قوى الحرية والتغيير في بيان.. «أوقفوها الآن» !!
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
رصد – نبض السودان
امس أكملت بلادنا المنكوبة نصف عام من الحرب الكارثية العبثية التي إندلعت في الخامس عشر من أبريل الماضي وما عاد الجدل والإنكار مفيداً لإثبات صلة النظام المباد وحزبه المحلول في إشعالها، ومن الواضح أن الحرب تتمدد صوب ولايات جديدة لم تكن اصلا جزء منها خلال الشهور الست الماضية بدخولها فعلياً إلى حدود ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض ليصبح عدد الولايات الواقعة في نطاقها عشرة ولايات من بينها أكبر ثلاثة ولايات من حيث حجم السكان وهي الخرطوم وجنوب دارفور والجزيرة والتي تمثل مجتمعة ما يعادل تقريباً 40% من إجمالي سكان السودان، وبالنظر للأرقام الكلية للولايات المتأثرة بالحرب الحالية في الولايات العشر نجد أن الحرب تضرر منها وتهدد حوالي 70% من سكان البلاد وعند إضافة الولايات السابقة المتأثرة بالحرب (جنوب كردفان والنيل الأزرق) يصبح عدد الولايات المتأثرة بالحروب (12) ولاية يمثل سكانها حوالي 75% من إجمالي سكان البلاد مع عدم إغفال إمكانية إرتفاع عدد الولايات التي يمكن أن تنتقل إليها الحرب.
بسبب هذه الحرب احتسبت بلادنا الاف القتلى من المدنيين والعسكريين والاف الجرحى بعضهم بات ضمن ذوي الاعاقات الدائمة بخلاف الخسائر المادية والإقتصادية في الممتلكات والأموال إذ ظل السلب والنهب لممتلكات المدنيين هو السمة السائدة لهذه الحرب دون وجود تقديرات تظهر حجم تلك الخسائر إلا أن المؤشرات الأولية تظهر تعرض أكثر من 150 ألف سيارة للسرقة من أصحابها داخل ولاية الخرطوم خلال الشهور الأربعة الأولى. اما فيما يختص بالخسائر التى طالت الاقتصاد الكلي للدولة بما فيها البنى التحتية والقاعدة التحتية للشركات الصناعية الموجودة بولاية الخرطوم و التي تمثل حوالي 80% من إجمالي حجم الناتج الصناعي في البلاد .
تسببت الحرب في مفاقمة ألازمات الإقتصادية التي تعيشها البلاد منذ إنقلاب 25 أكتوبر الذي قوض الإنتقال السياسي والإقتصادي وشهدت البلاد ارتفاع الاسعار في الاسواق مصحوبة بعزوف المواطنين عن الشراء نسبة لضعف القوة الشرائية بسبب عدم سداد مرتبات العامين بالقطاع العام الذين يتجاوز عددهم الاثنين مليون موظف في المستوي القومي بجانب ملايين العاملين في مستويات الحكم الاخري وقيام الشركات العاملة في القطاع الخاص بتسريح العاملين فيها أو إنهاء عقوداتهم مما نتج عن ذلك كساد في الاسواق مع اسعار مرتفعة.
في ظل فقدان الإيرادات الضريبية التي تمثل أكثر من 80 % من إيرادات الميزانية العامة تم اللجوء للخيارات الإقتصادية الأكثر كارثية بطباعة النقود لتغطية إلتزامات القوات العسكرية في مسرح القتال وزيادة أسعار رسوم الخدمات التي يحتاجها المواطن وفاقم من الأمر إنهيار خدمات القطاع المصرفي وحرمان أعداد كبيرة من المودعين من السحب والإيداع من أموالهم التي تأكلت قيمتها بسبب إنهيار أسعار العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية.
