معركة جيش وشعب.. أكتوبر صنيعة الأجداد وفخر الأحفاد
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
عظيمة هى لحظات النصر، تستمد عظمتها تلك من حجم تضحيات أبطالها، وقدرتهم على الصمود والمقاومة، والأهم يقينهم بقدسية وطنهم، وعزة ترابه، من هنا تصبح أحداث تلك البطولات حكايات تتلى، يشعر أجيال تتوارثها بفخر أجدادهم صانعيها، لتصبح جزءاً مهماً من تاريخ حفر فى وجدان شعب أبىّ، وجيش مغوار.
ويفخر تاريخنا المصرى والعربى عامة ببطولات نصر السادس من أكتوبر، إلا أن ذلك النصر لم يكن صنيعة ساعات أو ليالٍ بل سنوات أطلق عليها «حرب الاستنزاف»، تبارى فيها جنودنا البواسل فى القضاء على قوة العدو وإضعاف أسلحته ومرتكزاته داخل مصر، من أراض شهدت احتلالاً بغيضاً لم يلبث أبطالنا أن قضوا على أسطورته الزائفة وتفوقه المدعى بأقل الإمكانات، وبعزيمة وذكاء مصرى لا يقهر.
ومثلما تبارى التاريخ فى تخليد تلك البطولات، تبارت أيضاً أقلام المبدعين والكُتاب فى تقصى أحداثها وإبراز تضحيات جنودنا، فظهرت العشرات وربما المئات من الكتب حول حرب أكتوبر، لكن يبقى أهمها وأبرزها وأكثرها أثراً ما قُدم لأطفالنا وشبابنا، ممن لم يشهدوا هم وربما آباؤهم تلك الأحداث، ليصبح الكاتب أمام تحدٍّ هائل، وهو الأخذ بيد طفل أو فتى يقع تحت مغريات عصر إلكترونى قاسٍ، فيجعله يطالع بطولات الأجداد بشغف وفخر.. هكذا فعل الكاتب الصحفى الكبير الراحل حازم هاشم، فمن خلال سلسلة حملت عنوان «أبطال أكتوبر»، والتى صدرت عن دار الناشر العربى عام 1995، تضم 12 قصة مطعّمة برسومات شرحية، استطاع أن يستعرض مجموعة من البطولات لمجندينا، دارت رحاها أثناء حرب الاستنزاف وحتى تحقق نصر أكتوبر المجيد، فالكاتب يستعرض بطولات أسلحة الجيش المختلفة من خلال بطل لكل سلاح لتتشارك جميعاً فى صنع النصر، فما بين بطولة لكتيبة الدمار التى كُلفت بتدمير إحدى نقاط العدو الارتكازية بشرق بورفؤاد، وبطولات جنودنا الذين كُلفوا بزرع الألغام والمتفجرات فى طريق تحركات العدو، وبطولة لسلاح الطيران وضربته الجوية، تتنوع وتتجلى القصص، التى تسلط الضوء على بطولات دارت فى الكواليس لكنها كانت خير ممهد لانتصارنا الأعظم، فلولا بسالة هؤلاء الجنود ما بوركت خطواتنا بالنصر.
على أن ما يجمع تلك القصص -التى جاءت عناوينها كالتالى: «أبطال جبل المر، الشرقاوى، الشهيد الحى، العائد، بطل حتى النهاية، بيان عسكرى ناقص، حسان والنقطة، رمضان كريم، صائد الأسرى، كتيبة الدمار، كتيبة طوسون، مهمة رحمى»- كونها بطولات جماعية فى معظمها، رغم اعتمادها على بطل واحد للحدوتة، إلا أن الكاتب قد حرص على التأكيد عبر الأحداث أن تلك البطولة الفردية ما كانت لتكتمل لولا تكاتف جهود باقى جنودنا البواسل «أصدقاء البطل وزملاء كتيبته»، وهو بالفعل ما ميز روح أكتوبر، وقد اختار الكاتب أن تدور معظم أحداث قصصه حول بطولات حرب الاستنزاف، لإيمانه بأهمية تلك البطولات فى التمهيد لنصر السادس من أكتوبر.
واعتمد الكاتب فى قصصه على إيراد تفاصيل الحدث والمعارك بدقة لا متناهية، معتمداً على استخدام تقنية المشهدية التى تخلق من الحدث شريطاً سينمائياً يدور أمام أعين القارئ.
ورغم ذكر هذا الكم من التفاصيل التى تخص المعارك والخطط وتنفيذها، بشكل يجعلنا نظن أن الكاتب كان أحد قائدى حرب أكتوبر بالفعل، لذلك الوعى المحيط والوصف الملمّ بظروف كل سلاح وكتيبة، فرغم كل هذا القدر من التفاصيل إلا أن الكاتب حازم هاشم استطاع أن يحتفظ بعنصر الإثارة وتلاحق الأحداث بسلاسة عجيبة.
** اللغة والسرد:
يستخدم الكاتب حازم هاشم فى قصصه أسلوباً أدبياً يميل للتأثر بالأسلوب الصحفى الذى يعتمد على السرد أكثر من الحوار، وهو ما يؤكده قلة وجود الحوار بين الشخصيات، إلا أن لغة القصص تتميز بالجمع بين الرصانة اللغوية وثراء معجم مفرداته وبين سهولة وبساطة تلك المفردات، فى مزيج يصعب تحقيقه إلا من أديب أريب.
استخدم الكاتب الراوى العليم فى السرد، والذى يساعده على كشف كل تفاصيل الأحداث والشخصيات، وهو ما يتناسب وطبيعة القصص.
وفيما يلى نحاول استجلاء الأفكار من خلال قصتين من تلك السلسة:
- قصة «مهمة رحمى»:
حين يصبح الثأر مما تكبدناه فى نكسة سابقة دافعاً لنصر عظيم، وحينما يتجرع البطل مرارة الهزيمة فى 67، ويشهد استشهاد أصدقائه يكون الدافع مضاعفاً والحماس مذهلا، والإصرار على الانتصار قوياً، هكذا كان رحمى، الذى أوكل إليه مهمة التمهيد للعبور، ومهاجمة بعض نقاط العدو الحصينة، لتحين المهمة العظمى، وهى اقتحام القناة وعبورها بمعاونة سلاح المهندسين، لفتح ثغرة فى خط بارليف.
وهنا يصف الكاتب تفاصيل تلك المعركة، فما بين معارك بين قوات البطل والعدو تتجلى مهارة الكاتب فى الوصف، مؤكداً أن النصر لم يكن وليد تفوق فى القوة والعتاد، بقدر ما كان تفوقاً فى استخدام العقل والذكاء المصرى والثقة فى الله والنفس، فها هو يقول (فوجد أن أنسب الطرق لسد وإغلاق تلك الثغرة لن يكون فى الاعتماد على الأسلحة وإنما لا بد من الاعتماد على ذكاء وخبرة المقاتل المصرى...).
- قصة الشهيد الحى:
تحكى تلك القصة بطولة القوات الجوية التى مهدت ضربتها الأولى للعبور، فها هو الضابط علاء الذى انطلق بطائرته بين سرب ضخم كانت مهمته أن يسدد أول ضربة للعدو لتترنح قواه، إلا أن طائرته تصاب بقذيفة غادرة، فيفكر علاء كيف يرد الضربة للعدو رغم أنه يجابه الموت وعلى شفا لحظات منه، فالنيران تشتعل بطائرته وهو لا يضمن النجاة حتى لو قفز منها، وهنا يلمح مخزناً لأسلحة العدو، فيقرر أن تسقط طائرته المشتعلة فوق ذلك المخزن، بعد ان يقفز منها، ليفتح المجال بفعلته تلك أمام زملائه ويقيهم ضربات العدو.
هنا يتجلى تأثير تلك البطولة المنفردة وقدرتها على أن تكون إنجازاً يعادل إنجاز كتيبة بأكملها، ودليلاً دامغاً على أن كل الشعب المصرى كان بطلاً للحرب، جميعنا كنا أبطالاً فى معركتنا، فاستحققنا النصر على عدو جبان لا يمكنه الصمود أمام إرادة شعب وجيش آمن بذاته: (إن المتتبع لبطولات حرب أكتوبر سيجد فى كل من شارك فيها نموذجاً آخر لعلاء وإن اختلف الموقع... لقد كان شباب مصر كلهم علاء... لقد كان الثأر عظيماً ومشروعاً... لذلك لم يكن علاء وحده، بل إنهم أبناء مصر التى حموها ودافعوا عنها دفاع الابن عن أمه ودفاع الحر عن شرفه وكرامته).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نصر السادس من أكتوبر حرب الأستنزاف أبطال أكتوبر إلا أن
إقرأ أيضاً:
استراتيجيات السيد عبدالملك ورسائله في خطاب آخر أكتوبر
يكتسب الخطاب الأخير للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي أهمية قصوى من ناحية التوقيت، في ظل ما تمر به منطقتنا من تصعيد غير مسبوق في أكثر من ساحة وبلد عربي وإسلامي، وبالنظر إلى المساعي الأميركية والإسرائيلية والغربية لفرض معادلة “الاستباحة” بلا حسيب، ومحاولة كسر “وحدة الساحات” القائمة بين اليمن وفلسطين ولبنان والعراق وسوريا وإيران، باعتبارها عائقاً أمام “مشروع الشرق الأوسط الجديد”.
وقد حمل الخطاب في طيّاته تشخيصاً دقيقاً لواقع ساحات المواجهة في منطقتنا، وما أرسته من معادلات بعد أكثر من عام من المنازلة التاريخية بين محور “إسرائيل” بما له من امتدادات غربية وعربية، ومحور فلسطين بما له من امتدادات عربية وإسلامية وأممية، من اليمن إلى فلسطين ولبنان، والعراق وصولاً إلى إيران، سنتطرق إلى بعض منها في هذا المقال، ابتداء من جبهة الإسناد اليمنية.
عمليات جبهة اليمن البحرية
من موقعه شريكاً فاعلاً، وركناً أساسياً في محور الجهاد والمقاومة، وفيما تشهد الساحتان السياسية والعسكرية في منطقتنا تصعيداً إسرائيلياً -أميركياً ملحوظاً في غزة ولبنان، أعلن السيد عبد الملك أن القوات المسلحة اليمنية تعتزم “توسيع دائرة الاستهداف لتشمل الطرق البحرية الملتوية في أقاصي المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط” ، وحذّر في الوقت نفسه بعض الدول العربية التي تحاول واشنطن جرجرتها وتوريطها في معركة الدفاع عن “إسرائيل” وحماية ملاحتها من التبعات، مؤكداً أن لا أحد في هذا العالم سيوقف عمليات الإسناد اليمنية ما لم يتوقف العدوان على غزة ولبنان.
هذا الإعلان وما رافقه من تحذيرات، يأتي تتويجاً لعمليات عسكرية يمنية طالت 202 سفينة خلال العمليات البحرية المساندة، وهذه الإنجازات الملموسة والمؤثرة تعكس قدرة جبهة اليمن على استمرار المساندة، ومواجهة أي تصعيد محتمل وتنفيذ استراتيجيات عسكرية معقدة تكفلت مناورة “ليسوؤوا وجوهكم” بإيصال بعض رسائلها.
ومؤخراً، شكّل استهداف أربع سفن شرق أرخبيل “سقطرى”، نقطة تحوّل في الصراع لناحية توسع المعادلة، رغم “أزمة الصيد وندرته”، وإذا فعلت أميركا و”إسرائيل” ما تخططان له فإنهما ومن يتورط معهما، قد حكموا عملياً على مصالحهم البحرية وغير البحرية بالإعدام.
كما أنهم لن يحدّوا من دور اليمن بقدر ما سيسهم ذلك في تعزيز موقفه على الساحتين الإقليمية والدولية، وربما ذلك ما يفسر حالة الانزعاج والقلق المتنامية لدى واشنطن، بعد أن فشلت في تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي، وتضاعف حرجها في المنطقة والعالم، رغم غاراتها الأسبوعية، وضغوطها السياسية والاقتصادية والإنسانية.
ومن جهة أخرى، فإن تحذير السعودية والإمارات من خوض المعركة بالنيابة عن “إسرائيل” يعكس إدراكاً عميقاً لدى السيد عبد الملك بأن الصراع ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل هو صراع على الهوية والمبادئ، إذ إن السعودية والإمارات وأدواتهما – إن تورطوا – فسيظهرون في مواقع المدافع عن المصالح الإسرائيلية والأميركية، في مقابل جبهة اليمن (صنعاء) التي عززت من موقفها كمدافع عن القضايا العربية والإسلامية، وهذه المفارقة لها تبعاتها في الجانب الأخلاقي والإنساني والسياسي وحتى الديني إلى جانب التبعات العسكرية. وفي ظل الأوضاع المتغيرة، سيظل الصراع بين القوى الكبرى وجبهة اليمن في صميم الأحداث المقبلة في المنطقة.
غزة: الجهاد هو الحل.. لا تنخدعوا بدبلوماسية أميركا
على خط مواز، حذّر السيد عبد الملك ضمنياً من خطورة الانخداع بالمساعي الدبلوماسية الأميركية، وحديثها الدعائي عن اتفاق وشيك في ما يخص غزة، من خلال إشارته إلى أن السائد والمستمر في غزة هو الإبادة والتهجير، بشراكة وتخطيط ودعم مالي وعسكري أميركي مباشر، بل إن واشنطن التي تقدم نفسها وسيطاً تدفع ما نسبته 75% من الإنفاق الحربي الإسرائيلي.
وأمام واقع كهذا، فإن الجهاد وتصعيد الفعل الميداني المقاوم هو الحل من وجهة نظر السيد عبد الملك، ويظهر ذلك من خلال إشادته بصمود المقاومة وحاضنتها من جهة، وتكتيكاتها المتطورة وعملياتها النوعية وقدرتها على استهداف العدو بشكل يظهر “جيشه” عاجزاً عن التعامل معها، وبالتالي هذا هو الرهان الرابح في إفشال أهداف العدو بعد قرابة 400 يوم من المنازلة.
وفيما اعتبر السيد عبد الملك أن غزة ولبنان جبهة واحدة، أشاد بدور حزب الله وأدائه العسكري على الحدود وباتجاه العمق، بما يترتب على ذلك من خسائر ميدانية للعدو، وخسائر في الأهداف، وخصوصاً في ما يخص إعادة المستوطنين وتحقيق الأمن في العمق الاستراتيجي للعدو، إن يضطر ملايين اليهود إلى قضاء معظم أوقاتهم داخل الملاجئ، بما يترتب على ذلك من حالة شلل وتعطل المصالح الإسرائيلية.
ولفت السيد عبد الملك إلى أن العدو، غيّر من تكتيكاته في ما يتعلق بالعملية البرية، إذ اعتمد في العام 2006 على الدبابات والمجنزرات، اضطر هذه المرة للدفع بالمشاة خوفاً من تحقيق وعد السيد القائد الشهيد حسن نصر الله بإحراق دبابات العدو على الهواء مباشرة، فإذا بجنوده يقعون في مصيدة وخسائر كبيرة تجاوزت الألف ما بين قتيل وجريح في غضون شهر، فيما نجح مجاهدو المقاومة في منع العدو من تحقيق أهدافه.
وفي الموقف، بارك السيد عبد الملك للشيخ نعيم قاسم توليه منصب الأمين العام، وأشاد بشخصه ودوره التاريخي منذ تأسيس الحزب، مؤكداً وقوف اليمن إلى جانب الإخوة في حزب الله، وأشاد بتصاعد عمليات المقاومة الإسلامية في العراق وفعاليتها وتأثيرها.
معادلة “الاستباحة” مرفوضة
وفي سياق التوترات المتزايدة في المنطقة، أطلق السيد القائد تصريحات حادة بشأن العدوان الإسرائيلي على الجمهورية الإسلامية في إيران، معتبراً أنه محاولة من العدو الإسرائيلي، مدعوماً من الولايات المتحدة، لفرض “معادلة الاستباحة” على الأمة الإسلامية. وهنا، تبرز إدانة السيد القائد القوية ورفضه القاطع للسياسات الغربية، إذ يؤكد أن هذه المعادلة (الاستباحة) تهدف إلى تقويض سيادة الدول الإسلامية وإذلالها، وأن العدوان الإسرائيلي يسعى إلى توسيع نطاق استباحة الدول الإسلامية، حيث لا يُسمح لأي بلد باستهداف العدو أو الدفاع عن سيادته.
هذا التوجه، وفقاً له، يشكل تهديداً مباشراً لكرامة الأمة، ويعدّ قبول أي دولة بهذا الوضع بمنزلة “إهانة لا يمكن قبولها”. فالأهداف العسكرية التي هاجمتها “إسرائيل” في إيران، والتي أسفرت عن ارتقاء شهداء، تؤكد التحديات التي تواجهها الدول الإسلامية في الحفاظ على سيادتها.
واعتبر أن مطالبة أمريكا وبعض الدول الغربية إيران بعدم الرد، تعبّر عن استراتيجيتهم في تكريس معادلة الاستباحة، وكأنهم يقولون لكل الدول العربية والإسلامية عليكم أن تقبلوا بأي عدوان إسرائيلي، وأن لا تفكروا بالرد، وهذا الأمر مرفوض لدى اليمن ولدى إيران ولدى كل دول محور المقاومة وحركاته، مشدداً في المقابل، على ضرورة أن يكون للساكتين والنائين بأنفسهم من أبناء أمتنا (دولاً وشعوباً) موقف الرفض لهذه المعادلة وكسرها بكل الوسائل الممكنة.
إذاً، يتضح أن السيد القائد عبد الملك الحوثي يرى بأن الصراع القائم في المنطقة ليس مجرد نزاع إقليمي، بل هو جزء من صراع أوسع من أجل السيادة والكرامة في وجه استبداد العدو الإسرائيلي والداعمين الغربيين له.
وبالتالي، فإن ما طرحه حول مفهوم “الاستباحة” يدق جرس الإنذار للأمة من خطورة تداعيات العدوان الإسرائيلي -الأطلسي على مستقبل الأمة الإسلامية برمتها، ما يحتم الوحدة لمواجهة هذه التحديات.t