جسرا قتاليا من غزة إلى الضفة الغربية، هذا الجسر كان يمكن أن يتسع ويكتسب أهمية عسكرية فائقة لو نفذ حزب الله هجوما مرغوبا باتجاه الجليل ومنه إلى حيفا. ويؤكد على صلاحية هذه الفرضية اللواء الإسرائيلي المتقاعد إسحق بن بريك الذي يرى بأن إسرائيل ما كان بوسعها القتال على جبهتين. وراجت توقعات أخرى في الدولة العبرية من أن الحزب كان بوسعه الوصول إلى حيفا من دون صعوبات كبيرة مستفيدا من عنصر المباغتة في اليوم الأول للعملية.

هجوم لم يأت من الضفة وآخر من الجليل

هل كان محور الممانعة يتحرك وفق خطة مرسومة سلفا على أن تبدأ بعملية "طوفان الأقصى" وتستكمل بهجوم حزب الله على الجليل وصولا إلى حيفا وإلى ما بعد وفق ما كان يردد الأمين العام الراحل للحزب السيد حسن نصر الله؟ أو على الأقل هل كانت حماس تتمنى أن يتحرك هذا السيناريو، وهل استدرجت المحور إلى هذا المكان؟ بعض الأنباء غير المؤكدة تفيد أن حماس أبلغت أطراف المحور في لقاء تم في بيروت في آب ـ أغسطس عام 2023 نيتها شن عملية عسكرية كبيرة ضد إسرائيل تسمح لها بتغيير قواعد الاشتباك، لكننا ما زلنا بحاجة إلى تأكيد رسمي لم يصدر بعد عن أطراف المحور حول هذا الجانب.

يذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".وتفيد أنباء أخرى أن إيران كانت على علم بتفاصيل العملية، وقد انعكس ذلك في تصريح شهير للرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي، الذي وصف العملية بـ "زلزال" ستهتز له أركان إسرائيل. وينسب إلى رئيسي تصميمه على دعم المقاومة الفلسطينية في غزة ولبنان بكل الوسائل التي تتيح هزيمة إسرائيل، بل يتهم أصحاب نظرية المؤامرة إسرائيل باغتيال رئيسي بعد زيارته لأذربيجان بواسطة "بايجر" مفخخ ويربطون موقع الاغتيال بوجود مكتب ناشط للموساد في العاصمة الآذرية "باكو".

ويذهب أصحاب منطق المؤامرة إلى مدى أبعد، إذ يرون أن اغتيال رئيسي أخلى الساحة لانتخاب رئيس جديد يريد المصالحة مع أمريكا حليفة وحامية إسرائيل في الشرق الأوسط. في كل الحالات لا نملك أدلة من شأنها تكذيب التقرير الإيراني الرسمي حول ظروف مقتل رئيسي، وفيه تأكيد قاطع بأن سقوط مروحية الرئيس الإيراني تم بسبب الظروف الجوية السيئة، أضف إلى ذلك أن إيران كانت تستعد للتفاوض مع الولايات المتحدة حول الملف النووي قبل العملية، ما يعني أنها ما كانت في وارد خوض حرب مع إسرائيل حليفة واشنطن الأهم في المنطقة قبل "طوفان الأقصى".

كائنا ما كان حال ونوع التواصل بين أطراف محور الممانعة قبل هجوم السابع من أكتوبر فإن ردود الفعل الغربية والدولية على هذه العملية كانت كلها تنم عن خوف على الكيان الصهيوني، وعن شعور بالخطر على مصيره. بعبارة أخرى كانت الولايات المتحدة تعرف أن إسرائيل غير قادرة على خوض القتال على أكثر من جبهة وأنها تحتاج إلى حماية ومشاركة في الحرب، ودعم لوجستي متواصل ومفتوح. ولعل انتشار القوات الأمريكية في المنطقة بالطريقة التي أشرنا إليها للتو يفصح عن هذا الشعور بالخطر المصيري على الكيان الإسرائيلي.

لقد انهارت في 7 أكتوبر ـ تشرين الأول أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، في ساعات قليلة، أمام أعين المقاتلين الذين فوجئوا حقا بما أتت أيديهم. والواضح أنهم كانوا يحسبون انتصارا أقل في معارك أصعب وخسائر أكثر وردود فعل إسرائيلية أسرع. ولعلهم ذهبوا بتوقعاتهم بعيدا في رهان متأخر، على أن يشترك معهم المحور بكافة أطرافه في معركة "زلزلت الكيان الصهيوني" على ما قال رئيس إيران الراحل. لكن التمني في لحظة نصر استثنائية لم يكن متناسبا مع حسابات حماس نفسها ومع حسابات المحور عموما. ذلك أن حربا تسعى إلى توجيه ضربة قاضية لإسرائيل ستؤدي بالضرورة إلى حرب مع الولايات المتحدة والغرب الذي دمر العراق وأفغانستان خلال شهور قليلة، ويمكنه بوسائله الحربية أن يدمر إيران وأن يتحمل مخاطر حرب إقليمية مفتوحة، أو حرب عالمية دفاعا ليس فقط عن إسرائيل وإنما أيضا عن جغرافية العالم السياسية التي رسمها ويتحكم بمساراتها.