تتنامي الكارثة الإنسانية وتتزايد بسبب تمدد مساحات الحرب وبلغ عدد الفارين من مناطق الحرب أكثر من 5.5 مليون نسمة منهم 1.1 مليون أصبحوا لاجئين في دول الجوار في ما توزع البقية على عدد من الولايات الأخرى، ويعيش أولئك النازحين في ظل ظروف قاسية ومن المتوقع أن يتسبب القرار الخاص بفتح الجامعات والمدارس لزيادة معاناتهم بسبب اتخاذ معظمهم من مقرات المدارس وداخليات السكن الجامعي مأوى لهم، أما المدنيين المتواجدين في مناطق الحرب فيعيشون مخاطر تهدد حياتهم وإمكانية تعرضهم للموت او للإصابة بسبب القذائف والرصاص والقصف المدفعي والجوي للأطراف المتحاربة وتوقف المستشفيات والمراكز الصحية عن العمل والنقص الحاد في الأغذية والأدوية وإنقطاع المياه والتيار الكهربائي وشبكات الإتصال.
إن المساعدات الإنسانية التي قدمتها الدول الصديقة للشعب السوداني منذ الأيام الاولى للحرب بما في ذلك المساعدات الطبية لم تجد طريقها للمحتاجين فإما أنها تمت السيطرة عليها أو تم عرضها في الأسواق وبيعها علناً وهو سلوك منتهج وموروث من عناصر النظام المباد وهو ما أدى فعلياً لإحجام الجهات المقدمة للمساعدات في الدفع بمزيد منها خاصة مع إصرار سلطات الحرب عدم السماح للعمال والموظفين الدوليين للإشراف على توزيع هذه المساعدات، وبالتالي فإنها تتحمل تبعات زيادة ومفاقمة هذه المعاناة الإنسانية.
تظل الإنتهاكات والفظائع التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة خلال هذه الحرب وصمة عار تتطلب إتخاذ إجراءات قانونية صارمة تجاه مرتكبيها بغرض إنصاف الضحايا ومحاسبة الجناة ولضمان عدم تكرارها مستقبلاً، ولذلك فإننا في الحرية والتغيير رحبنا بقرار مجلس حقوق الإنسان بتشكيل لجنة تحقيق تجاه تجاوزات الحرب وإنتهاكاتها ودعونا لاحالة ملف التجاوزات للمحكمة الجنائية الدولية ونحث جميع الأطراف للتعاون مع اللجنة.
ظلت الحرية والتغيير تعمل جاهدة لتحاشي هذه الحرب وبذلت الجهود لمنع حدوثها منذ أيام الحكومة الإنتقالية ثم بعد إنقلاب 25 أكتوبر 2021م وقبل وبعد توقيع الإتفاق الإطاري وكادت أن تنجح مع قوى الاتفاق الإطاري في نزع فتيلها لولا إصرار وحرص النظام المباد وعناصره على إشعالها، وظلت الحرية والتغيير والقوى المدنية الموقعة على الإطاري تسعي لإخمادها بعد إندلاعها ومنع تمددها والتواصل مع طرفيها، لكن للأسف فإن صوت الحرب كان الأعلى وحينما لاحت بارقة الأمل عبر مفاوضات جدة فإن الحرية والتغيير ظلت تدعم هذا المنبر وتحث الطرفين على إستكماله، ومن المؤكد أن منبر جدة هو الخيار المتاح حالياً لطرفي الحرب لوضع حد للقتال وبداية عملية سياسية تؤدي لانهاء الحرب واعادة بناء البلاد ووضعها في المسار الصحيح.
إن قرار الحرية والتغيير بتحرك قياداتها وتحملهم مسؤوليتهم التاريخية في لعب دور لانهاء هذه الحرب، ساعد وساهم في لعب دور دبلوماسي وسياسي بالتواصل مع دول جوار السودان ومحيطه الإقليمي والمجتمع الدولي والتي كانت حصليتها بلورة موقف مجمع عليه إقليمياً من دول جوار السودان ومحيطه الإفريقي والعربي والدولي بضرورة إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت ممكن.
بالتوازي مع ذلك فإن الطريق نحو بناء أوسع جبهة مدنية لإنهاء الحرب وتحقيق السلام وإستعادة الإنتقال المدني الديمقراطي يمضي على قدمٍ وساق بإعتباره مناط به وضع اسس إنهاء الحرب واستعادة المسار الديمقراطي ووضع لبنات إعادة الإعمار وآليات التعويضات وجبر الضرر وتأسيس مؤسسات الحكم المدنية الإنتقالية وتحقيق برامج إعادة بناء مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والعدلية على أسس قومية مهنية إحترافية ذات كفاءة وفعالية، ويمكننا القول أننا نعمل مع رفاقنا من القوى المدنية الديمقراطية من أجل إستكمال هذا الهدف في أقرب فرصة ممكنة بإعتباره خطوة مفتاحية تشجع على إنهاء الحرب.
