د.رجب العويسي يكتب: تعليم المرأة؛ انتصار للوعي الجمعي
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات التعليمية والاجتماعية في مجلس الدولة
في مجتمع سلطنة عمان الفتي تشكل نسبة النساء العمانيات نصف عدد العمانيين؛ الأمر الذي يصنع من حضور المرأة في المكون التنموي الاقتصادي والاجتماعي رقما صعبا، وهاجسا مؤسسيا يجب أن يرافقه توفير مقومات تنموية تمكّن المرأة وتستوعبها وتعزز من حضورها في خططها وبرامجها واستراتيجياتها ، لترسم صورة مكبرة للواقع الاجتماعي والتنموي والاقتصادي، وما يستدعيه من استحقاقات قادمة تصنع للمرأة العمانية الريادة والكفاءة والقيادة والإدارة وفرص المشاركة .
لذلك كانت رؤية السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه- نحو تعليم المرأة وفتح أبواب العلم والمعرفة لها، مستشرفة هذا التحول واضعة مستقبل عمان في الصورة منذ الثالث والعشرين من يوليو من عام 1970، ، راسمة معالم التغيير، مدركة لحجم المكوّن النسائي في مسيرة التنمية العمانية- كيف لا وهن شقائق الرجال ، وهي ولعمري المجتمع كله وقد جاء في عاطر النطق السامي ” فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟” ، واستشعارا بأهمية تعليم المرأة وتأثيره الإيجابي على مفاهيم الامن الاجتماعي والحماية الاجتماعية والاستقرار الزواجي والتربية الوالدية والتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي والتمكين الاقتصادي والتمكن من إدارة المتغيرات والتعامل مع المعطيات والمستجدات، وصناعة المواطن الانموذج الي يقرأ في دور المرأة مرحلة التوازنات في بناء المجتمع الواعي وتعزيز استدامة التنمية، وتحقيق التحول الشامل في حياة الأجيال ومستقبلهم وطريقتهم في العيش والذي تشكل المرأة أحد أهم أعمدته ، فإن تأصيل العلم النافع والمعرفة السليمة والمهارة النوعية وتعظيم قيم الإنتاجية؛ الطريق لنهضة المجتمعات وقوتها وقدرتها على التغلب على التحديات والمشكلات التي تواجهها.
لقد كانت تلك الدعوة للمرأة العمانية لتشق طريقها إلى مرافئ العلم وأشرعة التنوير والبناء بالانخراط في المدارس وكسب العلم والمعرفة إيذانا بزوال الجهل – العدو الأكبر للنجاح والمؤخر لتنمية الشعوب وتطوير البلدان، مرحلة جديدة أطلت على عمان ، عمادها العلم، وقوامها القيم والمبادئ والثوابت، وغايتها إعادة أمجاد عمان، وسبيلها المحافظة على الإنسان العماني الواعي والمنتج، لضمان تأهيله وتدريبه ليساهم بدوره في مسيرة البناء والتطوير، الامر الذي انعكس ايجابا على استقرار الوطن وحياة المواطن وعيشه، واستطاعت المرأة العمانية أن تكون قدر الثقة التي منحها لها السلطان وأن تثبت جدارتها وتحدد بوصلة اتجاهها، وتؤسس لها حضورا نوعيا في المسيرة التعليمية، فكان التعليم طريقها للمشاركة السياسية والمجتمعية، ووصولها إلى المناصب الإدارية والقيادية، وقدرتها على تعليم أبنائها ورعاية مصالح أسرتها ومجتمعها، ووعيها بالكثير من القضايا والظواهر والظروف والعوامل والمتغيرات التي باتت تؤثر على حياة الناشئة، والتي ارتبطت بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية في مجتمع سلطنة عمان.
