عربي21:
2025-02-01@11:54:37 GMT

بين سوريا وغزة… الأصل والنسخة

تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT

كما أن السجين يتعلم من سجّانه، فإن القتلة والمجرمين يتعلمون من بعضهم بعضاً، ولعل أكثر ما جسّده العدوان الصهيوني على غزة، هو ذاك المخزون الضخم من التجارب والخبرات التي يتبادلها القتلة في كل من تل أبيب ودمشق، فيطبقونها حرفياً على الشعوب، تلك الخبرات التي لا تعود إلى سنوات قليلة وإنما إلى عقود مديدة، وكأن كتاب دليلهم في القتل والتعذيب والإذلال واحد.



كشف الكاتب اليهودي الأمريكي توماس فريدمان في مقال له مطول في النيويورك تايمز عن مصطلح يقول إنه نَحَته قبل فترة، وإن كان لا أحد قد سمع به إلّا بعد العدوان على غزة، وهو "قواعد حماة"، وهي تلك القواعد التي طبقها المجرم حافظ الأسد عام 1982 فأباد حماة بحجة القضاء على تنظيم الإخوان المسلمين، فقتل بحسب تقديرات الكاتب 20 ألف مدني، بينما قدرتها مصادر أخرى بـ40 ألف مدني، وبعد عمليات القتل الجماعي طلب المجرم الجرافات لتقوم بتسوية الأرض.

يخلص بذلك فريدمان إلى القول إن بإمكان إسرائيل أن تعمل نفس الشيء في غزة. ويستطرد الكاتب اليهودي فيقول إن زعيماً عربياً سأل حافظ أسد عن عدد القتلى في مجزرة حماة فأجابه بكل برود: "كالعادة هناك أناس يعيشون وآخرون يموتون"
ويخلص بذلك فريدمان إلى القول إن بإمكان إسرائيل أن تعمل نفس الشيء في غزة. ويستطرد الكاتب اليهودي فيقول إن زعيماً عربياً سأل حافظ أسد عن عدد القتلى في مجزرة حماة فأجابه بكل برود: "كالعادة هناك أناس يعيشون وآخرون يموتون".

بعد ساعات على مقال فريدمان كان نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السابق داني أيالون يتحدث للجزيرة الإنجليزية؛ مستشهداً بقواعد نجل حافظ الأسد هذه المرة، والتي طبقها على مدار أكثر من عقد في الثورة السورية بتهجير ملايين السوريين، وقال إن هذه القواعد يمكن لإسرائيل أن تطبقها في غزة بإرسال مليونين من الغزيين إلى صحراء سيناء، حيث تُبنى لهم مدن تتوافر فيها الخدمات، وهو النموذج الذي يشبه ما حصل لملايين السوريين من تهجيرهم من مناطقهم إلى تركيا ومناطق أخرى، بمساعدة المحتل الروسي والإيراني، حيث يعد الأخير صاحب نظرية تفريغ مناطق ريف دمشق من أهل السنة الثائرين على عصابات الأسد.

لم يقتصر استنساخ قواعد اللعبة على العقلية العسكرية التدميرية هذه فقط، وإنما تعدّتها إلى تشابه في التكتيكات التي قام بها بعض الصهاينة المدنيين حين كانوا يقومون بإغاظة الغزيين كما اعتقدوا، في الاستمتاع بشرب المياه من الصنابير، في الوقت الذي يعاني أهل غزة من انقطاع المياه والكهرباء والوقود عن بيوتهم، وهو نفس الأسلوب تماماً الذي كانت تتبعه مليشيات الأسد خلال حصار مضايا وبلدات ريف دمشق من قبل.

جغرافية الانتقام والثأر، ونقل التكتيكات والقواعد المشينة انتقلت إلى عالم الفن، فقد ظهر فنان صهيوني على شاشة تلفزيونية صهيونية، وهو يدعو إلى محو غزة من على الخريطة، كرد مباشر على عمليات طوفان الأقصى، وهو ما فعله الفنان الطائفي ريبال الهادي الذي دعا عقب الهجوم لإبادة ومحو إدلب كرد على ما تعرضت له الكلية الحربية في حمص، حين أسفر الهجوم عن مقتل أكثر من مائة شخص.

تكتيكات وقواعد الحرب انتقلت سريعاً إلى الفضاء الإعلامي، حيث بدأت تل أبيب بخلع لبوس داعش على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لتتهمها تل أبيب بقطع رؤوس الأطفال وحرق جثثهم، وهي السردية التي ابتلعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، لينفيها لاحقاً البيت الأبيض وحتى الجيش الصهيوني
تكتيكات وقواعد الحرب انتقلت سريعاً إلى الفضاء الإعلامي، حيث بدأت تل أبيب بخلع لبوس داعش على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، لتتهمها تل أبيب بقطع رؤوس الأطفال وحرق جثثهم، وهي السردية التي ابتلعها الرئيس الأمريكي جو بايدن، لينفيها لاحقاً البيت الأبيض وحتى الجيش الصهيوني. وهي نفس القواعد والتكتيكات التي مارستها عصابات الأسد، حين خلعت لبوس داعش على كل الثورة السورية، ولم توفر حتى الخوذ البيضاء (الدفاع المدني).

سردية الجيش الصهيوني عن داعشية حماس سخر منها رئيس الموساد سابقاً اللواء أفرايم هليفي، وقال إن حماس ليست داعش، ولا بد من الحوار معها. وأهمية هليفي تعود إلى أنه الشخص الذي أرسله نتنياهو إلى الأردن لمعالجة ذيول محاولة اغتيال القيادي خالد مشعل عام 1997. ويخلص هليفي إلى القول إن حماس لا يمكن القضاء عليها كما وضع الجيش الاسرائيلي هدفه من عملياته السيوف الحديدية، وإنما لا بد من التفاوض والتفاهم معها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الأسد إسرائيل سوريا الأسد إسرائيل غزة جرائم مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تل أبیب

إقرأ أيضاً:

التهجير والنسخة الجديدة من الصفقة… وأجندة ترامب العاجلة

الإعلان المبدئي الذي أطلقه ترامب حول طلبه تهجير أهالي قطاع غزة إلى الأردن ومصر، لا يبين شيئا بخصوص المهجرين المحتملين، فلا فكرة تتسرب ولو بصورة تقريبية حول الأعداد التي يقصدها ترامب، أو الفئات، وهل يسعى لتهجير سكان مناطق معينة لم تعد قابلة للحياة من وجهة نظره؟ أم سيضع آلية أخرى لتحقيق أهدافه؟

وطالما أن مبعوثه عاود الحديث بعد الرفض الأردني والمصري، مطالبا البلدين بالمشاركة في تقديم خيار بديل، فالمسألة تبدو بشكل واضح انقلابا على خطة صفقة القرن، التي طرحت سابقا من قبل ترامب في فترته الرئاسية الأولى، وهي الخطة التي كانت تشتمل على إقامة مناطق سكانية وصناعية وزراعية في النقب، يمكن أن تستوعب جانبا من سكان القطاع المزدحم، وتعمل على فرضية قبول فلسطيني بالتنمية الاقتصادية، مقابل التسوية النهائية والتنازل عن مزيد من الأرض في الضفة الغربية.

يعود ترامب أثناء توقيع مجموعة من الأوامر التنفيذية ليتحدث بشيء من الضيق والإصرار على أن كلا من مصر والأردن ستستقبلان المهجرين من القطاع، لأن الولايات المتحدة قدمت الكثير لهما، ولكنه يصر على طلب غير واضح من الأساس، ولا شيء يظهر حول الترتيبات الجديدة التي يحاول أن يضعها، والنسخة الجديدة من الصفقة، التي تغيرت بناء على التحولات الكبيرة التي حدثت في حقبة الرئيس الأمريكي السابق بايدن، التي أتاحت من خلال الفوضى والتشوش إلى تمدد اليمين الإسرائيلي، وتمكينه من فرض الكثير على أرض الواقع، وتغوله الواسع على الأراضي الفلسطينية.

الافتراض الأساسي الذي قدمه ترامب كان قائما على تحقيق تعايش تقبله السلطة المثقلة بالمشكلات في الضفة، وحركات المقاومة المحاصرة في القطاع، وكأن المشكلة يمكن تحريكها من خلال بعض المليارات، وفرص العمل التي تنظم وضع العمال الفلسطينيين في مشاريع مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ويبدو هذا الافتراض مستغلقا أمام ترامب وفريقه بعد حالة العداء التي تغذت من مشاهد العدوان الوحشي الإسرائيلي على المدنيين في قطاع غزة، بما يتجاوز قدرة الفلسطينيين على التغاضي واختلاق المبررات تحت دعاوى التسامح والتعاون في السلام الإبراهيمي، أو الهدنة الطويلة لسنوات ممتدة التي طرحتها حركة حماس في مرحلة سابقة.

الخطة الأصلية لترامب لم تعد طموحة وساذجة فقط، ولكنها أصبحت مستحيلة، لأنها تتطلب تأسيس مجتمع كامل من السيطرة على الفلسطينيين يشبه العالم الكابوسي، الذي وضعته لعبة الحبار، فالفلسطيني لا يستطيع أن يضع يده في جيوبه وهو يقف في الحاجز، أو يجلس في سيارته ليقوم بالفعل البسيط لاستخراج هويته، فهذا تصرف مريب بالنسبة للجندي الإسرائيلي الذي يمكن أن يتخذ اجراءً فوريا بالاعتداء على الفلسطيني إن لم يكن قتله، والبديل الذي يطرحه ترامب هو التخلص من الفلسطينيين، أو أعداد كبيرة منهم لاستعادة تفوق ديمغرافي إسرائيلي/ يهودي يسهم في التأسيس لحلول أخرى.

الحلول الممكنة تتوزع بين دولة مفككة الأوصال، لإحكام السيطرة تشكل خزانا بشريا لتزويد مشروعات إسرائيل بالعمالة الأقل تكلفة، أو الاستحواذ على الأراضي الفلسطينية بعد تفريغ سكاني واسع تكون نسبة اليهود داخله طاغية، بمعنى أن يشكلوا 70% أو أكثر من السكان، وهو ما يتطلب تهجير أربعة ملايين فلسطيني.

وبطبيعة الحال، في الدولة الواحدة سيخضعون لهندسة اقتصادية، وربما قانونية تجعل التكاثر منضبطا للمحافظة على النسبة القائمة. الحزمة الجديدة من الحلول التي يمكن أن تشكل أفق المخيلة الأمريكية، تتطلب أن يكون التهجير واسعا ويكاد يشبه التدفق البشري الذي شكله الفلسطينيون العائدون إلى ديارهم في قطاع غزة، وفي حال أفضل نسبيا، توفير الحافلات لأسر كاملة تذهب إلى أماكن بعيدة عن ديارها لتبدأ حياة جديدة، وهو ما يتطلب ضغطا على الفلسطينيين يجعل الحديث عن إنهاء الحرب واستمرار وقف اطلاق النار أمرا مستبعدا، وهذه المرة لن يجدوا أي طرف يطلب آلاف الدولارات للعبور من رفح، ويتطلب كذلك، موافقة الدول، التي يضعها ترامب لتستقبل اللاجئين الجدد الذين سيلحقون بملايين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم في العقود السابقة.

هل يحضّر ترامب الغاضب والحانق من ردود الفعل التي تلقاها من مصر والأردن لمجزرة تعطي جانبا من معنى الجحيم، الذي يتصوره ليحرك الشارع العربي الذي يبدو رافضا للتهجير، ليصرخ بإخراج الفلسطينيين من عملية تطهير عرقي ممنهجة، أم سيمارس الضغوط على الدولة التي وضعها على الأردن ويلحق بها مصر في وقت حرج اقتصاديا على المستوى المصري، يمكن أن يهدد استقرارها الاجتماعي والسياسي؟ أو استراتيجية مزدوجة لتحقيق أهدافه بعد الوصول إلى تفكيك أزمة الرهائن؟

تدبر الأردن اتفاقية شراكة شاملة مع الأوروبيين، ويمكن أن يتدبر دعما عربيا، بما يخفف الضغوط الاقتصادية، ويظهر الأردن متماسكا أمام الضغوطات، خاصة مع مجموعة من القرارات الداخلية التي تحاول التخفيف من أثر تجميد المساعدات الأمريكية، ولكن لا توجد ضمانات لتحولات في الاصطفافات تجعل الأردن يظهر وكأنه الطرف الذي يعرقل تسوية يريدها الجميع، في حال وجود نسخة جديدة من الصفقة، تحمل وعودا براقة، يعرف الأردن بخبرته التاريخية أنها خاوية ومن غير معنى، أما مصر، فالضغوطات هائلة، والاستثناء من تجميد المعونات ربما يظهر أن هذه الخطوة يمكن أن تضع ضغوطا مزعجة على مصر لتدخل في احتمالات خارج الحسابات القائمة.

خلال أيام قليلة وبعد زيارة نتنياهو لواشنطن، ستتخذ تصريحات ترامب شكلا مختلفا، حيث سيمكنه الحديث عن تصور متكامل سيواصل الضغط لتمريره، وأمام المجموعة العربية التي يواجهها، استحقاق إحداث تسوية كارثية تحديات كثيرة في المقابل، خاصة أن الرئيس الأمريكي يعرف أن الاستثمار في الوقت هو أحد الاستراتيجيات المطروحة أمام الأردن ومصر، وهو ما يمكن أن يجعله أكثر عدوانية وشراسة في تحركاته المقبلة.
القدس العربي

مقالات مشابهة

  • رسائل “حماس” الصريحة لتل أبيب والعالم لكسر جانب من هيبة الجيش الإسرائيلي (صور)
  • التهجير والنسخة الجديدة من الصفقة… وأجندة ترامب العاجلة
  • بعد واقعة بنك مصر.. أمن الفيوم يتعامل بحرفية في واقعة الأسد الذي التهم حارسه
  • بالفيديو .. من هو عاطف نجيب ابن خالة الأسد الذي تسبب باشتعال الثورة السورية؟
  • إعلامي إسرائيلي: تل أبيب تسلمت قائمة المحتجزين المتوقع إطلاق سراحهم غدًا السبت
  • إعلام العدو: لا يوجد بديل.. حماس هي غزة وغزة هي حماس
  • ضابط كبير يكشف التحدي الحقيقي الذي يواجه الجيش الإسرائيلي
  • بعد سجنه في معسكر بوكا.. ماذا نعلم عن أحمد الشرع الذي أصبح رئيس سوريا الانتقالي؟
  • إعلام إسرائيلي: الجيش أنشأ مهبطًا للطائرات على جبل الشيخ في سوريا
  • ستيف ويتكوف يصل إلى تل أبيب ويخطط لزيارة قطاع غزة