إننا في قوى الحرية والتغيير وبعد نصف عام من هذه الحرب الكارثية نجدد ما ظلننا نردده منذ اللحظات الاولى بعد إشتعالها بأنها حرب عبثية لا منتصر فيها والخاسر هو الوطن والمواطن، والان بعد مرور ستة أشهر فنجدد موقفنا بضرورة إيقافها الآن، وندعو الطرفين لإتخاذ القرار الصحيح بوقفها ووضع حد للمعاناة والتوجه صوب قاعات المفاوضات في جدة لإسدال الستار على هذه الحرب الكارثية التي لابد أن تنتهي في يوم من الأيام، ويسترد شعبنا وطنه من تحت الركام ويعيد بنائه على هدي أهداف ثورة ديسمبر المجيدة القائمة على الحرية والسلام والعدالة في ظل دولة مدنية ديمقراطية.
قوى الحرية والتغيير – المكتب التنفيذي
الأثنين ١٦ أكتوبر ٢٠٢٣م
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: قوى الحرية بيان في والتغيير الحریة والتغییر هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
فقه السياسة والتغيير والبناء
في فقه السياسة المعاصر ليس هناك من فساد يمارس، بل هناك خطوات إجرائية فاسدة، ليس هناك من فساد في الدولة، بل هناك هيكل إداري فاسد ومترهل ولم تجدد وظائفه وأهدافه، عالم اليوم أصبح عالما مكشوفا ومفضوحا، ومن أراد إصلاح الشأن فإصلاح الشأن يرتبط بحركة الواقع ووعيه لأن حركة المجتمع ترتبط بالمعرفة، والمعرفة متسعة الأرجاء والآفاق، فحركة النمو في المجتمع لا تتحقق بالفطرة، ولكنها صناعة تعتمد على المعرفة العلمية للقواعد والأصول العامة في موازين الاقتصاد العامة، ومن لا يحمل مشروعا للحياة، قادر على تحقيق الحد الأدنى من الكرامة للإنسان فهو يحرث في بحر دون أن يعود بسمكة في آخر إبحاره ومطافه .
ومن يرى في نفسه الصلاح والخير دون أن ينظر إلى عموم الخيرية في سواه، بل يقدر سوء النوايا وفناء الخيرية، عليه أن ينظر إلى الأثر في الواقع، فإن كان الواقع يتحرك في مسارات طبيعية وفق المعيار العالمي للنمو فقد أصاب، وإن كان الواقع يتحرك في مسارات عكسية وبسرعة تراجع عالية فعليه أن يدرك أنه قد وقع في الخطأ، وأنه قد فاته العلم والمعرفة، فالقضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لا تكون اعتباطا وتسلية بمبررات واهية، قد يكون هذا الأمر مطلوبا في الزمن القديم لكنه في زمن الدولة الوطنية الحديثة هو الضياع والتيه بعينه، فكل تراجع يكون نتيجة لمقدمات، وكل مقدمة خاطئة طريقها الثابت النتائج الخاطئة ومن وقع في الخطأ لا ينفعه الندم ولات حين ندم .
نحن نسير في طريق واضح المعالم بمنهجية قرآنية، وفكرة الرؤية الوطنية لبناء الدولة فكرة عائمة تقوم على النظرية الرياضية الفيثاغورسية بالغة التعقيد وغير واضحة المعالم والأبعاد، ولذلك لم تؤت أكلها على مدى سنوات، لأنها تفتقر إلى الفلسفة، وإلى التسلسل، وإلى الخطوات المنطقية التي تتبعها الخوارزميات في حل القضايا، ولذلك تضع بينها وبين الواقع جبالا من ضبابية الرؤية والتفاعل، وهي غير قابلة للتحقق، وقد قالت الأيام لنا ذلك، وقد أصبح من المستحسن وضع قاعدة فلسفية والبناء عليها، والقاعدة موجودة وهي ذات رؤى واضحة من الهدي القرآني يمكن البناء عليها وفق قيم العصر وتشظياته وأبعاده النفسية والاجتماعية والثقافية مع الوعي بالمستوى الحضاري المعاصر.
ميزة المعتزلة أنها تقدم العقل على النقل، وميزة الزيدية أنها معتزلة، لذلك فالعقل هو الغالب في التفاعلات والتشريعات التي قالت بها الزيدية، والتسليم المطلق للنص عند الأشعرية عمل على تعطيل حركة التاريخ، وجعلها ثابتة دون تمايز للمراحل، والتسليم المطلق هو الضياع، ولذلك تتحدث السيرة النبوية عن قضايا التكامل مع الآخر التي انتهجها الرسول الأكرم فهو لم يستبد برأيه في الحروب التي خاضها ولا في القضايا الاجتماعية ولا السياسية، إذ الثابت أنه كان يطرح القضايا على طاولة النقاش وهو المعصوم، لذلك ففكرة التسليم المطلق تتناقض مع المنطق السليم ومع العقل، فالمرء مهما بلغت به المعرفة يظل في حاجة سواه حتى يكتمل به، ولو عمل العرب على تفعيل خواص التفكير لكانوا اليوم أمة عظيمة لكنهم تركوا غيرهم يفكر بالنيابة عنهم فذلوا وهانو وصغروا ونالهم من الصغار الشيء الكثير، فحالهم حال بائس يتقبلون القضايا من سواهم ككليات دون تحليل ونقاش ويخوضون غمار الأحداث دون وعي أو بصيرة، ويمكن قياس ذلك الحال على واقع السعودية ولنسأل مثلا .. ما الذي جنتيه السعودية من عدوانها على اليمن؟ الجواب: لا شيء، سوى توظيفها لمشاريع أعداء الأمة، وهذي معضلة في حد ذاتها، حين تصبح أداة طيعة بيد عدوك يسخرك فتطلق العنان لتنفيذ مهامه وتنوبه في حروبه معك .
نحن نحارب في جبهة واحدة اليوم تاركين بقية الجبهات وراء ظهرونا ولذلك من المستحيل أن نتوقع النجاح والفلاح، من أراد النجاح أخذ بأسبابه وتكامل في مشروعه، فالقوة لا تعني العتاد والسلاح ولكنها متعددة المعاني والأوجه فهي تعني القوة العسكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية فإذا تظافرت وتآزرت القوى تنتصر الأمة وإن لم تتظافر وتتآزر تفشل الأمم ونماذج الأمم من حولنا وفي التاريخ كثر لمن ألقى السمع أو كان بصيرا.
اليوم نحن أمام واقع جديد في اليمن وفي العالم كله، فالذي حدث خلال سوالف الأيام الماضية في المنطقة وخاصة في غزة ولبنان كان تحولا كبيرا في المسارات، وتلك التحولات سوف تترك آثارا عميقة في البناءات وفي مسارات اللحظة والمستقبل، تترك آثارا على اللحظة من خلال ما تتركه من ظلال على النظام العام والطبيعي، وتترك ظلالا على المستقبل من خلال ما تقوم به اللحظة من تأسيس لقضايا ستكون هي ملامح المستقبل، ولذلك فالصناعة تبدأ من اللحظة التي نعيش ونشهد تبدلاتها وتحولاتها العميقة سواء في المسار اليمني أم في المسار العربي والدولي فالمسارات تتكامل وتترك أثرا واضحا على الصناعة وعلى المستقيل .
وأمام مثل ذلك تصبح حاجتنا إلى المعرفة في البناء المتناغم مع الجذر التكويني والمتفاعل مع المتغيرات العصرية أكثر ضرورة وأشد إلحاحاً في ظل ما شهدناه من حالات جدل واسع حول بناء الدولة ولعل فكرة التغيير الجذري اليوم في محك التجربة اليوم فهي تحتاج الرعاية والتشذيب لتصل إلى مبتغاها.