ووجدت المرأة العمانية فيما حظيت به من فرص التعليم والتدريب، والعلم والعمل أنها أمام مسؤولية كبيرة في المحافظة على المكتسبات الوطنية والاستحقاقات التي أرادها الوطن لها، وهي استحقاقات اصيلة نابعة من ثوابت الدولة العمانية، وقيم المجتمع وفلسفته ، والمرتكز الديني والقيمي والأخلاقي الذي يعمل فيه، ، كما عكس حجم ما تحظى به المرأة من تقدير القيادة الحكيمة ورعايتها لها، ليشكل الاحتفال بيوم المرأة العمانية ” السابع عشر من أكتوبر” محطة فارقة في مسيرة التنمية العمانية ، وتمكين المرأة اقتصاديا واجتماعي وثقافيا وفكريا للوصول إلى الغايات الكبرى والمهام السامية، وليكون هذا اليوم محطة مراجعة وتقييم لجهود المرأة العمانية وإسهاماتها في مختلف المجالات، وحفزا لها على العطاء والإنتاجية، فنالت بذلك استحقاقات التكريم وتوجت بوسام الوطن، وبذلت المرأة العمانية في سبيل ذلك جهدا ملموسا وعملا متقنا، عزز من ثقة الرجل فيها – شريك المرأة – ومنح المجتمع فرص اكبر لتكاتف أبنائه وبناته من أجل خدمته ورعاية مصالحه، فأبهر صنيعها الرجل، وارتبط إنجازها بحس المسؤولية وروح التغيير، فحافظت على كينونيتها ومبادئها واخلاقها وقيمها من أن تنصهر مع تيارات العالم وتتأثر بنوباته ونكباته أو تضيع في حملات التشويه المغرضة التي باتت تتجه إلى المرأة صانعة الاجيال، وكأن لسان حالها يقول: أنني أنا المرأة في عمان ، روح التغيير النابض، وأمل الوطن الباسم، ومسيرة البناء النافذ، وحس المواطن الصادق، فأنا لأبنائي احتواء، ولوطني قوة، ولمجتمعي قدوة، ولأسرتي عطاء، لا تغيّرني الأحداث، ولن تعطل قدرات الأزمات، ولن تفت من عضدي الهفوات، ولن ترغمني المواقف والأحداث على الانسلاخ من مبادئي أو التقوقع على ذاتي، مبحرة في عباب الحياة وأشرعتها وأمواجها ، متخذة من ديني حصني وملاذي وموطني ومنهجي وطريقي، ولن تؤخرني المطبات عن قبول التحدي واثبات الذات وترك بصمة نجاح يشهد بها العالم، عون لشريكي الرجل في الحياة، وقدوة لأبنائي وبناتي في استقامة الفكر وصلاح السلوك ورقي السيرة، وتوظيف الفرص ، محققة مبدأ التوازن بين استقلالية فكري وقراري، وبين المحافظة على دوري ومهامي ومسؤولياتي نحو ابنائي وأسرتي وزوجي ومجتمعي، واضعه مبادئ وأخلاقي وقيمي طريقي للنجاح ارسم بها مساري للمستقبل واشمر فيها عن ساعد الجد في ميادين العمل وعرصات المنافسة من غير افراط أو تفريط.
على أن حجم التحديات الفكرية والنفسية والأخلاقية والسلوكية والنزوع إلى الشذوذ الجنسي والترويج الاستهلاك للأفكار والمفاهيم المرتبطة به، بمسميات مختلفة، باتت تلقي بضلالها على حياة المجتمع وأمنه واستقراره ، الأمر الذي يضع المرأة باعتباره المستهدف الأكبر من هذه الحملات والأفكار؛ أمام تحديات كبيرة ومسؤوليات عظيمة تتفاعل مع طبيعتها الفطرية ودورها ومسؤولياتها ومبادئها واخلاقها ، لتؤكد بأن هذه التراكمات لن تؤثر عليها، وأن ما اكتسبته من مواقف التعليم وبرامجه واستراتيجياته وجودة محتواه ومن قدمه من معارف وقدرات وقيم ومبادئ واخلاقيات محطة وقائية مهمة تصنع الفارق وتعيد من خلالها قراءة المشهد الاجتماعي بما يحافظ على الهوية الوطنية العمانية ويسمو بها ويضمن لها قوة التأثير ومساحة الاحتواء ، بما يصنع من دور المرأة خيوط ممتدة لتعظيم روح الايمان ومبادئ الدين واخلاقياته وقيمه لتكون متناغمة مع قدرات الناشئة ، وترسيخ الوازع الديني والحصانة الروحية والثقافة الواعية في إطار تحبيب القيم إلى الناشئة وتبسيطها لهم وتجسيدها في سلوك المعلم وبيئة التعلم عبر تكوين النماذج والقدوات وصناعتها في المدارس والجامعات، وهو الامر الذي نثق بان المرأة العمانية اليوم تسعى لتحقيقه في إطار المحافظة على المكتسبات الوطنية ، وتقديم القيم والاخلاق والهوية كممارسات تمشي على الأرض.
ويبقى على المرأة العمانية في ظل ما تحظى به من رعاية واهتمام، من لدن القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم حفظه الله ورعاه، أن تصنع من هذه الفرص التنافسية وممكنات القوة ، محطة تحول في مسيرة النهضة المتجددة، واثبات بصمة حضور لها، ليس في المواقع الوظيفية والمهنية وميادين العمل في مؤسسات الجهاز الإداري للدولة والقطاع الخاص ، كوزيرة وعضو مجلس الدولة وعضو مجلس الشورى ووكيلة وسفيرة ورئيسية تنفيذية ومديرة عامة وموظفه ورائدة أعمال وغير ذلك ، فهذه من المسلمات التي عملت النهضة العمانية على مدى ثلاثة وخمسين عاما على تثبيت قواعدها ؛ بل إن الدور المحوري في ذلك يرتبط بمفهوم أعمق للإنتاجية والوعي الحقوقي والتشريعي وترسيخ قيم المواطنة ، وكيف تصنع المرأة العمانية من هذا الموقع الذي وضعته فيها النهضة ، وعندها يصبح قياس هذا الجهد المتحقق للمرأة في الدور الوقائي الشامل بكل تجلياته وتفاصيله الدقيقة، في مواجهة الظواهر والممارسات السلبية التي باتت تشوه صورة المرأة ، في إطار تعزيز الوعي الاسري والاجتماعي، والمحافظة على كيان الاسرة والحياة الزوجية وتعظيم إنتاجية الاسرة وتعميق الحوار الاسري، وتعظيم الوعي الحقوقي وآلية الحصول إلى هذه الحقوق وممارستها، شواهد اثبات على قدرتها على صناعة التغيير وإعادة انتاج ثقافة الواقع وتصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الناشئة ، وتجسيد القيم وصناعة النماذج والقدوات، وبناء القدرات بالمحافظة على درجة الثبات في المكون الاخلاقي والسلوكي؛… لماجدات عمان في يوم المرأة السنوي كل التقدير والإجلال.
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: المرأة العمانیة المحافظة على فی مسیرة
إقرأ أيضاً:
قراءة في انتصار الثورة وسقوط النظام في سوريا
عاشت سوريا أزمنة عِجافًا، على مرحلتين:
الأولى: منذ العام 1971، حين استلم حافظ الأسد رئاسة سوريا، فمكّن للطائفية "العلوية" على حساب مكونات الشعب السوري العريق، وعمقه الحضاري العظيم، فعاش السوريون تحت ظلم الاستبداد، أمنيًا وثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وتوارث آل الأسد، وتوابعهم من النصيريين والبعثيين، الحكم والمناصب والنفوذ، وبقي للشعب السوري القهر، والعنت، والشح، وعالم من السجون والظلم والطغيان. الثانية: بعد أن نفد صبر الشعب السوري "وقال طال واستطال"، وتزامنًا مع شرارة الثورات الشعبية العربية (في تونس وليبيا ومصر واليمن)، انطلقت الثورة الشعبية السورية (منتصف مارس/ آذار 2011م) "وقد ظن الناس قبلها أن السوريين وصلوا إلى مرحلة التدجين"، فخرجت مظاهرات في عدة مدن سورية مطالبة بـ (الحريات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون ورفع حالة الطوارئ).ثم ازداد سقف المطالب تدريجيًا حتى وصل إلى المطالبة بإسقاط نظام بشار الأسد، وبحلول شهر يوليو/ تموز من عام 2011 تطورت مظاهر الاحتجاجات إلى اعتصاماتٍ مفتوحة في الميادين الكبرى ببعض المدن، إلا أنَّ هذه المظاهرات السلمية تعرَّضت للقمع العنيف على أيدي قوات النظام، مما تسبَّب في هجرة آلاف السكان المحليين ولجوئهم إلى الدول المجاورة، وأهمُّها (تركيا، والسعودية، ولبنان، والأردن).
إعلانومع تطور الأزمة، بدأت الانشقاقات في جيش النظام، وفي مطلع شهر أغسطس/ آب، أُعلن عن تأسيس الجيش السوري الحر، وبدأت المواجهات العسكرية على نطاقٍ صغيرٍ ومحدودٍ بين قوات النظام وقوات المعارضة، ثم أخذت بالتوسُّع تدريجيًا حتى بدأت تصل إلى مستوى المعارك المباشرة بحلول نهاية العام وبداية عام 2012.
وازدادت المأساة بدخول قوى إقليمية أعجمية على خط المواجهات؛ إيران من خلال (نشر مليشيات الحشد الشعبي الشيعية الطائفية)، وإسرائيل من خلال تأسيس (قوات سوريا الديمقراطية/قسد)، وتركيا من خلال دعم قوى المعارضة السنية.
ومن وراء هذه القوى الإقليمية، حضر كل من (أميركا وروسيا) في حراك عسكري متناقض، طال كافة جغرافيا سوريا، وتسبب في دمار شامل، وقتل وتهجير ولجوء، حتى فقدت الساحة السورية بوصلتها، وظن الناس ألا مخرج، لا سيما مع بوادر عودة اندماج النظام السوري في المنظومة العربية، "وكأن شيئًا لم يكن"، في سعي للإبقاء على ما تبقى، ومعالجة العوالق وفق متغيرات الأحداث.
وفجأة، وفي ظل الخيارات القليلة المتاحة، وجميعها خيارات مشوهة لا يستقيم أي منها للوقوف عليها، أصبح الموقف العربي في حالة (صمت محرج وفق رهانات يحيطها مشهد إقليمي متأزم).
وكأن الفرج قد نزل من السماء، ففي "عشرة أيام" غلبت مسيرة "أكثر من عشر سنوات من النضال"، تحركت "هيئة تحرير الشام" من الشمال إلى العمق وصولًا إلى دمشق؛ لتعلن انتهاء المرحلتين، (النظام البائد، والثورة الشعبية)، وكأنها تقول للسوريين: دمشق بين أيديكم، فافعلوا ما شئتم.
هنا انتهت الحكاية في جانبها الشكلي، ولكنها بدأت للتو في عمقها الموضوعي؛ لتبدأ المناقشات:
وأول التناولات التأكيد على مسألة، حررتها كقاعدة للنظر في الأحداث والتعامل مع مجرياتها، تم نشرها على حسابي في منصة إكس في 13 مارس/ آذار 2022م:
إعلان ألا ننشغل بالأحداث، فهي أسرع من قدرتنا على ملاحقتها، فالأحداث ظواهر لحقائق. علينا أن نفتش عن الحقيقة بعناية. وسنجدها في زوايا المتناقضات، وبين خفايا المتوافقات. استحضارنا للمقدمات مفتاح لفهم الوقائع.وبناءً عليه، وللنظر في ذات السياق، فإن الأحداث التي قادتها "المعارضة السورية" تمت بسرعة "وسلاسة" وحققت مكتسبات عالية ضحى الشعب السوري كثيرًا لتحقيقها، وبدت ملامحها للعيان. وبكل تأكيد، فإن هذه الأحداث مجرد ظواهر، من ورائها "حقائق مخفية" تحتاج إلى نبش وتحقق، لفهم ما يجري.
يمكن أن نلحظ شيئًا من ذلك في المتناقضات التي صاحبت مجريات أحداث "غلبة الثورة على النظام"، ومن هذه التناقضات:
التوافق الأميركي/الروسي على ما جرى، فلم يقع تصعيد بينهما، بل استجابت روسيا، وتحدثت بهدوء مركزة على مصالحها في قواعدها "طرطوس، وحميميم"، وأميركا تعجلت لتعلن عن إمكانية رفع "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب! التوافق الإسرائيلي/الإيراني "شكليًا" على الأحداث، وانصراف كل منهما للعناية بمصالحه دون الخوض بعمق في مجريات الحدث الأهم "سقوط النظام" و"انتصار الثورة"، رغم أن الطرفين خصمان للثورة وراعيان للنظام بأشكال مختلفة، بل لم يستخدم مسؤولو النظام الإيراني مسميات تنظيم إرهابي، وأشاروا إلى ما جرى باعتباره "الثورة السورية"؟! الانسجام التركي مع بيان المجموعة الوزارية العربية في "العقبة": رغم ما كان بينهم من متناقضات وقت الأزمة. إعلاميًا: تبدلت المسميات في مختلف القنوات الفضائية، وتم استخدام مصطلح "الثورة السورية" بدلًا من مسميات التنظيمات الإرهابية، حتى لدى أعتى القنوات الإعلامية العربية ضراوة ضد التنظيمات ذات الطابع الإسلامي/الجهادي، بل شهدنا التماهي معها، والتقاط الصور مع رمزها "أحمد الشرع"؟!ولو عدنا إلى مقدمات الأزمة السورية، لوجدنا أنها تنامت في ظل مسارات رئيسية؛ إيرانية وإسرائيلية وتركية، ومن ورائها دعم روسي لمسار "النظام وإيران"، ودعم أميركي لمسار المصالح الإسرائيلية من خلال "قسد"، ودعم تركي للثورة في تشكلاتها السنية، ثم موقف خليجي متأرجحٌ بين دعم الرغبة الشعبية في ثورتهم، ومحاربة التنظيمات الإرهابية الناشئة.
