ثقب الأوزون يتسع من جديد.. هل خسر العالم أهم مكاسبه البيئية؟
تاريخ النشر: 16th, October 2023 GMT
مثلما ينمو الجليد البحري حول القارة القطبية الجنوبية ويتراجع كل عام، يفعل ثقب الأوزون ذلك فوق القارة، وهذا العام كبر هذا الثقب كثيرا.
والأوزون غاز طبيعي توجد طبقة منه في الستراتوسفير (الطبقة الثانية من الغلاف الجوي للأرض) لحمايتنا من الأشعة فوق البنفسجية للشمس، وفي عام 1985 تم اكتشاف ثقب في طبقته فوق القارة القطبية الجنوبية، وارتبط تفسير ذلك لاحقا بالاستخدام البشري للمواد المستنفدة لطبقة الأوزون، وبعض الأسباب المتعلقة بظروف المنطقة، ومنذ ذلك الحين يتم مراقبة حجم الثقب.
ويتقلب حجم الثقب في المنطقة من أغسطس/ آب إلى أكتوبر/ تشرين الأول كل عام، وعادة ما يصل إلى أقصى حجم بين منتصف سبتمبر/ أيلول ومنتصف أكتوبر/ تشرين الأول، بحسب برنامج "كوبرنيكوس" لمراقبة الأرض بالأقمار الاصطناعية، التابع للاتحاد الأوروبي.
وأظهرت قياسات صور الأقمار الاصطناعية التي تم التقاطها في 16 سبتمبر/ أيلول الماضي أن منطقة ثقب الأوزون قد وصلت إلى 26 مليون كيلومتر مربع، أي ما يقرب من 3 أضعاف مساحة البرازيل.
وتقول أنتجي إينيس -العالمة البارزة في خدمة مراقبة الغلاف الجوي في "كوبرنيكوس"- في بيان صحفي نشره الموقع الرسمي لوكالة الفضاء الأوروبية، إن "ثقب الأوزون بدأ هذا العام بداية مبكرة واتسع بسرعة منذ منتصف أغسطس/ آب، مما يجعله أحد أكبر ثقوب الأوزون المسجلة على الإطلاق".
وكان الحد الأقصى المسجل لثقب الأوزون في المنطقة يعود إلى عام 2000، عندما وصل إلى ما يقرب من 28.4 مليون كيلومتر مربع، أي أن الثقب الحالي اقترب من الرقم القياسي.
كيف يتم تحديد حجم ثقب الأوزون؟يتم تحديد التباين في حجم ثقب الأوزون إلى حد كبير من خلال قوة الرياح القوية التي تتدفق حول منطقة القطب الجنوبي، حيث إن نطاق الرياح القوي يكون نتيجة مباشرة لدوران الأرض والاختلافات القوية في درجات الحرارة بين خطوط العرض القطبية والمعتدلة.
فإذا كان نطاق الرياح قويا، فإنه يعمل كحاجز، بحيث لم يعد من الممكن تبادل الكتل الهوائية بين خطوط العرض القطبية والمعتدلة، ثم تظل الكتل الهوائية معزولة فوق خطوط العرض القطبية وتبرد خلال فصل الشتاء.
وتعود مستويات الأوزون عادة إلى وضعها الطبيعي بحلول منتصف ديسمبر/ كانون الأول، بعد ارتفاع درجات الحرارة في طبقة الستراتوسفير في نصف الكرة الجنوبي، مما يؤدي إلى تباطؤ استنفاد الأوزون وإضعاف الدوامة القطبية، وفقا لكوبرنيكوس.
وتتم متابعة ذلك بواسطة القمر الاصطناعي "سنتينل-فايف بي"، وهو أول قمر اصطناعي لبرنامج "كوبرنيكوس" المخصص لمراقبة غلافنا الجوي، وتم إطلاقه في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، وهو جزء من أسطول مهمات "كوبرنيكوس سنتينل" التي تطورها وكالة الفضاء الأوروبية لبرنامج المراقبة البيئية التابع للاتحاد الأوروبي.
ويحمل القمر الاصطناعي مطياف تصوير متعدد الأطياف متطور يسمى "تروبومي"، الذي يكتشف البصمات الفريدة للغازات الجوية في أجزاء مختلفة من الطيف الكهرومغناطيسي لتصوير مجموعة واسعة من الملوثات بدقة أكبر وبدقة مكانية أعلى من أي وقت مضى.
وتتم معالجة قياسات الأوزون الإجمالية لمطياف "تروبومي"، داخل الجزء الأرضي من مهمة القمر الاصطناعي "سنتينل-فايف بي"، وذلك في مركز الفضاء الجوي الألماني، باستخدام الخوارزميات التي طورها المركز الألماني لشؤون الفضاء الجوي والمعهد الملكي البلجيكي لعلم الطيران الفضائي.
تكهنات بأن السلوك غير المعتاد لطبقة الأوزون في عام 2023 هو نتيجة لثوران بركان "هونغا تونغا" (غيتي إيميجز) ثوران بركان تونغاهناك بعض التكهنات بأن السلوك غير المعتاد لطبقة الأوزون في عام 2023 هو نتيجة لثوران بركان "هونغا تونغا" جنوبي المحيط الهادي تحت الماء في يناير/ كانون الثاني من عام 2022.
وتقول أنتجي إينيس إن "الكمية الهائلة من بخار الماء التي تم حقنها في الغلاف الجوي نتيجة ثوران البركان ربما بدأت للتو في الوصول إلى المنطقة القطبية الجنوبية".
وتضيف "من الممكن أن يكون بخار الماء قد أدى إلى تكوين متزايد للسحب الستراتوسفيرية القطبية، مما يسمح لمركبات الكلوروفلوروكربون بالتفاعل مع الأوزون، وتسريع استنفاد طبقته".
وكان التأثير الواسع لاستخدام هذه المركبات الضارة صناعيا في منتجات مثل الثلاجات وعلب الأيروسول في السبعينيات والثمانينيات، قد أدى إلى استنفاد طبقة الأوزون المرتفعة في الغلاف الجوي، مما سمح لطبقة الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية بالانفتاح، وفقا لكوبرنيكوس.
وأدى الخوف من هذه المشكلة إلى استنفار جهود العالم التي قادت إلى توقيع "بروتوكول مونتريال"، وهو معاهدة للأمم المتحدة تم التصديق عليها عالميا ودخلت حيز التنفيذ في عام 1989، وساعدت تلك المعاهدة على التخلص التدريجي من إنتاج المواد المستنفدة للأوزون، بما في ذلك مركبات الكربون الكلورية فلورية، لكن التأثير هذه المرة يأتي بشكل طبيعي، نتيجة لثوران بركان "هونغا تونغا"، كما توقع خبراء خدمة مراقبة الغلاف الجوي في "كوبرنيكوس".
التأثير التراكميمن جانبه، يقلل دونالد ويبلز، من قسم علوم الطقس بمدرسة الأرض والمجتمع والبيئة بجامعة إلينوي الأميركية، من أهمية ثوران بركان "هونغا تونغا"، كسبب لاتساع ثقب الأوزون من جديد، ويقول في تصريحات بالبريد الإلكتروني للجزيرة نت "الاختلافات في ثقوب الأوزون من سنة إلى أخرى، تتعلق بقوة الدوامة القطبية، وقد يكون هذا هو العامل الأساسي لهذا العام، ومن المحتمل أن يكون هناك بعض التأثير من ثوران بركان هونغا تونغا، ولكني لم أر أي دليل على ذلك".
ويشير ستيفن أندرسن -مدير البحوث بمعهد الحكم والتنمية المستدامة (مؤسسة غير حكومية بأميركا)- إلى سبب تاريخي، وهو التأثير التراكمي لبعض المواد المستنفدة للأوزون، ويقول في تصريحات عبر البريد الإلكتروني للجزيرة نت "نعم، كان بركان هونغا تونغا، عاملا مساهما في ثقب الأوزون الكبير في القطب الجنوبي، لكن الكلور والبروم المتراكمين نتيجة قرن من الاستخدام المبالغ فيه للمواد الخطرة المستنفدة للأوزون هو المسؤول أيضا".
