"جرائم الحرب" و"جرائم ضد الإنسانية" و"الإبادة الجماعية"، 3 مصطلحات مختلف في تعريفها، ولكل واحدة منها نظام قانوني مختلف وعقوبات متفاوتة على المستويين الوطني والدولي، ظهرت الحاجة لتعريفها وتحديدها بعد الحرب العالمية الثانية على يد الحلفاء وحاولت الأمم المتحدة على مر التاريخ صياغة تعريف في اتفاقيات واضحة للحد منها.

الفكرة والنشأة

بدأت فكرة فرض قيود على الممارسات المرتكبة في النزاعات المسلحة إلى القرن السادس قبل الميلاد على يد المحارب الصيني صن تسو، وكان الإغريقيون أول من عدوا "المحظورات على الممارسات في النزاعات المسلحة" قانونا.

وكانت أول محاكمة معروفة في هذا الخصوص ما أصدرته المحكمة المخصصة للإمبراطورية الرومانية المقدسة بحكم الإعدام لبيتر فون هاغنباخ عام 1474 في النمسا، وذلك لارتكابه أعمالا وحشية أثناء احتلال برايزاخ.

لكن فكرة المعاقبة على جرائم الحرب لم يتبنها المجتمع الدولي بسهولة، إنما مرّ بعدة مراحل بداية من معاهدة فرساي 1919 إلى اتفاق لندن 1945. وبعد الحرب العالمية عدّت انتهاكات معينة لقوانين الحرب جرائم، لذا أدخلت تعديلات على اتفاقات لاهاي لعام 1899 وعام 1907.

وظهرت الحاجة لتعريف هذه المصطلحات الثلاثة (جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية) بعد الحرب العالمية الثانية لما تركته من تأثير على الدول المشاركة أكانت رابحة أم خاسرة، وبدأت تذكر على المستوى الدولي في الاتفاقات والمعاهدات التي شكلها الحلفاء.

وظهرت أولا في المحاكم العسكرية الدولية التي أقامها الحلفاء في نورمبرغ وطوكيو، ثم في اتفاقيات جنيف عام 1949 وما تبعها، ثم في المحكمتين الجنائيتين الخاصتين بيوغوسلافيا السابقة ورواندا بين عامي 1993 و1994.

وحددت الجرائم التي تخضع للعقوبة من هيئة قضائية دولية بقائمة شاملة في قانون المحكمة الجنائية الدولية الصادر في يوليو/تموز 1998، ولم يدخل حيز التنفيذ حتى يوليو/تموز 2002. وبحلول أبريل/نيسان 2013 صادقت 122 دولة على نظام "روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

الحاجة لتوحيد المصطلحات وتعريفها

المصطلحات الثلاثة معرفة في القوانين الجنائية للدول عموما، وتخضع للعقوبات حسب قوانين البلاد، وتختلف المفاهيم والمصطلحات والعناصر المدرجة تحتها بين الدول رغم الاتفاق على أسسها تقريبا، ويأتي تعريف المحكمة الجنائية الدولية بشكل تقول إنه واءم بين التعريفات الوطنية المختلفة للمصطلحات الثلاثة.

لكن يبقى تطبيق العقوبات المفروضة على المخالفين لتلك القوانين محل خلاف في كيفية تعريف المصطلحات وكيفية تنزيلها على الأحداث وتحديد إن كانت الحالات تنطبق عليها أم لا، خاصة في ظل الخلافات السياسية وكيفية مجيئها بعد نزاعات مسلحة شاركت فيها جيوش وطنية وممثلون للحكومة، مما يرجح ألا يكون القضاء نزيها وحياديا وموضوعيا في كيفية التعامل معها.

من التشريعات الوطنية إلى القوانين الدولية

ولحل الإشكال السابق وسعت جنيف اتفاقياتها عام 1949 عن طريق تقنين مبدأ "الاختصاص القضائي العالمي في قوانينها" بالمحاكم الوطنية، لتتمكن من مقاضاة مرتكبي الجرائم فيها حتى إن ارتكبت في بلاد أخرى.

وينص المبدأ على أن تتعهد "كل الدول بالبحث عن مرتكبي جرائم خطيرة معينة، منها جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومقاضاتهم حتى إذا لم تكن للدول روابط مهمة بالمتهم أو بالأعمال التي ارتكبت"، ولتطبيق ذلك على الدول أن تدمج هذا المفهوم في قوانينها الوطنية.

ورغم ذلك يبقى الأمر صعب التطبيق عمليا، إذ إنها تعتمد على الإجراءات القضائية والدولية، وعلى التعاون بين الدول، وعلى إنشاء محاكم جنائية دولية.

وتفاديا للتهرب من العقاب على الجرائم المرتكبة، أوضح القانون الدولي أنها لا تتقادم، مما يعني عدم وجود "فترة زمنية محددة لإجراء المحاكمة" أي أن المجرمين يمكن محاكمتهم ولو بعد عقود.

"التدمير الذي لا تسوّغه الضرورات العسكرية" من الحالات التي يشار إليها بأنها جرائم حرب (شترستوك) 50 عاما لتحديد "قائمة الجرائم"

استغرقت الأمم المتحدة 50 عاما في صياغة قائمة رسمية تضم "الأفعال التي تعد جرائم ضد سلام وأمن الإنسانية"، وظلت القائمة دائمة التحديث، فضمت مع مرور الوقت "الإبادة الجماعية" و"الإرهاب" وغيرهما.

ورغم تحديد الأمم المتحدة قائمتها لم تستطع إقرارها بشكل رسمي من الدول الأعضاء، أو حتى في تأسيس محكمة جنائية دولية دائمة مختصة في هذه الجرائم حتى عام 1998، وكانت قبلها تعاقب ذوي الشأن في محاكم خاصة، حتى أنشأت المحكمتين الجنائيتين الدوليتين الخاصتين بيوغوسلافيا ورواندا.

وتبنّى أعضاء الأمم المتحدة في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1968 اتفاقية "عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية" لتفادي إفلات مرتكبي الجرائم. لكن صادقت على الاتفاقية 50 دولة فقط.

وفي روما في 17 يوليو/تموز 1998 تم تبني قانون المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وبموجبه صار للمحكمة صلاحية اختصاص على جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، في الحالات التي تكون فيها الدول غير راغبة أو غير قادرة على إجراء تحقيق أو محاكمة.

وأقر المبدأ في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية وصادقت عليه 122 دولة، ونص في المادة الخامسة على أن "جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان لا تخضع لأي تقادم".

جرائم الحرب

يعد مصطلح "جريمة الحرب" مفهوما أوسع بكثير من مفهوم "الإبادة الجماعية" و"الجريمة ضد الإنسانية"، وعرّفه ميثاق محكمة نورنبرغ العسكرية الدولية عام 1945 حسب المادة 6، بأنه انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك:

القتل أو المعاملة السيئة أو الترحيل على شكل عمالة ورقيق أو لأي غرض آخر للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة. القتل أو المعاملة السيئة لأسرى الحرب أو الأشخاص في عرض البحار. قتل الرهائن وسلب الممتلكات العامة أو الخاصة. تدمير المدن أو القرى. التدمير الذي لا تبرره الضرورات العسكرية.

وبين عامي 1993 و1994 وسعت المحكمتان الدوليتان الخاصتان بيوغسلافيا السابقة ورواندا من مفهوم تلك الجرائم لتشمل "انتهاكات جسيمة" أخرى لاتفاقيات جنيف الأربع.

ثم نصت المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن "جرائم الحرب" تعني:

الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 أغسطس/آب 1949، وأي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:

القتل العمد. التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية. تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة. إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها بدون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة. إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية. تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية. الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع. أخذ رهائن.

وجريمة الحرب لها عنصر سياقي وهو النزاع المسلح، وعنصر نفسي يقتضي أن يكون الجاني على علم ووعي بتصرفاته، إلا أنها على عكس "الإبادة الجماعية" و"الجريمة ضد الإنسانية" لا تخص المدنيين، بل يمكن ارتكابها على المقاتلين.

