ليس سرًّا أنَّ التكنولوجيا غيَّرت حياتنا على مرِّ العقود، ولا تزال تفعل ذلك، سواء كان الأمْرُ يتعلق بالتمويل أو التعليم، فلا يوجد حقيقة مشهد لَمْ يتأثر بالتقدُّم التكنولوجي المستمرِّ. ولكن وعلى الرغم من ذلك فالحروب والصراعات ليست واضحة دائمًا ولا يتمُّ مناقشتها في كثير من الأحيان، خصوصًا إذا اختفت المبادئ والعدالة، وطغى الظلم بصوَره المختلفة.
إنَّ الأثَر المُدمِّر للحرب على الأطفال يتجاوز مجرَّد الخطر المباشر المتمثل في الإصابة أو الموت. ويعاني الأطفال أيضًا من الآثار الجانبيَّة لعوامل مِثل النزوح، وقطع الروابط الأُسريَّة، والجوع، وعدم إمكان الوصول إلى الخدمات الأساسيَّة. ولعلَّه يكُونُ من المُجهِد للغاية مشاهدة التلفاز اليوم وكُلَّ يوم، ورحى الحرب والظلم تعاقبهم؛ لأنَّهم أبناء الأرض وأطفالها، حيث يعيش الأطفال أو يشهدون بيئات عنيفة، ممَّا يُمثِّل ضيقًا عاطفيًّا ونَفْسيًّا مستمرًّا، ويؤدِّي مع الوقت إلى ضعف النُّموِّ المعرفي، والتي لها صِلَة بفرص حياتهم، بما في ذلك العلاقات الاجتماعيَّة والأداء المدرسي. في حين أنَّ النُّموَّ البدني مُهمٌّ، فإنَّ تنمية قدرات الطفل العاطفيَّة والاجتماعيَّة والمعرفيَّة أمْرٌ بالغ الأهمِّية بنَفْسِ القدر. لذلك تُمثِّل السنوات الأولى من الطفولة ـ إن استطعتُ تسميتها ـ بنافذة الفرصة والتي تُشكِّل تجربة نُموِّ الطفل بأكملها طوال حياته. فكيف بالأطفال الذين أُجبروا على ترك منازلهم بسبب الحرب والصراع غالبًا ما يكُونُون بِدُونِ مأوى بديل، ولا يُمكِنهم الذهاب إلى المدرسة. وحتمًا هذا يجعلهم أكثر عرضة لخطر سوء المعاملة والاستغلال.
من ناحية أخرى، فالتعرُّض للحرب أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة يُمكِن أن يُشكِّلَ مخاطر وأعراضًا مختلفة، كالصَّدمة والضِّيق، أو تطوُّر الكوابيس ومشاكل في التركيز، وأحيانًا ينتهي بالخوف الشديد أو مستويات عالية من القلق. ألَا يستحقُّ ذلك الطفل، بغَضِّ النظر عن المكان الذي يعيش فيه، أن يعيشَ حياة آمنة وسعيدة وصحيَّة؟!
ألَا يعي أولئك الظالمون، كيف أنَّ حياة الطفل تتغيَّر مع حروبهم، ويظلُّون متوتِّرين دائمًا مع قلق مستمر؟ فأيُّ ضجيج غير مألوف: كتحرك كرسي، أو إذا أُغلق الباب ـ على سبيل المثال ـ بعد مرور الصَّدمة بفترة، يكُونُ لدَيْهم ردُّ فعل، ربَّما نتيجة خوفهم من أصوات الطائرات والصواريخ والحرب. وهنا في نهاية المطاف يصبحون مخدَّرين عاطفيًّا ممَّا يزيد من احتمال تقليدهم للسلوك العدواني الذي يشهدونه واعتبار هذا العنف أمرًا طبيعيًّا. وهذا بِدَوْره يُمكِن أن يؤثِّرَ على قدرتهم على بناء علاقات ناجحة مع الآخرين على المدى الطويل! وللأسف، في بعض الحالات، لا يرى الأطفال أيَّ خيار آخر سوى محاولة الهروب ممَّا يعيشونه ومن البيئة المحيطة بهم عن طريق تعاطي المخدّرات ـ مثلًا ـ أو حتَّى إيذاء النَّفْس والانتحار.