وتابع "تتمتع بعض المواد المستنفدة للأوزون بعمر في الغلاف الجوي يزيد على 100 عام، وهذا يعني أن مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) التي تم إطلاقها في السنوات الأولى بعد اختراعها عام 1929 لا تزال في الغلاف الجوي مما يستنزف الأوزون ويؤدي إلى تغير المناخ، كما أنه يعني أن مركبات الكربون الكلورية الفلورية وغيرها من المواد المستنفدة للأوزون المصنعة قرب نهاية مرحلة التخلص التدريجي من الإنتاج بموجب بروتوكول مونتريال، التي انبعثت بالفعل ستظل في الغلاف الجوي لمدة تصل إلى 100 عام أخرى من الآن، وأخيرا فإن المواد المستنفدة للأوزون الموجودة في معدات التبريد والحماية من الحرائق والرغوة العازلة للحرارة سوف تستنزف طبقة الأوزون لمدة تصل إلى 100 عام بعد الانبعاث ما لم يتم جمعها وتدميرها".
قصة نجاح بيئيةيرى أندرسن أن اتساع ثقب الأوزن مجددا، لا ينتقص من نجاح بروتوكول مونتريال، لكنه يدعم التحرك السريع نحو الالتزام به لحماية طبقة الأوزون والمناخ بشكل أفضل، حيث ستجتمع الأطراف المعنية بالبروتوكول في نيروبي بكينيا خلال الفترة من 17 إلى 23 إلى أكتوبر/ تشرين الأول الجاري لتمويل الامتثال للبروتوكول، وضبط وتعزيز تدابير الرقابة.
ويصف أندرسن بروتوكول مونتريال، بأنه المعاهدة البيئية الأكثر نجاحا على نطاق واسع، للأسباب التالية:
1- كل دولة من دول الأمم المتحدة هي طرف في بروتوكول مونتريال، ولم تتمتع بهذا التمييز سوى معاهدة واحدة أخرى للأمم المتحدة.
2- جميع الأطراف في الاتفاقية ممتثلة لتدابير الرقابة.
3- تم إقرار التخلص التدريجي من 99% مما يقرب من 100 مادة مستنفدة للأوزون من الإنتاج والاستهلاك.
4- أسفر البروتوكول عن أن طبقة الأوزون في طريقها إلى التعافي في وقت لاحق من هذا القرن، ما دام المناخ محميا.
5- نظرا لأن معظم المواد المستنفدة للأوزون عبارة عن غازات دفيئة قوية، فقد أدى التخلص التدريجي منها أيضا إلى حماية المناخ، وفي الواقع، لقد ساهم بروتوكول مونتريال في حماية المناخ أكثر من كل الجهود الأخرى مجتمعة، وبدونه كانت الأرض ستتجاوز بالفعل نقاط التحول المناخية.
6 – يمول بروتوكول مونتريال التكاليف الإضافية المتفق عليها لانتقال السوق في البلدان النامية، مما يدعم العدالة البيئية وفعالية التكلفة للمسؤولية المشتركة في حماية الأرض.
