جريدة الوطن:
2025-07-13@07:25:29 GMT

اغتيال الطفولة!

تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT

اغتيال الطفولة!

ليس سرًّا أنَّ التكنولوجيا غيَّرت حياتنا على مرِّ العقود، ولا تزال تفعل ذلك، سواء كان الأمْرُ يتعلق بالتمويل أو التعليم، فلا يوجد حقيقة مشهد لَمْ يتأثر بالتقدُّم التكنولوجي المستمرِّ. ولكن وعلى الرغم من ذلك فالحروب والصراعات ليست واضحة دائمًا ولا يتمُّ مناقشتها في كثير من الأحيان، خصوصًا إذا اختفت المبادئ والعدالة، وطغى الظلم بصوَره المختلفة.

بل إنَّ هناك شيئًا واحدًا لَمْ يتغيَّر! إنَّها صدقًا تلكم التأثيرات الأسوأ والتي تقع في كثير من الأحيان على الأشخاص الأكثر ضعفًا والمحاصرين في أيِّ صراع: الأطفال.
إنَّ الأثَر المُدمِّر للحرب على الأطفال يتجاوز مجرَّد الخطر المباشر المتمثل في الإصابة أو الموت. ويعاني الأطفال أيضًا من الآثار الجانبيَّة لعوامل مِثل النزوح، وقطع الروابط الأُسريَّة، والجوع، وعدم إمكان الوصول إلى الخدمات الأساسيَّة. ولعلَّه يكُونُ من المُجهِد للغاية مشاهدة التلفاز اليوم وكُلَّ يوم، ورحى الحرب والظلم تعاقبهم؛ لأنَّهم أبناء الأرض وأطفالها، حيث يعيش الأطفال أو يشهدون بيئات عنيفة، ممَّا يُمثِّل ضيقًا عاطفيًّا ونَفْسيًّا مستمرًّا، ويؤدِّي مع الوقت إلى ضعف النُّموِّ المعرفي، والتي لها صِلَة بفرص حياتهم، بما في ذلك العلاقات الاجتماعيَّة والأداء المدرسي. في حين أنَّ النُّموَّ البدني مُهمٌّ، فإنَّ تنمية قدرات الطفل العاطفيَّة والاجتماعيَّة والمعرفيَّة أمْرٌ بالغ الأهمِّية بنَفْسِ القدر. لذلك تُمثِّل السنوات الأولى من الطفولة ـ إن استطعتُ تسميتها ـ بنافذة الفرصة والتي تُشكِّل تجربة نُموِّ الطفل بأكملها طوال حياته. فكيف بالأطفال الذين أُجبروا على ترك منازلهم بسبب الحرب والصراع غالبًا ما يكُونُون بِدُونِ مأوى بديل، ولا يُمكِنهم الذهاب إلى المدرسة. وحتمًا هذا يجعلهم أكثر عرضة لخطر سوء المعاملة والاستغلال.
من ناحية أخرى، فالتعرُّض للحرب أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة يُمكِن أن يُشكِّلَ مخاطر وأعراضًا مختلفة، كالصَّدمة والضِّيق، أو تطوُّر الكوابيس ومشاكل في التركيز، وأحيانًا ينتهي بالخوف الشديد أو مستويات عالية من القلق. ألَا يستحقُّ ذلك الطفل، بغَضِّ النظر عن المكان الذي يعيش فيه، أن يعيشَ حياة آمنة وسعيدة وصحيَّة؟!
ألَا يعي أولئك الظالمون، كيف أنَّ حياة الطفل تتغيَّر مع حروبهم، ويظلُّون متوتِّرين دائمًا مع قلق مستمر؟ فأيُّ ضجيج غير مألوف: كتحرك كرسي، أو إذا أُغلق الباب ـ على سبيل المثال ـ بعد مرور الصَّدمة بفترة، يكُونُ لدَيْهم ردُّ فعل، ربَّما نتيجة خوفهم من أصوات الطائرات والصواريخ والحرب. وهنا في نهاية المطاف يصبحون مخدَّرين عاطفيًّا ممَّا يزيد من احتمال تقليدهم للسلوك العدواني الذي يشهدونه واعتبار هذا العنف أمرًا طبيعيًّا. وهذا بِدَوْره يُمكِن أن يؤثِّرَ على قدرتهم على بناء علاقات ناجحة مع الآخرين على المدى الطويل! وللأسف، في بعض الحالات، لا يرى الأطفال أيَّ خيار آخر سوى محاولة الهروب ممَّا يعيشونه ومن البيئة المحيطة بهم عن طريق تعاطي المخدّرات ـ مثلًا ـ أو حتَّى إيذاء النَّفْس والانتحار.
إنَّ اغتيال الطفولة بشتَّى صوَرها الشنيعة، والتي يفرضها أيُّ احتلال، سواء من حصار واعتداءات وعدوان متكرر، ناهيك عن الاعتقال والاحتجاز والسِّجن والاعتداء الجسدي هو بحقِّ الظلم بعَيْنه في عصر أضحى ذلك العالَم المتشدِّق بالحُرِّيَّة أن تكُونَ من قِيَمه الغافلة المنافقة، التجبُّر والتَّمادي في عنجهيَّته الظالمة والتي ـ بلا شك ـ ستكُونُ الدائرة عَلَيْه ولو بعد حين.
ختامًا، لا نستطيع تخيُّل مقدار الألَم الذي عاش به ذلك الطفل الذي أضحى بالغًا الآن بعد مرور عقود من عمره. وكيف تأثرت حياته بحدثٍ في الطفولة، لَمْ يدرك بحينه. ولعلَّ التعبير العاطفي عن الصَّدمة، سواء أكان بشكلٍ غير لفظي كالحركة وممارسة الرياضة، أو لفظيًّا بوصف الحدث هو مُهمٌّ لنَفْسيَّة الطفل ومتابعته لحياته. فالمرء الذي لَمْ يَمُر بجحيم عواطفه لَنْ يتغلبَ عَلَيْها أبدًا. لذلك يجِبُ أن يفصحَ ذلك الطفل عن أوجاعه ومشاعره لِيتجاوزَها ويتحرر مِنْها، كما هي حال أرضه التي ستتحرَّر ـ بمشيئة الله ـ … عاشت فلسطين حُرَّة أبيَّة.

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

اصابة الرئيس الايراني بمحاولة اغتيال اسرائيلية

اصابة الرئيس الايراني بمحاولة اغتيال اسرائيلية

مقالات مشابهة

  • اصابة الرئيس الايراني بمحاولة اغتيال اسرائيلية
  • إنقاذ طفلة من البيع يفتح ملف حماية الطفولة في زمن الفاقة
  • براءة تحت القصف.. مجزرة الهشمة تكشف الوجه الدموي لمليشيا الإصلاح في تعز
  • من أجواء امتحانات الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي في دير الزور، والتي تقام لأول مرة بعد سقوط النظام البائد
  • «المراكز الحركية».. وجهات آمنة تسهم في تنشئة الطفولة وتنمية المهارات
  • «صحتي في غذائي» و«احلم بمهنتك».. مبادرات لـ الأطفال بجناح الأزهر بـ معرض الكتاب
  • “مبادرة واعد” تجذب الأطفال وأسرهم في مهرجان جامعة الحدود الشمالية الصيفي
  • التبول اللا إرادي واضطرابات الأكل والكوابيس الأبرز.. سلوكيات تنذر بتعرض طفلك للتحرش
  • استشارية:الحوار الأسري الدافئ والاحتواء العاطفي خط الدفاع الأول لحماية الطفل
  • استشارية صحة نفسية: البيدوفيليا مرض عصبي سلوكي يستهدف براءة الأطفال