مثّل اقتحام المقاومة الفلسطينية للمستوطنات الإسرائيلية بنطاق «غلاف غزة» زلزالا داخل الكيان الصهيوني، حيث تمكن400 مقاتل من الفصائل الفلسطينية (معلومات أخرى تفيد بأن العدد قارب الـ2000 مقاتل) من اجتياح الحدود بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة، الدخول إلى المستوطنات ونقاط عسكرية وأسر مئات الصهاينة، وقتل أكثر من 1000 شخص، وسط ذهول قادة العدو وانهيار القادة العسكريين.

وعلق محللون على أن «ما قامت به المقاومة الفلسطينية كشف عن الإخفاق الأمني الذي لم يشهد له الكيان الصهيوني مثيلا، منذ حرب أكتوبر عام 1973، وانكشاف ما يسمى بخرافة الأمن الإسرائيلي والقبة الحديدية التي لم تصمد أمام آلاف من صواريخ المقاومة التي أمطرت العدو وبثت الرعب في الداخل الإسرائيلي حيث طال البعض منها تل أبيب».

وقبل الدخول في تفاصيل ما حدث، وكيف انهارت في بضع ساعات نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، نود الإشارة إلى أهم عناصر ومكونات ومرتكزات تلك النظرية التي صاغها قادة الكيان الصهيوني منذ النشأة، ولم تتغير بعض عناصرها إلا في مواجهة الجيش المصري في حرب السادس من أكتوبر وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف.

وتتمحور نظرية الأمن القومي للكيان الصهيوني منذ نشأتها، وهي بالمناسبة غير مكتوبة، في حماية الدولة، والعمل على إقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وفرض الصلح على العرب، كل ذلك من خلال تحقيق أقصى فعالية لقدرات الدولة وفي مقدمتها القدرة العسكرية كوسيلة لبلوغ هذا الهدف، وصيغت نظرية الأمن القومي للعدو الإسرائيلي وفق عدد من الاعتبارات منها ضيق رقعة الأرض وصغر مساحة الدولة، وقلة عدد السكان مع عدم تجانسهم، وابتعادها عن حلفائها الذين يشكلون ضمانة لوجودها، وإحاطتها بدول لا تعترف بوجودها منذ نشأتها، هشاشة اقتصادها وفقر مواردها الطبيعية واعتمادها على المساعدات الخارجية.

ومن هذا المنطلق صيغت النظرية على عدد من الأسس عمادها حماية وجودها كيان لقيط وسط محيط معادٍ، يقوم على أساس التفوق العسكري النوعي وامتلاك سلاح الردع الاستراتيجي وإقامة مجتمع عسكري لا وجود فيه للمدنيين بل اعتماد عسكرة المجتمع بكافة مكوناته كبديل لتعويض النقص العددي في الدولة، والاعتماد في البقاء على شن الحروب الخاطفة على الدول المحيطة والتي تشكل تهديدا محتملا، وعدم الدخول في صراعات طويلة الأمد تستنزف الاقتصاد والقوى البشرية، وكذلك التحالف مع قوى كبرى تلتزم بحمايتها وتعيش تحت مظلتها كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

ولعل نتائج الصراع العربي الإسرائيلي بجولاته المتعددة منذ نشأة هذا الكيان اللقيط تؤكد هذا التصور لنظرية الأمن القومي الإسرائيلي، إلا أن التطور التكنولوجي الحادث في السنوات الأخيرة، وهو ما انعكس على أساليب الحرب الحديثة، مثّل تحديا كبيرا على الأسس التي بنيت عليها تلك النظرية، كما أن التفوق النوعي لدى بعض الأطراف الإقليمية لا سيما التفوق الواضح للجيش المصري، مثّل تحديا أكثر خطورة، ولعل ما حدث من جولات صراع سواء مع حزب الله اللبناني أو مع فصائل المقاومة الفلسطينية على مدار العقدين الأخيرين يكشف نقاط الضعف في هذا الكيان الهش في مواجهة التهديدات الوجودية التي تمثلها المقاومة، وهو ما بدا جليا في جولة الصراع الأخيرة التي أربكت الكيان الصهيوني وأظهرت مدى ضعفه أمام عدد من المقاتلين استطاعوا التسلل إلى داخل المستوطنات والنقاط العسكرية المحيطة بغزة والمحصنة بكافة أنواع الحماية العسكرية والتكنولوجية.