وشملت أيضا المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية "الانتهاكات الخطيرة" وعددتها تحت 26 بندا، ثم ما يخص "النزاع المسلح غير الدولي".

وتعرف منظمة العفو الدولية جرائم الحرب بأنها "جرائم تنتهك قوانين الحرب أو أعرافها وفق تعريف اتفاقيات جنيف ولاهاي، وتشمل استهداف المدنيين والتعذيب وقتل أسرى الحرب أو إساءة معاملتهم".

الجرائم ضد الإنسانية

تم تعريف مفهوم "الجريمة ضد الإنسانية" على التوالي من قبل المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، إلا أنه لم يتم تدوينه بعد في شكل معاهدة محددة، وقد تم التعبير عن أحدث توافق في الآراء بشأنه في نظام روما الأساسي لعام 1998، الذي أنشأته "المحكمة الجنائية الدولية".

يمكن وصف الفعل بأنه "جريمة ضد الإنسانية" فقط -كما تذكر الأمم المتحدة- من خلال "هجوم واسع النطاق أو منهجي على أي مجموعة من السكان المدنيين"، ويجب أن يكون الجاني على علم بهذا الهجوم.

ولتمييزه، يجب أن يتضمن الفعل عنصرا سياقيا بالإضافة إلى العنصر النفسي، ومن بين الأفعال المُجرمة على وجه الخصوص الإبادة والترحيل والتعذيب والاسترقاق الجنسي أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، والاختفاء القسري.

وقد ميّزت محكمة نورمبرغ "الجرائم ضد الإنسانية" بأنها تتعلق بـ:

القتل والإبادة. الاسترقاق والاستعباد. التصرفات اللاإنسانية الأخرى التي يتمّ ارتكابها ضدّ السكان المدنيين قبل أو أثناء الحرب. الاضطهاد على أسس سياسية أو عرقية أو دينية تنفيذا لأي جريمة ضمن اختصاص المحكمة أو في ما يتعلّق بتلك الجريمة.

ثم عرّفتها المحكمة الجنائية الدولية على أنها "الأفعال التي يتمّ ارتكابها في أوقات النزاع والأوقات الأخرى بما في ذلك أوقات السلم. وهي تضيف ممارسة الإكراه على الاختفاء إلى هذه الفئة".

وقسمتها المحكمة الجنائية إلى 5 عناصر أساسية:

أن يكون العمل غير إنساني في طبيعته وخصائصه ويسبب آلاما شديدة أو إصابة خطيرة للجسم أو للصحة العقلية أو البدنية. أن يكون العمل قد ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج. أن يكون العمل قد ارتكب ضد السكان المدنيين. أن يكون العمل ارتكب على أساس واحد أو أكثر من الأسس التي تنطوي على تمييز مثل الأسس الوطنية أو السياسية أو العرقية أو العنصرية أو الدينية. أن يكون مرتكب العمل على علم بالصلة بين سلوكه والهجوم الواسع النطاق أو الممنهج.

وتعرّف منظمة العفو الدولية الجرائم ضد الإنسانية بأنها "جرائم تُرتكب كجزء من هجوم واسع النطاق أو ممنهج ضد السكان المدنيين كجزء من سياسة الدولة أو سياسة ممنهجة أثناء فترة السلم أو الحرب. بما في ذلك حالات الاختفاء القسري والقتل والاسترقاق والاغتصاب والترحيل أو النقل القسري للسكان".

الإبادة الجماعية

استخدم مصطلح الإبادة الجماعية لأول مرة من قبل المحامي البولندي رافائيل ليمكين عام 1946، في عهد دول المحور في أوروبا المحتلة، وهو مكون من لفظين "جينوس" (genos) الذي يعني "العرق" أو "القبيلة"، واللاحقة "سيد" (cide) التي تشير إلى فكرة القتل.

واعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1946 بمصطلح "الإبادة الجماعية" كجريمة بموجب القانون الدولي، كما يقول مكتب منع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية، وهو هيئة تابعة للأمم المتحدة، وقد أدرج هذا المصطلح في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، التي صدقت عليها 149 دولة.

وتعرف المنظمة المصطلح بأنه "الأفعال المرتكبة بقصد تدمير جماعة وطنية أو إثنية أو عرقية أو دينية، كليا أو جزئيا من قتل وإلحاق أضرار بدنية أو نفسية خطيرة بأفرادها وإلحاق الأضرار الجماعية بأوضاع الحياة التي يقصد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا، وفرض إجراءات تهدف إلى منع الولادة داخل تلك الجماعة، ونقل أطفالها بالقوة إلى جماعة أخرى".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: المحکمة الجنائیة الدولیة الأساسی للمحکمة الجنائیة جرائم ضد الإنسانیة الإبادة الجماعیة جریمة ضد الإنسانیة السکان المدنیین الأمم المتحدة أن یکون العمل جرائم الحرب بما فی ذلک على أن

إقرأ أيضاً:

رئيس مهرجان السينما الفرنكوفونية : استقبال طلبات التقدم لمسابقة "أفضل سيناريو" لإنتاج فيلم حول حرب الإبادة الجماعية حتى ٣١ يناير

    أعلن رئيس مهرجان القاهرة‎ للسينما الفرنكوفونية الناقد السينمائى د. ياسر محب، أن العمل جار للتباحث حول التفاصيل المتعلقة بمسابقة أفضل سيناريو مقدم من صناع الأفلام حول حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة- والتي أطلقها مهرجان القاهرة‎ للسينما الفرنكوفونية مطلع الشهر الحالي- من أجل إنتاج فيلم عن حرب الإبادة الجماعية وترجمته لعدة لغات .

حصاد الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي في 2024

وأكد محب خلال لقائه المستشار الثقافي لسفارة دولة فلسطين بالقاهرة ناجي الناجي ، أنه جار متابعة كافة السيناريوهات التي يتوالى استلامها للمشاركة في مسابقة مهرجان السينما الفرنكوفونية حيث تم تشكيل لجنة لقراءة السيناريوهات المتقدمة من المتخصصين في صناعة الأفلام من مصر وفلسطين، لتقييم السيناريو القادر على نقل الرواية الفلسطينية، وأكد أنه تم التوافق على كافة التفاصيل المتعلقة بمسابقة السيناريو وضوابط وشروط وآليات المشاركة بالمسابقة ، وأعلن أنه نظرا للاقبال على التقديم  فقد تم التوافق على تمديد مدة استقبال السيناريوهات للسادة الراغبين في التقدم للمسابقة حتى 31 يناير 2025 على أن يتم إرسال اعمالهم في فئات الفيلم الروائي والوثائقي القصير والديكودراما ، على البريد الإلكتروني: [email protected]
ومن ثم تعبئة نموذج الاطلاع على الشروط والضوابط، متمنيًا أن تحقق المبادرة أهدافها بإطلاع الشريحة الأكبر من الجمهور في العالم  على حقيقة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني على أرضه.

مقالات مشابهة

  • رئيس مهرجان السينما الفرنكوفونية : استقبال طلبات التقدم لمسابقة "أفضل سيناريو" لإنتاج فيلم حول حرب الإبادة الجماعية حتى ٣١ يناير
  • التجمع المسيحي بالأراضي المقدسة: المسيحيون في قلب معركة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي
  • منع دخول المساعدات.. سلاح إسرائيل لمواصلة الإبادة الجماعية في غزة
  • باحث: نتنياهو يستغل المفاوضات لتمرير الإبادة الجماعية في غزة
  • أكاديمية الشرطة تنظم دورات تدريبية للكوادر الأمنية بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر
  • أربعة آلاف جندي يحملون الجنسية الفرنسية يشاركون في جرائم الحرب بغزة
  • بالصور.. شمال غزة يسطّر فصلًا جديدًا من البطولة في مواجهة الإبادة الجماعية
  • المقابر الجماعية في سوريا تشعل الغضب والمنصات تطالب بمحاسبة الأسد
  • لمحاكمتها بتهم الإبادة الجماعية..بنغلاديش تطالب الهند بتسليم الشيخة حسينة
  • قيادي بـ«فتح» عن الإبادة الجماعية في غزة: إلى متى سيظل العالم صامتًا؟