طوفان الأهداف

ما من شك في أن حماس كانت تتمنى أو تتوقع ولربما عملت ما بوسعها لحمل أطراف المحور على الاشتراك في حرب طوفان الأقصى بكامل القدرات المتاحة، لكنها كانت تعتمد في المقام الأول على قدراتها الذاتية، وهذا ما لاحظناه من خلال شبكة الأنفاق السرية الضخمة لحماية بناها التحتية.

إذا ما استبعدنا خطة شاملة لخوض حرب مفتوحة ضد إسرائيل وحلفائها من خلال عملية "طوفان الأقصى" فإن تقديرنا لأهداف العملية يمكن حصره في الخطوط العريضة التالية:

1 ـ الحؤول دون تصفية القضية الفلسطينية عبر الخط الإبراهيمي أي التطبيع مجانا من دون تنازلات.

2 ـ تغيير قواعد الاشتباك مع إسرائيل على غرار القواعد التي كانت قد استقرت في لبنان قبل الطوفان. معلوم أن إسرائيل ما كانت قادرة قبل الطوفان على اقتلاع خيمتين نصبها الحزب في أرض حدودية متنازع عليها.

3 ـ فك الحصار المستمر على غزة منذ العام 2007 وإعادة إعمارها.

4 ـ تعظيم حضور حماس في المشهد السياسي الفلسطيني والإقليمي.

5 ـ استعراض قوة حماس والفصائل المقاتلة برا وبحرا وجوا وهي المرة الأولى التي يتمكن خلالها فصيل فلسطيني من تشكيل قوة بهذا القدر من التنوع في مساحة صغيرة لا تصل إلى 400 كلم مربع.
 
6 ـ تهميش السلطة الفلسطينية الرسمية التي اختارت التفاوض لاسترجاع ما يمكن استرجاعه من أرض فلسطين بعد خسارتها الحرب وخروجها من لبنان عام 1982.

7 ـ ضرب أسطورة الجدران المعلوماتية والتكنولوجية الرقمية التي أحاطت بغزة وصورت على أنها غير قابلة للاختراق.

8 ـ استباق التطبيع السعودي الإسرائيلي والتهدئة اللبنانية الإسرائيلية.

9 ـ إخراج المسجد الأقصى من دائرة الاعتداء الدوري وإرساء معادلة جديدة لحمايته.

10 ـ طي صفحة الشعور الفلسطيني بالإحباط جراء الطرق المقفلة لحل القضية الفلسطينية وإظهار إسرائيل ك "بيت العنكبوت" وهو تعبير اشاعه السيد حسن نصرالله بعد انتصار العام 2000.

11 ـ إبرام صفقة لتحرير آلاف السجناء الفلسطينيين.

12 ـ اختبار فعالية حلف الساحات والممانعة.

13 ـ اختيار توقيت 7 أكتوبر لإحياء ذكرى الانتصار العربي في حرب أكتوبر ـ تشرين الأول عام 1973 التي وصفت بأنها آخر الحروب العربية.

14 ــ إعادة طرح القضية الفلسطينية على المجتمع الدولي وإخراجها من المسار الإبراهيمي أو على الأقل فتح مسار آخر أمامها يمنح الفلسطينيين حقوقا أكثر وأملا بمستقبل أفضل.

هل تحققت هذه الأهداف أو هل يمكن أن تتحقق وماذا عن نهاية الحرب؟ أسئلة سأجيب عنها في المقال التالي.  

*باحث في أكاديمية باريس للجيوبوليتيك

مقالات مشابهة

  • عبد العاطي: استراتيجية حقوق الإنسان أولوية وطنية ومصر ترفض تصفية القضية الفلسطينية
  • رفضوا توظيف القضية لخدمة أجندات خارجية.. نواب أردنيون: «الإخوان» تستغل «شماعة فلسطين» لتقويض أمن الدولة
  • «برلمانية الوطني»: حل القضية الفلسطينية يحقق الأمن
  • أحمد موسى: البابا فرنسيس كان محبًا لمصر.. ودائم الدفاع عن القضية الفلسطينية
  • المؤتمر الوطني الفلسطيني يحذر من محاولات تصفية القضية الفلسطينية
  • اللواء طارق نصير من بغداد: القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى والعرب
  • لدعمها القضية الفلسطينية.. الإفريقي التونسي يكرم ابنة غوارديولا على هامش الديربي
  • طوفان الأقصى.. بيرل هاربر الفلسطينية التي فجّرت شرق المتوسط
  • البابا تواضروس: الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية واضح كالشمس
  • البابا تواضروس: القضية الفلسطينية قضية مصر الأولى وجهود كبيرة لتحقيق السلام