إن قراءة متأنية لما حدث يوم السابع من أكتوبر الماضي توضح ما ذهبنا إليه من مدى الضعف الأمني الذي يعاني منه هذا الكيان، ما استدعى تحريك الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط وإرسال حاملتي طائرات والتلويح بإرسال قوات برية لإنقاذ الكيان الصهيوني، كما قامت بريطانيا بتحريك عدد من قواتها البحرية إلى جنوب البحر المتوسط وكأن الكيان الصهيوني يواجه قوى عظمى وليس عددا من المقاتلين المسلحين بأسلحة بدائية، فماذا حدث حتى يصل الكيان المحتل إلى كل هذا الذعر والخوف والانهيار؟

الواقع أن يوم السابع من أكتوبر مثّل صدمة داخل الكيان الصهيوني وطرح العديد من التساؤلات أهمها لماذا استغرقت إسرائيل وقتاً طويلاً للتعامل مع هجوم "طوفان الأقصى"؟ وأين كانت قوات الدفاع الإسرائيلية أثناء تلك الساعات الطويلة، التي كان يتجول خلالها مقاتلو المقاومة بحرية حول المستوطنات ونقاط ارتكاز الجيش القريبة من غزة؟

ويمكن إرجاع ما حدث في جانب كبير منه إلى عنصر المفاجأة الذي كان عاملاً جوهرياً في الهجوم الذي شنته المقاومة، حيث أخفقت المخابرات الإسرائيلية في معرفة تفاصيل مخططات المقاومة لتنفيذ الهجوم إخفاقا ذريعا.

وبدأ الأمر بإطلاق المقاومة آلاف الصواريخ كغطاء جوي، تزامن معه شن هجمات بطائرات بدون طيار على أجهزة المراقبة التي تنشرها إسرائيل على السياج الحدودي لمراقبة ما يحدث على جانبي الحدود، تلي تلك الضربات فتح ما يزيد على ثمانين ثغرة في الجدار العازل بالعبوات المتفجرة والجرافات والمركبات الثقيلة.

وقامت العشرات من الطائرات من دون طيار بالمساهمة الفاعلة في الهجوم إلى جانب تسلل ما يزيد على ألف مقاتل من رجال المقاومة إلى الداخل لمهاجمة مواقع متعددة محددة سلفا، حيث توجه المقاومون إلى وجهتهم وهم يعلمون تماما تفاصيل الأماكن التي يستهدفونها، وهو ما أفقد العدو توازنه واستسلموا لرجال المقاومة في مشاهد تدعو إلى الرثاء.

ويرى المراقبون أن هذا الحجم من العمليات قد أدى إلى فوضى داخل مراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية، التي كانت، بالفعل، هادئة صباح يوم السبت الذي وافق عطلة دينية. واستهدف بعض مقاتلي حماس قطعان المستوطنين، بينما استهدف آخرون نقاطا عسكرية. وكانت هناك حالة من الصدمة، عندما نشرت صور للدبابات الإسرائيلية التي وقعت في أيدي رجال المقاومة، حيث إن نقاط الحماية العسكرية ضعيفة للغاية، وظلت الثغرات الموجودة على الحدود مفتوحة لفترة كافية للقيام بنقل الرهائن إلى غزة قبل أن تُستخدم الدبابات في نهاية المطاف لإغلاقها.

ولعل من أهم نتائج المواجهة الحالية هو انتهاء أسطورة القبة الحديدية التي لطالما افتخرت بها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على مدار السنوات الماضية إلى الدرجة التي فكرت فيها العديد من الدول للاستعانة بها في حماية أمنها رغم كلفتها المادية الباهظة، ويواجه نظام القبة الحديدية انتقادات واسعة وتساؤلات حول مدى جدواه أمام صواريخ المقاومة التي تسببت في العديد من القتلى والإصابات في الصراع الأخير.

كانت صحيفة التليغراف البريطانية قد نشرت في هذا السياق تقريرا في شهر مايو2021 بعنوان: "كيف اخترقت حماس درع القبة الحديدية الشهير لإسرائيل" أشارت فيه إلى تساؤلات واجهها الجيش الإسرائيلي حول ما إذا كانت القبة الحديدية بحاجة إلى تحديث، بعد مقتل خمسة مدنيين إسرائيليين في هجمات صاروخية.

