جريدة الوطن:
2024-10-03@19:48:51 GMT

آخر ورقة توت

تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT

آخر ورقة توت

منذ أسبوع ونيّف والعالَم يعيش حالة من الصَّدمة والذهول وردود الأفعال المتباينة حسب الدوافع والأهداف والتخمينات والتقديرات والاجتهادات حَوْلَ مسار الأمور ونتائجها المحتملة. ولا بُدَّ في غمرة الحملات التضليليَّة التي رافقت كُلَّ ذلك، وفي ضوء استهداف أصحاب الكلمة بشكلٍ مباشر منعًا لإظهار ما يجِبُ إظهاره، من التوقف قليلًا والتأمُّل بهدوء في التاريخ البعيد والقريب والمُسبِّبات قَبل الغرق في سرديَّات يحيكها المعتدون وداعموهم ويعملون على تصدُّرها السَّاحة الإعلاميَّة ونفي كُلِّ ما عداها.

وفي هذا الصَّدد عَلَيْنا أن ننسخَ من أذهاننا مفاهيم عمل الغرب على غرسها في أذهان مُعْظم البَشَر خدمة لهُوِيَّته ومصالحه وهي لا تمُتُّ إلى واقعه أو واقع تاريخه بصِلَة.
فالأرض الجديدة، كما يسمُّونها، وهي الولايات المُتَّحدة وأستراليا ونيوزيلاندا اليوم قامت أوَّلًا وقَبل كُلِّ شيء على إبادة الشعوب الأصليَّة إبادة كاملة وسرقة الأرض والاستيطان فيها والادِّعاء أنَّهم هُمْ أصحاب الأرض. وقَدْ كانت الإبادة شاملة وكاملة وعميقة إلى درجة أنَّها لَمْ تترك للبَشَريَّة إلَّا النزر اليسير من آثار تلك الأقوام بحيث لا يُمكِن لأحَدٍ أن يُشكِّلَ صورة واضحة عن تاريخهم وثقافتهم وأسلوب عيشهم. وفي مندرجات تلك الحملة لَمْ يسلَمْ حيوان البوفالو من إبادته أيضًا لحرمان تلك الشعوب من الغذاء وبثِّ الأمراض والجوع والفقر الذي كفل بالنتيجة إبادتهم.
فلماذا يستغرب أحَد اليوم إذا كانت هذه المجموعة التي مارست تاريخيًّا هذه الإبادة تُنتج نسلًا وقيادات تؤيِّد عملًا مشابهًا عنصريًّا في فلسطين يهدف إلى إبادة السكَّان الأصليِّين وتهجيرهم والاستيلاء على أرضهم واستيطانها والادِّعاء أنَّها أرضهم، وعمل كُلِّ ما يلزم كَيْ ينسى العالَم مَن كان هنا ومَن هُمْ أصحاب الأرض التاريخيُّون وكيف تمَّ القضاء عَلَيْهم؟ وهنا فإنَّ كُلَّ الدَّعوات للمجموعة الغربيَّة بقيادة الولايات المُتَّحدة كَيْ ترى جرائم الاحتلال وتدينَها هي إضاعة للوقت؛ لأنَّهم شركاء حقيقيون في كُلِّ ما حلَّ بالشَّعب الفلسطيني والسوري واللبناني والعراقي واليمني على مدى العقود الماضية. أوَلَيْسَتْ عشرات قرارات الفيتو التي اتَّخذتها الولايات المُتَّحدة في الأُمم المُتَّحدة ومجلس الأمن هي إحدى العقبات الأساسيَّة في طريق تحقيق العدالة للشَّعب الفلسطيني؟ أوَلَيْسَ الدَّعم غير المحدود الذي تُقدِّمه الولايات المُتَّحدة ومعها دوَل غربيَّة هو الذي يسفك دماء الشَّعب الفلسطيني منذ عقود إلى اليوم؟ فهل نطلب من الجاني إدانة الجريمة؟ أوَلَيْسَ مسار إبراهيم والضغط الغربي على الآخرين للتطبيع مع العدوِّ دُونَ أن يحقَّ أيًّا من حقوق شَعب مظلوم تمَّ احتلال أرضه وتهجيره سببًا أساسًا في كُلِّ ما نشهده اليوم؟
جوهر هذا الموقف الغربي الوحشي من الشَّعب الفلسطيني واستباحة دَمِه أمام أعيُن العالَم وتمنُّع الدوَل الغربيَّة حتَّى عن إدانة قتْل الأطفال والنِّساء وقتْلِ الكوادر الطبيَّة والإعلاميِّين أمام عدسات الكاميرا إنَّما هو نابع من مفهوم عنصري بحت يَعدُّ العرب جميعًا، وليس فقط الفلسطينيِّين، أدنى درجة من سلالة الصهاينة أو السّلالات الغربيَّة فلذلك فإنَّهم لا يعتقدون أنَّهم يقتلون بشَرًا مساوين لهُمْ في الإنسانيَّة، بل كما قال وزير الدفاع الصهيوني يَعدُّونهم «حيوانات بَشَريَّة» وهذا مبرِّر كافٍ لإبادتهم ومبرِّر للغرب بعدم إدانة هذه المجازر المروِّعة التي يرتكبها الصهاينة بحقِّ المَدنيِّين العُزَّل في فلسطين المحتلَّة في القِطاع والضفَّة؛ لأنَّ الإبادة، والتي هي مستمرَّة منذ عقود وهي السَّبب الأساس وراء هذا الغضب العارم، تطول كُلَّ الشَّعب العربي والفلسطيني حيثما كان وعلى أيِّ أرض وجد، وهذا ما تؤكِّده سياسة الاغتيالات بحقِّ الفلسطينيِّين والعرب في أماكن مختلفة من العالَم.
الجديد اليوم ـ بالإضافة إلى هشاشة الكيان الغاصب، واشتداد عود المقاومة والمناضلين الصابرين ـ هو أنَّ العالَم اليوم بدأ مرحلة التحوُّل من الانبهار بالغرب إلى النظر شرقًا وجنوبًا، وأنَّ هذه القوى التاريخيَّة الصَّاعدة روسيا والصين و»بريكس» تخوض معركتها ولأسبابها مع الهيمنة الغربيَّة والكذب الغربي والتضليل الغربي الذي خدع العالَم على مدى عقود ماضية، ولكنَّه لَمْ يَعُدْ قادرًا على تسويق افتراءاته كما اعتاد؛ لأنَّ الشعوب نضجت وخبرت نتائج أكاذيبه وأعماله وحروبه، واتَّخذت موقفًا مفصليًّا ما زال يتبلْوَر على صُعدٍ كافَّة إلى أن تسنحَ الفرصة لتغيير ميزان القوى مرَّة وإلى الأبد وعلى صعيد السَّاحة الدوليَّة بِرُمَّتها.
والجديد اليوم أيضًا هو أنَّ وسائل الإعلام والتواصل اختلفت جذريًّا عن زمن حروب الإبادة التي مارسها الإنسان الأوروبي الأبيض منذ قرون وحتَّى عن زمن حروب فيتنام وأفغانستان والعراق، وأصبح في مقدور وسائل التواصل الاجتماعي أن تبثَّ مشاهدها بغَضِّ النظر عن وسائل الإعلام الرسميَّة وما يرتئيه محرِّروها، الأمْرُ الذي استدعى قتْلَ الإعلاميِّين؛ من شيرين أبو عاقلة إلى عصام العبد الله إلى العشرات من الإعلاميِّين الذين لَمْ تقْوَ آلةُ الفتك والظلم على إسكاتهم. وما حاملة الطائرات الأميركيَّة وكُلُّ مظاهر القوَّة التي لا تتناسب أبدًا مع بضعة مقاتلين ضاقوا ذرعًا بالذُّلِّ والإرهاب الذي يتعرض له شَعبهم وقرَّروا إعلاء صوت الحقِّ وتلقين المعتدي درسًا في الإباء والشهادة والوفاء للوطن إلَّا دليل على هذا الظلم.
والجديد في الأمْرِ هو أنَّنا اليوم في العام 2023 ولَسْنَا في العام 1948 حين تمكَّن الصهاينة من خلال ارتكاب المجازر واستخدام مُكبِّرات الصوت من إقناع المزارعين والسكَّان الآمنين أن يغادروا أرضهم ومنازلهم كَيْ يعودوا إليها بعد أسبوع «آمنين». ومنذ ذلك التاريخ والجدَّات يخبرن الأحفاد أنَّنا كان يجِبُ ألَّا نغادر أبدًا فهذه أكبر خدعة تعرَّض لها الشَّعب الفلسطيني بعد أن ارتُكبت عشرات المجازر بحقِّه، ولكنَّ الأجيال الفلسطينيَّة شكَّلت وعْيَها بأنَّ البقاء على الأرض شرط أساسي لاستعادة الحقوق وعدم التحوُّل إلى لاجئين أبديِّين يطالبون بحقِّ العودة.
والجديد في الأمْرِ هو أنَّ الكيان المهزوم ورغم كُلِّ الجرائم التي يرتكبها بحقِّ الشَّعب الفلسطيني والإعدامات اليوميَّة لأطفاله ونسائه وشبابه فإنَّ الشَّعب الفلسطيني متمسِّك بأرضه ومستعدٌّ للتضحية في سبيلها، ولا جواز لدَيْه سوى جواز المقاومة إلى الضفَّة والخليل وصفد وحيفا ويافا والقدس، فهو ابن هذه الأرض يضحِّي في سبيلها فيُقتَل ويُؤسَر ولكنَّه يرفض التخلِّي عن ترابه، بَيْنَما يمتلك قتَلَتُه الجنسيات وجوازات السفر ومن أوَّل مفرق يختارون أن يعودوا إلى أماكن راحتهم وترَفِهم. ولا يُمكِن في النتيجة أن ينتصرَ مُعتدٍ على مَن هو مؤمن بأرضه وتاريخه وشكيمة شَعبه ومستقبل أبنائه.
بقي أن نقولَ إنَّ المعركة التي يخوضها أهلُنا في فلسطين تقع في قَلْبِ المعركة التي خاضتها سوريا وتخوضها روسيا والصين و»بريكس» للتخلُّص من نُظُم هيمنة أنشأها مستعمِرون مغتصِبون للأرض والتاريخ، ولبناء عالَم متعدِّد الأقطاب يعمل من أجْلِ مستقبل آمن وحُرٍّ ومزدهر للإنسانيَّة بِرُمَّتها، وإذا كانت المواقف العربيَّة والإسلاميَّة لَمْ ترتقِ إلى مستوى الإيثار والتضحيات الفلسطينيَّة السخيَّة فيكفي العرب شرفًا أنَّ فلسطين تخوض مع الدوَل والشعوب الحُرَّة في العالَم معركة إنهاء البَغيِ الغربي والصَّلف والظلم والعدوان الذي أرخى بثقله على حياة البَشَر لقرون خلَتْ. مَثَلُ التهافت الغربي لدعم العدوان والقتل والمجازر كمَثَلِ الذين وصَفَهم جلَّ جلاله في قرآنه الكريم: «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متمُّ نوره ولو كرِه المشركون». لقَدْ سقطت آخر ورقة توت عن الغرب وادِّعاءاته بالحضارة والحُرِّيَّة، وستُظهر السنوات القادمة آثار هذا العمل البطولي في فلسطين على مستقبل الغرب بِرُمَّته. كما سقطت كُلُّ الدعايات الغربيَّة لمسار أبراهام ومسارات التطبيع والتي عمل الأميركي على مدى سنوات للترويج لها متجاهلًا شَعبًا عربيًّا أبيًّا كريمًا يرفض هذا الصَّلف الغربي الذي لا يُقيم وزنًا للحقوق والعدالة وكرامة النَّاس. ولذا فإنَّ ما بدأ في 7 تشرين أوَّل من رفض مُطلَقٍ للظلم والاستيطان والاحتلال والأسْرِ والتهجير سوف يُستكمَل ليس في فلسطين فقط، وإنَّما على مستوى نبض الشَّعب العربي في كافَّة أقطاره ولدى أحرار العالَم أيضًا.
سيُسجِّل التاريخ 7 تشرين أول تاريخًا مُهمًّا في التحوُّلات التي ستُفضي إلى عالَم جديد مختلف تمامًا عن العالَم الذي صاغه الغرب بقوَّة السِّلاح والنَّار والظلم والتضليل المستمر.

