آيات إسرائيلية: من أين لإسرائيل هذه الدَالة* على أمريكا؟ (1-2)
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
(حاولت قيل أكثر من عقد فهم الدالة الإسرائيلية على أمريكا مما ترى في يومنا ناظراً لسياسات المعاد بعيداً عن سياسة المعاش. وأغراني بذلك عثوري على كتاب عرض للمسيحية الصهيونية لا أذكر الآن إن كان كتاب صموئيل قولدمان وعنوانه "أرض الله: الصهيونية المسيحية في أمريكا" (2018). فاستفدت منه في كتابة مقالين أعيد نشرهما هنا.
اتفق للغرب منذ حين أن "الإرهاب" الإسلامي مما يبذره التعليم الديني التقليدي في مدارسنا وخلاوينا. ولقتل الإرهاب في مهده ابتدرت الولايات المتحدة مشروعاً لإصلاح التعليم في بلاد المسلمين. وقد تواتر عنها ضيقها بآيات الجهاد القرآنية وأبوابه في الفقه. وتمثلت استجابتنا لهذا التطفل الثقافي بين مهلل ومكبر من علمانيين طارت عصافير رشدهم وبين متمسك بحرف دينه لم يبدل تبديلا. وما يعيب موقف المتمسكين هو وقوفهم عند حد الدفاع عن الملة. وهو موقف لن يضمنوا نجاحه ما لم يردفوه بالهجوم. وهو هجوم يركز أولاً على موقف شيع أمريكية مسيحية بروتستانتية مؤثرة في دعم الإرهاب الإسرائيلي بآيات من كتابهم المقدس.
لم يستقبل البروتستانت عامة ميلاد إسرائيل في 1948 بحماسة. قال أحدهم إنها معجزة ولكنها خلو من الأخلاق والسماحة. ولكن الحال تغير بعد نصر إسرائيل في 1967 الذي انتزعوا به حائط المبكى من الأردنيين، وأعلنوا عزمهم بناء معبدهم حيث مسجد الصخرة. وبدا للمتشككين البروتستانت في إسرائيل قبلاً أن الأمر جد جد، وأن نبوءتهم الدينية الإنجيلية بدت تسفر عن نفسها. وتدور هذه النبوءة حول انبعاث المسيح وأشراط الساعة وكل سيناريو اليوم الآخر.
وقد تميزت بين البروتساتنت الجماعة الإفنجيلية بأخذ نشأة إسرائيل مصدقة لما في كتابهم المقدس. والإفنجيلية هم من نسمعهم يصفون أنفسهم بأنهم "من ولدوا من جديد" أي أنهم اهتدوا بعد ضلال وعادوا للمسيح بعد نكران. ويشكلون نحو 28.3 في المئة من جملة الأمريكيين بينما يشكل الكاثوليك نحو نفس النسبة. ونسبة الغلاة من الأوابين هي 13%، ونسبة الوسطيين منهم 11%، والمحدثين الليبراليين منهم 3% من جملة سكان الولايات المتحدة. ويؤمن 77% من غلاة الإفنجليين بمعركة الأرماقدن (أنظر بعده) التي ستقع ويظفر المسيح بالدجال. بينما نسبة حملة هذه العقيدة 53% بين الوسطيين منهم و29% بين المحدثين. وكان الإفنجليون في طليعة من أيد الرئيس بوش في حرب العراق. وصاح جيري فالول، هٌبلهم، "إن الله مع الحرب". وطمعوا في تنصير المسلمين في بلاد إبراهيم وإسحاق ويعقوب بما افاء الله عليهم من بسط سياسة أمريكا الخارجية وشوكتها. وقد عض أحدهم بنان الندم في النيويورك تايمز قبل سنوات على هذا الموقف غير الكنسي وطلب منهم أن يتوبوا إلى الله على زلتهم.
استعاد الصهاينة إسرائيل التاريخية في 1967 وليس قبلها كما سيلي. وراع ذلك الإفنجليين وبدا لهم الإنجيل يتنزل حرفياً. وهذه بعض آيات الإنجيل التي صدق الرب فيها وعده:
** (جرمايه 23:3) "وسأتكفل بنفسي (الرب) جمع شتات قبيلي (اليهود) من كل البلاد التي دفعتهم إليها وأعيدهم لمراعيهم حيث يثمرون ويزدادوا عددا".
**(حزقيا) "وسيمد الرب يده للمرة الثانية ليستعيد شتات شعبه وسيبعث برمز للأمم وسيجمع منبوذي بني إسرائيل ويجمع شتات يهوذا من أركان الدنيا الأربعة"
**(حزقيا 41:18) "سأجعل الأنهار تجري على المرتفعات الجرداء وأفجر الينابيع في الوديان. وأحول الصحراء إلى بحيرات ماء والأراضي القاحلة أجعلها تنبثق بنوافير الماء." وهذه صورة إسرائيل المستعادة كما يراها الإفنجليون والتائبون إلى المسيح.
واستنظف الإفنجليون من تجربة إسرائيل، بخاصة بعد حرب 1967 وصعود نجم الأحزاب الدينية اليهودي، ما يسميه الدكتور الترابي "أوبة الدولة إلى الدين". فتداخل الدين والدولة في إسرائيل هو ما قَوى من عزيمة الإفلانجيين منذ السبعينات لتحدي التقليد الأمريكي السياسي الذي قضى بفصل الدين عن الدولة. وقد تنامي دور هؤلاء المحافظين البروتستانت وكان فوز ريغان بالرئاسة الأمريكية هو أول نذر متانتهم وبداية زحفهم على "مقدسات" العلمانيين.
لن نظلم الإفنجليين إذا حَمَّلناهم، وهم بمثل هذا النفوذ في السياسة الأمريكية، وبغير لبس، أكثر شرور المستوطنات التي ظلت العقبة الكأداء نحو أي حل من أي نوع للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. فالإفنجليون سند قوي للمتشددين اليهود المتشبثين بالمستوطنات لأنها أرض الرب. فهم يبررون دعمهم لإسرائيل شوقاً منهم للقاء المسيح لأن استعادة اسرائيل كما ذكرنا هي شرط عودته إلى الأرض. فهو سيهبط عند معبد الصخرة حسب نص من الإنجيل لميكاه 4:1 يقول "في الأيام الخاتمة سينشئون جبل معبد الرب وسيبدو كالطود الأشم بين الجبال وسيتدفق الناس حوله".
وليس يحزن الإفنجليون للحرب الفلسطينية الإسرائيلية. فهم لا يرون بأساً منها. فالحرب ودمها وشرورها عندهم مقدمة لابد منها لظهور الدجال ووقوع يوم هلاك الدنيا المعروف ب "الأرماقدن". وهو اسم واد خارج القدس دارت فيه معارك تاريخية طاحنة. ويعتقد الإفنجليون بتفسير شديد التعسف مؤداه أن الوادي سيكون موضع معركة قادمة هي من أشراط الساعة. بل أنه لما فجر أحد الفلسطينيين نفسه بين جماعة من الإسرائيليين في ذلك الوادي من سنوات ظن بعض الإفنجيليين أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن المسيح سيطل على الكون. وشَخَّص علماء النفس الإسرائيليين حالة عصبية تأخذ بخناق غلاة الإنفجليين سموها "عصاب القدس" يصيب المهرولين منهم إلى القدس للقاء المسيح. ومن المصابين بعصاب القدس تلك الجماعة التي جاءت من أمريكا لتنتزع الصخرة من المسلمين لتعيدها لليهود. فالمسلمون في نظرها مٌعَطِلون لعودة المسيح. ولهذا كان الإفنجليون، بعقيدتهم وممارستهم، بذرة شر لا تتورع من إحداث الفوضى المقدسة لتنفذ كلمات الرب وتقع النبوءة.
ويلعب بيلي قراههام، وهو هٌبل إفلنجي آخر وشاتم كبير لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام، دور رأس الرمح في هذه الفوضى المقدسة. فقد كتب كتاباً مشهوراً عنوانه (أرضه، أي أرض الرب) في 1969 وأصبح الكتاب فيلماً. وفكرته الجوهرية إنجيلية فحواها أن استعادة إسرائيل هي بعض مشروع الرب. وهذا سبب حماسة الأصوليين والإفنجليين لمخطط الأحزاب الدينية الإسرائيلي العدواني لبناء المعبد الإسرائيلي. وبالطبع كان هناك دائماً بين البروتستانت من روعه الاحتلال الإسرائيلي ولم ينسق وراء مشروع النبوءة المسيحي مثل مجلة "المسيحية اليوم" و"القرن المسيحي". فقد تنصلت "القرن المسيحي" عن مزاعم دولة الكيان الصهيوني من أنها تجسيد لاستعادة إسرائيل التاريخية فقالت "إن المسيحيين بالطبع يدينون لإسرائيل (القديمة) بدينهم وتراثهم وجماعتهم. وهو دين لن يوفوه حقه ولو أرادوا. ولكن لم يجعل الله دولة إسرائيل (الحالية) متحصلة رسمية لتلك الديون".
ونواصل في الحلقة القادمة حيثيات استراتيجية الهجوم على الإفنجليين من زاوية تسخيرهم، دون غيرهم، نصوص مقدسة لدعم الإرهاب الإسرائيلي.
*ما تتجرَّأ به على صديقك الحميم بسبب مكانتك عنده "له عليه دَالَّة".
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أمريكا ترفع السرية عن وثائق تؤكد امتلاك إسرائيل برنامجًا نوويًا منذ الستينيات
كشف الإعلامي أحمد موسى، خلال برنامجه "على مسئوليتي" المذاع عبر قناة "صدى البلد"، عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى برفع السرية عن وثائق هامة تتعلق بالبرنامج النووي للاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح موسى أن أرشيف الأمن القومي الأمريكي أصدر وثائق تؤكد معرفة البيت الأبيض منذ الستينيات بامتلاك إسرائيل لقدرات نووية.
وأظهرت إحدى الوثائق الاستخباراتية الصادرة في ديسمبر 1960 أن إسرائيل لديها مصنع لإعادة معالجة البلوتونيوم يُستخدم ضمن برنامج أسلحة نووية.
وأضاف موسى أن الوثائق كشفت أن إسرائيل كانت في تلك الفترة قادرة على إنتاج أسلحة نووية خلال مدة زمنية تتراوح بين 6 إلى 8 أسابيع.
وأكد أرشيف الأمن القومي الأمريكي أن امتلاك إسرائيل قدرات نووية أصبح حقيقة معترف بها منذ ذلك الحين.