لكنّ محللين إسرائيليين قالوا إن "مصادر استخباراتية كانت بدأت بالتحذير منذ بعض الوقت" من أن حركة حماس حسنت بشكل كبير أسلحتها لدرجة أنها قد "تخترق درع القبة الحديدية، وأشارت الصحيفة إلى أن العدد الهائل من الصواريخ التي في أيدي المقاتلين الفلسطينيين، والتي تم إنتاجها ببضع مئات من الدولارات لكل منها، يمكن أن تشكل تهديداً على القبة الحديدية، حيث تبلغ تكلفة كل صاروخ اعتراض نحو 50 ألف دولار، وفقاً للجيش الإسرائيلي".

الإخفاق الأمني التالي وهو ما عُرف بالجدار العازل والمكون من حائط أسمنتي يضم أحدث ما أنتجته التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية من أنظمة الرصد والتتبع والذي تم اختراقه من قبل عناصر المقاومة بمنتهى البساطة، هذا الجدار الذي يضم أيضا ما عُرف بمصطلح غلاف غزة بوصفه أحد الحصون الاستراتيجية التي شيدتها إسرائيل على مدى السنوات الماضية، والذي تحول في الأيام الأخيرة إلى كارثة بالنسبة إلى إسرائيل بعد اقتحامه ومباغتته في هجوم المقاومة، ما أصاب نظرية الأمن الإسرائيلي في مقتل.

وطوال سنوات مضت هدفت إسرائيل إلى تحويل المنطقة الجغرافية الممتدة على طول الحدود البرية مع قطاع غزة، لتكون منطقة عازلة لمنع الهجمات الفلسطينية، بما تضم من حواجز برية وقواعد ونقاط عسكرية وأراض زراعية شاسعة، وعمدت إسرائيل إلى توسيع هذه المنطقة العازلة في عام 2014 بعد الحرب على غزة، لكن هذه السياسة أدت إلى زيادة التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، وفاقمت الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وحرمت أبناءه من الوصول إلى الأراضي الزراعية والمياه.

وظلت مستوطنات هذا الغلاف تشكل نقطة انطلاق إلى العمق الإسرائيلي كمدينة تل أبيب، ومن هنا برزت أهميتها بالنسبة إلى الطرفين.

ولأهمية هذا الغلاف لإسرائيل خصصت تل أبيب سنوياً ميزانيات ضخمة له، وشرعت ببناء جدار أسمنتي مكون من عدة طبقات في أسفل الأرض حول الغلاف، خشية تسلل الفصائل الفلسطينية إلى المستوطنات من خلال الأنفاق تحت الأرض.

ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية فإن غالبية من يقطنون مستوطنات غلاف غزة هم يهود الفلاشا ويهود السفارديم واليهود الشرقيون. واستطاعت المقاومة الفلسطينية من ضرب هذا الغلاف العازل بكتله الأسمنتية وقطعان مستوطنيه، وتدمير مفهوم التصور الأمني لهذه المنطقة العازلة وتحويلها إلى نقاط ضعف قاتلة في نظريه الأمن القومي الإسرائيلي.

ويبقي القول، إنه لم يكن أمام فصائل المقاومة الفلسطينية على مختلف مكوناتها أمام عربدة المستوطنين وعنصرية قادته وانسداد الأفق أمام أية حلول يمكن أن تعيد الحقوق المسلوبة، لا سيما بعد هرولة أطراف عربية كانت إلى وقت قريب داعمة للقضية الفلسطينية منذ بداية الصراع إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني ومنحه هدايا مجانية، لم يكن أمام المقاومة سوى القفز إلى المجهول، وإتباع خيارات صفرية قد تدفع ثمنها غاليا، أو قد تفضي مع قدر من الصمود والنفس الطويل إلى إجبار العدو وداعميه على التفكير في العودة إلى المسار السياسي والجلوس إلى طاولة المفاوضات.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائيلي العدوان على غزة المقاومة طوفان الأقصى غزة قطاع غزة المقاومة الفلسطینیة الکیان الصهیونی القبة الحدیدیة ل المقاومة وهو ما ما حدث عدد من

إقرأ أيضاً:

مؤسسة البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها

الثورة نت/..
حذرت مؤسسة موانئ البحر الأحمر اليمنية، من خطورة تصعيد العدوان الاسرائيلي للجرائم غير المبررة التي يواصل ارتكابها بحق موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، ومعاودة تدمير بناها التحتية والمعدات التشغيلية، واستهداف العاملين فيها.

وحمل بيان صادر عن المؤسسة، المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة تجاه ما تتعرض له الموانئ التابعة لها من أضرار كبيرة جراء الجرائم الارهابية المتواصلة التي يشنها العدو الاسرائيلي وتحويل هذه المنشآت التي تقدم خدماتها لملايين الشعب اليمني إلى أهداف عسكرية على مرأى ومسمع دول العالم.

واعتبر البيان، تعمد كيان العدو الصهيوني في ارتكاب المزيد من الجرائم بحق هذه الموانئ الحيوية، واخرها استهداف مينائي رأس عيسى والحديدة، وما نجم عنها من أضرار بالغة وسقوط ضحايا، بعد أقل من أسبوع من استهداف موانئ الحديدة، جرائم حرب ضد الإنسانية هدفها تعطيل النشاط التجاري والملاحي ومضاعفة معاناة اليمنيين.

كما حذر البيان من تبعات استمرار الدعم والتواطؤ الأمريكي وتماهيه مع الإرهاب الصهيوني، الذي يشجع هذا الكيان المتغطرس على الإمعان في هذه الجرائم التي تطال الموانئ المدنية وتدمير مقدرات ومصالح الشعب اليمني، والإصرار على تحدي القانون الدولي الانساني والمواثيق الدولية التي تجرم الانتهاكات والاستهداف للمنشآت الخدمية والموانئ.

واعتبرت مؤسسة الموانئ، ما تتعرض له موانئ البحر الأحمر من تداعيات وانعكاسات وأضرار بالغة جراء هذه الهجمات، في ظل تواجد فريق بعثة الأمم المتحدة واستمرار أعماله الرقابية على موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، دليلا واضحا على الشراكة والدور الأمريكي الذي يتحكم بالقرار الدولي لممارسة الإرهاب العالمي وتدمير مصالح ومقدرات الشعوب.

وجددت، استنكارها الشديد، لتنصل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية التي تدعي حماية حقوق الانسان وكل المنظمات المعنية، عن المسؤولية وعدم اتخاذ أي موقف لإدانة مثل هذه الجرائم الصهيونية الممنهجة بحق موانئ الشعب اليمني لإعاقة عملها بهدف تجويع اليمنيين.

ونبه البيان إلى عواقب استهداف منظومة البنى التحتية والمعدات والمرافق الحيوية لموانئ البحر الأحمر في الحديدة، وما يترتب عليها من تبعات إنسانية، وحرمان الشعب اليمني من الحصول على الغذاء والدواء والوقود، فضلا عن الاستهتار بأرواح العاملين والموظفين، في الموانئ.

وجدد مؤسسة موانئ البحر الأحمر، مطالبة الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها بالخروج عن صمتها والاضطلاع بمسؤولياتها، تجاه هذا الصلف الصهيوني الذي يواصل الإضرار بمصالح الشعب اليمني ومعاودة استهداف الموانئ، والقيام بدورها وفق ما ينص عليه القانون الدولي الإنساني والمواثيق الدولية، التي تجرّم استهداف الموانئ والأعيان المدنية وتشدد على حمايتها والحفاظ عليها.

مقالات مشابهة

  • الأسر الفلسطينية .. صمود في وجه صقيع الشتاء والعدوان الصهيوني المستمر
  • ائتلاف القانون يحذر من مخطط الكيان الصهيوني لتقسيم العراق عبر إشعال حرب أهلية
  • الكيان الصهيوني يعتقل فلسطينيا من طولكرم
  • مؤسسة البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • موانئ البحر الأحمر تحمل المجتمع الدولي مسؤولية استهداف الكيان الصهيوني لموانئها
  • لجان المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الصهيوني على اليمن
  • المقاومة الفلسطينية تدين العدوان الصهيوني على اليمن
  • المقاومة تقصف مقر القيادة الإسرائيلي في نتساريم وتوجه رسالة للسلطة الفلسطينية
  • المقاومة مستمرّة: الكيان الصهيوني تحت مجهر القانون
  • “العدل الدولية” تبدأ إجراءات الفتوى بشأن إلتزامات الكيان الصهيوني بتواجد الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية