حرب الأفخاخ.. ما الذي ينتظر جيش الاحتلال الإسرائيلي إذا دخل غزة؟
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي (1) يوم السبت 14 أكتوبر/تشرين الأول أن قواته تستعد لشن هجمات برية داخل قطاع غزة بعد أسبوع من عملية طوفان الأقصى، لو حدث ذلك فسيكون الاجتياح البري الأول منذ تسع سنوات تقريبا بعد عملية الجرف الصامد 2014، بحسب تسمية جيش الاحتلال.
لكن تسع سنوات لا بد أنها كانت كافية بالنسبة للمقاومة الفلسطينية في غزة كي تتجهز لحرب حضرية جديدة فرضها جيش الاحتلال، حرب لا بد أنها ستكون أعقد كثيرا من سابقتها، لأن عملية طوفان الأقصى نفسها كانت أعقد كثيرا من سابقاتها، واتضح فيها التطور التخطيطي والتنفيذي الكبير في قدرات المقاومة.
المسيرة الانتحارية أعلى الرؤوس
أولى المشكلات التي ستواجهها دولة الاحتلال بالدخول إلى غزة، وهي العامل الجديد المضاف لهذه الحرب، ستكون لا شك المسيرات (2)، وفي مقاطع الفيديو التي نشرتها حماس على خلفية طوفان الأقصى، ظهر أن المقاومة قد استخدمت المسيرات بشكل مميز مكَّنها من ضرب البنية التحتية لمراكز القيادة والسيطرة والاتصالات، بل إن بعض اللقطات تُظهر مسيرات فلسطينية تقوم بإسقاط دبابة إسرائيلية من طراز "ميركافا-4".
في الواقع، هناك نموذج قريب للكيفية التي غيَّرت بها المسيرات من الحرب الحضرية (حرب المدن) وهو ما حصل في أوكرانيا (3)، فقد أعطت المسيرات الأوكرانيين فرصة أفضل للمراقبة الجوية والاستطلاع وتقديم معلومات في الوقت الفعلي أعلى المناطق الحضرية في أماكن مثل دونيتسك ولوغانسك، وبالتالي أدى ذلك إلى تحسين اتخاذ القرارات للقادة والقوات على الأرض.
إلى جانب ذلك حسَّنت المسيرات من تحديد وتتبع الأهداف على الأرض، وتوفير إحداثيات دقيقة للضربات المدفعية، هذا ولم نتحدث بعد عن الذخائر المتسكعة أو الدرون الانتحارية التي تمتلكها حماس بالفعل، ويمكنها أن تصنع وابلا من المتفجرات أعلى القوات الإسرائيلية. وترى بعض وجهات النظر التكتيكية في هذا السياق أن التهديد الأكبر لن يكون عادة مسيرات متقدمة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، بل من مسيرات تجارية رخيصة الثمن تقوم بإسقاط متفجرات مصنعة محليا خلال المعارك في المناطق الحضرية.
لكن الأهم مما سبق في سياق اقتحام الروس للمدن الأوكرانية كان أن وجود المسيرات حدَّ من حرية الروس في الحركة وأجبرهم في بعض الأحيان على اتخاذ مواقف دفاعية، كذلك خلق وجودها درجات واسعة من الخوف وعدم اليقين بين القوات، مما أثر على معنوياتهم وبالتبعية أضر بعمليات صنع القرار، ومن المتوقع أن يحدث ذلك في حالة اقتحام غزة.
سلاح الأنفاق
يمكن القول إن أنفاق غزة كانت دائما بمنزلة سلاح منفصل (4) يزود قوات المقاومة بدرجة من التوازن مع خصم متفوق تقنيا وعسكريا، هي شبكة أنفاق معقدة، بها عدد من فتحات الدخول والخروج، تشبه الطرق لكنها تحت الأرض، عادة ما يكون هناك نفق رئيسي مقسم في كثير من الأحيان إلى أنفاق فرعية، يقف كلٌّ منها في مكان متخفٍّ، في منزل مثلا أو حظيرة أو غيره، يعرفها جنود المقاومة جيدا ويستخدمونها لأغراض عدة، قد تكون هجومية أو دفاعية أو لأغراض التخفي.
فمثلا، تُستخدم الأنفاق لشن هجمات عبر الحدود في دولة الاحتلال وإجراء عمليات مباغتة وأسر الجنود، وتخزين الأسلحة وحمايتها، بما في ذلك الصواريخ وقاذفات الصواريخ، كذلك فإن الأنفاق تُخفي منصات إطلاق الصواريخ بحيث يبدو وكأن بعض صواريخ غزة تنطلق من تحت الأرض، وبالطبع توفر الأمن والتنقل لمقاتلي حماس، مما يجعل اكتشاف كل ما سبق من الجو أمرا صعبا جدا.
ولكن الأهم من ذلك كله هو مفاجأة العدو وضربه ضربة قاتلة لا تتيح له فرصة النجاة أو الهروب أو حتى المواجهة، وفي أثناء الحرب البرية على غزة فإن الأنفاق ستساعد قوى المقاومة على الظهور بشكل مفاجئ لقوات الاحتلال وكأنهم جاؤوا من العدم, نفذت حماس ست عمليات تسلل عبر الأنفاق خلال حرب 2014، وفي هذه الاشتباكات قُتل 11 جنديا إسرائيليا، وكانت العملية الأكثر نجاحا في 29 يوليو/تموز 2014، عندما فاجأ متسللون موقعا أمنيا إسرائيليا وقتلوا خمسة جنود.
لأن دخول المدن يشبه دخول الجحيم جنود المقاومة سيتمركزون جيدا متخفين في التضاريس الحضرية بانتظار جنود الاحتلال. (الصورة: شترستوك)
أضف إلى ذلك نقطة مهمة في هذا السياق، فبحسب جون سبنسر، وهو باحث متخصص في شؤون الحرب الحضرية، فقد أدرك المنظرون العسكريون دائما أن الدفاع (5) هو الموقف التكتيكي الأقوى في الحرب الحضرية، حيث يتطلب الأمر قوة أكبر بكثير لمهاجمة وهزيمة قوات موجودة داخل التضاريس الحضرية، لأن العديد من الهياكل الخرسانية توفر نقاط قوة دفاعية فورية ذات جودة عسكرية ممتازة.
كذلك تقلل التضاريس الحضرية من قدرات المهاجمين في مجالات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وقدرتهم على الاشتباك عن بُعد، في النهاية فإنه يمكن للمدافع رؤية المهاجم القادم والاشتباك معه، لأن المهاجم لديه غطاء محدود، ورغم كل التقنيات التي تتمتع بها الجيوش الأكثر تقدما في العالم، يمكن أن يُشكِّل عبور الشارع أحد أكبر المخاطر على حياة الجنود في الهجوم على مدينة، وهذا متوقع الحدوث في غزة.
في عام 2014، أعلنت كتائب القسام أنها قامت بتصنيع (6) بندقية قنص أكدت أنها تتمتع بمدى قاتل يصل إلى كيلومترين، أطلقت عليها اسم "غول". وفي فيديو نشرته الكتائب ظهرت عمليات قنص لجنود من الجيش الإسرائيلي بهذه البندقية "غول".
وخلال عملية طوفان الأقصى قال متحدث باسم جيش الاحتلال الفرنسي لوكالة الصحافة الفرنسية إن قناصة حماس أطلقوا النار على نقاط المراقبة المنتشرة على طول السياج الأمني الذي اختُرق، يوما بعد يوم يطور جنود المقاومة من قدراتهم في هذا النطاق، ومن المتوقع أن يساهم بقوة في الدفاع عن غزة حال دخول جيش الاحتلال، مع ميزة أساسية وهي أن جنود المقاومة سيتمركزون جيدا متخفين في التضاريس الحضرية بانتظار جنود الاحتلال.
أفخاخ حماس التي لا تنتهي ارتدى أفراد حماس في بعض الحالات زي جيش الاحتلال الإسرائيلي لزيادة الارتباك بين جنود الاحتلال. (الصورة: شترستوك)
خلال عملية 2014، نظمت حماس ساحة المعركة الدفاعية بدقة، فقامت بنشر العبوات الناسفة (الجهاز المتفجر المرتجل IED) وتحويل بعض المناطق المدنية إلى مناطق دفاعية (7)، في حرب العراق (2003-2011)، استُخدمت العبوات الناسفة من هذا النوع على نطاق واسع ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة، وبحلول نهاية عام 2007، كانت العبوات الناسفة مسؤولة عن نحو 63% من وفيات قوات التحالف في العراق، كما أنها استُخدمت في أفغانستان وتسببت في أكثر من 66% من قتلى قوات التحالف في حرب أفغانستان. في حرب 2014، استخدمت حماس العبوات الناسفة والألغام ضد دروع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وجرّتهم إلى "كمائن" معدة مسبقا.
وإلى جانب ذلك، نشرت حماس بذكاء آلاف المقاتلين في صورة فرق هجومية صغيرة نسبيا مدججة بالسلاح؛ من القذائف الصاروخية (آر بي جي) إلى الرشاشات الخفيفة إلى البنادق الهجومية والقنابل اليدوية، وقد ارتدى أفراد حماس في بعض الحالات زي جيش الاحتلال الإسرائيلي لزيادة الارتباك بين جنود الاحتلال.
واستخدمت حماس (8) قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى لدعم هذه الاشتباكات، وبحسب مصادر إسرائيلية فقد كان مقاتلو حماس أكثر فعالية وشراسة مما كانوا عليه في الصراعات السابقة، حيث فاجأوا القوات الإسرائيلية وقاموا بتنسيق إطلاق النار، وأوقعوا إصابات حتى في أفضل تشكيلات المشاة والمدرعات الإسرائيلية.
في هذا السياق، كان لدى حماس وحدات متخصصة مضادة للدبابات مجهزة بمجموعة متنوعة من الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، مثل "كورنيت"، الذي استُخدم كذلك في عملية طوفان الأقصى، وهو صاروخ موجه مضاد للدبابات من الجيل الثالث، ومُصمَّم بشكل رئيسي للاستهداف ضد دبابات القتال الرئيسية. قُدِّم لأول مرة للخدمة مع الجيش الروسي في عام 1998، وتُعَدُّ النسخة الأحدث من صواريخ كورنيت من بين أدق وأهم الصواريخ المضادة للدبابات. يُطلق كورنيت كذلك رؤوسا حربية شديدة الانفجار لضرب المخابئ والتحصينات ومواقع إطلاق النار.
ويستمد كورنيت سُمعته المخيفة في ساحات المعارك من مداه الأقصى الذي يتجاوز بكثير معظم الصواريخ الحالية المضادة للدبابات، على سبيل المثال يمكن لصاروخ "جافلين" إطلاق رأس حربي على مسافة 2.5 كيلومتر فقط، في حين أن المدى الأقصى لصاروخ كورنيت يصل إلى 5.5 كيلومترات.
إلى جانب ذلك استخدمت حماس "ماليوتكا"، وهو صاروخ سوفيتي موجه من الجيل الأول مضاد للدروع دخل الخدمة سنة 1961، و"كونكورس" وهو صاروخ سوفيتي موجه من الجيل الثاني مضاد للدروع، صُمِّم للتعامل مع الأهداف المتحركة والثابتة، و"فاجوت" وهو نظام صاروخي سوفيتي مضاد للدبابات موجه من الجيل الثاني يُطلَق بأنبوب من الأرض أو من على المركبات.
صواريخ تتطور يوما بعد يوم أحصت إسرائيل أكثر من 2500 صاروخ أُطلِقت من قِبل حماس صباح يوم السبت 7 أكتوبر وحده (صباح يوم عملية طوفان الأقصى). (الصورة: الفرنسية)
تشير التقديرات إلى أن حماس أطلقت خلال حرب 2021 نحو 4300 صاروخ على أهداف إسرائيلية على مدار 11 يوما متتالية، في قفزة كانت مفاجئة بالنسبة للإسرائيليين، ليس في عدد الصواريخ فقط، لكن الأهم في دقة الهجمات، فما يقدر بنحو 50% من الصواريخ التي أُطلِقت سقطت في مناطق مأهولة بالسكان مقارنة بـ22% في عام 2012، و18% في عام 2014.
ولهضم قدر التطور الذي أحرزته حماس والمقاومة عموما مؤخرا، فقط تأمل البيانات التالية: أحصت إسرائيل أكثر من 2500 صاروخ أُطلِقت من قِبل حماس صباح يوم السبت 7 أكتوبر وحده (صباح يوم عملية طوفان الأقصى)، وهذا يعادل تقريبا أربعة أضعاف الرقم القياسي السابق في يوم واحد وهو 670 صاروخا، في حرب 2021! بل وسجلت دولة الاحتلال وابلا بمعدل 137 صاروخا على تل أبيب في أقل من خمس دقائق.
بشكل خاص تساعد الصواريخ قصيرة المدى حماس على استهداف القوات الإسرائيلية، لكن الأهم من ذلك يتبين لنا مما حصل في حرب 2014، فحتى مع اقتراب وقف إطلاق النار النهائي، تمكنت حماس من إطلاق كميات كبيرة من الصواريخ لإبقاء إسرائيل تحت التهديد وتعطيل الحياة اليومية من أجل الضغط على جيش الاحتلال للانسحاب من غزة.
في النهاية، أثبتت حماس في كل مرة أنها مرنة، تتعلم من الدروس السابقة، وتدمج المعرفة الجديدة في عقيدتها القتالية، فتنطلق بذلك نحو تطوير قواتها، نعم هو تطور بطيء محكوم بتضييق شديد من قِبَل دولة الاحتلال، لكنها تتقدم للأمام في كل مرة. إذا كانت محاولة التوغل البري في غزة في 2014 تحديا كبيرا لدولة الاحتلال، فإن ما قد يحدث في 2023 سيكون لا شك شيئا مختلفا تماما عما سبق!
—————————————————————————————————————–
مصادر:1- Israel prepares ground assault on Gaza as Palestinians flee
2- How Hamas likely used rudimentary drones to ‘blind and deafen’ Israel’s border and pave the way for its onslaught
3- Drone Warfare in Ukraine: Understanding the Landscape
4- سلاح الأنفاق – قصة غزة التي تحت الارض
5- THE EIGHT RULES OF URBAN WARFARE AND WHY WE MUST WORK TO CHANGE THEM
6- القسام تكشف عن البندقية القناصة "غول" وتؤكد تفوقها على "دراغونوف" و"شتاير"
7- Improvised explosive device
8- The Combat Performance of Hamas in the Gaza War of 2014
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جیش الاحتلال الإسرائیلی عملیة طوفان الأقصى العبوات الناسفة دولة الاحتلال جنود المقاومة جنود الاحتلال صباح یوم من الجیل فی عام فی هذا فی حرب
إقرأ أيضاً:
تل أبيب تحت نيران الحوثيين.. 4 ملايين إسرائيلي ركضوا للملاجئ هربًا من الصواريخ
قالت دانا أبو شمسية، مراسلة القاهرة الإخبارية من القدس المحتلة، إن الصاروخ الباليستي اليمني سقط في تل أبيب حسب بيانات المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال أعلن أن منظومة الدفاعات الجوية الإسرائيلية فشلت في اعتراض الصاروخ الباليستي اليمني.
وأضافت «أبو شمسية»، خلال رسالة على الهواء عبر شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن التحقيقات جارية حول فشل إسرائيل في التصدي لهذا السقوط، لافتًا إلى أن إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي أعلنت أنه تم استخدام منظومتي دفاع للدفاعات الجوية ولكن لم تنجح في التصدي للصاروخ.
صافرات الإنذار دوت في عشرات المواقع في تل ابيبوتابعت: «صافرات الإنذار قد دوت في عشرات المواقع في تل ابيب وكان هناك أصوات انفجارات قد سمعت سواء في القدس المحتلة أو في مستوطنات الضفة الغربية»، لافتة إلى أن الإسعاف الإسرائيلي تحدث في أخر بيان عن 33 إصابة ومعظم هذه الإصابات طفيفة وهناك أكثر من 4 ملايين إسرائيلي ذهبوا إلى الملاجئ مع سماع صوت صفارات الإنذار.