تسريع عملية التخفيض التدريجي لمركبات الهيدروفلوروكربون يمنع عودة اتساع ثقب الأوزون (أسوشيتد برس) وللحفاظ على ما تحقق من نجاح في بروتوكول مونتريال، يشدد أندرسن على الآتي: تسريع عملية التخفيض التدريجي لمركبات الهيدروفلوروكربون (HFCs) بموجب تعديل كيغالي لعام 2016 لبروتوكول مونتريال، حيث كانت مركبات الكربون الهيدروفلورية ضرورية في السابق لتحل محل المواد المستنفدة للأوزون بسرعة كافية لتجنب نقاط التحول في الأوزون والتأثيرات على الصحة والزراعة والنظام البيئي، ولكنها لم تعد ضرورية الآن بعد توفر بدائل متفوقة بيئيا أو ستتوفر قريبا. استبدال معدات التبريد القديمة التي كانت غير فعالة عند شرائها وتم تركيبها وصيانتها بشكل غير صحيح لتحقيق كفاءة استخدام الطاقة، وجمع وتدمير المواد المستنفدة للأوزون ومركبات الكربون الهيدروفلورية. تمويل التحسينات في كفاءة الطاقة أثناء تحول السوق بعيدا عن المواد المستنفدة للأوزون ومركبات الكربون الهيدروفلورية، وتنسيق الاستثمار في بروتوكول مونتريال لدعم المجتمعات المبردة والمدفأة بشكل طبيعي مع تقليل النفايات والنقل وتحسين نوعية الحياة. التوقف عن إغراق البلدان النامية بمعدات التبريد غير الفعالة التي تحتوي على مواد تبريد قديمة مصنوعة من مواد مستنفدة للأوزون ومركبات الكربون الهيدروفلورية. تعديل بروتوكول مونتريال للتحكم في أكسيد النيتروز (N2O)، وهو غاز قوي مستنفد لطبقة الأوزون.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بروتوکول مونتریال القطبیة الجنوبیة فی الغلاف الجوی لطبقة الأوزون طبقة الأوزون تشرین الأول ثوران برکان ثقب الأوزون الأوزون فی فی عام
إقرأ أيضاً:
وزير ليبي: سنتبنى شراكات ومبادرات رائدة لمواجهة التحديات البيئية في إفريقيا
فازت ليبيا مؤخرا برئاسة مجلس وزراء البيئة الأفارقة، التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، لعامين كاملين تبدأ من صيف 2025 وحتى عام 2026.
وتعد هذه المرة الثانية التي تستضيف فيها ليبيا الدورة العشرين لمجلس وزراء البيئة الأفارقة -الذي يضم 50 دولة أفريقية-، بعد أن كانت قد استضافت الدورة السابقة في عام 2004.
من جهته، قال وزير البيئة في حكومة الوحدة الليبية، إبراهيم العربي، إن "فوز ليبيا برئاسة المجلس هو إنجاز مهم يعكس ثقة الدول الإفريقية في دور ليبيا المحوري في القارة، خاصة في ظل التحديات التي تواجهها بلادنا نتيجة الانقسام السياسي"، مؤكدا أن "هذه الرئاسة ليست مجرد منصب، بل فرصة لإبراز دور ليبيا وإعادتها إلى مكانتها الطبيعية بين الأمم."
وأعلن العربي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن بلاده ستتبنى خلال فترة الرئاسة "شراكات استراتيجية ومبادرات رائدة لمواجهة التحديات البيئية في إفريقيا، ومن أجل تحقيق التنمية المستدامة، وستركز رؤيتنا على تعزيز التعاون الإقليمي لمعالجة التحديات البيئية الكبرى مثل التصحر، وتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وذلك عبر حلول مبتكرة ومتوازنة."
وأشار إلى أن "ليبيا ستسعى خلال هذه الفترة إلى تحقيق نقلة نوعية في مجال الطاقة المتجددة، مستفيدة من مواردها الطبيعية وموقعها المتميز، وسنطلق مبادرات تهدف إلى توسيع استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في إفريقيا، بما يخدم التنمية المستدامة ويعزز التحول نحو الاقتصاد الأخضر."
وأوضح الوزير الليبي أن "التصحر هو أحد التحديات الكبرى التي تواجه قارتنا السمراء، وسنعمل على إطلاق مبادرات إقليمية لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وزيادة الرقعة الزراعية والغابية داخل القارة. بالإضافة إلى ذلك، سنتبنى برامج للحفاظ على التنوع البيولوجي وتطوير شبكات المحميات الطبيعية."
كما شدد العربي على أهمية التكنولوجيا والابتكار لتحقيق الأهداف البيئية الإفريقية، مشيرا إلى أن ليبيا تعمل على تبني تقنيات حديثة ودعم الابتكار المحلي، مما يسهم في تعزيز الاستدامة البيئية.
وأكد أن "ليبيا ستعمل على توحيد الصف الإفريقي في المحافل الدولية، لضمان تمويل عادل لقضايا المناخ وتحقيق التزامات القارة الدولية"، معربا عن تطلعه لأن تترك ليبيا أثرا ملموسا خلال رئاستها، عبر تحسين السياسات البيئية وتنفيذ مشاريع إقليمية مستدامة تخدم القارة الإفريقية بأسرها.
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترى فوز ليبيا برئاسة مجلس وزراء «البيئة الأفارقة» لعامين متتاليين؟
فوز ليبيا برئاسة مجلس وزراء البيئة الأفارقة إنجاز طال انتظاره، وخاصة في ظل الفترة التي تمر بها ليبيا؛ فكما يعلم الجميع ليبيا تمر بمرحلة صعبة نتيجة الانقسام السياسي الذي تعاني منه البلاد.
وأيضا هناك ما يشبه التهميش لدور ليبيا في كل المجالات؛ لذا نأمل من هذه المشاركة أن تبرز دور ليبيا وترجع ليبيا إلى ما كانت عليه في السابق.
وهذا الفوز يمثل انعكاسا للثقة التي أولتها الدول الإفريقية لليبيا ودورها المحوري في القارة. نحن ننظر إلى هذه الرئاسة كفرصة تاريخية لتعزيز التعاون البيئي بين الدول الإفريقية وتقديم مبادرات رائدة تعالج التحديات البيئية الكبرى، مثل التصحر، وتغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي. كما أنه تأكيد على قدرة ليبيا، رغم التحديات، على لعب دور قيادي في القضايا الإقليمية والدولية.
ما هي رؤية ليبيا خلال فترة رئاستها لمجلس وزراء البيئة الأفارقة؟
ستركز ليبيا على بناء شراكات فعالة بين الدول الإفريقية؛ لمعالجة مختلف التحديات وأبرزها مشكلة التصحر، ومشاكل الطاقة والتنوع البيولوجي، ونأمل أن نحقق بعض الإنجاز في هذه الملفات الصعبة والشائكة.
حيث تستند رؤيتنا إلى بناء شراكات استراتيجية تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، مع التركيز على تمكين الدول الإفريقية من مواجهة تحدياتها البيئية عبر حلول متكاملة، ونحن نسعى إلى تعزيز الابتكار البيئي، وتحقيق نقلة نوعية في مجال الطاقة المتجددة، وتحسين الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، بالإضافة إلى دعم الدول الأعضاء في الوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بالبيئة.
كيف تخططون لتعزيز التعاون الإقليمي في القضايا البيئية خلال هذه الفترة؟
ستكون هناك مشاورات مع جميع الدول الإفريقية، وتوقيع مذكرات تفاهم، وسنسعى إلى عقد المزيد من الاجتماعات الجانبية بين الدول؛ فالقارة الإفريقية تنقسم إلى مجموعات، ولكل مجموعة مشاكلها الخاصة، وتشترك كثير من المجموعات في مشاكل واحدة مثل الطاقة وتغير المناخ، وسيكون هناك تواصل أكثر فعالية من خلال صياغة مذكرات تفاهم بين الدول الإفريقية.
والتعاون الإقليمي سيكون محور عملنا خلال الرئاسة، وسنعمل على إنشاء آليات دائمة لتبادل المعلومات والخبرات بين الدول الإفريقية، وتعزيز التنسيق بشأن القضايا البيئية المشتركة، مثل مكافحة التصحر وإدارة الأحواض المائية المشتركة، كما سنعمل على تنظيم قمم وورش عمل إقليمية لتعزيز الحوار بين الحكومات، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية.
كيف ستستفيد ليبيا من هذه الرئاسة في تعزيز قدراتها البيئية على المستوى الوطني؟
ليبيا ستكون في الصدارة خلال هذه الفترة (العامين القادمين)، وهذا سيمكننا من الحصول على تمويل أكثر للمشاريع المتعلقة بالبيئة، وأيضا سنتمكن من الحصول على برامج بناء القدرات والتدريب المستمر.
هذه الرئاسة تُمثل فرصة استثنائية لليبيا لتطوير بنيتها البيئية. سنستفيد من تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية والمنظمات الدولية لنقل المعرفة والتكنولوجيا إلى ليبيا، خاصة في مجالات إدارة المياه والطاقة المتجددة. كما سنركز على بناء القدرات الوطنية من خلال تدريب الكوادر الليبية، واستقطاب استثمارات في المشاريع البيئية والبنية التحتية الخضراء.
ما هي الخطوات التي ستتخذها ليبيا لتعزيز التمويل المستدام للمشاريع البيئية الإفريقية؟
ليبيا جزء من المجتمع الدولي، ونأمل أن نتمكن من الحصول على تمويل من كافة المصادر وبخاصة صندوق البيئة العالمي، وأيضا من البنوك التنموية، وعلى رأسها البنك الإسلامي وغيره.
سنفتح حلقات اتصال مع جميع هذه القنوات، وإن شاء الله سيكون لها الأثر الفعال، خاصة أننا سنقوم بالعمل على إنشاء آلية إقليمية للتمويل المستدام بالتعاون مع الشركاء الدوليين، مثل البنك الإفريقي للتنمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة. هذه الآلية ستهدف إلى تمويل المشاريع البيئية ذات الأولوية، مع التركيز على دعم المبادرات المجتمعية الصغيرة والمتوسطة. كما نسعى لجذب استثمارات خاصة في مجالات الزراعة المستدامة والطاقة المتجددة.
كيف تخططون للتصدي لتحديات تغير المناخ في القارة الإفريقية؟
سنعمل على تعزيز التكيف مع التغير المناخي عبر تحسين البنية التحتية الزراعية، ودعم المجتمعات الهشة في إفريقيا، وتطوير خطط وطنية وإقليمية للحد من الانبعاثات الكربونية، هذا ما يعمل عليه المجتمع الإفريقي بصفة عامة.
والتغير المناخي يُعد التحدي الأكبر للقارة، وسنركز على وضع استراتيجيات إقليمية مشتركة لمواجهته. من بين أولوياتنا تعزيز برامج التخفيف والتكيف، بما يشمل تقليل الانبعاثات الكربونية عبر التوسع في الطاقة المتجددة، وزيادة الغطاء النباتي، وبناء بنية تحتية قادرة على الصمود أمام الكوارث الطبيعية. كما سنعمل على تعزيز صوت إفريقيا في المحافل الدولية للمطالبة بتمويل المناخ العادل.
ما هي المبادرات التي ستقودها ليبيا لتعزيز التحول نحو الطاقة المتجددة في إفريقيا؟
جزء كبير من القارة الإفريقية يتمتع بسطوع شمسي هائل مقارنة بقارات العالم الأخرى، وعليه سنسعى إلى عمل مبادرة كبيرة جدا لإقامة مشاريع ضخمة وفعالة فيما يخص الطاقة الشمسية.
ليبيا تمتلك أفضل ممر شمسي، لأنها تقع في مكان يتميز بسطوع شمسي طوال العام، وبفترات ضوئية كبيرة في فترة الصيف؛ فنتوقع أن هذا سيجلب الكثير من الاستثمارات في هذا المجال. وما هو موجود في شمال إفريقيا موجود أيضا في الجنوب الإفريقي بالنسبة للسطوع الشمسي ونجاح مثل هذه المشاريع.
وسنعمل على إطلاق مبادرة "إفريقيا للطاقة الخضراء" التي تهدف إلى توسيع نطاق استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في المناطق الريفية والحضرية. كما نسعى إلى إنشاء صندوق لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تسهم في تعزيز استخدام الطاقة المتجددة، وتشجيع الأبحاث العلمية في هذا المجال.
ما هي البرامج التي ستُركز عليها ليبيا لمعالجة قضايا التصحر وفقدان التنوع البيولوجي؟
التصحر هو أحد المشاكل الصعبة التي تعاني منها القارة الأفريقية، وهو أحد التحديات الكبرى التي تواجه قارتنا السمراء، كما أن التصحر مرتبط ارتباطا كبيرا بقضية تغير المناخ، وليبيا من الدول الأكثر عرضة للتصحر، وإن شاء الله سنطلب المزيد من الدعم، والمشاركة من الدول التي لها باع كبير في مكافحة التصحر.
كثير من الدول أطلقت مبادرات من أجل التشجير، وقطعت أشواطا كبيرة في المجال، وكذا الاستخدام الرشيد للمياه، والبحث عن مصادر متجددة لتمويل مشاريع مكافحة التصحر والتي سيكون على رأسها التشجير، وزيادة الرقعة الزراعية، والغابية داخل أفريقيا.
وسنطلق مبادرة إقليمية لإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة من خلال التشجير واستعادة الغابات الطبيعية. كما سنعزز جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي عبر تطوير شبكات المحميات الطبيعية، وتبني برامج توعوية لتحفيز المجتمع على حماية الأنواع المهددة بالانقراض.
كيف ستتعامل ليبيا مع التحديات المرتبطة بالنفايات والإدارة المستدامة للموارد؟
ليبيا من الدول التي تعاني من ملف النفايات، والحمد لله بعض الدول الإفريقية نرى أنها نجحت في هذا الملف، وعلى رأسها رواندا، وسنطلب من الإخوة الروانديين مشاركة تجربتهم وتعميمها على الدول الأفريقية التي تعاني من نفس الملف.
وسنركز على تحسين إدارة النفايات الصلبة عبر إنشاء بنية تحتية حديثة لإعادة التدوير، وتشجيع التحول إلى الاقتصاد الدائري. كما نسعى لتطوير تشريعات بيئية صارمة تعزز من كفاءة استخدام الموارد، وتحد من التلوث، وتشجع على الابتكار في حلول الإدارة المستدامة.
هناك عدة حلول لمعالجة النفايات، ولكن دائما ينقص الدول الإفريقية التمويل الذي تعجز عنه أغلب الدول.
كيف ستعمل ليبيا على تعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين لدعم الأجندة البيئية الإفريقية؟
هذا يعتمد على جدية الشركاء الدوليين، وأخص بالذكر الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، ومجموعة الـ20 الذين تعهدوا في قمة باريس بتمويل قضايا المناخ وقضايا الدول المتضررة من تغير المناخ.
ونحن نعمل على تطوير شراكات استراتيجية مع المنظمات الدولية، مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة والبنك الدولي، لدعم المشاريع البيئية في إفريقيا. كما سنسعى إلى تحقيق استفادة أكبر من التمويل الدولي المخصص للقضايا البيئية وتعزيز التعاون العلمي والتقني لتسريع تحقيق الأهداف البيئية.
ولو وحدنا صفوفنا كدول إفريقية داخل المجتمع الدولي ستكون لنا كلمة، وسيكون لنا أثر جيد في حلحلة هذه المشكلة.
كيف يمكن أن تساهم رئاسة ليبيا في تعزيز قدرة الدول الإفريقية على تنفيذ الاتفاقيات البيئية الدولية؟
من خلال توفير برامج تدريبية وتقنية للدول الأعضاء، وخلق منصات لتبادل المعرفة، سنساعد في تعزيز القدرات المؤسسية للدول الإفريقية. كما سنعمل على توجيه الجهود المشتركة لضمان تحقيق الالتزامات المنصوص عليها في اتفاقية باريس واتفاقيات أخرى ذات صلة.
ليبيا جزء من القارة الإفريقية، ويوما ما كانت تلعب الدور الأبرز في قضايا إفريقيا، فعلاقاتنا جيدة مع أغلب الدول الإفريقية، وسنلعب دورا في جلب التمويل من خلال علاقاتنا مع كما الجميع.
ليبيا جزء من العالم العربي، وهي دولة فعالة في مجموعة الأوبك، وسنستغل تواجدنا في دعم المجهود الإفريقي في مكافحة قضايا البيئة.
ما هي رؤيتكم لدور التكنولوجيا والابتكار في تحقيق أهداف البيئة الإفريقية؟
نؤمن بأن التكنولوجيا والابتكار هما مفتاح مستقبل أكثر استدامة. سنتبنى تقنيات حديثة مثل الزراعة الذكية، والطاقة النظيفة، وأنظمة الإنذار المبكر للكوارث الطبيعية. كما سنشجع على الاستثمار في الابتكارات المحلية لدعم الحلول البيئية.
العالم كله يسعى إلى الابتكار والاختراعات التي كثير منها ساهم في قضايا البيئة، فحتى عمليات التشجير دخلتها التقنية، وأصبحت تعتمد بطريقة أو بأخرى على التقنيات؛ لزراعة مئات الآلاف من الشتلات في زمن قياسي.
وكل يوم هناك اختراعات جديدة فيما يخص الطاقة المتجددة، والعالم الآن يتجه نحو طاقة الهيدروجين، وغيرها من أنواع الطاقة النظيفة.
قارة إفريقيا تتمتع بكل المزايا التي يمكن أن يجعلها القارة الأبرز في تعاملها مع قضايا المناخ، وكل ما ينقصنا هو التمويل.
هل ستطلق ليبيا أي مبادرات جديدة خلال فترة رئاستها؟
بالتأكيد، سنُطلق مبادرة "الابتكار من أجل البيئة" التي تهدف إلى تعزيز البحث العلمي في القضايا البيئية، ومبادرة "إفريقيا مستدامة" التي تهدف إلى تقليل الفقر البيئي عبر استثمارات خضراء طويلة الأجل.
وما نفكر فيه الآن كأولوية مبادرة تخص الطاقات المتجددة، والطاقة الشمسية بالدرجة الأولى، ونرى أن هذه المبادرة يستفيد منها جُل الدول الإفريقية بما فيها دول المنطقة الاستوائية التي لديها غيوم طيلة فترة السنة، وأتوقع أن الطاقات المتجددة هو الملف الأبرز في قضايا المناخ وغيرها.
كيف تخططون لتقوية التعاون بين الحكومات الإفريقية والمنظمات غير الحكومية في مجال البيئة؟
هذه من النقاط الصعبة التي تواجه الدول الإفريقية؛ فدول إفريقيا ليست كدول الاتحاد الأوروبي التي لديها باع طويل في منظمات المجتمع المدني، والمنظمات غير الحكومية الممولة لقضايا البيئة.
ولكن بالإمكان خلق نوع من الشراكات بين الدول الإفريقية، وبين هذه المنظمات، حتى يستفيد الجميع من مثل هذه الشراكات.
ما هي خططكم لتقليل آثار الكوارث الطبيعية على المجتمعات الإفريقية؟
هذه من المشاكل الصعبة التي عجزت حتى الدول الغنية عن مواجهتها، فالأعاصير، ومشاكل البراكين، والفيضانات وغيرها، تعجز عنها الدول الكبيرة، لأنه لا يمكن التنبؤ بحجم الخسائر في مثل هذه الكوارث، وقد عاصرنا موجات تسونامي مرتين في الـ 20 سنة الماضية.
الكوارث الطبيعية مدمرة، وأرى أن الحل في اللجوء لخلق تجمعات تتضافر مع بعضها، مثل هيئة إفريقية يتعاون ويساهم فيها الجميع لمكافحة الكوارث البيئية.
نحن واجهتنا كارثة درنة السنة الماضية، ولم تكن في الحسبان، وكانت أكبر من قدرات ليبيا، وكان لا بد من تضافر الجهود مع دول أخرى حتى نستطيع أن نلملم هذه الإشكاليات.
بالإمكان خلق كيان متفاهم داخل قارة إفريقيا، ليتحرك في حالة وجود كوارث، بل ويساهم في التنبؤ بالكوارث قبل حدوثها.
ما هي الأهداف التي تأملون تحقيقها في نهاية فترة الرئاسة؟
نهدف إلى ترك أثر ملموس يتمثل في تحسين السياسات البيئية الإفريقية، وتنفيذ مشاريع إقليمية مستدامة، وتعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء. كما نطمح إلى بناء شراكات دولية أقوى، ورفع قدرة القارة على مواجهة التحديات البيئية المعقدة.
وهناك أهداف تخص ليبيا، منها الخروج من هذا المأزق الذي تعرضت له ليبيا خلال الـ 15 سنة الماضية، حتى نخرج للمجتمع الدولي، ونثبت أن ليبيا لا زالت دولة قادرة على تبني ربما سياسات فيما يخص قضايا البيئة، ونريد أن نقول للجميع نحن هنا كما كنا في السابق.
ليبيا لا يقل مستواها في التعامل مع قضايا البيئة عن باقي الدول، لدينا نجاحات في أكثر من مجال، ونطمح لخلق المزيد من هذه النجاحات.