إنَّ اغتيال الطفولة بشتَّى صوَرها الشنيعة، والتي يفرضها أيُّ احتلال، سواء من حصار واعتداءات وعدوان متكرر، ناهيك عن الاعتقال والاحتجاز والسِّجن والاعتداء الجسدي هو بحقِّ الظلم بعَيْنه في عصر أضحى ذلك العالَم المتشدِّق بالحُرِّيَّة أن تكُونَ من قِيَمه الغافلة المنافقة، التجبُّر والتَّمادي في عنجهيَّته الظالمة والتي ـ بلا شك ـ ستكُونُ الدائرة عَلَيْه ولو بعد حين.
ختامًا، لا نستطيع تخيُّل مقدار الألَم الذي عاش به ذلك الطفل الذي أضحى بالغًا الآن بعد مرور عقود من عمره. وكيف تأثرت حياته بحدثٍ في الطفولة، لَمْ يدرك بحينه. ولعلَّ التعبير العاطفي عن الصَّدمة، سواء أكان بشكلٍ غير لفظي كالحركة وممارسة الرياضة، أو لفظيًّا بوصف الحدث هو مُهمٌّ لنَفْسيَّة الطفل ومتابعته لحياته. فالمرء الذي لَمْ يَمُر بجحيم عواطفه لَنْ يتغلبَ عَلَيْها أبدًا. لذلك يجِبُ أن يفصحَ ذلك الطفل عن أوجاعه ومشاعره لِيتجاوزَها ويتحرر مِنْها، كما هي حال أرضه التي ستتحرَّر ـ بمشيئة الله ـ … عاشت فلسطين حُرَّة أبيَّة.
د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
dryusufalmulla@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
«أولياء أمور مصر» يشيد باحتفال مجلس الشباب المصري بيوم الطفل اليتيم المهاجر
أشادت الخبيرة الأسرية داليا الحزاوي، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، بتنظيم فاعلية الاحتفال باليوم العالمي للطفل اليتيم المهاجر التي نفذها مجلس الشباب المصري، بالحديقة الدولية.
الاحتفال باليوم العالمي للطفل اليتيم المهاجروأوضحت الخبيرة الأسرية، داليا الحزاوي، أن تلك الفاعلية تعتبر رسالة إنسانية قوية للعالم أجمع، للتنويه بأهمية الاهتمام بهذه الفئة ومحاولة رسم البسمة على وجوههم بكل الطرق فقد فقدوا كل ما يملكون وهجروا من أوطانهم قسرًا.
وقد نفذ مجلس الشباب المصري فعالية كبرى للاحتفال باليوم العالمي للطفل اليتيم المهاجر، بمشاركة أكثر من 1000 طفل من الفئات الأولى بالرعاية من النازحين واللاجئين من دول الصراع، وشملك جميع الأطفال الأيتام من النازحين من مختلف الجنسيات المقيمة داخل مصر.
وتضمنت الفاعلية يومًا ترفيهيًا متكاملًا داخل الحديقة الدولية بمدينة نصر، وتم توزيع ملابس جديدة، وألعاب، ووجبات ساخنة، بجانب فقرات فنية وترفيهية واحتفالية، داخل مدينة الملاهي، في محاولة لرسم البسمة على وجوه الأطفال الذين فقدوا ذويهم وهُجّروا من أوطانهم.
ووجه مجلس الشباب المصري دعوة إلى كافة شركاء العمل الإنساني، ومؤسسات المجتمع المدني، والهيئات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الطفل، لتسليط الضوء على أوضاع الأطفال الأيتام المهاجرين، وتوثيق التجربة المصرية التي أثبتت قدرة حقيقية على تقديم نموذج فريد في دعم الفئات الأكثر هشاشة.
ويعتبر مجلس الشباب المصري، إحدى كبرى مؤسسات المجتمع المدني في مصر الحاصلة على الصفة الاستشارية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، هو أول من أطلق هذا التقليد منذ أكثر من خمس سنوات، وبدأ وقتها باحتضان الأطفال اليتامى من النازحين السوريين واليمنيين، ووسع نطاق الحدث ليشمل الأطفال الأيتام من مختلف الجنسيات المقيمة داخل مصر.
اقرأ أيضاًيهدد حياة الأطفال.. مقترح برلماني بحظر «الإندومي» في مصر
رئيس جامعة الأزهر: القرآن يدين أخذ أموال اليتامى ويوضح عواقب ذلك «فيديو»
أستاذ علم اجتماع: دور المدرسة ليس مقتصرًا على التعليم فقط.. والصعيد أكبر مثالا