إعلانوالتوازن بين الهدفين كان مجسًا دقيقًا، ومتغيرًا بحسب الأحداث وتقاطعات الأطراف.
من هنا: وفي ضوء المستجدات، نلحظ أن الحلقة قد اقترن طرفاها، وعادت نهاية الأزمة إلى بداياتها؛ "إرادة شعبية لتغيير النظام الطائفي الفاسد"، وهذا ما تحقق على أرض الواقع. ويبقى الملف السوري رهينًا لثلاثة مسارات، قد تُشكل "جغرافيا وسياسة" مزدوجة (سورية/عراقية). والمسارات الثلاثة هي:
المسار العربي السوري، المتمثل في قيادة الثورة والحكومة الانتقالية، وتحولاتها المستقبلية لتشكيل النظام السوري الجديد. المسار التركي، الذي يسعى لاستعادة حضوره في شمال الجزيرة العربية من خلال مناطق الشمال السوري. المسار الإسرائيلي، الذي يعمل على مدّ نفوذه في العمق السوري لتغيير معالم الأرض، ورسم حدود فاصلة "مؤقتة" بدلًا من الحدّ الفاصل في الجولان، والتحرك من خلال الطائفة الدرزية لشرعنة حضوره في العمق "الجنوبي/الغربي" لدمشق.ضابط الإيقاع لهذه المسارات يتمثل في المصالح المزدوجة "الروسية/الأميركية" للموارد في سوريا (النفط والغاز، والفوسفات، والقمح). والقاعدتان الروسيتان "طرطوس، وحميميم" لن تسمحا بالمساس بهذه المصالح، وقد يقود ذلك سوريا إلى دوامة جديدة من المواجهات، وإعادة التنظيمات المسلحة للفاعلية في المشهد، وبقايا أذرع إيران لخلق بلبلة "ضاغطة". لطالما كانت "التنظيمات المسلحة خارج القانون" هي الأذرع الفاعلة للقوى الدولية والإقليمية للعبث في مناطق الصراع المماثلة (ليبيا، العراق).
الدور الخليجي المطلوبلعبت دول الخليج أدوارًا فاعلة في مسيرة "الثورة السورية" رغم تقلبات الأحداث وجسامة وقعها، وتحملت أعباء "سياسية واقتصادية". إلا أن المرحلة الحالية وما قد يتمخض عنها، جدير بأن يكون للدبلوماسية الخليجية، مزيد من الفاعلية في مسارات:
التفاهم مع الجانب الروسي لتحييد "بشار الأسد" وتغييبه عن المشهد كليًا، فمن غير المستبعد أن "فلول النظام"، التي تمثل بشكل ما "الدولة السورية العميقة"، قد تتحرك لمصلحة طرف ما لإرباك المشهد السياسي والأمني. التفاهم مع الجانب الأميركي لضبط الجموح الإسرائيلي، ومنعها من تجاوز القرارات الدولية، والحد من تحركها في العمق السوري. مراقبة التحركات الإيرانية، والعمل على تصفية العمق السوري من بقايا مليشيات النظام، ودعم إجراءات "الحكومة الانتقالية" لضبط الديمغرافيا، وإزالة النتوءات التي حدثت في ظل الأزمة. إعلانأخيرًا
من السابق لأوانه الحكم القطعي على مجريات الأحداث ومآلاتها، ومن المتعذر الاستباق إلى قراءات يقينية لما قد تنتهي إليه، رغم المؤشرات الإيجابية التي تلتقي مع "أمنياتنا ورغائبنا"، والمحاذير الأمنية التي تتماثل مع التجارب السابقة. ويبقى الأمل في حصافة الشعب السوري، ووعيه بمخاطر المرحلة، وإيماننا بالله ومشيئته العادلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية