يكشف استشهاد 9 صحفيين وإصابة آخرين خلال أقل من أسبوع، سجلا طويلا من القتل الممنهج الذي يستهدف به الاحتلال الإسرائيلي الصحفيين ومقار عملهم، في إطار يُوصف بأنه "نمط فتاك مستمر منذ عقود"، بينما مرّت كل هذه الجرائم بلا محاسبة.

والجمعة الماضية، استشهد الصحفي اللبناني عصام عبد الله -الذي يعمل في وكالة رويترز- وأصيب 6 صحفيين آخرين هم: الزميلان في شبكة الجزيرة كارمن جوخدار وإيلي براخيا، وثائر السوداني وماهر نازح، من رويترز، وكريستينا عاصي وديلان كولنز، من وكالة الصحافة الفرنسية.

استشهاد صحفي وإصابة 3 آخرين بقصف إسرائيلي على سيارتهم بعلما الشعب جنوبي #لبنان pic.twitter.com/IQwsEFiygc

— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 13, 2023

 

وأكد مصدر أمني لبناني أن طائرة "أباتشي" إسرائيلية هي التي استهدفت الصحفيين بصاروخ موجه في علما الشعب جنوبي لبنان.

وكان الصحفيون فوق تلة لرصد الأحداث في جنوب لبنان، وبعيدين عن أي موقع عسكري، كما كانوا يضعون إشارات للتعريف بهم بوصفهم صحفيين.

وقد أدانت شبكة الجزيرة الإعلامية الاعتداء الإسرائيلي الجديد على الصحافة، وحمّلت إسرائيل المسؤولية القانونية والأخلاقية الكاملة عن هذا "الاعتداء الغاشم"، كما طالبت المجتمع الدولي بالتحرك لضمان سلامة الصحفيين ومحاسبة كل من يقف وراء هذا "العمل الإجرامي" الذي لن ينجح في إرهاب طواقمها.

صورة نشرها موقع "بي بي سي" لتوقيف فريقه من السلطات الإسرائيلية اعتداء على فريق "بي بي سي"

والجمعة أيضا، أعلنت شبكة "بي بي سي" البريطانية أن فريقها الصحفي في إسرائيل تعرض للاعتداء والاحتجاز تحت تهديد السلاح، بعد أن أوقفتهم الشرطة في مدينة تل أبيب.

وقالت الشبكة -في بيان نشر على موقعها الرسمي-، "كان مهند توتنجي، وهيثم أبو دياب، وفريق بي بي سي عربي في طريقهم إلى أحد الفنادق، عندما اعتُرضت سيارتهم".

وأضافت، "سُحبت السيارة -التي تحمل علامة تلفزيون بالخط الأحمر- وفُتِشوا ودُفعوا باتجاه الحائط".

وقال توتنجي وأبو دياب، إنهما عرّفا نفسيهما على أنهما صحفيان في "بي بي سي"، وأظهرا للشرطة بطاقات الهوية الصحفية.

وأثناء محاولته تصوير الحادثة، قال توتنجي، إنه رُمي هاتفه على الأرض، وضُرب على رقبته.

"المقطع قد لا يناسب بعض المتابعين"

توفي صحفي اسمه محمد صبح بضربة جوية إسرائيلية على غزة، وهنا اللحظة التي تعرّف إليه زميله بالعمل وأحد أقرب أصدقائه وعلم أنه استشهد

توفي -أيضا- صحفي آخر اليوم اسمه سعيد الطويل، وجميعهم كانوا يؤدون عملهم ويغطون الأحداث، رحمهم الله
pic.twitter.com/6ursN9Lnuh

— MOATH | معاذ (@M0ATH) October 10, 2023

ولغزة النصيب الأكبر

وفي غزة -التي تتعرض لقصف مكثف على مدار الساعة منذ إطلاق المقاومة الفلسطينية عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري- وثّقت وحدة الرصد والمتابعة بالمكتب الإعلامي في قطاع غزة، عشرات الاعتداءات بحق الصحفيين، ومن يمكنهم نقل جرائمه -التي يرتكبها بالصوت والصورة- ما أسفر عن استشهاد 8 منهم حتى الآن.

وأعلن المكتب أسماء الصحفيين الذين قتلهم الاحتلال؛ وهم: إبراهيم لافي، ومحمد جرغون، ومحمد الصالحي، وأسعد شملخ، وسعيد الطويل، ومحمد صبح أبو رزق، وهشام النواجحة، والصحفية سلام ميمة التي استشهدت وزوجها وأطفالهما الثلاثة.

وفي غزة أيضا، فإن من لا يُستهدف بالنيران، ينتظره الاعتقال؛ فقد أعلنت عائلة الصحفي نضال الوحيدي، الأحد الماضي، أن ابنها أسير لدى قوات الاحتلال، عقب اعتقاله برفقة آخرين، خلال تغطية الأحداث التي اندلعت أثناء اقتحام حاجز إيرز "بيت حانون" شمالي قطاع غزة.

كما تعرض طاقم قناة "القاهرة الإخبارية"، للاعتداء خلال تغطية الأحداث في القدس، ووجهت قوات الاحتلال السلاح في وجه الطاقم وأجبروهم على إخلاء المكان.

جدارية في غزة لمراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة التي اغتيلت برصاص الاحتلال في جنين بالضفة الغربية (أسوشيتد برس) شيرين أبو عاقلة.. المهمة الأخيرة

وقبل عام ونيّف، وتحديدا في 11 مايو/أيار 2022، كان اغتيال مراسلة قناة الجزيرة الزميلة شيرين أبو عاقلة فاجعة كبرى للجمهور العربي، الذي اعتاد وجهها وصوتها وتقاريرها على مدى أكثر من 25 عاما.

وفي صبيحة ذلك اليوم، توجهت شيرين إلى مهمتها الصحفية الأخيرة لتغطية اقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة، وبرفقتها صحفيان فلسطينيان والمنتج علي السمودي، وكانوا جميعا يرتدون سترات تحمل شارة "صحافة" باللغة الإنجليزية بأحرف بيضاء كبيرة على الصدر وعلى الظهر.

فجأة، دوّت 6 رصاصات، أصابت إحداها السمودي في كتفه. انحنى الصحفيون للاختباء ثم أُطلقت دفعة ثانية من الرصاص، أصابت رصاصة شيرين خلف رأسها في الفجوة الموجودة بين خوذتها وسترتها الواقية من الرصاص، مما أدى إلى قتلها فورا.

وعلى الرغم من محاولة الاحتلال في البداية الادعاء بأن إطلاق النار كان على "إرهابيين"، فإنه عاد مرة أخرى إلى التشكيك بمصدر إطلاق النار وقال، إن الصحفيين أصيبوا برصاص الشبان المقاومين، وهو ما نفاه شهود العيان من الصحفيين الذين رافقوا شيرين خلال إصابتها.


وجاء في بيان شبكة الجزيرة -آنذاك- "في جريمة قتل فاجعة تخرق القوانين والأعراف الدولية، أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بدم بارد على اغتيال مراسلتنا شيرين أبو عاقلة".

وطالبت الجزيرة بـ"إدانة ومحاسبة قوات الاحتلال الإسرائيلي، لتعمدها استهداف وقتل الزميلة شيرين أبو عاقلة"، لكن شيئا من هذا لم يحدث حتى الآن.

ولاحقا، أجريت تحقيقات مستقلة عدة من مؤسسات إخبارية أميركية، بما فيها صحيفة نيويورك تايمز، وصحيفة واشنطن بوست، ووكالة أسوشيتد برس، إضافة إلى المجمع البحثي "بيلنغكات" الذي يتخذ من هولندا مقرا له، وجميعها خرجت بالنتيجة ذاتها: أن عنصرا من قوات الاحتلال الإسرائيلي أطلق -على الأرجح- الرصاصة.

ووجدت محطة "سي إن إن" دليلا على أن هذا الاعتداء مقصود. كما وجدت المجموعة البحثية "فورينزك آركيتيكتشر" -التي تتخذ من لندن مقرا لها- ومنظمة "الحق" -المعنية بحقوق الإنسان التي تتخذ من رام الله مقرا لها- دليلا على أن الجيش الإسرائيلي استهدف شيرين أبو عاقلة وزملاءها الصحفيين بنية القتل.

مشاهد لمضايقة قوات الاحتلال طاقم #الجزيرة في منطقة غلاف #غزة واعتراضهم البث المباشر#الأخبار#عملية_طوفان_الأقصى pic.twitter.com/WjunQ46zKe

— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 14, 2023

سجل أسود للاحتلال

ويزخر سجل قوات الاحتلال الإسرائيلي باعتداءات ممنهجة على الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام، راح ضحيتها -قبل عملية طوفان الأقصى- ما يزيد عن 46 منهم، كما يكشف العدوان على غزة في 2021 -خلال معركة "سيف القدس"- استهداف عدد من مقار وسائل الإعلام بغارات جوية.

وحسب تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، تعرّض أكثر من 144 صحفيا فلسطينيا وأجنبيا، لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث بفلسطين المحتلة، خلال السنوات ما بين 2018 و2022، بما في ذلك إطلاق النار عليهم، ورشقهم بقنابل الغاز والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي، والسحل، مما خلَّف إصابات بليغة نتج عن أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه.

ومن ذلك، ما أصاب الصحفي يوسف الكرنز، الذي فقد ساقه اليسرى أثناء تغطيته أحداث مسيرة العودة في 2018، والصحفي بتلفزيون القدس سامي مصران، الذي فقد عينا بعد أن أصيب بالرصاص في 2019، ومراسل وكالة الأناضول علي جاد الله، الذي استُهدف لثالث مرة برصاصة مطاطية في رأسه.

وحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين، فقد أدت هذه الاعتداءات إلى استشهاد أكثر من 46 صحفيا منذ 2000 وحتى 2022، بينهم صحفي "صوت الأقصى" يوسف أبو حسين الذي استشهد 2021 جراء القصف الإسرائيلي لمدينة غزة، وصحفي وكالة أسوشيتد برس الإيطالي سيموني كاميلي، الذي قُتل برفقة مترجمه الفلسطيني علي شهة جراء انفجار صاروخ إسرائيلي في غزة 2014.

ووفق تقرير "لجنة حماية الصحفيين"، يشكل الفلسطينيون 90% من الصحفيين والإعلاميين الذين قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي. أما الـ10% فكانوا من الصحفيين الأجانب.

المصور الصحفي مؤمن قريقع أمام البناية التي كانت تحتضن مؤسسات إعلامية ودمرها قصف إسرائيلي (الجزيرة) قصف واعتداءات

ولا يقتصر استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي لوسائل الإعلام على أشخاص العاملين بها؛ فقد شهد العدوان على غزة في 2021 تدمير مقار عدد من وسائل الإعلام العربية والدولية.

ووثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين تدمير أكثر من 33 مؤسسة إعلامية خلال 10 أيام من القصف الإسرائيلي، أبرزها: شبكة الجزيرة ووكالة أسوشيتد برس الأميركية.

وفي 15 مايو/أيار 2021 استهدفت 4 صواريخ إسرائيلية برج الجلاء، الذي يضم مقار عدد من وسائل الإعلام الدولية والمحلية في غزة. وقبل ذاك استهدفت الطائرات الحربية برج الشروق الواقع في الحي نفسه، الذي يضم مقار 15 من وسائل الإعلام؛ أبرزها: قناة روسيا اليوم والتلفزيون الألماني "زي دي إف" وتلفزيون دبي.

وأدان الاتحاد الدولي للصحفيين عمليات الاستهداف هذه، وقال أمينه العام أنتوني بيلانجي، إن "الاستهداف الممنهج للمؤسسات الإعلامية هو محاولة مخزية من الجيش الإسرائيلي لإسكات صوت الإعلام، الذي ينقل الأخبار عن العنف الذي يمارسه في غزة، وهو مخالف للقانون الدولي. ويجب وضع حد لاستهداف الصحفيين والاعتداءات المقصودة عليهم".

" في أقل من إسبوع….هذا ما فعلته اسرائيل بالصحفيين أمام مرأى ومسمع العالم
.
.
_ قتل 8 صحفيين فلسطينيين
_ قتل صحفي رويترز
_ احتجاز صحفي BBC
_ إطلاق غاز الفسفور على تجمع للصحفيين
_ إطلاق مسيل للدموع على صحفية RT الروسية
_ إطلاق مسيل للدموع على صحفية CNN türk التركيه
.
.
" هل خرجت… pic.twitter.com/S7pIDKcMt8

— Dr.mehmet canbekli (@Mehmetcanbekli1) October 14, 2023

إفلات من العقاب

وفي بيان صدر بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الزميلة شيرين أبو عاقلة، ونشرته الأمم المتحدة، حذر الخبراء من أن العدالة في قضيتها لا تزال "رهينة السياسة" بينما أخفقت السلطات الإسرائيلية -حسب تعبيرهم- في محاسبة مرتكبي عملية القتل، رغم إشارة تحقيقات مستقلة إلى ضلوع قواتها فيها.

ويشير تقرير "لجنة حماية الصحفيين" إلى "نمط في الاستجابة الإسرائيلية يبدو مصمما للتملص من المسؤولية. فقد أخفقت إسرائيل في إجراء تحقيقات كاملة بشأن أحداث القتل هذه، ولم تجرِ تحقيقات معمقة إلا عندما يكون الضحية أجنبيا، أو عندما يكون الصحفي القتيل موظفا لدى مؤسسة إعلامية بارزة. وحتى في تلك الحالات، سارت التحقيقات ببطء شديد واستغرقت شهورا أو سنوات، وانتهت بتبرئة الأشخاص الذين أطلقوا النيران".

ويقول جيش الاحتلال باستمرار، إن جنوده أطلقوا النار للمحافظة على سلامتهم، أو أنهم تعرضوا لهجوم، وفي بعض الحالات، تصف السلطات الإسرائيلية الصحفيين بأنهم إرهابيون، أو تبدو بأنها لا تكترث أبدا بمقتل الصحفيين.

وعادة ما تتجاهل تحقيقات الاحتلال إفادات الشهود والتقارير المستقلة، كما تظل التحقيقات العسكرية سرية، ولا ينشر الجيش الإسرائيلي الأدلة التي تستند إليها نتائج تحقيقاته.

ورغم التحقيقات العديدة التي أجراها جيش الاحتلال الإسرائيلي، لم تُوجّه اتهامات لأي أحد ولم يخضع أحد للمساءلة بشأن هذه الوفيات. ويشير تقرير "لجنة حماية الصحفيين" إلى أن الإفلات من العقاب أدى إلى تقويض شديد لحرية الصحافة، وتعريض حقوق الصحفيين للخطر.

ويُشبّه التقرير الإجراءات الإسرائيلية الخاصة بالتحقيق في حالات قتل الاحتلال للمدنيين -ومنهم الصحفيون- بـ"الصندوق الأسود"؛ إذ لا توجد وثيقة سياسات تصف هذه العملية بالتفصيل، بينما تظل نتائج كل التحقيقات سرية. فهل يأتي يوم يُحاسب فيه الجناة على "إسكات صوت الحقيقة"؟

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: قوات الاحتلال الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی شیرین أبو عاقلة وسائل الإعلام أسوشیتد برس pic twitter com بی بی سی أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

ما الذي يريده محمود عباس من مطاردته لرجال المقاومة بعد كل تلك الملاحم؟!

ارتفعت وتيرة الصدام بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية التابعة لرئيس السلطة السيد "أبو مازن" وبين رجال المقاومة في مخيم جنين شمال الضفة الغربية، وذلك حين قررت الأجهزة القيام بحملة أمنية موسعة في إطار العملية التي أسمتها "حماية الوطن"! ما أدى إلى مقتل "يزيد الجعايصة"، القيادي في كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد، والمطارد من سلطة الاحتلال. ومن المعلوم بحسب الإحصائيات أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية قد قتلت 13 فلسطينيا منذ بداية طوفان الأقصى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وانطلقت الأحداث في المخيم عقب اعتقال أجهزة الأمن لـ"إبراهيم طوباسي" و"عماد أبو الهيجا"، مما أثار غضب "كتيبة جنين" التي احتجزت سيارات تابعة للسلطة كرهينة للمطالبة بالإفراج عنهما، ورفضت السلطة ذلك المطلب وأرسلت رسالة واضحة بأن هدفها هو إنهاء حالة المقاومة وتسليم السلاح، كما جاء على لسان الناطق بإسم أجهزة الأمن الفلسطينية العميد "أنور رجب"، وهو ما رفضته المقاومة.

حافَظَ رئيس السلطة وباجتهاد منقطع النظير على التنسيق بين أجهزته الأمنية وبين جهازي الموساد والشين بيت الإسرائيليين
وحاصرت الأجهزة الأمنية المخيم أكثر من 7 أيام، ونشرت القناصة على أسطح المنازل وأطلقت النار على كل هدف متحرك داخل مخيم جنين! وحاصرت كذلك المستشفى الحكومي للمخيم وفتشت سيارات الإسعاف وقطعت التيار الكهربائي، ثم اقتحمت مستشفى ابن سينا ومنعت الأهالي من وداع "الجعايصة"..

وقد استنكرت الفصائل الفلسطينية في بياناتها ما تفعله الأجهزة الأمنية من استهدافها للمقاومة وخدمتها للكيان الصهيوني، من قبيل أن "استمرار أجهزة السلطة في هذا النهج المشين يدق ناقوس الخطر ويؤجج خلافات داخلية في توقيت مصيريّ"، و"حماية الوطن لا تكون إلا بدرء الفتن والوقوف صفا واحدا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي"، و"عنجهية السلطة والأجهزة -خيلاؤها وكِبْرها-! هي ما أوصلتنا إلى هذه النقطة".

عجيب أمر السيد "أبو مازن"، لا يتعلم من الأخطاء والكوارث التي ارتكبها في ماضيه قبل وبعد انفراده بالسلطة، وخطيئته كانت ولا زالت في الثقة -المصطنعة!- في المُفاوض الإسرائيلي والداعم الأمريكي، وفي الجلوس على موائد المفاوضات في (مدريد، أوسلو)، والتعاون والتنسيق الأمني المشترك مع سلطات الاحتلال..

ولقد كانت مكاسب الكيان في تلك المفاوضات العبثية التي حمل لواءها "عباس" فرصة رائعة لتجميل صورة الصهاينة أمام العالم الغربي وأمام شعوبهم بأن إسرائيل دولة تسعى للسلام، والحقيقة أن ذلك لم يكن إلا عملية تخدير طويلة المدى اقتضتها الفترة الزمنية إبان التسعينات من القرن الماضي وساهم فيها أبو مازن بكامل طاقته!..

وهذا بخلاف ما تورط فيه رئيس السلطة ضد شعبه المحاصر في عام 2009 -على سبيل المثال لا الحصر!- من تأجيل التصويت على "تقرير غولدستون" المتضمن للأدلة والشواهد الدامغة بالصور والشهود على جرائم الصهاينة في غزة والساعي لإدانة الاحتلال بسبب جرائمه التي ارتكبتها آلته الحربية، وأشار المفوض الأممي لحقوق الإنسان حينها إلى أن سلطة رام الله التي يفترض أنها تمثل الشعب الفلسطيني! قامت بإنقاذ الكيان الصهيوني من الإدانة الدولية في مجلس حقوق الإنسان بجنيف..

حافَظَ رئيس السلطة وباجتهاد منقطع النظير على التنسيق بين أجهزته الأمنية وبين جهازي الموساد والشين بيت الإسرائيليين، وتكفينا إشادة واحد من أهم الصحف الإسرائيلية، "معاريف"، بالتنسيق القائم لملاحقة الناشطين الفلسطينيين لضمان أمن مواطني الكيان، الأمر الذي ساهم في إنقاذ حياة المئات منهم! وهذا ما ذكره الكاتب بالصحيفة "جاكي خوجي" حين أكد أن التنسيق الأمني هو الاسم السري للتعاون على أعلى المستويات بين أجهزة الأمن من الجانبين لملاحقة ناشطي حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وذلك بأن توفر إسرائيل المعلومات الاستخبارية عن وجود خلية مسلحة تخطط لتنفيذ عملية ما، فينطلق الأمن الفلسطيني لاعتقال أفرادها، مما يعفي إسرائيل من المخاطرة بجنودها لدى تنفيذها عمليات الاعتقال!..
محمود عباس يبعث برسائله إلى الداعم الأمريكي وإلى حلفائه في المنطقة أنه الرجل القوي إذا ما وسّدوا إليه حكم غزة بعد إزاحة حماس وأخواتها من فصائل المقاومة، وأن عريكته لا تلين في حماية الكيان الصهيوني وفي التضييق على المقاومة
ما الذي يريده السيد "أبو مازن" ومن أين له بتلك الجرأة في خيانة شعبه؟!

سؤال مُلح يحتاج إلى الإجابة عليه، بعد كل تلك الملاحم التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني الأبي خاصة في غزة، وقد وضح للشعب الفلسطيني أن خيارات "عباس" في الثقة بالصهاينة وفي المراهنة على خيار المفاوضات كانت كارثية، وأن التنسيق الأمني مع الاحتلال وكشف عورات المقاومة خيانة عظمى يستحق عليها المحاكمة، وعلى أقل تقدير أن يشعر ببعض الخجل من ماضيه الأسود وأن يتوارى عن المشهد الفلسطيني!

ويبدو أن الرجل ماض في غيه مدعوما بالرضا الأمريكي، والدعم السياسي والمالي من حكومات المنطقة العربية، ومن الجامعة العربية المنحازة لخيارات الحكام لا الشعوب، وهو معروف بغلظته واستعلائه على قادة المقاومة وبوده وانكساره مع داعميه، وكلنا يذكر حالة الود التي ظهر عليها حينما حضر جنازة المجرم "شيمون بيريز" وتجاهله حضوره جنازة زعيم المقاومة الشهيد "إسماعيل هنية" التي جرت بالدوحة، رغم كون هنية رئيسا شرعيا لوزراء فلسطين!..

محمود عباس يبعث برسائله إلى الداعم الأمريكي وإلى حلفائه في المنطقة أنه الرجل القوي إذا ما وسّدوا إليه حكم غزة بعد إزاحة حماس وأخواتها من فصائل المقاومة، وأن عريكته لا تلين في حماية الكيان الصهيوني وفي التضييق على المقاومة حتى ولو هدم المسجد الأقصى!

لا قدر الله..

مقالات مشابهة

  • الجزيرة نت ترصد أوضاع درعا والقنيطرة بعد توغل الاحتلال الإسرائيلي
  • متحدث جيش الاحتلال يواصل التحريض على مراسل الجزيرة شمال القطاع
  • “السنوار 2”.. من هو الأسير الذي يخشى الاحتلال إطلاق سراحه؟
  • السنوار 2.. من هو الأسير الذي يخشى الاحتلال إطلاق سراحه؟
  • بعثة الأمم المتحدة تزور مواقع الآليات التشغيلية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي بميناء الحديدة
  • زيارة أممية لمواقع الآليات التشغيلية التي استهدفها العدوان الإسرائيلي بميناء الحديدة
  • عماد أديب يجري حوارا بـتل أبيب مع سياسي إسرائيلي.. كيف ردت نقابة الصحفيين؟ (شاهد)
  • عماد أديب يجري حوارا بتل أبيب مع سياسي إسرائيلي.. كيف ردت نقابة الصحفيين؟ (شاهد)
  • ‏وسائل إعلام إسرائيلية: الجيش الإسرائيلي يبدأ التحقيق في أسباب عدم اعتراض الصاروخ الذي أطلق من اليمن
  • ما الذي يريده محمود عباس من مطاردته لرجال المقاومة بعد كل تلك الملاحم؟!