واشنطن- فجع ملايين الأميركيين المسلمين بخبر مقتل الطفل الفلسطيني وديع الفيوم (6 أعوام) بـ26 طعنة، وإصابة والدته حنان شاهين (32 عاما) خارج مدينة شيكاغو بولاية إلينوي بسبب عقيدتهما الإسلامية، فيما تعد أول جريمة كراهية بسبب الحرب التي تخوضها إسرائيل على الفلسطينيين في قطاع غزة.

وقالت الشرطة إن المحققين "تمكنوا من تحديد أن كلتا الضحيتين في هذا الهجوم الوحشي كانتا مستهدفتين من قبل المشتبه به كونهما مسلمين على خلفية الصراع الدائر في الشرق الأوسط بين حماس والإسرائيليين".

وفي بيان للبيت الأبيض، عبر الرئيس جو بايدن وزوجته جيل، عن "شعورهما بالصدمة والغثيان" عندما علما بالحادثة.

وقال بايدن "إن عمل الكراهية المروع هذا ليس له مكان بأميركا، وهو يتعارض مع قيمنا الأساسية: التحرر من الخوف بشأن الطريقة التي نصلي بها، وما نؤمن به، ومن نحن. وكأميركيين، يجب علينا أن نتحد ونرفض الإسلاموفوبيا وجميع أشكال التعصب والكراهية".

عوض: خطاب بايدن منح الضوء الأخضر لإسرائيل للتمادي بعدوانها على غزة بعد "طوفان الأقصى" (الجزيرة)

وعقب الحادثة، حاورت الجزيرة نت نهاد عوض المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) التي تعد أكبر المؤسسات الأميركية المتخصصة في الدفاع عن حقوق المسلمين الأميركيين، للحديث عن سياق وقوع هذه الحادثة، والتحديات والمخاطر التي يواجهها أكثر من 4 ملايين مسلم أميركي منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" قبل 10 أيام.

واعتبر عوض أن ما يتعرض له المسلمون الأميركيون اليوم أكثر خطورة مما تعرضوا له عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، مرجعا ذلك إلى تبني الرئيس بايدن والإعلام الأميركي الادعاءات الإسرائيلية بشأن الأحداث.

وقال أيضا "كير يعمل مع مجموعة من أصدقائنا في الكونغرس لاستصدار مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار وتأمين ممرات آمنة للمدنيين في غزة وإعادة الكهرباء والسماح بدخول الوقود والطعام".

وإلى نص الحديث: بداية، كيف علمتم بحادثة شيكاغو؟ وكيف تفسرون مقتل الطفل وديع الفيوم؟

لدينا مكتب كبير في مدينة شيكاغو من مهامه رصد الشكاوى والمضايقات التي يتعرض لها المسلمون الأميركيون، وتقديم المساعدة القانونية والحقوقية والإنسانية.

وفور وصول خبر الاعتداء على الطفل ووالدته، تحركنا لتوفير الدعم للأسرة، وعلمنا أن الحادثة وقعت على يد مالك المنزل الذي تستأجر منه العائلة جزءا يعيشون فيه.

وعلمنا أن العلاقات كانت ممتازة بين هذه العائلة والمالك، لدرجة بنائه مكانا مخصصا ليلعب فيه وديع، كما كان يدعوه إلى استخدام حمام سباحة يملكه، وكان يشتري له بعض الهدايا.

ويبدو أن التغطية الإعلامية جعلت مالك المنزل غاضبا ومشحونا من الأخبار التي ركزت على الفظائع والأكاذيب التي تم لاحقا الكشف عن بطلانها وعدم صحتها.

كيف تصف الأوضاع العامة والتحديات التي تواجه الجالية المسلمة حاليا؟

بداية دعني أقول إن ما يتعرض له المسلمون الأميركيون حاليا من مضايقات وخطاب كراهية يفوق في ضخامته وخطورته ما تعرض له المسلمون الأميركيون عقب وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

فحالة الاحتقان والشحن الجارية الآن مدفوعة بخطاب الرئيس بايدن الذي كرر فيه الادعاءات الإسرائيلية كاملة بأكاذيبها وافتراءاتها، و(كذلك) طوفان الكراهية الذي يمتلأ به الإعلام الأميركي بما فيه من دعوات إلى إبادة شعب أعزل، واستضافته لمسؤولين إسرائيليين يروجون لمزاعمهم.

