من تمبكتو إلى سوق القش أم درمان: أم جبت مالاً فرح أم سوميت «2-2»
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
عبد الله علي إبراهيم
كتب أحدهم عن لقاء جمعه بجماعات من شباب الجنجويد في سوق القش بأم درمان، فاستأجر سريراً من وكالة ما فيه، ونام إلى جانب شاب منهم. ولما صحا وجد أنه بين آلاف منهم باتوا في السوق نفسه. وكلهم مشغول بالحديث في الصباح إلى قريب أو بلديات سبقه إلى الخرطوم ليعلمهم بوصوله ويؤمن الاتصال به. فسأل الرجل الفتى الجنجويدي عن القوم.
يدور الجدل في دوائر السودانيين حول هوية مثل شاب سوق القش ورفاقه ممن توافدوا من خارج السودان مصطفين مع “الدعم السريع” في معركة الخرطوم. فتجد من صرفهم كمرتزقة أجانب هم كل قوام قوى “الدعم السريع”، بينما يدفع آخرون عنهم هذه الصفة، أو يضعفونها، ويقولون إنهم سودانيون صرف. وهذا باب في التلاحي لن يغنينا عن النظر في مقاصد هذا الشاب ورفقته المستنفرين وسياسات الهجرة الأفريقية من ورائها، لمساسها بالحرب القائمة في الخرطوم.
وجاء شاب “سوق القش” إلى الخرطوم من مالي، وهي من دول الساحل الأفريقي الممتد من الأطلسي إلى البحر الأحمر. ومن أخوات مالي في الساحل بوركينا فاسو، ومالي، والنيجر، وتشاد، وموريتانيا، وأفريقيا الوسطى، وغينيا والأجزاء الشمالية من بلدان على ساحل غينيا للمحيط لأطلسي مثل ساحل العاج، وغانا، وغينيا. ودول الساحل هي التي تعاقد معها الاتحاد الأوروبي فيما عرف بـ”عقد التطويق” (في عام 2015) للجم الهجرة منها، أو عبرها، إلى أوروبا عن الطريق الأوسط للبحر الأبيض المتوسط. وغلبت الهجرة من أفريقيا إلى أوربا في الخطاب عنها في حين الهجرة داخل أفريقيا نفسها، مثل التي قام بها هذا الشاب، هي الأغزر عدداً. وبالنتيجة صارت الهجرة داخل أفريقيا موضوعاً متروكاً في البحث يربكنا حين يخرج أثقاله المدججة في مثل ما نرى في السودان في اليوم.
لم يحد مع ذلك تعاقد التطويق كثيراً من باب الهجرة إلى أووربا فحسب، ولكنه دمر أيضاً سبل الهجرة الإقليمية في الساحل الأفريقي بتكليف الدولة الأفريقية المتعاقدة حجز حرية التنقل في المسارات التقليدية للهجرة داخل الساحل نفسه. ولما حطم التعاقد هذه الحيوات التقليدية في المعاش، التي تمثلت في خدمة المهاجرين، لم يخلق بدائل عنها للعيش. ونشأت إثر التطويق صناعتان وخيمتان: “صناعة” تهريب المهاجرين لأوروبا و”صناعة” ابتزازهم بواسطة الموكول إليهم منعهم من الهجرة إليها، ناهيك بسقوط الدولة القائمة بتطويق الهجرة في نظر مواطنيها ولسان حالهم يقول إنها إنما تخدم الاتحاد الأوروبي، لا نحن معشر المواطنين. وقد يكون ما يزلزل بالنيجر على أيامنا هو بعض ما جنته من التعاقد. وتنبأ أحدهم بأن حكومتها، متى التزمت بالتعاقد، ستتحداها شبكات بديلة ومسلحة منتفعة تاريخياً من هذه التجارة بزعامة رجال كبار ذوي نفوذ، وكل بطريقتها.
الساحل الأفريقي حالة انفجار سكاني. فمعدل زيادة السكان فيه تبلغ 3.5 في المئة. ويتضاعف سكانه كل 20 عاماً. ومنتظر أن يبلغ سكان تشاد وبوركينا فاسو ومالي والنيجر بين 170 مليوناً و260 مليوناً في عام 2050. وسيدخل 570 ألف شاب نيجري سوق العمل خلال 20 عاماً من يومنا. وبدأ شباب منطقة الساحل في طلب الوظيفة على طول الساحل وعرضه في سوق شحيحة. وأهم ما في ذلك أن من بين من يطلب الوظيفة اليوم، شباب البادية التي جف فيها النسل والضرع فطلب أطفالها التعليم ليدخلوا سوقاً للعمل تفادوها لعقود مكتفين بما كان عليه آباؤهم في طلب الرزق. وانحصرت أبواب الرزق أمام النشء الأفريقي، بعد خمول التنمية فيها، في الهجرات إلى المدن للعمل في اقتصاد هامشي، أو احترف السرقة، الجنجويدية، طريقاً للعيش، أو الالتحاق بالجماعات الثائرة أو المتمردة التي تدفع لهم أكثر مما يدفع لهم جيش بلدهم.
وشاب سوق قش أم درمان، سليل هذه السياسات الأوروبية الأفريقية حول الهجرة، أو هو ضحيتها. فرأينا أوروبا عقد التطويق مرعوبة من البرابرة عند بواباتها تصرخ “أوقف المركب”، وقد تنازلت عن مثاليتها كسادن للقيم الوضحاء. ورأينا الدولة الأفريقية، من الجانب الآخر، تفرغ نفسها لخدمة غير مواطنيها بالثمن وبغير وازع. وانسدت على مثال فتانا، أبواب الرزق الحلال المطمئنة، ليلبي استنفاراً للحرب في بلد غير بلده. فإما عاد منها وعرس بنت عمه و”فرح البنوت”، كما نقول، وإما مات وترملت. ومن المفارقة أن يكون من استنفره إلى هذه الهجرة الكأداء هو الفريق حمدان دقلو الذي كان طرفاً في عقد التطويق الذي عرف بـ”عملية الخرطوم”. تكلفت قوات “دعمه السريع” بمقتضاها تعقب الأفارقة العابرين للسودان إلى أوروبا بالثمن بتكليف من نظام الرئيس السابق عمر حسن أحمد البشير.
وسمِّ هذا الشاب مرتزقاً ما شئت، ولكنه مرتزق ذو قضية. فهو الجاني في معركة الخرطوم بلا جدال. وهو، من الجانب الآخر، ضحية سياسات في الهجرة الأفريقية والحكم، تستصرخنا لوقفة استراتيجية عندها لنثقف هذه الحرب الكأداء.
من تمبكتو إلى سوق القش أم درمان: ضحية الهجرة الأفريقية وجانيها «1- 2»
الوسومعبد الله علي إبراهيمالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: عبد الله علي إبراهيم أم درمان
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يخرق اتفاق غزة ويطلق النار على الساحل
سرايا - أطلقت زوارق الاحتلال الاسرائيلي الحربية النار على ساحل مدينة غزة، في اليوم الرابع من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، بخرق لبنود الاتفاق.
جاء ذلك بوقت تتواصل فيه شاحنات المساعدات بالدخول إلى قطاع غزة‘ إذ أفادت الأمم المتحدة بأن أكثر من 2400 شاحنة محملة بالمساعدات الإنسانية دخلت إلى القطاع منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ.
وفي الضفة الغربية، أفادت كتيبة جنين بمواصلة الاشتباكات والتصدي لقوات الاحتلال بمحاور القتال، بعدما شن الجيش الإسرائيلي أمس الأحد عملية جديدة بالمدينة، بإطار تحقيق أهداف الحرب التي أضاف إليها "تعزيز الأمن في الضفة".
تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #مدينة#اليوم#غزة#الاحتلال#القطاع#جنين
طباعة المشاهدات: 1955
1 - | ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. | 22-01-2025 09:57 AM سرايا |
لا يوجد تعليقات |
الرد على تعليق
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * | |
رمز التحقق : | تحديث الرمز أكتب الرمز : |
اضافة |
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2025
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...