عظيمة هى لحظات النصر، تستمد عظمتها تلك من حجم تضحيات أبطالها، وقدرتهم على الصمود والمقاومة، والأهم يقينهم بقدسية وطنهم، وعزة ترابه، من هنا تصبح أحداث تلك البطولات حكايات تتلى، يشعر أجيال تتوارثها بفخر أجدادهم صانعيها، لتصبح جزءاً مهماً من تاريخ حفر فى وجدان شعب أبىّ، وجيش مغوار.

ويفخر تاريخنا المصرى والعربى عامة ببطولات نصر السادس من أكتوبر، إلا أن ذلك النصر لم يكن صنيعة ساعات أو ليالٍ بل سنوات أطلق عليها «حرب الاستنزاف»، تبارى فيها جنودنا البواسل فى القضاء على قوة العدو وإضعاف أسلحته ومرتكزاته داخل مصر، من أراض شهدت احتلالاً بغيضاً لم يلبث أبطالنا أن قضوا على أسطورته الزائفة وتفوقه المدعى بأقل الإمكانات، وبعزيمة وذكاء مصرى لا يقهر.

ومثلما تبارى التاريخ فى تخليد تلك البطولات، تبارت أيضاً أقلام المبدعين والكُتاب فى تقصى أحداثها وإبراز تضحيات جنودنا، فظهرت العشرات وربما المئات من الكتب حول حرب أكتوبر، لكن يبقى أهمها وأبرزها وأكثرها أثراً ما قُدم لأطفالنا وشبابنا، ممن لم يشهدوا هم وربما آباؤهم تلك الأحداث، ليصبح الكاتب أمام تحدٍّ هائل، وهو الأخذ بيد طفل أو فتى يقع تحت مغريات عصر إلكترونى قاسٍ، فيجعله يطالع بطولات الأجداد بشغف وفخر.. هكذا فعل الكاتب الصحفى الكبير الراحل حازم هاشم، فمن خلال سلسلة حملت عنوان «أبطال أكتوبر»، والتى صدرت عن دار الناشر العربى عام 1995، تضم 12 قصة مطعّمة برسومات شرحية، استطاع أن يستعرض مجموعة من البطولات لمجندينا، دارت رحاها أثناء حرب الاستنزاف وحتى تحقق نصر أكتوبر المجيد، فالكاتب يستعرض بطولات أسلحة الجيش المختلفة من خلال بطل لكل سلاح لتتشارك جميعاً فى صنع النصر، فما بين بطولة لكتيبة الدمار التى كُلفت بتدمير إحدى نقاط العدو الارتكازية بشرق بورفؤاد، وبطولات جنودنا الذين كُلفوا بزرع الألغام والمتفجرات فى طريق تحركات العدو، وبطولة لسلاح الطيران وضربته الجوية، تتنوع وتتجلى القصص، التى تسلط الضوء على بطولات دارت فى الكواليس لكنها كانت خير ممهد لانتصارنا الأعظم، فلولا بسالة هؤلاء الجنود ما بوركت خطواتنا بالنصر.

على أن ما يجمع تلك القصص -التى جاءت عناوينها كالتالى: «أبطال جبل المر، الشرقاوى، الشهيد الحى، العائد، بطل حتى النهاية، بيان عسكرى ناقص، حسان والنقطة، رمضان كريم، صائد الأسرى، كتيبة الدمار، كتيبة طوسون، مهمة رحمى»- كونها بطولات جماعية فى معظمها، رغم اعتمادها على بطل واحد للحدوتة، إلا أن الكاتب قد حرص على التأكيد عبر الأحداث أن تلك البطولة الفردية ما كانت لتكتمل لولا تكاتف جهود باقى جنودنا البواسل «أصدقاء البطل وزملاء كتيبته»، وهو بالفعل ما ميز روح أكتوبر، وقد اختار الكاتب أن تدور معظم أحداث قصصه حول بطولات حرب الاستنزاف، لإيمانه بأهمية تلك البطولات فى التمهيد لنصر السادس من أكتوبر.

واعتمد الكاتب فى قصصه على إيراد تفاصيل الحدث والمعارك بدقة لا متناهية، معتمداً على استخدام تقنية المشهدية التى تخلق من الحدث شريطاً سينمائياً يدور أمام أعين القارئ.

ورغم ذكر هذا الكم من التفاصيل التى تخص المعارك والخطط وتنفيذها، بشكل يجعلنا نظن أن الكاتب كان أحد قائدى حرب أكتوبر بالفعل، لذلك الوعى المحيط والوصف الملمّ بظروف كل سلاح وكتيبة، فرغم كل هذا القدر من التفاصيل إلا أن الكاتب حازم هاشم استطاع أن يحتفظ بعنصر الإثارة وتلاحق الأحداث بسلاسة عجيبة.

 

** اللغة والسرد:

 

يستخدم الكاتب حازم هاشم فى قصصه أسلوباً أدبياً يميل للتأثر بالأسلوب الصحفى الذى يعتمد على السرد أكثر من الحوار، وهو ما يؤكده قلة وجود الحوار بين الشخصيات، إلا أن لغة القصص تتميز بالجمع بين الرصانة اللغوية وثراء معجم مفرداته وبين سهولة وبساطة تلك المفردات، فى مزيج يصعب تحقيقه إلا من أديب أريب.

استخدم الكاتب الراوى العليم فى السرد، والذى يساعده على كشف كل تفاصيل الأحداث والشخصيات، وهو ما يتناسب وطبيعة القصص.

وفيما يلى نحاول استجلاء الأفكار من خلال قصتين من تلك السلسة:

- قصة «مهمة رحمى»:

حين يصبح الثأر مما تكبدناه فى نكسة سابقة دافعاً لنصر عظيم، وحينما يتجرع البطل مرارة الهزيمة فى 67، ويشهد استشهاد أصدقائه يكون الدافع مضاعفاً والحماس مذهلا، والإصرار على الانتصار قوياً، هكذا كان رحمى، الذى أوكل إليه مهمة التمهيد للعبور، ومهاجمة بعض نقاط العدو الحصينة، لتحين المهمة العظمى، وهى اقتحام القناة وعبورها بمعاونة سلاح المهندسين، لفتح ثغرة فى خط بارليف.

وهنا يصف الكاتب تفاصيل تلك المعركة، فما بين معارك بين قوات البطل والعدو تتجلى مهارة الكاتب فى الوصف، مؤكداً أن النصر لم يكن وليد تفوق فى القوة والعتاد، بقدر ما كان تفوقاً فى استخدام العقل والذكاء المصرى والثقة فى الله والنفس، فها هو يقول (فوجد أن أنسب الطرق لسد وإغلاق تلك الثغرة لن يكون فى الاعتماد على الأسلحة وإنما لا بد من الاعتماد على ذكاء وخبرة المقاتل المصرى...).

- قصة الشهيد الحى:

تحكى تلك القصة بطولة القوات الجوية التى مهدت ضربتها الأولى للعبور، فها هو الضابط علاء الذى انطلق بطائرته بين سرب ضخم كانت مهمته أن يسدد أول ضربة للعدو لتترنح قواه، إلا أن طائرته تصاب بقذيفة غادرة، فيفكر علاء كيف يرد الضربة للعدو رغم أنه يجابه الموت وعلى شفا لحظات منه، فالنيران تشتعل بطائرته وهو لا يضمن النجاة حتى لو قفز منها، وهنا يلمح مخزناً لأسلحة العدو، فيقرر أن تسقط طائرته المشتعلة فوق ذلك المخزن، بعد ان يقفز منها، ليفتح المجال بفعلته تلك أمام زملائه ويقيهم ضربات العدو.

هنا يتجلى تأثير تلك البطولة المنفردة وقدرتها على أن تكون إنجازاً يعادل إنجاز كتيبة بأكملها، ودليلاً دامغاً على أن كل الشعب المصرى كان بطلاً للحرب، جميعنا كنا أبطالاً فى معركتنا، فاستحققنا النصر على عدو جبان لا يمكنه الصمود أمام إرادة شعب وجيش آمن بذاته: (إن المتتبع لبطولات حرب أكتوبر سيجد فى كل من شارك فيها نموذجاً آخر لعلاء وإن اختلف الموقع... لقد كان شباب مصر كلهم علاء... لقد كان الثأر عظيماً ومشروعاً... لذلك لم يكن علاء وحده، بل إنهم أبناء مصر التى حموها ودافعوا عنها دفاع الابن عن أمه ودفاع الحر عن شرفه وكرامته).

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نصر السادس من أكتوبر حرب الأستنزاف أبطال أكتوبر إلا أن

إقرأ أيضاً:

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. بانتظار القافلة

بانتظار القافلة

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 10 / 3 / 2018

الجدران رطبة، والضوء خافت، وأحبال الغسيل قمصان شائكة تفصل الحدود بين العائلات، قالت جارتنا وهي تدلّ أمي على #المخبأ.. إذا أردت ألا يصعد أبناؤك إلى السماء فاهربي بهم إلى تحت الأرض.. وكأنه لا خيار ثالث في وطن الصراعات.. إما الصعود شهيداً إلى #السماء، أو البقاء حياً منسياً تحت الأرض، لكنّك لن تكون مواطناً تمشي في مناكبها.. ما دام السيد الرئيس يتكئ على أرائكها.

مقالات ذات صلة علي سعادة .. نرجو من الله أن يحتفل “أبو عبد الله” بالعام الجديد بين أطفاله 2024/12/22

لا بأس.. حتى الملاجئ الإسمنتية باتت مسلية نكتب على جدرانها دروسنا كي لا ننسى أبجدية العربية، ونكتب عبارات إسقاط النظام كي لا ننسى أبجدية الحرية.. أمي بدأت تزرع النعناع والجاردينيا والمارغريت في قوارير صغيرة تحت الأرض تتفتح الورود لمصابيح الكهرباء، تخالها الشمس.. تماماً كما أخال سقف الملجأ السماء، وبقع الرطوبة التي تتشكّل في سقف الملجأ أو قاع البناء هي غيومنا المؤقتة التي تمشي فوق أحلامنا لكنها لا تمطر أبداً.. أحياناً يتساقط ملح الاسمنت فوق أغطيتنا ونحن نيام، نراه ثلجاً لاجئاً مثلنا نلمه بأصابعنا نقبضه بأكفّنا لينام معنا لكن سرعان ما يذوب كقصص النوم..

نحن في #وطن_الظل هنا في الملجأ، وطن في بطن وطن، بعض أطفال حارتنا قالوا ما رأيكم أن نجري انتخابات رئاسية تحت الأرض هنا لنمارس ديمقراطيتنا المرتجفة، فرحنا للفكرة، لكن ما لبثنا إن اختلفنا فالزعامة لها سوءاتها فوق الأرض كانت أم تحتها.. لا نريد ان يكون لنا في الملجأ رئيساً، نريد أن نكون شعباً فقط، الرئاسة تفسد الانسجام بين السكّان، الآن نتقاسم المعلبات، ونقترض الخبز، والماء، ونتبادل أماكن النوم، لو صار لدينا رئيس منتخب للملجأ ستدب الطبقية من جديد، ونحن الهاربون أصلاً من ظلم الحكم إلى قبر الحياة الواسع..

أكثر ما يحزنني، أننا على عتبات الربيع، والغوطة لا ترانا بعينيها، لا أستطيع أن أمشي بين أشجار الخوخ كما كنت، أقطف الزهر الطري وأمص رحيق الورد، لا أستطيع أن أتسلّق سور جيراننا خلسة لأسرق اللوز من أصابع أشجارهم.. حتى لو توقّف القصف واستمرّت الهدنة لن أفعلها أقسم أنني لن أفعلها فقلبي لا يطيعني.. كنت أفعل ذلك نكاية بأولاد جارنا الصغار، لكنّهم ماتوا بالقصف قبل شهر من الآن مات أيهم وبتول وعمّار وبقي اللوز.. وفاءً لأرواحهم لن أمدّ يدي على “لوزتهم” الشرقية، ولن أتسلّق السياج.. صحيح لقد هدم السياج، وأكل البرميل الثاني وجه الدار لكنني لن أقترب من مكان غادروه أبداً.. أكثر ما يحزنني أن شجر الغوطة ليس له أرجل ليركض مثلنا، أخاف أن يموت واقفاً.. أمّي هل نستطيع أن ننقل الشجر هنا إلى الملجأ؟؟

قالت أسمعُ صوت أطفال فوق الأرض.. اذهب وتفرّج، ثم عادت وتراجعت عن طلبها: ابق هنا لا تذهب أخاف أن يداهمنا عطاس الموت دون أن ندري..

صوت شاحنة اقترب من الحي وأطفال يصفّرون ويركضون، تشجّعت أمي من جديد وقالت: “اذهب الآن.. ربما وصلت #قافلة_المساعدات، تأكّد، إذا كانوا يوزّعون غذاءً على العائلات، أخبرني لأخرج معك، لم يعد في الملجأ شيئاً نأكله.. حتى الدواء أو الأغطية تلزمنا.. اذهب واسأل الأولاد.. خرجتُ من الدرج المكسر، صعدتُ من باب البناية السفلي وصلت سطح الأرض.. رأيت في أول الحي شاحنة يكسوها شادر ثقيل وأطفال يتعلقون بحبالها.. كانت الشاحنة الأولى التي تصل الحي منذ بداية الهدنة، كنا ننتظر اللحظة التي يفتح السائق ومشرفو الإغاثة الباب الخلفي.. نهرنا السائق وطالبنا الابتعاد عن السيارة تكلّم مع بعض موظفي الإغاثة وسلمّهم أوراقاً زهرية اللون.. قلنا له: هيه يا عمي نريد معلبات خبز طعام أي شيء.. لم يجبنا، حاول الصعود إلى قمرة القيادة.. لحقناه سائلين.. ماذا بسيارتك؟؟.. قال بصوت منخفض: “أكفان” فقط.. قافلة الغذاء لم تصل بعد.. تراجعنا، لم يبق أي طفل حول الشاحنة هربوا جميعاً.. ودخلوا ملاجئهم من جديد وكان غارة جوية قد بدأت، ياااه كم ترعبهم كلمة #الموت، ها نحن ننظر من شبابيك ملاجئنا المكسّرة لليوم السابع على التوالي.. ننتظر قدوم #القافلة..!

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

#174يوما

#الحرية_لاحمد_حسن_الزعبي

#أحمد_حسن_الزعبي

#كفى_سجنا_لكاتب_الأردن

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي
  • نيجيرفان بارزاني يعزي بوفاة الكاتب الكوردي فتاح أميري
  • القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده
  • القيادة تهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى الاستقلال
  • ظهور عفاش بتعز والإخوان يؤيدون العدو الإسرائيلي وتفاصيل معركة قادمة
  • رسالة جديدة من الكاتب الحر احمد حسن الزعبي في معتقله من سجن ام اللولو
  • وفاة الكاتب والمترجم الجزائري بوداود عميّر
  • وزير الخارجية الصومالي: نشكر مصر حكومة وشعبًا وملتزمون بكل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين
  • د. البراري .. ألم يحن اطلاق سراح الكاتب الوطني الكبير أحمد حسن الزعبي؟!!
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. بانتظار القافلة