إضافة إلى ذلك: الانتشار الكبير للأخبار على وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة دون فحص مصداقيتها أو حقيقتها، ودون الاستعانة بوجهات النظر الأخرى.

وهذا لم يكن موجودا في هجمات سبتمبر، على الرغم من جسامة ما تعرضت له الولايات المتحدة.


ما المقصود بأن الأوضاع أخطر عند مقارنتها بما تلى هجمات سبتمبر التي أدت لمقتل 3 آلاف أميركي؟

عقب هجمات 11 سبتمبر، انطلقت حملات ضد المسلمين، وكانت هناك بعض الحوادث والمضايقات، لكن ومنذ اللحظات الأولى تبنت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن خطابا منضبطا مؤكدا حماية حقوق المسلمين الأميركيين، وكان هناك تجاوب مع طلبات الجالية المسلمة، وكان هناك قنوات واسعة مفتوحة للتواصل مع البيت الأبيض وقادة مجلسي الكونغرس، وكبريات وسائل الإعلام الأميركية.

وقد زار الرئيس بوش مسجد واشنطن الكبير، وكنت هناك ضمن مجموعة صغيرة من قادة المنظمات الإسلامية حيث التقيناه، وطمأننا على سلامة الجالية المسلمة. كذلك كانت وسائل الإعلام تستضيف الكثير من قادة المسلمين الأميركيين للتعليق على الأحداث، وتوفير رواية مختلفة لما يجري.

وفي الواقع، لا يقترب من الشحن والتعتيم الإعلامي شبه الكامل على الرواية الفلسطينية للأحداث إلا حادثة تفجير المبنى الفدرالي في مدينة أوكلاهوما يوم 19 أبريل/نيسان 1995، فبعد معرفة أن منفذ التفجير الإرهابي هو رجل أبيض وجندي سابق اسمه تيموثي ماكفاي، انخفضت نسبة الجرائم والمضايقات التي تعرض لها المسلمون الأميركيون بصورة كبيرة للغاية.

إذ بلغ عدد الحوادث نحو 222 حادثة في الأسبوع الأول، بعد أن روج الإعلام الأميركي أن "إرهابيا مسلما" ربما يقف وراء تفجير المبنى الفدرالي.

هل رصدتم الكثير من الحوادث منذ بدء العدوان على غزة؟

نعم، ونتوقع أعداداً هائلة من الشكاوى والمضايقات، وبدأ رؤساء العديد من الشركات الكبرى تبني الرواية الإسرائيلية كاملة، ويبعثون رسائل للموظفين يظهرون فيها الدعم الكامل لإسرائيل غير مكترثين لوجود موظفين عرب ومسلمين في هذه الشركات.

وترسل الكثير من هذه الشركات دعما كبيرا للضحايا الإسرائيليين، مع غياب كامل لتقديم أي دعم للضحايا الفلسطينيين.

كما أننا رصدنا الكثير من حالات تكرار الدعاية الإسرائيلية في فصول المدارس العامة بالعديد من الولايات، مع رفض كامل للاستماع للرواية الفلسطينية، وتهديد بعض الطلاب الذين حملوا أعلام فلسطين.

الفيوم والد الطفل المغدور (أسوشيتد برس)

 

ما القنوات القانونية المتاحة لمسلمي أميركا لتقديم الدعم المالي والعيني لسكان غزة المحاصرين؟

هناك تردد كبير من المسلمين الأميركيين فيما يتعلق بجمع تبرعات لقطاع غزة بسبب التضييق الحكومي.

وكذلك الكثير من منظمات الإغاثة الإنسانية المتخصصة في جمع التبرعات والمساعدات، وهي مرخصة قانونيا للقيام بذلك، ولديها سجلات واضحة بما تقوم به.

ومع ذلك تعاني هذه المنظمات من زيارات دورية من مسؤولي مكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" (FBI) ويتعرض العاملون بهذه المؤسسات للمضايقات والأسئلة في المطارات عند دخولهم الأراضي الأميركية.

كيف تنظر لتغطية الإعلام الأميركي لأحداث غزة؟

كما تعلم، تم إيقاف 3 مسلمين من مذيعي شبكة "إم إس إن بي سي" (MSNBC) الإخبارية، بسبب موضوعيتهم في تغطية التطورات في قطاع غزة، ورفضهم للرواية الإسرائيلية. وهناك انجراف وحماسة وزخم غير مفهوم لتبني الرؤية والادعاءات الإسرائيلية للأحداث بطريقة غير مسبوقة.

كما تغيب مهنية التحقق من الخبر، وهناك انجراف وراء طرف للترويج لروايته مع غياب للرأي الآخر، ولا يوجد هنا تأكد من صحة الكثير من الأخبار، مع انجراف كامل وراء أكاذيب واضحة، وغياب التوثيق المهني.

واليوم هناك تعتيم كامل على عملية إبادة وقمع ضخمة، ولا يطرح الإعلام الأميركي أسئلة حول منع دخول الطعام والمياه والدواء وقطع الكهرباء.

وأعتقد أن الجانب الإسرائيلي استفاد من درس حرب غزة في مايو/أيار 2021، وسيطر منذ اللحظات الأولى في الأزمة الحالية على إبراز الجانب الإنساني لضحاياه.

وأذكر أن صحيفة نيويورك تايمز وضعت على صفحتها الأولى وقتها صورا لـ61 طفلا قتلتهم الغارات الإسرائيلية تحت عنوان "إنهم فقط أطفال" وخسرت إسرائيل معركة الرأي العام العالمي والأميركي.

ولذلك اختلقت إسرائيل دعاية لاستقطاب المشاعر، ونجحت في خداع الرئيس بايدن ذاته.

غير أن فضيحة تكرار بايدن للأكاذيب الإسرائيلية ما كان لها أن تحدث لو كان مجلس الأمن القومي المساعد له، أو وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بعملها وتراجع ما سيقوله الرئيس. واستطاعت إسرائيل خداع رئيس أكبر دولة في العالم والذي تبنى ادعاءاتها.


ماذا عن تواصل البيت الأبيض والخارجية مع قادة الجالية المسلمة خاصة وأن بايدن استضاف قادة المنظمات اليهودية منذ أيام؟

لم تصلني أي دعوة من البيت الأبيض، ولا أعرف عن أي ترتيب للقاءات مع كبار المسؤولين الأميركيين بالجالية المسلمة.

وهناك في الأفق معركة انتخابية بدأت بالفعل مبكرا، وقبل الأحداث الأخيرة، وهو ما يسمح بمزايدات بين المرشحين الرئاسيين وبين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، على دعم إسرائيل.

وقد جاء خطاب بايدن عاطفيا ومشحونا، وهو لا يعبر عن كونه رئيسا لكل الأميركيين بمن فيهم المسلمون.

وقد منح خطاب بايدن الضوء الأخضر للإعلام ليتبنى رواية إسرائيل، ومنحها الضوء الأخضر للتمادي في عدوانها والضرب بهذه الهمجية.

وعرض بايدن مواطنيه داخل قطاع غزة للخطر، والمسلمين داخل الولايات المتحدة للمضايقات والجرائم بسبب غياب السلطة المحايدة وسيادة القانون.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الجالیة المسلمة الکثیر من

إقرأ أيضاً:

جبهة اليمن.. المفاجأة الاستثنائية لـ “طوفان الأقصى”

يمانيون../
سيظل الدورُ البارز والمفاجئ الذي لعبته جبهةُ الإسناد اليمنية في معركة طوفان الأقصى، محطَّ اهتمام مُستمرّ على المستوى العالمي، بالنظر إلى جملة المعادلات الاستراتيجية الفريدة وواسعة النطاق التي تمكّنت صنعاء من تثبيتها وفرضها على الساحة الجيوسياسية وَأَيْـضًا في ميدان المواجهة، وهي معادلات تركز نطاق تأثيرها المقصود بشكل أَسَاسي على مسار الصراع الإقليمي مع جبهة العدوّ الصهيوني، لكن ذلك التأثير امتد أَيْـضًا بشكل تلقائي إلى نطاق أوسع يتعلق بطبيعة توازنات القوى والنفوذ في العالم ومستقبلها وتأثيرها على نظام الهيمنة الذي يعتمد عليه العدوّ.

الحضور غير المسبوق لجبهات الإسناد في الصراع:

لقد مثّل حضور جبهات الإسناد بشكل عام في معركة طوفان الأقصى أحد أهم المعادلات الاستراتيجية الجديدة التي صنعت تحولًا تاريخيًّا كَبيرًا في مسار الصراع مع العدوّ الصهيوني، من خلال تجسيد البعد الإقليمي للصراع الذي كان العدوّ يعتمد بشكل رئيسي (قبل الطوفان) على حصره في أضيق دائرة ممكنة من خلال استراتيجيات “التطبيع” وغيرها؛ الأمر الذي دفع العدوّ إلى تحشيد معسكر حلفائه وأدواته في تجسيد مقابل للبعد الإقليمي والدولي لمشروعه الاستعماري التدميري؛ الأمر الذي جعل المعركة تتطور إلى التحام غير مسبوق بين جبهة المقاومة وجبهة العدوّ، وقد مثّل انتصار غزة ضربةً كبيرة وغير متوقعة لجبهة العدوّ؛ لأَنَّ هذا الانتصار في مثل هذا الالتحام غير المسبوق لا يمثل فقط خسارة لجولة من الصراع بل نموذجاً للهزيمة النهائية؛ إذ لا يستطيع العدوّ التعويل على ما هو أعلى من تحشيد كامل معسكره في أية مرحلة قادمة من مراحل الصراع، وقد ثبت فشل ذلك الآن وإلى الأبد.

وفي الوقت الذي وقف العدوّ في مواجهة نموذج هزيمته النهائية بشكل غير متوقع، فقد وقفت جبهة المقاومة أمام بشائر لانطلاق مشروع واعد يحمل في طياته الكثير من الإمْكَانيات والفرص لتحقيق إنجازات تأريخية لا تضمن فقط الانتصار الكبير على العدوّ، بل تثبيت هذا الانتصار كواقع جديد يغير شكل وملامح كُـلّ الخرائط والحسابات المرتبطة بهذا الصراع إقليميًّا ودوليًّا، حَيثُ فتح حضور جبهات الإسناد في المعركة العديد من الآفاق أمام مسارات تنسيق وعمل تتغلب على كُـلّ الظروف الجيوسياسية والمادية العكسية، وتضمن مراكمة إنجازات وانتصارات كبيرة تكتب نهاية زمن كُـلّ الاستراتيجيات الرئيسية التي قام عليها وجود كيان العدوّ الصهيوني خلال العقود الماضية، من خلال محاولة عزل فلسطين عن محيطها، وضرب وحدة القضية في الوعي وفي السياسات والتوجّـهات العملية.

اليمن.. المفاجأة الاستثنائية:

وفي خضم هذا الحضور الاستثنائي الواعد لجبهات الإسناد برزت جبهة اليمن كمعطى أكثر استثنائية، بالنظر إلى الكثير من الاعتبارات التي كانت تقلل احتمالات حضورها الفاعل في هذا الصراع، ومنها الاعتبارات الجيوسياسية التي يتظافر فيها بعد المسافة مع السياسات العدائية التي تتبناها دول الجوار، لتشكيل حاجز منيع أمام أي تحَرّك يمني مباشر ضد العدوّ الصهيوني، بالإضافة إلى تحدي الإمْكَانات والقدرات والوضع الداخلي غير المستقر الناجم أَيْـضًا عن سياسات أنظمة الجوار.

هذه الاعتبارات جعلت مُجَـرّد حضور اليمن في معركة إسناد طوفان الأقصى مفاجأة ثقيلة اعترف العدوّ أنها لم تكن في الحسبان أبدًا، وبالرغم من أن قادة العدوّ كانوا قد تحدثوا في عدة مناسبات قبل طوفان الأقصى عن الخطر الذي يشكله اليمن المنتصر على العدوان السعوديّ الأمريكي، فَــإنَّ استخبارات العدوّ ومراكز تقييماته الرسمية كانت تضع هذا الخطر في الدائرة الأبعد، وهو ما جعل كيان العدوّ يقف عاجزًا منذ البداية عن التعامل مع حضور جبهة الإسناد اليمنية في معركة طوفان الأقصى، فتوكيل الولايات المتحدة وبريطانيا بمهمة احتواء وردع هذه الجبهة لم يكن ناجماً فقط عن الحاجة إلى الانشغال بمواجهة الجبهات الأُخرى، بل كان أَيْـضًا ناتجًا عن غياب أية خطة أُخرى؛ بسَببِ المفاجأة وعدم الاستعداد المسبق.

ومع ذلك فَــإنَّ المفاجأة لم تقتصر على مُجَـرّد الحضور غير المتوقع، إذ حملت طبيعة مسارات عمل الجبهة اليمنية مفاجآت أُخرى حافظت على وضع “صدمة” العدوّ في خط تصاعدي من أول يوم حتى آخر لحظة من المواجهة، فإطلاق عدد كبير من الصواريخ والطائرات المسيّرة على جنوب فلسطين المحتلّة في بداية عمليات الإسناد اليمنية لم يكن فقط إعلاناً مفاجئاً عن امتلاك اليمن القدرة والشجاعة على ضرب العدوّ بشكل مباشر برغم كُـلّ التهديدات والضغوط المسبقة، بل كان تأكيداً على أن ما يمتلكه اليمن من استقلال القرار والقدرات أكبر بكثير من المتوقع، ويمكنه أن ينقل خطر اليمن إلى دائرة التهديدات الرئيسية الأقرب، وهو ما حدث بالفعل.

وقبل أن يتمكّن العدوّ من دراسة وتحليل هذا الحضور المفاجئ ووضع احتمالاته للسقف الذي يمكن أن تصل إليه تأثيراته، رفعت جبهة الإسناد اليمنية مستوى صدمة العدوّ من خلال تدشين مسار العمليات البحرية التي لم تكن مفاجئة فقط في قرارها التاريخي غير المسبوق، بل أَيْـضًا في سقفها المفتوح منذ البداية والذي جسدته عملية الاستيلاء الاستثنائية والبطولية على سفينة (غالاكسي ليدر) والتي لم يمر عليها سوى شهر واحد حتى بات ميناء أم الرشراش مغلقاً بالكامل، في مفاجئة سريعة أُخرى، لم تلبث أن أعقبتها سلسلة مفاجآت إضافية تمثلت في توسيع نطاق وبنك أهداف وشدة العمليات البحرية، وُصُـولًا إلى هزيمة البحرية الأمريكية التي كانت قد اضطرت للاندفاع بكل قوة لوضع حَــدّ ما لتصاعد حجم الحضور الصادم لجبهة الإسناد اليمنية في دائرة التهديدات الاستراتيجية لكيان العدوّ.

وربما يتمنى العدوّ لو أن الأمر قد توقف عند هذا الحد، فحضور الجبهة اليمنية كان أشبه ببركان لا يمكن السيطرة عليه، وفي أقل من عام تمكّنت نيران هذا البركان من أن تفتح مساراً مباشراً إلى قلب كيان العدوّ في “يافا” و”عسقلان” و”أشدود” وُصُـولًا إلى “حيفا” بعمليات تصاعدت بسرعة حتى استطاعت أن تعوض وقف إطلاق النار مع جبهة حزب الله القريبة، بسرعة صادمة، لتصبح شبه يومية، بل وتصل إلى حَــدّ ممارسة ضغط تفاوضي على العدوّ في آخر لحظات الحرب، مع تثبيت موقع الضامن والمراقب لوقف إطلاق النار بعد سريانه.

اليمن كقوة غير قابلة للتهميش:

حتى الآن لم تجد مراكز أبحاث العدوّ الصهيوني أية “سردية” مناسبة للتعامل مع الصدمة التي شكلها حضور جبهة الإسناد اليمنية في معركة طوفان الأقصى، والفشل الاستراتيجي الفاضح للعدو في التعامل معها، وبدلاً من ذلك لجأت إلى تسليط الضوء على التأثير الأوسع نطاقًا لهذا الحضور فيما يتعلق بصعود اليمن كلاعب مؤثر أكثر من إقليمي، حَيثُ اعتبر “مركز القدس للأمن والشؤون الخارجية” في كيان العدوّ أن استهداف العمق “الإسرائيلي” من قبل اليمن كان جزءاً من تأثير أكبر هو تثبيت موقع اليمن كقوة غير قابلة للتهميش من قبل المجتمع الدولي.

وبرغم أن هذه السردية تهدف بشكل أَسَاسي إلى “تدويل” مأزِق الكيان الصهيوني في مواجهة اليمن، فَــإنَّها لا تعالج هذا المأزق، فتأثير حضور جبهة الإسناد اليمنية قد ثبت بالفعل أَسَاسات رئيسية لتحولات كبيرة في موازين القوى داخل المنطقة وحتى خارجها، خُصُوصًا فيما يتعلق بمسار العمليات البحرية التي وجهت ضربة قاتلة لسمعة ومكانة ونفوذ الولايات المتحدة وقوتها البحرية، بل وأجبرتها على تغيير تكتيكات وأنظمة قتالية رئيسية، وفتحت نقاشات مستفيضة حول الصراعات المستقبلية التي قد تخوضها واشنطن مع منافسيها في أماكن أُخرى من العالم، كما فرضت واقعاً جديدًا فيما يتعلق بالتجارة البحرية الدولية التي لم تكن مستهدفة بالعمليات اليمنية، لكن ارتباطاتها الجزئية بالولايات المتحدة وكيان العدوّ وبريطانيا وسياساتها خلقت رؤى جديدة بشأن أهميّة الاستقلال عن نظام الهيمنة الذي يقوده هذا الثلاثي.

هذه التأثيرات التي جاءت تلقائية ولم تكن مقصودة لجبهة الإسناد اليمنية لا تشكل مخرجًا من مأزق العدوّ الصهيوني في التعامل مع اليمن كما تروج مراكز أبحاثه، بل تشكّل دلائلَ إضافية على أن هذا المأزق أشد سوءاً مما يتصور العدوّ، فالتحول واسع النطاق الذي صنعه اليمن، لم يثبت أن اليمن خطر دولي، بل أثبت أن نظامَ الهيمنة الذي يعتمد عليه العدوّ هو من يضر بمصالح العالم، وعلاوة على ذلك فَــإنَّ هذا النظام قد بدأ بالتهاوي بالفعل، ومحاولة الانخراط في صراعاته للبقاء لن تسفر إلا عن تقاسم الخسائر معه، والمصلحة هي في البقاء بعيدًا عنه.

المسيرة

مقالات مشابهة

  • ما بعد طوفان الأقصى
  • مسير ومناورة لخريجي دورات “طوفان الأقصى” من منتسبي القضاء في الرجم بالمحويت
  • اليمن ضمن محور المقاومة
  • 195 خريجاً من دورات “طوفان الأقصى” ينفذون مناورة عسكرية في مديرية الزيدية بالحديدة
  • افتتاح بطولة طوفان الأقصى في إب
  • جبهة اليمن.. المفاجأة الاستثنائية لـ “طوفان الأقصى”
  • مسير وتطبيق عملي لخريجي دورات “طوفان الأقصى” في مديرية جبن بالضالع
  • الإذاعة الإسرائيلية: هناك اتصالات تجرى مع الوسطاء للإفراج عن أربيل يهود
  • القناة 12 الإسرائيلية: ما خفي أعظم كشف فشل الاستخبارات وشجاعة السنوار
  • عاجل- محمد الضيف يظهر لأول مرة ليعلن عن عملية "طوفان الأقصى" وإطلاق آلاف الصواريخ نحو إسرائيل