أ.د. بثينة شعبان
كاتبة سورية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الولایات الم ت فی فلسطین العال م ة التی

إقرأ أيضاً:

عاجل : صنعاء تكشف إدخال منظومة صواريخ جديدة في الهجوم الذي طال مواقع الاحتلال اليوم وهذه هي التفاصيل

الجديد برس/

كشفت اليمن ، الأربعاء، دخول  منظومة جوية جديدة الخدمة تعد الثانية في غضون 48 ساعة.

وأكد البيان الأخير لقوات صنعاء  استخدام صواريخ مجنحة من نوع “قدس 5” في الهجوم الذي طال مواقع عدة للكيان الصهيوني ..

والصواريخ الجديدة التي يكشف عنها لأول مرة من نوع ارض – ارض، وتتميز بقدرتها التدميرية الكبيرة وسرعتها  إضافة إلى تخصصها باستهداف المنشآت العسكرية والحيوية معا.

وقد أكدت القوات اليمنية على لسان متحدثها العسكري العميد يحي سريع نجاح الصواريخ الجديدة بتجاوز سائر الأنظمة الدفاعية الامريكية والغربية والإسرائيلية المنتشرة لحماية الاحتلال في المنطقة ..

والمنظومة الجديدة تعد الثانية  التي يؤكد  دخولها الخدمة خلال الـ48 ساعة الأخيرة اذ سبق لمتحدث  اليمن العسكري العميد سريع وان اكد دخول طائرات مسيرة جديدة من نوع صماد 4 وقد تم تجربتها بنجاح بهجوم بري على الاحتلال مطلع أكتوبر الجاري بقصف مواع عسكرية للاحتلال في ايلات على البحر الأحمر.

وهذه المنظومات تعدان ضمن سلسلة تطوير عسكري للقدرات الصاروخية والطيران المسير  بدات قبل سنوات وتصاعدت وتيرتها خلال الأشهر الأخيرة حيث تخوض اليمن معركة ضد الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه بقيادة أمريكا وبريطانيا.

ومنذ اعلان اليمن دخول المرحلة الخامسة من التصعيد اليمني ضد الاحتلال الإسرائيلي تم الكشف عن 4 منظومات ابرزها طائرة “يافا” المسيرة والتي جابت نحو 2500 كيلومتر قبل ان تتمكن من تحقيق هدفها في عاصمة الاحتلال الإسرائيلي وبعدها جاء صاروخ “فلسطين 2” والذي هز عاصمة الاحتلال أيضا وشاهد العالم نتائجه بقوة.

وتشير هذه التطورات إلى أن القدرات اليمنية تتنامى بوتيرة عالية خصوصا مع اتساع رقعة المواجهات مع الاحتلال وحلفائه وهي احد دوافع فرض معادلات جوية جديدة عجز الاحتلال وحلفائه باستخباراته من استهدافها  او حتى اعتراضها بأنظمته الدفاعية المتطورة.

مقالات مشابهة

  • أمين البحوث الإسلامية يعقد اجتماعًا حواريًّا مع مبعوثي الأزهر
  • ندوة بصلالة توصي بتحقيق استدامة الموارد المائية في جبال ظفار
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • الأرصاد الجوية: ارتفاع درجات الحرارة نهار اليوم على مناطق الشمال الغربي
  • عاجل : صنعاء تكشف إدخال منظومة صواريخ جديدة في الهجوم الذي طال مواقع الاحتلال اليوم وهذه هي التفاصيل
  • "الضحية الرسمية الوحيدة"..دفن الفلسطيني الذي قتله صاروخ إيراني
  • صورٌ تنتشر... ما الذي جرى لجنود العدوّ الإسرائيليّ اليوم في بلدة العديسة؟
  • بتوقيت اليمن.. موعد كسوف الشمس الذي سيعم الكرة الأرضية اليوم
  • الحرس الثوري الإيراني يسمي العملية التي أطلقها اليوم بـالوعد الصادق 2
  • لبنان.. الجبهة الشعبية تشيّع جثامين شهدائها